منتدي الا رسول الله

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدي اسلامي


3 مشترك

    الصلح خير

    بحر لجى
    بحر لجى
    عضو نشيط
    عضو نشيط


    ذكر عدد الرسائل : 113
    العمر : 38
    البلد : بلاد الرافدين
    الهوايات المفضلة : تحت اقدام امى
    بلد العضو : الصلح خير Iraqflsmnwmxm4
    nbsp : الصلح خير 15781611
    درجات الاجاده : 0
    نقاط : 60260

    مع التحية الصلح خير

    مُساهمة من طرف بحر لجى 26/5/2008, 6:59 am


    الصلح خير Ashkra_politic2864
    بسم الله الرحمن الرحيم
    العفو : « القصد لتناول الشيء .. عفوت عنه ، وقصدت إزالة ذنبه صارفاً عنه .. فالعفو هو التجافي عن الذّنب » .
    الصفح : « ترك التثريب(1) ، وهو أبلغ من العفو، ولذلك قال تعالى :
    (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ ) . ( البقرة / 109 )
    وقد يعفو الإنسان ولا يصفح ، قال تعالى :
    (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ ) . (الزّخرف / 89)
    (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الجَمِيلَ ) . ( الحجر / 85 )
    (أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً ) . ( الزّخرف / 5 )
    وصفحتُ عنه أوليته منِّي صفحة جميلة معرضاً عن ذنبه ، أو لقيته صفحته متجافياً عنه ، أو تجاوزت الصفحة التي أثبت فيها ذنبه من الكتاب إلى غيرها من قولك تصفحت الكتاب »(2).
    الحياة الاجتماعية هي صورة لنشاط المجموع البشري المتفاعل بكل نوازع الأفراد وآرائهم وميولهم الفردية والاجتماعية ، ففي الحياة الاجتماعية يتمّ التفاعل البشري بكل أبعاده ، وتجسّد محتويات الإنسان النفسـية والعقلية والغريزية سـلوكياً ، قولاً وفعلاً وقصداً .. فالتفاعل البشري اليومي هو إعراب وتعبير عن محتوى الذات الإنسانية ، ولا تكتشف حقيقة الإنسان كاملة إلاّ بالتعامل الاجتماعي .. وهذا التفاعل الاجتماعي في الأسرة والسوق والحياة السياسية والعلاقة مع الآخرين .. ينتج ظواهر إيجابية وأخرى سلبية .. والرّسالة الإسلامية كرسالة إصلاح وهداية ثبتت خطّة منهجية كاملة لبناء المجتمع وأخرى لحمايته وتحصينه من التداعي والإنهيار ، وثالثة لاصلاحه إذا ما دبّ الخراب والفساد في بنيته ..
    وبدراسة وتحليل الأسس التي بنى عليها الإسلام مجتمعه ، وأقام دعائمه نجدها تقسّم إلى ثلاثة أقسام :
    1 ـ العقيدة : وهي الأساس الأوّل ، والإطار الجامع لكل أفراد المجتمع الإسلامي .. فالإيمان بالله والدعوة إلى توحيده وعبادته ، ونيل رضـوانه ، والخوف من غضبه وعذابه .. واعتبار رضاه غاية في كل عمل ، هي الأساس في بناء الجماعة الإسلامية والمجتمع الإسلامي ، وتتجسّد تلك الأسس في الرابطة الإيمانية والروحية ، وهي الحب في الله ، والبغض في الله ، الذي عبّر عنه الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله : «أوثق عرى الإيمان الحبّ في الله والبغض في الله» .
    إنّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يعبِّر بذلك عن قوله تعالى :
    (وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عن المُنْكَرِ).(التّوبة/71)
    ففي هذه الآية يؤكّد القرآن مبدأين أساسين : مبدأ للبناء والترابط والتلاحم والتماسك الذي لا تنفصم عراه ، وهو مبدأ الولاء في الله .. ومبدأ آخر للصيانة وإعادة البناء ، وللتصحيح والتقويم ، هو مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أو عملية الإصلاح الاجتماعي .
    2 ـ والأساس الثاني من أسس بناء المجتمع الإسلامي وتماسكه ، بعد الإيمان بالله ، هو القانون والشريعة المنبثقة عن العقيدة ، والتي نظمت بأحكامها وقوانينها البناء الاجتماعي ، من شؤون الفرد والجماعة والأسرة والدولة ... إلخ ، على أساس الجزاءين الدنيوي والأخروي .
    3 ـ الأخلاق : وتشكِّل الأخلاق الأساس الثالث في بناء الحياة الفردية والاجتماعية .. وتمتاز الأخلاق الإسلامية بأ نّها أخلاق اجتماعية عملية، تتجاوز حدود الفرد إلى الدولة والمجتمع، وقد امتزجت الأسس الثلاثة : العقيدة والشريعة والأخلاق ، بشكل لا يمكن الفصل بينها ، بل لعلّ وجود الدولة ببعده السياسي هو مسألة أخلاقية إذا ما أخذ تحليل علماء العقـيدة لموجبات الإمامة في مجالها السـياسي ، كمستند لهذه الدراسة .
    تحدّث العلاّمة الحلّي في شرحه لكتاب تجريد الاعتقاد لنصير الدين الطوسي عن المبادئ الموجبة لقيام الدولة فقال : «... إنّ العلم الضروري حاصل بأنّ العقلاء متى كان لهم رئيس يمنعهم عن التغالب والتهاوش، ويصدهم عن المعاصي، ويعدهم ويحثّهم على فعل الطاعات، ويبعـثهم على التناصف والتعادل ، كانوا إلى الصلاح أقرب ، ومن الفساد أبعد ، وهذا أمر ضروري لا يشك فيه العاقل ... »(3) .
