فرض الله تعالى الصيام على عباده المؤمنين ، وجعله من أركان الإسلام الخمسة التي لا يتحقق إسلام المرء إلا بها ، وحده بحدود من تجاوزها فسد صيامه أو نقص بحسب الفعل الصادر منه ، وقد ظهر في هذا العصر الأخير أشياء مستجدة - طبية وعلاجية -عمت بها البلوى ، مما استدعى أهل العلم أن ينظروا فيها ليصلوا لحكمها الشرعي بما يتفق مع نصوص الشريعة وقواعدها .
ومن هذه النوازل المستجدة ما يعرف "ببخاخ الربو" ، ومرض الربو هو أحد الأمراض التي تصيب الجهاز التنفسي ، فيؤدي لتضييق المجاري التنفسية وحساسيتها الشديدة لمهيجات معينة تلهب مجاري الهواء بما يزيد من الإفرازات المخاطية التي تكون لزجة صعبة الطرح معيقة للتدفق العادي للهواء ، ويظهر المرض على شكل نوبات متقطعة يضيق فيها نفس المريض مصحوبًا بأزيز مسموع ثم تزول النوبة تلقائيًا أو علاجيًا .
وبخاخ الربو هو عبارة عن آلة يستخدمها مريض الربو بها دواء سائل مصحوب بهواء مضغوط بغاز خامل يدفع الدواء من خلال جرعات هوائية يجذبها المريض عن طريق الفم ، فيعمل كموسع قصبي تعود معه عملية التنفس لحالها الطبيعي.
والذي عليه الفتوى واختاره جماعة من أهل العلم المعاصرين أن هذا البخاخ الذي يستعمله مريض الربو أثناء الصيام يعتبر مفطّرًا ؛ وذلك لعموم مفهوم قوله تعالى: } وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ{ [البقرة:187] ([1])، أي: فإذا تبين لكم فلا تأكلوا ولا تشربوا شيئًا.
وما ورد من حديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا" ([url=http://www.dar-alifta.org/ViewResearch.aspx?ID=7#_ftn4][2])، فالنهي عن المبالغة التي فيها كمال السنة عند الصوم دليل على أن دخول الماء في حلقه مفسدٌ لصومه ([3])، وإلا لما كان للنهي معنى مع أمره بها في غير الصوم ، فكذلك كل ما يدخل الجوف من الأجرام اختيارًا يفسد الصوم ؛ لأن المعنى في الجميع وصوله إلى الجوف واستقراره فيه مع إمكان الامتناع منه في العادة .[/url]، فالنهي عن المبالغة التي فيها كمال السنة عند الصوم دليل على أن دخول الماء في حلقه مفسدٌ لصومه ، وإلا لما كان للنهي معنى مع أمره بها في غير الصوم ، فكذلك كل ما يدخل الجوف من الأجرام اختيارًا يفسد الصوم ؛ لأن المعنى في الجميع وصوله إلى الجوف واستقراره فيه مع إمكان الامتناع منه في العادة .
وعن ابن عبـاس رضي الله عنهما أنه قال: " إنما الفطـر مما دخل وليس مما خرج" ([url=http://www.dar-alifta.org/ViewResearch.aspx?ID=7#_ftn8][4]).[/url].
كما أن معنى الصوم هو الإمساك ، ولا يتحقق الإمساك بدخول شيء ذي جِرم إلى الجوف ، وإلا كان ركن الصيام منعدمًا ، وأداء العبادة بدون ركنها لا يتصور .
والخارج من البخاخ رذاذ له جرم مؤثر ، وليس صحيحاً أنه مجرد هواء ، وإلا لم يكن علاجاً ؛ فإن الهواء المجرد يتنفسه المريض وغيره .
ويتأيد هذا بما قرره المصنفون من المذاهب الأربعة المتبعة ، من ذلك : ما جاء في بدائع الصنائع من كتب الحنفية من قوله: "وما وصل إلى الجوف أو إلى الدماغ عن المخارق الأصلية كالأنف والأذن والدبر بأن استعط أو احتقن أو أقطر في أذنه فوصل إلى أذنه أو إلى الدماغ فسد صومه" ([url=http://www.dar-alifta.org/ViewResearch.aspx?ID=7#_ftn10][5]).[/url].
