تدميره في تدبيره !! ـ ثروت الخرباوي
ثروت الخرباوي - المصريون: بتاريخ 16 - 4 - 2008
أكاد أجزم أن تلك الواقعة حدثت كما أرويها لكم ، وهي خالية من أي قدر من المبالغة أو التهويل ، فالغرابة التي فيها تكفينا وتزيد ، أما عن الواقعة بحذافيرها فهي عن قاض ظالم .. عاش في الأربعينات.. إنه القاضي رمضان بك الشناوي الذي ينتمي إلى مدينة طنطا ،وطبعا نقول أنه بك لأنه كان قاضيا حصل على البكوية رسميا ، فضلا عن أن الواقعة حدثت في زمن البكوات والباشاوات.. تزوج من فتاة غاية في الجمال تنتمي إلى عائلة من أكبر عائلات الغربية ولكي يليق بمقام أسرتها فقد شيد لها فيلا فاخرة في منطقة نائية على أطراف طنطا جعلها عشا للزوجية ـ الفيلا لا المنطقة النائية ـ ثم دبر أمر حراسة الفيلا وأحكم تدبيره فاستأجر خفيرا صعب المراس قوي الشكيمة من بلدته يحرس عشهما ويزود عنه من غوائل اللصوص ، لم يكن استئجار الخفير من باب الترف والدعة ، ولكن كان ذلك لأن رمضان بك يتغيب أياما عن أهله حيث يعمل في محكمة مصر ثلاثة أيام متواليات ويحصل على أجازة باقي الأسبوع حيث يعود إلى زوجه مشرأب المشاعر وقد تخلصت ذاكرته أثناء الطريق من أدران أحكامه الظالمة حتى أن الظلم الأخير ـ أقصد الحكم الأخير ـ الذي أصدره كان من نصيب رجل من أهل الله وخاصته،وما أن صدر الحكم حتى قال المظلوم بصوت جهوري سمعته كل القاعة ( اللهم اجعل تدميره في تدبيره ) ولم يستلفت هذا الدعاء نظره ولم يستوقف فكره،وكالعادة تخلصت ذاكرة رمضان بك من أدران هذا الحكم أثناء عودته إلى طنطا حيث نعيم الدنيا الذي يستشرفه ..وفي الأسبوع التالي سافر الزوج كالمعتاد بالقطار لمحكمته في القاهرة وفي الطريق تعرضت محفظته المتخمة بالأوراق لحادث نشل وعندما تنبه ليد النشال الأثيم وحاول إمساكه واللحاق به فشل ، فقد قفز اللص من القطار المسرع،فإذا بسيارة نقل قادمة تدهس ذلك اللص فتفرمه فرما وتحيله كتلة من اللحم غير واضحة المعالم .. ويستمر القطار في طريق رحلته، وفي ذات الوقت تأتي سيارات الإسعاف والبوليس فتحمل جثة اللص إلى مشرحة طنطا وهناك يعثر رجال البوليس على المحفظة وبها بطاقة تحقيق الشخصية الثابت بها أنها خاصة برمضان بك الشناوي القاضي ذائع الصيت في طنطا وضواحيها ويقيد الحادث عوارض أي أن القضاء والقدر كان هو صاحب اليد الحاسمة في هذه الميتة .. وعلى عجل جاء أهل القاضي واستلموا الجثة وبكوا عليه ودفنوا الجثمان في مقابر العائلة وأقاموا العزاء يومها ، وغابت زوجته الثكلى عن وعيها يوما أو بعض يوم ثم استفاقت بعد ذلك وعادت في اليوم الثالث مع أختها إلى فيلا الزوجية كي تحمل متاعها وتذهب إلى بيت أسرتها ولما جن عليهما الليل أزمعا المبيت في المكان حتى الصباح .. أين ذهب رمضان بك من كل هذا ؟ كان غافلا عما حدث فقد هبط مصر وقد استعوض الله عن محفظته التي لم يكن فيها خردلة ولا مليما واحدا ولكن فقط تحتوي على أوراق يسهل استخراج عوضا عنها ، فقد تعود على أن يضع جنيهاته وقروشه في أحد جيوب بنطاله السحرية ،وعلى عجل ذهب إلى محكمته كي يلحق بموعد انعقاد الجلسة ومن المحكمة إلى استراحة القضاة حيث أمضى في قاهرة المعز ثلاث ليال سويا بين المحكمة والاستراحة في عمل قضائي مضن ، يظلم هذا ويحبس هذا ويبتعد عن العدل ما شاء له البعد ثم قفل أدراجه عائدا إلى طنطا بعد انقضاء أيام عمله ، وتصادف أن عاد في وقت متأخر من الليل حيث توجه إلى سكنه متشوقا إلى زوجة أضناه البعد عنها .