    من هذا النص يتّضح أنّ موجبات الإمامة في مجالها السياسي هي تحـقيق الصلاح والوقاية من الفساد ، وهو سبب أخلاقي . ولأهمّية الأخلاق والبناء الأخلاقي في الإسلام نجد الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) يُثبِّت المبدأ الأخلاقي ، والإيماني الخالد ، كغاية في بعثته ; قال (صلى الله عليه وآله وسلم) :
    «بعثت لاُتمِّم مكارم الأخلاق» .
    «ما يوضع في ميزان امرئ يوم القيامة أفضل من حسن الخلق» .
    «إنّ أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً» .
    «أكثر ما تلج به أمّتي الجنّة تقوى الله وحسن الخلق» .
    ولقد كان الرسول الكريم محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) المثل الأعلى في الخلق والتعامل الأخلاقي مع أصحابه وأتباعه ، ومع أعدائه وخصوصه .. فاستحق أن يثني الربّ الكريم على خلقه بقوله : (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُق عَظِيم ) . ( القلم / 4 )
    والأخلاق ليست ممارسة سلوكية على المستوى الفردي والفضيلة الشـخصية فحسب ـ كما يتصوّر البعض ـ بل الأخلاق تمتد في كل سلوك يمارسه الإنسان ، فردياً كان أو اجتماعياً .. فللأخلاق دورها في السياسة والاقتصاد والإنتاج والخدمات الطبّية والعمرانية ، وفي الإعلام ، وفي تقييم الذات ، والتعامل مع الآخرين ، من الأهل والجيران والأصدقاء والأعداء وغيرهم .
    وكم هو دقيق الميزان الأخلاقي الذي ثبته الرسول بقوله : «لا يؤمن أحدكم حتّى يحب لأخيه ما يحبّ لنفسه»(4) .
    فعندما يرتقي التكوين الأخلاقي عند الإنسان إلى هذا المستوى الرفيع والمستوى الذي يرى فيه الآخرين كما يرى ذاته ، يتصرّف وكأنّ الكل هو .. فما يحبّه لنفسه يحبّه لهم ، وما يكرهه لنفسه يكرهه لهم .. وعندما تسود هذه القاعدة الأخلاقية يتحوّل المجتمع إلى وحدة إنسانية متجانسة الشعور والإحساس .
    والحياة البشرية مهما بذلنا من جهد تربوي وتطبيق قانوني صارم فإنّها معرضة للمشاكل ، ولا يمكن أن يكون مجتمع من غير أن تحدث المشاكل بين أفراده .. فالمشاكل تحدث بين الزوج والزوجة وبين الجار وجاره ، وبين أفراد المجتمع بشتى مواقع عملهم ، الخدمي والإنتاجي والسياسي والاقتصادي ، وتفاعلهم الاجتماعي ; ولأسباب ودوافع عديدة .. وقد تكفّل القانون في الإسلام مهمّة حل المشاكل .. وحفظ الأمن والنظام ، ولكنّ الرِّسالة الإسلامية نظرت إلى أنّ القانون الصارم والتطبيق المجرد من العاطفة والإحساس الأخلاقي يخل ببناء المجتمع الأخلاقي ، ويصـدّعه من جانب آخر .. لأنّ العقوبة والقصاص والاقتصاص تترك أثرها السلبي في كثير من النفوس ، إذ من الصعب من الناحية العـملية أن يرتقي الإنسـان إلى مسـتوى الرِّضا بالعـدل القانوني ، من غير أن تحدث في نفسـه ردود أفعال سـلبية بما يفوق القضيّة الاُولى التي حسمها القانون على يد القضاء.. ذلك لأنّ القصاص واستيفاء حق عن طريق القسر القانوني، هو فرض عقاب على الآخر، وهو وإن كان عدلاً ووقاية للمجتمع من الجريمة والعدوان ، إلاّ انّه ينتهي إلى الكراهية، والتربّص بالآخر والتحامل عليه، وطلب القصاص منه ، ذلك لأنّ الإنسان المنفَّذ به القانون لا يرتفع إلى مستوى النضج ، أو التكامل النفسي ، النضج الذي صورته الآية الكريمة :
    (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَـا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) . ( النِّساء / 65 )
    إنّ القرآن أراد من الإنسان أن يتكامل أخلاقياً وبالمستوى الذي يبحث فيه عن الحق والعدل ويرضى بهما ، ويخضع لهما ، وإن كان هو المدان .. وعندئذ يستقرّ العدل في المجتمع ، وتحفظ الحقوق ، ولا يصل الإنسان إلى هذا المستوى الأخلاقي السامي إلاّ بالتربية والإيمان الصادق الذي يرى فيه الإنسان عالم الآخرة قبل عالم الدّنيا ..
    ولأهمّية العنصر الأخلاقي في الإسلام في مجال معالجة المشاكل وحلّها إلى جنب القانون ، أدخل الإسلام الجانب الأخلاقي المنطلق من عقيدة الإيمان بالله وباليوم الآخر ، كعنصر أساس في معالجة المشاكل وحلّها .. فالأخلاق متسامية على القانون في تأثيرها العملي في الحياة لدى الشخصية التي تبنى على أسس إيمانية وأخلاقية .
    ولكي نعرف مسألة تسامي الأخلاق على القانون ، وتسامي بعض التشريعات على بعض ، مع معالجتها لقضية واحدة ، فلنراجع القرآن الكريم ، وهو يتحدّث عن هذه المسألة .. ثمّ لنعرف كيف أنّ القرآن دعا إلى الأخذ بالجانب الأخلاقي ، كما دعا إلى الأخذ بأسمى التشريعين ، جاء ذلك في قوله تعالى :
    (فَخُذْهَا بِقُوَّة وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ) . ( الأعراف / 145 )
    وهذا الاختيار للأحسن من التشريعين هو في حقيقته نتيجة لموقف أخلاقي إيماني.. فالأخلاقية في الإسلام مرتبطة بالجانب الإيماني وممتزجة معه .. لنستقرئ القرآن ولنسجل تلك المفاهيم والقيم الحضارية الفريدة في عالم الإنسان .. إنّ أوسع المبادئ والمفاهيم انطباقاً وشمولاً للأخذ بالقانون وبالأخلاق المتسامية على القانون هو قوله تعالى :
    (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَـانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُـرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) . ( النحل / 90 )