وقال ابن نجيم: "والمراد بترك الأكل ترك إدخال شيء بطنه أعم من كونه مأكولا أو لا"([url=http://www.dar-alifta.org/ViewResearch.aspx?ID=7#_ftn12][6]).[/url].
وجاء في شرح الخرشي لمختصر خليل في فقه المالكية: "وصحته -أي الصوم- بترك إيصال متحلل وهو كل ما ينماع من منفذ عال أو سافل غير ما بين الأسنان ، أو غير متحلل كدرهم من منفذ عال" ([url=http://www.dar-alifta.org/ViewResearch.aspx?ID=7#_ftn14][7]) .[/url] .
وفي متن المنهاج من كتب الشافعية: "شرط الصوم الإمساك .. عن وصول العين إلى ما يسمى جوفًا" ([url=http://www.dar-alifta.org/ViewResearch.aspx?ID=7#_ftn16][8]).[/url].
قال الرافعي: "وضبط الأصحاب الداخل المفطر بالعين الواصلة من الظاهر إلى الباطن في منفذ مفتوح مع ذكر الصوم" ([url=http://www.dar-alifta.org/ViewResearch.aspx?ID=7#_ftn18][9]) .[/url] .
وقال البهوتي الحنبلي في شرح المنتهى: " أو أدخل إلى جوفه شيئًا من كل محل ينفذ إلى معدته مطلقًا ، أي: سواء ينماع ويغذي أو لا ، كحصاة وقطعة حديد ورصاص ونحوهما، ولو طرف سكين من فعله أو فعل غيره بإذنه فسد صومه" ([url=http://www.dar-alifta.org/ViewResearch.aspx?ID=7#_ftn20][10]) .[/url] .
وذهب بعض العلماء المعاصرين أن استعمال الصائم بخاخ الربو لا يعتبر مفطرًا ، وبَرّروا ذلك بأمور ، منها:
الأول: أن ما يحصل من بخاخ الربو لا يعتـبر أكلا أو شربًا في العادة ، فلا يحصل به الفطر.
ويناقش ذلك بأنه وإن كان لا يعتبر أكلا أو شربًا في العادة فإن ذلك لا يخرجه عن جملة المفطرات ، فالعبرة بدخول الجرم للجوف اختيارًا ؛ لدلالة الكتاب والسنة على تحريم الأكل والشرب على العموم بما يشمل محل النزاع.
وحقيقة الصيام هي الإمساك ، وتحقق الإمساك إنما يكون بمنع دخول ذي جرم إلى الجوف.
وقد قرر العلماء أنه لا فرق بين ما يعده العرف أكلا أو شربًا وبين ما لا يعده كذلك ، وحكاه النووي في المجموع وابن قدامة في المغني عن عامة أهل العلم وجماهيرهم من السلف والخلف ([url=http://www.dar-alifta.org/ViewResearch.aspx?ID=7#_ftn22][11])، ولا فرق بين الجامد والمائع في هذا الباب.[/url]، ولا فرق بين الجامد والمائع في هذا الباب.
الثاني : أن دخول شيء إلى المعدة من بخاخ الربو ليس قطعيًا فقد يدخل وقد لا يدخل ، والأصل صحة الصوم ، ولا يزول هذا اليقين بالشك.
ويُرَدُّ على هذا بأنه قد ثبت من الناحية الطبية أن الذي يصل إلى المعدة من الدواء يقارب الثمانين بالمائة والباقي يذهب إلى الجهاز التنفسي ، فلم يصر وصول الدواء للمعدة مشكوكًا فيه ، وكان المزيل لليقين يقينٌ مثله.
الثالث : بخاخ الربو يدخل مع مخرج النفس ، لا مخرج الطعام والشراب.
ويُرَدُّ بأن هذا الفرق بين المخرجين غير مؤثر ؛ فالعبرة بالوصول إلى ما يسمى جوفًا دون التفات إلى المخرج.