كان الخفير نائما فدفع رمضان بك باب الفيلا الخارجي ثم دخل متثاقلا مجهدا وأخذ يبحث عن مفاتيحه ولكنه لم يجدها فتنبه أنها كانت في محفظته فطرق الباب ولمّا لم يأته الرد طرق طرقا متواليا حتى سمع صوت زوجته يسأل من الطارق فزغرد فؤاده وقال لها : افتحي أنا رمضان زوجك فنهرته الزوجة وقالت : اذهب بعيدا أيها اللص العابث فقد مات زوجي .. تعجب الزوج من ردها وعبثا حاول التفاهم معها أو معرفة ما تهرف به ، وعندما فشل سعيه هبط للطريق حيث توجه للخفير ليستعلم منه عن الأمر ، هز رمضان بك خفيره هزا عنيفا ليوقظه من سباته العميق وعندما استيقظ النائم وقف كأنه نصف مخدر فظن أن الواقف أمامه عفريتا من الجن تجسد في صورة القاضي رمضان الذي مات في ظنه وشبع موت فأطلق عليه وابلا من الرصاص فأرداه قتيلا.. فكان مصرعه على يد حارسه الأمين .. حقا جاء تدميره في تدبيره .. إنها دعوة المظلوم .
ثروت الخرباوي
ثروت الخرباوي - المصريون: بتاريخ 16 - 4 - 2008
أكاد أجزم أن تلك الواقعة حدثت كما أرويها لكم ، وهي خالية من أي قدر من المبالغة أو التهويل ، فالغرابة التي فيها تكفينا وتزيد ، أما عن الواقعة بحذافيرها فهي عن قاض ظالم .. عاش في الأربعينات.. إنه القاضي رمضان بك الشناوي الذي ينتمي إلى مدينة طنطا ،وطبعا نقول أنه بك لأنه كان قاضيا حصل على البكوية رسميا ، فضلا عن أن الواقعة حدثت في زمن البكوات والباشاوات.. تزوج من فتاة غاية في الجمال تنتمي إلى عائلة من أكبر عائلات الغربية ولكي يليق بمقام أسرتها فقد شيد لها فيلا فاخرة في منطقة نائية على أطراف طنطا جعلها عشا للزوجية ـ الفيلا لا المنطقة النائية ـ ثم دبر أمر حراسة الفيلا وأحكم تدبيره فاستأجر خفيرا صعب المراس قوي الشكيمة من بلدته يحرس عشهما ويزود عنه من غوائل اللصوص ، لم يكن استئجار الخفير من باب الترف والدعة ، ولكن كان ذلك لأن رمضان بك يتغيب أياما عن أهله حيث يعمل في محكمة مصر ثلاثة أيام متواليات ويحصل على أجازة باقي الأسبوع حيث يعود إلى زوجه مشرأب المشاعر وقد تخلصت ذاكرته أثناء الطريق من أدران أحكامه الظالمة حتى أن الظلم الأخير ـ أقصد الحكم الأخير ـ الذي أصدره كان من نصيب رجل من أهل الله وخاصته،وما أن صدر الحكم حتى قال المظلوم بصوت جهوري سمعته كل القاعة ( اللهم اجعل تدميره في تدبيره ) ولم يستلفت هذا الدعاء نظره ولم يستوقف فكره،وكالعادة تخلصت ذاكرة رمضان بك من أدران هذا الحكم أثناء عودته إلى طنطا حيث نعيم الدنيا الذي يستشرفه ..