    قال الراغب الاصفهاني ـ وهو من أبرز علماء التفسـير ـ قال في تفسـير هذه الآية : «العدالة والمـعادلة : لفظ يقتضي معنى المسـاواة ويستعمل باعتبار المضايفـة ، والعَدل والعِدل يتقاربان ، لكنّ العَدل يستعمل فيما يدرك بالبصيرة ، كالأحكام وعلى ذلك قوله :
    (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِيَاماً ). ( المائدة / 95 )
    والعِدل والعـديل فيما يدرك بالحاسّـة ; كالموزونات والمعدودات والمكيلات ، فالعَدل هو التقسيط على سواء ، وعلى هذا روي بالعدل قامت السّماوات والأرض ، تنبيهاً انّه لو كان ركن من الأركان الأربعة في العالم زائداً على الآخر ، أو ناقصاً عنه ، على مقتضى الحكمة ، لم يكن العالم منتظماً .
    والعدل ضربان : مطلقٌ يقتضي العقل حسنه ، ولا يكون في شيء من الأزمنة منسوخاً ، ولا يوصف بالاعتداء بوجه نحو الإحسان إلى مَن أحسن إليك ، وكفِّ أذاهُ عنك ، وعدل يعرف كونه عدلاً بالشرع ، ويمكن أن يكون منسـوخاً في بعض الأزمنـة ، كالقصـاص وأروش الجنايات ، وأصل مال المرتد . ولذلك قال :
    (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ ) . ( البقرة / 194 )
    وقال : (وَجَزَاءُ سَيِّئَة سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ) . ( الشورى / 40 )
    فسُمِّي اعتداء وسيِّئة ، وهذا النحو هو المعني بقوله :
    (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ) . ( النحل / 90 )
    فإنّ العدل هو المساواة في المكافأة إن خيراً فخيرٌ، وإن شرّاً فشرٌّ، والإحسان أن يقابل الخير بأكثر منه ، والشرّ بأقل منه ، ورجلٌ عدلٌ عادلٌ ورجالٌ عدلٌ» (5) .
    وإذا كان هذا البيان القرآني قد ثبت في هذه الآية مبدأي العدل والإحسان كأساس لبناء الحياة الإنسانية ، وحصّن المجتمع البشري من الفساد والعدوان بقوله :
    (وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغْيِ ) . ( النحل / 90 )
    ودعا إلى الإحسان والتسامي على العدل .. وهو أن يحسن الإنسان إلى من أساء إليه ، وإن كان العدل في معاقبته والقصاص منه بالمثل .. وإذا كان هذا البـيان القرآني قد ثبت في هذه الآية مبدأ ( العدل ) كأساس لبناء الحياة الاجتماعية ، ونهى عن الفحشاء والمنكر والبغي لحماية المجتمع من الفساد والظلم والجريمة والعدوان .. إذا كان القرآن قد ثبّت هذا الأساس فانّه ثبت كذلك مبدأ الإحسان ، وهو أن يحسن الإنسان إلى من أحسن إليه ، كما في قوله تعالى : (هَلْ جَزَاءُ الإِحْسانِ إِلاَّ الإِحْسان ) . ( الرّحمن / 60 )
    وإلى من أساء إليه كما في قوله تعالى :
    (وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ) . ( آل عمران / 134 )
    وإلى مَن لم يسئ ولم يحسن كما في قوله تعالى :
    (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ) . ( النحل / 90 )
    فالدعوة في آية العدل والإحسان مطلقة بالأمر بالإحسان إلى جنب الأمر بالعدل .. ونقرأ في ما أمر القـرآن به من قيم وشـريعة الأخذ بالأحسن والأرقى درجة في أثره التكاملي في الذات والسلوك الإنساني .. نقرأ قوله :
    (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْء مَوْعِظَةً وَتَفْصِـيلاً لِكُلِّ شَيْء فَخُذْهَا بِقُوَّة وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الفَاسِقِينَ ) .( الأعراف / 145 )
    تلك الآية دعوة إلى التسامي في طريق الحق والعدل والإحسان ، وعدم الاكتفاء بتحقيق المستوى المقبول من الحق والعدل والإحسان .. بل الدعوة في هذه الآية إلى الأخذ بالأحسن .. وأمر قومك يأخذوا بأحسنها .. فكل القيم التي دعا الخالق إلى الأخذ بها بقوّة في هذه الآية تحوي درجات ومستويات من الحسن ، غير أن فيها ما هو أحسن .
    والآية كما هي خطاب لقوم موسى هي خطاب لنا .. ولكي يتّضح معنى التفاوت في الحسن بين القيم والتشريعات الحسنة ، ومعنى الأخذ بأحسنها .. نأخذ لذلك مثلاً خطاب الله سبحانه لنبيّه الكريم محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما توعّد المجرمين من قتلة عمّه حمزة (رضي الله عنه) في معركة اُحد ، وقرّر أن يعاقبهم ويمثِّل بهم ، كما قتلوا حمزة ومثّلوا به .. خاطبه سبحانه بقوله :
    (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصّابِرِين * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَـيْق مِمّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللهَ مَعَ ا لَّذِينَ اتَّقَوا وَا لَّذِينَ هُم مُحْسِنُونَ ) .( النحل / 126 ـ 128 )