الرابع : قياس الواصل إلى الجوف من بخاخ الربو على المتبقي من المضمضة والاستنشاق.
وهذا قياس مع الفارق ؛ لأن المحل الذي يقصد به الجناية على الصوم إنما هو الحلق ، وهو ليس مقصود المضمضة ، بل مقصودها هو الفم ، بخلافه في بخاخ الربو فإن الجوف مقصود له.
فصار سريان أثر المضمضة إلى الحلق من باب الخطأ الذي هو من عوارض الأهلية ؛ فتمام قصد الفعل بقصد محله ، وفي الخطأ يوجد قصد الفعل دون قصد المحل.
قال ابن الهمام - مُعَرفًا الخطأ -: "هو أن يقصد بالفعل غير المحل الذي يقصد به الجناية" اهـ ([url=http://www.dar-alifta.org/ViewResearch.aspx?ID=7#_ftn24][12]).[/url].
وقال صدر الشريعة: "هو أن يفعل فعلا من غير أن يقصده قصدًا تامًا" اهـ ([url=http://www.dar-alifta.org/ViewResearch.aspx?ID=7#_ftn26][13]) . [/url].
وكذلك فإن في الاحتراز عن أثر المضمضة نوع تعذر ومشقة مع كونها مطلوبًا للشارع في الطهارة ، والمشقة تجلب التيسير. وقد اشترط العلماء لعدم حصول الفطر بها البصق بعد مج الماء ؛ لاختلاط الماء بالبصاق فلا يخرج بمجرد البصق ، ولم يشترط المبالغة في البصق ؛ لأن الباقي بعده مجرد بلل ورطوبة لا يمكن التحرز عنه.
قال المتولي من الشافعية: "إذا تمضمض الصائم لزمه مج الماء ولا يلزمه تنشيف فمه بخرقة ونحوها بلا خلاف ؛ لأن في ذلك مشقة ، ولأنه لا يبقى في الفم بعد المج إلا رطوبة لا تنفصل عن الموضع ؛ إذ لو انفصلت لخرجت في المج" ([url=http://www.dar-alifta.org/ViewResearch.aspx?ID=7#_ftn28][14]).[/url].
الخامس : قياس البخاخ على السواك في جواز استعماله للصائم مع وجود بعض المواد فيه والتي قد عفي عنها ؛ لقلتها ولكونها غير مقصودة .
ويجاب هنا بما أجيب به عن الدليل السابق ، كما أن المعفو عنه هو ما عَسُر دفعه ، وأما ما نحن فيه فمقصود متعمد .
قال النووي: "لو استاك بسواك رطب فانفصل من رطوبته أو خشبه المتشعب شيء وابتلعه أفطر بلا خلاف ، صرح به الفوراني وغيره" ([url=http://www.dar-alifta.org/ViewResearch.aspx?ID=7#_ftn30][15]) . [/url].
السادس : أنه لا يشبه الأكل والشرب بل يشبه سحب الدم للتحليل والإبر غير المغذية.
وهذا الإلحاق يعترض عليه بالفارق بين بخاخ الربو وبين ما ذكر ؛ فإن بخاخ الربو يختلف عن سحب الدم بأن البخاخ داخل وهذا خارج ، والفطر مما دخل وليس مما خرج - كما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما - ، كما أن البخاخ داخل إلى الجوف من منفذ معتاد ، وسحب الدم إخراج لفضلة من فضلات الجسم ومن مخرج غير معتاد فأشبه الحجامة.
وكذلك فإن هناك فرقًا بين البخاخ وبين الإبر غير المغذية في أن الأخيرة لا تصل إلى الجوف من المنافذ المعتادة ، وعلى فرض الوصول فإنما تصل من المسام فقط وما تصل إليه ليس جوفًا ولا فى حكم الجوف ، فأشبهت ما لو اكتحل ووجد طعمه فى حلقه فإنه لا يفطر .