وفي الأسبوع التالي سافر الزوج كالمعتاد بالقطار لمحكمته في القاهرة وفي الطريق تعرضت محفظته المتخمة بالأوراق لحادث نشل وعندما تنبه ليد النشال الأثيم وحاول إمساكه واللحاق به فشل ، فقد قفز اللص من القطار المسرع،فإذا بسيارة نقل قادمة تدهس ذلك اللص فتفرمه فرما وتحيله كتلة من اللحم غير واضحة المعالم .. ويستمر القطار في طريق رحلته، وفي ذات الوقت تأتي سيارات الإسعاف والبوليس فتحمل جثة اللص إلى مشرحة طنطا وهناك يعثر رجال البوليس على المحفظة وبها بطاقة تحقيق الشخصية الثابت بها أنها خاصة برمضان بك الشناوي القاضي ذائع الصيت في طنطا وضواحيها ويقيد الحادث عوارض أي أن القضاء والقدر كان هو صاحب اليد الحاسمة في هذه الميتة .. وعلى عجل جاء أهل القاضي واستلموا الجثة وبكوا عليه ودفنوا الجثمان في مقابر العائلة وأقاموا العزاء يومها ، وغابت زوجته الثكلى عن وعيها يوما أو بعض يوم ثم استفاقت بعد ذلك وعادت في اليوم الثالث مع أختها إلى فيلا الزوجية كي تحمل متاعها وتذهب إلى بيت أسرتها ولما جن عليهما الليل أزمعا المبيت في المكان حتى الصباح .. أين ذهب رمضان بك من كل هذا ؟ كان غافلا عما حدث فقد هبط مصر وقد استعوض الله عن محفظته التي لم يكن فيها خردلة ولا مليما واحدا ولكن فقط تحتوي على أوراق يسهل استخراج عوضا عنها ، فقد تعود على أن يضع جنيهاته وقروشه في أحد جيوب بنطاله السحرية ،وعلى عجل ذهب إلى محكمته كي يلحق بموعد انعقاد الجلسة ومن المحكمة إلى استراحة القضاة حيث أمضى في قاهرة المعز ثلاث ليال سويا بين المحكمة والاستراحة في عمل قضائي مضن ، يظلم هذا ويحبس هذا ويبتعد عن العدل ما شاء له البعد ثم قفل أدراجه عائدا إلى طنطا بعد انقضاء أيام عمله ، وتصادف أن عاد في وقت متأخر من الليل حيث توجه إلى سكنه متشوقا إلى زوجة أضناه البعد عنها .
كان الخفير نائما فدفع رمضان بك باب الفيلا الخارجي ثم دخل متثاقلا مجهدا وأخذ يبحث عن مفاتيحه ولكنه لم يجدها فتنبه أنها كانت في محفظته فطرق الباب ولمّا لم يأته الرد طرق طرقا متواليا حتى سمع صوت زوجته يسأل من الطارق فزغرد فؤاده وقال لها : افتحي أنا رمضان زوجك فنهرته الزوجة وقالت : اذهب بعيدا أيها اللص العابث فقد مات زوجي .. تعجب الزوج من ردها وعبثا حاول التفاهم معها أو معرفة ما تهرف به ، وعندما فشل سعيه هبط للطريق حيث توجه للخفير ليستعلم منه عن الأمر ، هز رمضان بك خفيره هزا عنيفا ليوقظه من سباته العميق وعندما استيقظ النائم وقف كأنه نصف مخدر فظن أن الواقف أمامه عفريتا من الجن تجسد في صورة القاضي رمضان الذي مات في ظنه وشبع موت فأطلق عليه وابلا من الرصاص فأرداه قتيلا.. فكان مصرعه على يد حارسه الأمين .. حقا جاء تدميره في تدبيره .. إنها دعوة المظلوم .
ثروت الخرباوي