    فحين نزلت هذه الآيات قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «أصبرُ ، أصبرُ» ثمّ عفا عنهم .. إنّه موقف عملي نادر ، وخلق سام وفريد في سلوكية الإنسان .. أن يعفو المقتدر عن مجرمين قتلة ، قتلوا أعزّ الناس عليه ومن أكثرهم أهمّية في مسيرة دعوته .. في هذا الموقف تجلّت عظمة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كما تجلّت عظمة الشريعة الإسـلامية .. فالذين دعا القرآن إلى معاقبتهم بالمثل ، وفضّل العفو عنهم هم أعداء الرِّسالة ، ومن الذين كفروا بها وحاربوها ، بل ونزلت الآيات إثر جرائم قتل وقعت في ساحة الحرب ضدّ الرِّسالة والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يستبد الإنفعال وردّ الفعل ، بل جاء التشريع علمياً قائماً على أساس الحق والعدل والإحسان ، بل ويطالب بالعفو والتنازل عن الحق .. وذلك دليل ربّانية الرِّسالة وتساميها على الانفعال البشري .. فانّ المشرع عادل وعفوّ غفور .. يريد إصلاح الإنسانية وهدايتها لذا نشاهد تلك الصفات متجلية في التشريع الصادر عنه .. لقد وقف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمام تشريعين : حسن وأحسن ، فالعقاب بالمثل عدل وهو حسن ..
    والعفو والتجاوز عن المسيء إحسان وهو أحسن..سموّ على الغضب وروح الانتقام .. فاختار رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)العفو،وما أعدّ الله سبحانه للصابرين يوم الحساب، لسموِّ ذاته ورغبته فيما عند الله سبحانه،وبذا حقّق الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)أسمى درجات العفو،وتحول من عدالة العقاب القانوني إلى سـموِّ الموقف الأخلاقي والروحي.
    * * *
    وحين نسترسل مع القرآن نراه في كل موقع يدعو إلى الأخذ بالأحسن ، فها هو يدعونا أن نأخذ بأحسن ما يلقى إلينا من قول وموعظة وحديث ، وترك ما هو أقل حسناً ومصلحة ; قال تعالى :
    (فَبَشِّرْ عِبَادِ * ا لَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ا لْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ) .( الزّمر / 17 ـ 18 )
    وفي موقع آخر نراه يدعـو إلى إدارة الحـوار مع الطرف الآخر بأحسن الوسائل والأسـاليب ، وأفضل طرق عرض المبادئ والأفكار والآراء حين يدعو إلى الحوار بقوله :
    (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). (النحل/125)
    إنّه يدعو إلى الجدال بالتي هي أحسن ولايكتفي بالأسلوب الحسن فحسب .. مثال ذلك انّ بإمكان المحاور أن يذكر أخطاء الطرف الآخر وممارساته السابقة ، وليس في ذلك إساءة له ، ولكن كثيراً ما يكون في ذكرها إسدال الحجاب والحاجز النفسي بينه وبين تقبّل الفكرة .. فعـندئذ ينبغي اللّجوء إلى ما هو أحسن وهو الإعراض عن ذكر الماضي لتهيئة الجو النفسي لقبول الفكرة ، والرأي المعروض عليه ..
    * * *
    ويركز القرآن الاهتمام بموضوع العفو عن المسيء والمعتدي حتّى ولو كانت الإساءة بمستوى قتل حمزة بن عبدالمطلب (رحمه الله) ، فانّ مشاكل المجتمع والصراع البشري ، والحالات النفسية البشرية تتأثّر بالإحسان وبالعفـو أكثر ممّا تتأثر بالعقاب والقصاص ، إلاّ فئة من مرضى القلوب ، الذين يقابلون الإحسان بالإساءة ، فأولئك ليس لهم من علاج إلاّ قوله تعالى :
    (وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ ) . ( البقرة / 179 ) وقوله :
    (وَلاَ تَأْخُذُكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ ) . ( النّور / 2 )
    ومثل هؤلاء المسـيئين الذين يعفى عنهم ثمّ يعودون إلى الإساءة مستفيدين من العفو ، فانّ العقاب ضرورة تأديبية لهم ، وكف لهم عن ممارسة الجريمة والعدوان .
    جاء ذلك في قوله تعالى :
    (... عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَام). (المائدة/95)
    ويثني القرآن على الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ويصفهم بأ نّهم المحسنون ، فكظم الغيظ والعفو عن المسيء هو قمة الإحسان إليه .. وهو تعبير عن أعلى درجات التسامي عند من يعفو ويكظم الغيظ ويتنازل عن حقّه .. فان في هذه الطريقة أفضل الوسائل لحل المشاكل الاجتماعية ، وترسيخ روابط المحبّة والاحترام ، وتطهير النفوس من الحقد والكراهية والتوتر وحالات القلق .
    قال تعالى :
    (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَة مِن رَبِّكُمْ وَجَنَّة عَرْضُهَا السَّموَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ*الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الُمحْسِنِينَ). (آل عمران/133ـ134)
    ويوضِّح القرآن أهمّية العفو والدفع بالتي هي أحسن .. دفع السيِّئة بالحسـنة ، وأثر ذلك في النفـوس ، وفي الإصلاح ومعالجة المشاكل واقناع الطرف الآخر وتقبل الرأي السديد والموقف الحق .
    قال تعالى :
    (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ * وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا ا لَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَ نَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ا لَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيم ) . ( فصلت / 33 ـ 35 )
    * * *
    .
    بحر لجى
    بحر لجى
    عضو نشيط
    عضو نشيط