قال الفقهاء: لأن الموجود فى حلقه أثرٌ داخل من المسام الذى هو خلل البدن ، والمفطر إنما هو الداخل من المنافذ ؛ للاتفاق على أن من اغتسل فى ماء فوجد برده فى باطنه أن لا يفطر ([url=http://www.dar-alifta.org/ViewResearch.aspx?ID=7#_ftn32][16]) . [/url].
بعد ذلك إذا تقرر أن بخاخة الربو من جنس المفطرات ، فإن مستعملها لا يخلو أن يكون مريضًا مرضًا مؤقتًا أو أن يكون مريضًا مرضًا مزمنًا ، فإن كان الأول وهو المؤقت الذي يرجى برؤه فإنه يلزمه القضاء عند التمكن من الصيام ؛ وذلك لقوله تعالى:}فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ{ [البقرة : 185].
أما من لا يرجى برؤه بأن كان مرضه مزمنًا فإنه يفطر ولا صوم عليه ؛ لقوله تعالى: }وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ{ [الحج:78] ، ويلزمه الفدية عن كل يوم إطعام مسكين بما مقداره مد من طعام من قوت البلد كالأرز مثلا ، والمد يساوي 510 جم ، ويجوز إخراج قيمتها ودفعها للمسكين على ما عليه الفتوى ، والله تعالى أعلم.
([1]) أسنى المطالب 1/ 415.
([2]) رواه أبو داود (142) ، والترمذي (788) ، وغيرهما ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.
([3]) المبسوط 3/ 66.
([4]) علقه البخاري عنه - باب الحجامة والقيء للصائم ، وأسنده ابن أبي شيبة في مصنفه 2/ 467 ، والبيهقي في سننه 1/ 116 عن ابن عباس موقوفًا ، وصححه النووي في المجموع 6/ 340.
([5]) بدائع الصنائع 2/ 93 .
([6]) البحر الرائق 2/ 279.
([7]) شرح الخرشي 2/ 249 .
([8]) المنهاج مع شرحه مغني المحتاج 2/ 155.
([9]) المجموع 6/ 335.
([10]) شرح منتهى الإرادات 1/ 481.
([11]) المجموع 6/ 340 ، المغني 3/ 15.
([12]) التقرير والتحبير 2/ 204.
([13]) التلويح على التوضيح 2/ 389.
([14]) المجموع 6/ 357.
([15]) المجموع 6/ 343.
([16]) رد المحتار 2/ 395، 396.
المصدر : دار الافتاء المصريه
ومن هذه النوازل المستجدة ما يعرف "ببخاخ الربو" ، ومرض الربو هو أحد الأمراض التي تصيب الجهاز التنفسي ، فيؤدي لتضييق المجاري التنفسية وحساسيتها الشديدة لمهيجات معينة تلهب مجاري الهواء بما يزيد من الإفرازات المخاطية التي تكون لزجة صعبة الطرح معيقة للتدفق العادي للهواء ، ويظهر المرض على شكل نوبات متقطعة يضيق فيها نفس المريض مصحوبًا بأزيز مسموع ثم تزول النوبة تلقائيًا أو علاجيًا .
وبخاخ الربو هو عبارة عن آلة يستخدمها مريض الربو بها دواء سائل مصحوب بهواء مضغوط بغاز خامل يدفع الدواء من خلال جرعات هوائية يجذبها المريض عن طريق الفم ، فيعمل كموسع قصبي تعود معه عملية التنفس لحالها الطبيعي.
والذي عليه الفتوى واختاره جماعة من أهل العلم المعاصرين أن هذا البخاخ الذي يستعمله مريض الربو أثناء الصيام يعتبر مفطّرًا ؛ وذلك لعموم مفهوم قوله تعالى: } وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ{ [البقرة:187] ([1])، أي: فإذا تبين لكم فلا تأكلوا ولا تشربوا شيئًا.