    ذكر عدد الرسائل : 113
    العمر : 38
    البلد : بلاد الرافدين
    الهوايات المفضلة : تحت اقدام امى
    بلد العضو : الصلح خير Iraqflsmnwmxm4
    nbsp : الصلح خير 15781611
    درجات الاجاده : 0
    نقاط : 60260

    مع التحية رد: الصلح خير

    مُساهمة من طرف بحر لجى 26/5/2008, 7:14 am

    الصلح خير HANDS

    ويتحدّث القرآن عن القصاص والعقاب والعفو والعود إلى الجريمة وكيفية التعامل مع العفو والإحسان في هذه القضايا فيقول :
    (يَا أَ يُّهَا آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصَاصُ فِي القَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالاُْنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَان ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِن رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَ لْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).(البقرة/178ـ179)
    (عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللهُ مِنْهُ ) . ( المائدة / 95 )
    شرع الإسـلام القصاص لردع النفوس المريضة والمجرمين عن جريمتهم ; ولحماية المجتمع وحفظ الحياة .. فانّ الخوف من العقاب الذي يصل حدّ القصاص بالمثل هو رادع للمجرم عن ارتكاب الجريمة ..
    وإلى جنب هذا التشديد العادل في العقاب نجد العفو والرحمة وترتيب درجات أخرى من التعامل مع جريمة القتل والجرح واتلاف الأعضاء فأولها القصاص بالمثل .. هذا هو العدل .. ثمّ يتسامى التشريع فيصل إلى مرتبة التخفيف والرحمة بالعفو وقبول الدية (العوض المالي) بدلاً من القتل والقصاص في الأعضاء والجروح ، ثمّ يتسامى درجة أسمى فيأتي العفو والتنازل عن الحق ، طلباً لثواب الله ومرضاته ..
    وذلك ما توضحه الآية الكريمة :
    (... فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَان ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِن رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) .( البقرة / 178 )
    ويثبِّت القرآن مبدأ الصلح بين الخصوم وأصحاب الخلاف والمشاكل والنزاعات أساساً للحل ، كما ثبّت العفو أساساً في مواضع أخرى من بيانه ومنهجه في إصلاح الأفراد والجماعة ، وحل مشاكل المجتمع .. فانّ القانون قد يعجز عن الحل . وقد يكون لتطبيقه آثار سلبية ، كما ألمحنا سابقاً ، واعتبر القرآن الصلح خيراً من اجراء القانون ، وحسم القضايا عن طريق المجازاة ، أو الانتهاء إلى القطيعة والتوتر ..
    تحدّث المفسِّر الشهير الراغب الاصفهاني عن معنى الصلح فقال : «... والصلح يختص بإزالة النفار بين الناس ، يقال منه اصطلحوا ، أو تصالحوا ، قال تعالى : (أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ، وأن تُصلِحوا وتتّقوا ، فأصْلِحوا بَينهما ، فأصْلِحُوا بين أخويكم ... ) (6) .
    ويدعو القرآن إلى سلوك سبيل الصلح في موارد متعددة من عرضه لمشاكل المجتمع والقبيلة والأسرة فيقول :
    (وَلاَ تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لاَِيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). (البقرة/224 )
    (يَسْـأَ لُونَكَ عَنِ الأَنفَـالِ قُلِ الأَنفَالُ للهِِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُـوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُؤْمِنِينَ ).( الأنفال / 1 )
    (وَإِن طَائِفَـتَانِ مِنَ المُؤْمِنِـينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْـلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَـتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا ا لَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ * إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) .( الحجرات / 9 ـ 10 )
    (وَإِن امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً ) . ( النِّساء / 128 )
    (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً ). ( النِّساء / 35 )
    إنّ هذه المجموعة من الآيات تتحدّث عن الصلح بين الناس ، لفض المنازعات ، وحل المشاكل التي تحدث في الأسرة بين الزوج وزوجته ، وبين أفراد المجتمع بمختلف مواقع تفاعلهم وأنماط مشاكلهم بدلاً من اللّجوء إلى القضاء والمحاكمة ..