وما ورد من حديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا" ([url=http://www.dar-alifta.org/ViewResearch.aspx?ID=7#_ftn4][2])، فالنهي عن المبالغة التي فيها كمال السنة عند الصوم دليل على أن دخول الماء في حلقه مفسدٌ لصومه ([3])، وإلا لما كان للنهي معنى مع أمره بها في غير الصوم ، فكذلك كل ما يدخل الجوف من الأجرام اختيارًا يفسد الصوم ؛ لأن المعنى في الجميع وصوله إلى الجوف واستقراره فيه مع إمكان الامتناع منه في العادة .[/url]، فالنهي عن المبالغة التي فيها كمال السنة عند الصوم دليل على أن دخول الماء في حلقه مفسدٌ لصومه ، وإلا لما كان للنهي معنى مع أمره بها في غير الصوم ، فكذلك كل ما يدخل الجوف من الأجرام اختيارًا يفسد الصوم ؛ لأن المعنى في الجميع وصوله إلى الجوف واستقراره فيه مع إمكان الامتناع منه في العادة .
وعن ابن عبـاس رضي الله عنهما أنه قال: " إنما الفطـر مما دخل وليس مما خرج" ([url=http://www.dar-alifta.org/ViewResearch.aspx?ID=7#_ftn8][4]).[/url].
كما أن معنى الصوم هو الإمساك ، ولا يتحقق الإمساك بدخول شيء ذي جِرم إلى الجوف ، وإلا كان ركن الصيام منعدمًا ، وأداء العبادة بدون ركنها لا يتصور .
والخارج من البخاخ رذاذ له جرم مؤثر ، وليس صحيحاً أنه مجرد هواء ، وإلا لم يكن علاجاً ؛ فإن الهواء المجرد يتنفسه المريض وغيره .
ويتأيد هذا بما قرره المصنفون من المذاهب الأربعة المتبعة ، من ذلك : ما جاء في بدائع الصنائع من كتب الحنفية من قوله: "وما وصل إلى الجوف أو إلى الدماغ عن المخارق الأصلية كالأنف والأذن والدبر بأن استعط أو احتقن أو أقطر في أذنه فوصل إلى أذنه أو إلى الدماغ فسد صومه" ([url=http://www.dar-alifta.org/ViewResearch.aspx?ID=7#_ftn10][5]).[/url].
وقال ابن نجيم: "والمراد بترك الأكل ترك إدخال شيء بطنه أعم من كونه مأكولا أو لا"([url=http://www.dar-alifta.org/ViewResearch.aspx?ID=7#_ftn12][6]).[/url].
وجاء في شرح الخرشي لمختصر خليل في فقه المالكية: "وصحته -أي الصوم- بترك إيصال متحلل وهو كل ما ينماع من منفذ عال أو سافل غير ما بين الأسنان ، أو غير متحلل كدرهم من منفذ عال" ([url=http://www.dar-alifta.org/ViewResearch.aspx?ID=7#_ftn14][7]) .[/url] .
وفي متن المنهاج من كتب الشافعية: "شرط الصوم الإمساك .. عن وصول العين إلى ما يسمى جوفًا" ([url=http://www.dar-alifta.org/ViewResearch.aspx?ID=7#_ftn16][8]).[/url].
قال الرافعي: "وضبط الأصحاب الداخل المفطر بالعين الواصلة من الظاهر إلى الباطن في منفذ مفتوح مع ذكر الصوم" ([url=http://www.dar-alifta.org/ViewResearch.aspx?ID=7#_ftn18][9]) .[/url] .
وقال البهوتي الحنبلي في شرح المنتهى: " أو أدخل إلى جوفه شيئًا من كل محل ينفذ إلى معدته مطلقًا ، أي: سواء ينماع ويغذي أو لا ، كحصاة وقطعة حديد ورصاص ونحوهما، ولو طرف سكين من فعله أو فعل غيره بإذنه فسد صومه" ([url=http://www.dar-alifta.org/ViewResearch.aspx?ID=7#_ftn20][10]) .[/url] .
وذهب بعض العلماء المعاصرين أن استعمال الصائم بخاخ الربو لا يعتبر مفطرًا ، وبَرّروا ذلك بأمور ، منها:
الأول: أن ما يحصل من بخاخ الربو لا يعتـبر أكلا أو شربًا في العادة ، فلا يحصل به الفطر.
ويناقش ذلك بأنه وإن كان لا يعتبر أكلا أو شربًا في العادة فإن ذلك لا يخرجه عن جملة المفطرات ، فالعبرة بدخول الجرم للجوف اختيارًا ؛ لدلالة الكتاب والسنة على تحريم الأكل والشرب على العموم بما يشمل محل النزاع.
وحقيقة الصيام هي الإمساك ، وتحقق الإمساك إنما يكون بمنع دخول ذي جرم إلى الجوف.
وقد قرر العلماء أنه لا فرق بين ما يعده العرف أكلا أو شربًا وبين ما لا يعده كذلك ، وحكاه النووي في المجموع وابن قدامة في المغني عن عامة أهل العلم وجماهيرهم من السلف والخلف ([url=http://www.dar-alifta.org/ViewResearch.aspx?ID=7#_ftn22][11])، ولا فرق بين الجامد والمائع في هذا الباب.[/url]، ولا فرق بين الجامد والمائع في هذا الباب.
الثاني : أن دخول شيء إلى المعدة من بخاخ الربو ليس قطعيًا فقد يدخل وقد لا يدخل ، والأصل صحة الصوم ، ولا يزول هذا اليقين بالشك.
ويُرَدُّ على هذا بأنه قد ثبت من الناحية الطبية أن الذي يصل إلى المعدة من الدواء يقارب الثمانين بالمائة والباقي يذهب إلى الجهاز التنفسي ، فلم يصر وصول الدواء للمعدة مشكوكًا فيه ، وكان المزيل لليقين يقينٌ مثله.
الثالث : بخاخ الربو يدخل مع مخرج النفس ، لا مخرج الطعام والشراب.
ويُرَدُّ بأن هذا الفرق بين المخرجين غير مؤثر ؛ فالعبرة بالوصول إلى ما يسمى جوفًا دون التفات إلى المخرج.
الرابع : قياس الواصل إلى الجوف من بخاخ الربو على المتبقي من المضمضة والاستنشاق.
وهذا قياس مع الفارق ؛ لأن المحل الذي يقصد به الجناية على الصوم إنما هو الحلق ، وهو ليس مقصود المضمضة ، بل مقصودها هو الفم ، بخلافه في بخاخ الربو فإن الجوف مقصود له.
فصار سريان أثر المضمضة إلى الحلق من باب الخطأ الذي هو من عوارض الأهلية ؛ فتمام قصد الفعل بقصد محله ، وفي الخطأ يوجد قصد الفعل دون قصد المحل.
قال ابن الهمام - مُعَرفًا الخطأ -: "هو أن يقصد بالفعل غير المحل الذي يقصد به الجناية" اهـ ([url=http://www.dar-alifta.org/ViewResearch.aspx?ID=7#_ftn24][12]).[/url].
وقال صدر الشريعة: "هو أن يفعل فعلا من غير أن يقصده قصدًا تامًا" اهـ ([url=http://www.dar-alifta.org/ViewResearch.aspx?ID=7#_ftn26][13]) . [/url].
وكذلك فإن في الاحتراز عن أثر المضمضة نوع تعذر ومشقة مع كونها مطلوبًا للشارع في الطهارة ، والمشقة تجلب التيسير. وقد اشترط العلماء لعدم حصول الفطر بها البصق بعد مج الماء ؛ لاختلاط الماء بالبصاق فلا يخرج بمجرد البصق ، ولم يشترط المبالغة في البصق ؛ لأن الباقي بعده مجرد بلل ورطوبة لا يمكن التحرز عنه.
قال المتولي من الشافعية: "إذا تمضمض الصائم لزمه مج الماء ولا يلزمه تنشيف فمه بخرقة ونحوها بلا خلاف ؛ لأن في ذلك مشقة ، ولأنه لا يبقى في الفم بعد المج إلا رطوبة لا تنفصل عن الموضع ؛ إذ لو انفصلت لخرجت في المج" ([url=http://www.dar-alifta.org/ViewResearch.aspx?ID=7#_ftn28][14]).[/url].
الخامس : قياس البخاخ على السواك في جواز استعماله للصائم مع وجود بعض المواد فيه والتي قد عفي عنها ؛ لقلتها ولكونها غير مقصودة .