    إنّها دعوة إلى التعالي على الخلاف ، ونسيان الخصومة ، واحلال التفاهم والمحبّة بدلاً من التشاجر والشقاق .. فالصلح في منطق القرآن خير من الفرقة والخلاف وقطع العلاقة ، أو إنزال العقوبة والقصاص في الطرف الآخر .
    فانّه يريد أن يبني مجتمع الحبّ والتفاهم والمودّة والتسامح ، ولا يريد أن تكون العلاقة بين الناس قائمة على الخلاف والمواجهة والعقوبة والقطيعة والقصاص ..
    وكما ثبت القرآن مبدأ الصلح والعفو والصفح لحل المشاكل ، وإقامة العلاقات الطيِّبة بين الناس، دعا كذلك إلى التسامي على صغائر القضايا والمشاكل التي يُحدث منها الجهال والحمقى مشاكل معقدة .. قال تعالى Sadوَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هؤُلاَءِ قَوْمٌ لاَ يُؤْمِنُونَ * فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ). ( الزخرف / 88 ـ 89 )
    (أُولئِكَ يُؤْتَونَ أَجْرَهُم مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ). ( القصص / 54 ـ 55 )
    (وَا لَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضون). (المؤمنون/3)
    (وَا لَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً).( الفرقان / 72 )
    وهكذا تتّضح صورة الشخصية الإسلامية في المجتمع الإسلامي شخصية تتمثّل فيها صفات الربّ التي يتعامل بها مع الخلق .
    فالربّ عفوّ غفور رحيم ، يريد الخير والصلاح لهذا الإنسان ، دعاه إلى أن يعفو ويصفح ، ويلجأ إلى الصلح ..
    وكم هو رائع ومعبّر قول الإمام علي (عليه السلام) الذي جاء في كتابه إلى مالك الأشتر ، واليه على مصر : «فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه ، فإنّك فوقهم ، وولي الأمر عليك فوقك ، والله فوق من ولاك . وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم . ولا تنصبن نفسك لحرب الله فإنّه لا يدي لك بنقمته ، ولا غنى بك عن عفوه ورحمته . ولا تندمن على عفو ، ولا تبجحن بعقوبة ، ولا تسرعن إلى بادرة وجدت منها مندوحة ، ولا تقولن إنِّي مؤمر ، آمر فأطاع ، فانّ ذلك إدغال في القلب ، ومنهكة للدين ، وتقرب من الغير»(7) .
    وقد يتأثّر الإنسان بمواقف سلبية من أناس يحسن إليهم .. يقابلون إحسانه بالإساءة ، فيحدث في نفسه رد فعل .. فيرد على إساءتهم بالمثل ، فيقطع عنهم إحسانه ومعروفه ، ويحرمهم من العون المادي أو الاسناد الأدبي الذي يقدِّمه لهم .. والقرآن يتسامى في منهجه التربوي على ردود الفعل تلك ، ويطالب الإنسان المسلم أن يتسامى إلى ما هو أرقى من ردّة الفعل التي يوقف فيها الإنسان عمل المعروف ، بسبب إساءة المسيئين .. جاء ذلك في قوله تعالى :
    (وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُو الفَضْـلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي القُرْبَى وَالمَسَاكِينَ وَالمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ). (النور/22)
    وهكذا يثبِّت القرآن للانسان منهجاً أخلاقياً يوقظ حسّه ووجدانه كلّما أسيء إليه ، ووقف بين قراري العفو والعقاب .. يخاطبه القرآن : إذاً اعفُ عن الآخرين واصفح ..
    لنقف أمام عظمة هذه الآية ، وما فيها من دلالات تربوية ، وأفق انساني رحب ، وقيم أخلاقية فريدة .. وتزداد عظمة هذه القيم عندما نعرف سبب نزول هذه الآية ..
    لقد نزلت هذه الآية إثر حادثة الإفك المعروفة ، والإساءة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وطعن كرامته المقدّسة من رأس النفاق ، عبدالله ابن اُبي وأفراد معه .. ويذكر المفسِّرون أن هؤلاء النفر وجهوا تهمة كاذبة إلى عائشة بنت أبي بكر زوج الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأنزل الله براءتها وسمّى تلك التهمة إفكاً ، وعوقب الذين افتعلوه وخاضوا فيه .. فكان أحد الذين أشاعوا هذا الإفك هو مسطح بن أثاثة ابن خالة أبي بكر ، وكان فقيراً ينفق عليه أبو بكر، فلمّا خاض في الإفك قطع عنه النفقة (Cool،