ويجاب هنا بما أجيب به عن الدليل السابق ، كما أن المعفو عنه هو ما عَسُر دفعه ، وأما ما نحن فيه فمقصود متعمد .
قال النووي: "لو استاك بسواك رطب فانفصل من رطوبته أو خشبه المتشعب شيء وابتلعه أفطر بلا خلاف ، صرح به الفوراني وغيره" ([url=http://www.dar-alifta.org/ViewResearch.aspx?ID=7#_ftn30][15]) . [/url].
السادس : أنه لا يشبه الأكل والشرب بل يشبه سحب الدم للتحليل والإبر غير المغذية.
وهذا الإلحاق يعترض عليه بالفارق بين بخاخ الربو وبين ما ذكر ؛ فإن بخاخ الربو يختلف عن سحب الدم بأن البخاخ داخل وهذا خارج ، والفطر مما دخل وليس مما خرج - كما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما - ، كما أن البخاخ داخل إلى الجوف من منفذ معتاد ، وسحب الدم إخراج لفضلة من فضلات الجسم ومن مخرج غير معتاد فأشبه الحجامة.
وكذلك فإن هناك فرقًا بين البخاخ وبين الإبر غير المغذية في أن الأخيرة لا تصل إلى الجوف من المنافذ المعتادة ، وعلى فرض الوصول فإنما تصل من المسام فقط وما تصل إليه ليس جوفًا ولا فى حكم الجوف ، فأشبهت ما لو اكتحل ووجد طعمه فى حلقه فإنه لا يفطر .
قال الفقهاء: لأن الموجود فى حلقه أثرٌ داخل من المسام الذى هو خلل البدن ، والمفطر إنما هو الداخل من المنافذ ؛ للاتفاق على أن من اغتسل فى ماء فوجد برده فى باطنه أن لا يفطر ([url=http://www.dar-alifta.org/ViewResearch.aspx?ID=7#_ftn32][16]) . [/url].
بعد ذلك إذا تقرر أن بخاخة الربو من جنس المفطرات ، فإن مستعملها لا يخلو أن يكون مريضًا مرضًا مؤقتًا أو أن يكون مريضًا مرضًا مزمنًا ، فإن كان الأول وهو المؤقت الذي يرجى برؤه فإنه يلزمه القضاء عند التمكن من الصيام ؛ وذلك لقوله تعالى:}فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ{ [البقرة : 185].
أما من لا يرجى برؤه بأن كان مرضه مزمنًا فإنه يفطر ولا صوم عليه ؛ لقوله تعالى: }وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ{ [الحج:78] ، ويلزمه الفدية عن كل يوم إطعام مسكين بما مقداره مد من طعام من قوت البلد كالأرز مثلا ، والمد يساوي 510 جم ، ويجوز إخراج قيمتها ودفعها للمسكين على ما عليه الفتوى ، والله تعالى أعلم.
([1]) أسنى المطالب 1/ 415.
([2]) رواه أبو داود (142) ، والترمذي (788) ، وغيرهما ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.
([3]) المبسوط 3/ 66.
([4]) علقه البخاري عنه - باب الحجامة والقيء للصائم ، وأسنده ابن أبي شيبة في مصنفه 2/ 467 ، والبيهقي في سننه 1/ 116 عن ابن عباس موقوفًا ، وصححه النووي في المجموع 6/ 340.
([5]) بدائع الصنائع 2/ 93 .
([6]) البحر الرائق 2/ 279.
([7]) شرح الخرشي 2/ 249 .
([8]) المنهاج مع شرحه مغني المحتاج 2/ 155.
([9]) المجموع 6/ 335.
([10]) شرح منتهى الإرادات 1/ 481.
([11]) المجموع 6/ 340 ، المغني 3/ 15.
([12]) التقرير والتحبير 2/ 204.
([13]) التلويح على التوضيح 2/ 389.
([14]) المجموع 6/ 357.
([15]) المجموع 6/ 343.
([16]) رد المحتار 2/ 395، 396.
المصدر : دار الافتاء المصريه