    وحلف أن لا يقدم له أي عون ، فأنزل الله هذه الآية ، ينهى فيها عن قطع المعروف والمساعدة المالية عن اُولئك الذين أساؤوا ، بعد أن دعا إلى العفو والصفح عمّا صدر منهم ، فتراجع أبو بكر عن قراره وعاد للنفقة على مسطح ، ثمّ أتمّ الوحي بيانه بفقرة ذات دلالة تعبدية أخلاقية عظيمة ، وهي الربط بين العفو عن الناس وبين طلب العفو من الله سبحانه .. انّه تذكير للإنسان الذي يسيء ثمّ يستغفر ويرجو العفو والمغفرة من الله سبحانه .. إنّ القرآن يثير في نفسه الاحساس الأخلاقي فيقول له : كما انّك تريد العفو من الله فاعط العفو من نفسك للناس .. فالله يعفو عنك فاعف عن الناس .. فلِمَ تحبّ العفو من الله لنفسك ، ولا تمنحه من نفسك للناس .. ؟!
    انّ هذا الموقف يشكِّل خللاً أخلاقياً يا أ يُّها الإنسان .
    * * *
    (وَعِبَادُ الرَّحْمـنِ ا لَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَماً). (الفرقان/63)
    (وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هؤُلاَءِ قَوْمٌ لاَ يُؤْمِنُونَ * فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) . (الزخرف/88 ـ 89)
    (... فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ العَلِيمُ ) .( الحجر / 85 ـ 86 )
    وكما تحدّث القرآن عن العفو عن المسيء،لتحقيق أهدافه في الحياة،تحدّث عن الصفح،والصفح الجميل، والإعراض عن الجاهلين.. إنّ القرآن يريد أن يشيع روح المحبّة والتسامح .. ذلك لأنّ السعادة في المحبّة ، والشقاء في الحقد والكراهية .. فحيثما توجد المحبّة ، توجد السعادة.. والعقاب والقصاص، وإن كانا عدلاً لردع المجرمين والمنحرفين، وإشاعة الأمن في المجتمع ، إلاّ انّهما لا يحققان المحبّة ، وكلاهما ضروري للحياة ، العدل والتسامح ..
    وفي هاتين الآيتين : نجد شكوى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من أناس تنكروا للعقل والعلم ، وأصرّوا على العدوانية وأذى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومواجهة الدعوة ، وأغلقوا منافذ النور ، ليعيش الإنسان في متاهات الظلام .. والقرآن ينقل هذه الشكوى: (وَقِيلِهِ يَا رَبِّ... ) ويضع للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)منهج التعامل مع هذا الصنف من الناس ; ليفتح أمامهم مرّة أخرى سُبل العـودة ، ويهيِّئ الأجواء النفسية لتقبل الدعوة .. فتقبل الفكر والعقيدة مسـألة يتفاعل فيها العقل مع المشاعر والوجدان .. لذا أمر بأن يصفح عنهم ويقول لهم : «سلام» .. لم يطالبه بأن يواجههم بكلمة التعنيف والزجر والقطيعة والاستفزاز ، بل طلب منه أن يصفح عن هذا الخصم العقـيدي ، ويقول : «سلام» .. ذلك هو واجبك أ يُّها النبيّ الداعية .. انّهم سوف يتحمّلون مسؤوليتهم ، سيلاقون ربّهم فسوف يعلمون الحقيقة التي أنكروها وعادوها ، وسيواجهون مصيرهم ..
    وفي مورد آخر نجد القـرآن يوجِّه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في أسلوب دعوته للإسلام ليخاطب الناس بأحسن الوسائل والأساليب ، فان أعرضوا فليصفح عنهم الصفح الجميل .. الصفح الذي ليس فيه مطالبة بشيء ، ولا حرص على شيء في أيديهم ..
    لذا خاطبه بقوله : (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ) الصفح الجميل، وليس صفح المتحامل الذي يضمر العداء ويخطط للكيد والانتقام .. انّه الخلق الربّاني ، ونفحات الرّحمة تشع من أفق القرآن .. انّها دعوة الرّحمن إلى عباد الرّحمن .. نقرأ ذلك واضحاً مرّة أخرى في وصفه لعباد الرّحمن الذين تشبعوا بخلق الرّحمن .. نجد ذلك في قوله تعالى :
    (وَعِبَادُ الرَّحْمنِ ا لَّذِينَ يَمْشُـونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَماً ) .( الفرقان / 63 )
    تلك سـلوكية الإنسان المؤمن التي يريدها القرآن لا كبرياء ولا كراهية ، بل التواضع والعفو عن الناس .. ومقابلة الجاهلين المسيئين بالعفو والصفح .. إنّ الجاهل المعادي وربّما غير المعادي يطلق كلمة الإسـاءة والاسـتفزاز أو الإثارة .. وردّ فعل المؤمـن هو الصـفح عن الجاهلين ومُقابلة الإساءة بالإحسـان بقوله : «سلاماً» لا ردّ بالمثل ، ولا كراهية ولا عدوان .. إنّها روح الحبّ والسلام .
    وإذاً فلنبنِ مجتمع العفو والتسامح ، مجتمع الصلح والاصلاح ، مجتمع الصفح الجميل ، مجتمع الإعراض عن اللّغو ، مجتمع العدل والإحسان الذي نادى به القرآن

    الصلح خير Tasamh
    الصلح خير Salam
    thanaa
    thanaa
    المشرف العام المميز للمنتدي


    انثى عدد الرسائل : 3058
    nbsp : الصلح خير 15781611
    درجات الاجاده : 3
    نقاط : 2147546537

    مع التحية رد: الصلح خير

    مُساهمة من طرف thanaa 26/5/2008, 9:18 pm


    تخـــــــريج الاحاديث


    73582 - أوثق عرى الإيمان : الموالاة في الله ، و المعاداة في الله ، و الحب في الله ، و البغض في الله عز وجل
    الراوي: عبدالله بن عباس و ابن مسعود و البراء بن عازب - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 2539

    195036 - ما من شيء في الميزان أفضل من حسن الخلق
    الراوي: أبو الدرداء - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: ابن دقيق العيد - المصدر: الاقتراح - الصفحة أو الرقم: 127

    10889 - أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا . وخياركم خياركم لنسائهم
    الراوي: أبو هريرة - خلاصة الدرجة: حسن صحيح - المحدث: الترمذي - المصدر: سنن الترمذي - الصفحة أو الرقم: 1162

    10387 - سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة ؟ فقال : تقوى الله وحسن الخلق ، وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار ، قال : الفم والفرج
    الراوي: أبو هريرة - خلاصة الدرجة: صحيح غريب - المحدث: الترمذي - المصدر: سنن الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2004

    114368 - لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه
    الراوي: أنس بن مالك - خلاصة الدرجة: [صحيح] - المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 13


    thanaa
    thanaa
    المشرف العام المميز للمنتدي


    انثى عدد الرسائل : 3058
    nbsp : الصلح خير 15781611
    درجات الاجاده : 3
    نقاط : 2147546537

    مع التحية رد: الصلح خير

    مُساهمة من طرف thanaa 26/5/2008, 9:23 pm


    السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

    نجد القـرآن يوجِّه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في أسلوب دعوته للإسلامليخاطب الناس بأحسن الوسائل والأساليب ،

    فان أعرضوا فليصفح عنهم الصفح الجميل

    .. الصفح الذي ليس فيه مطالبة بشيء ،

    ولا حرص على شيء في أيديهم ..

    بارك الله فيك اخى الفاضل بحر لجى على موضوعك الرائع والقيم
    جعله الله فى ميزان حسناتك
    ومرحبا بك اخى الفاضل فى منتدانا الغالى واسلوبك فى موضوعاتك يذكرنى
    باسلوب اخ فاضل ولكنه رحل عن منتدانا
    ننتظر موضوعاتك ومشاركاتك المتميزه دااااااائمـــا اخى الفاضل

    الصلح خير Tasamh



    الشهاب
    الشهاب
    عضو علي درجه مشرف
    عضو علي درجه مشرف


    ذكر عدد الرسائل : 328
    البلد : مصر
    nbsp : الصلح خير 15781611
    درجات الاجاده : 0
    نقاط : 61060

    مع التحية رد: الصلح خير

    مُساهمة من طرف الشهاب 26/5/2008, 9:49 pm

    بسم الله الرحمن الرحيم
    والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين
    جزاك الله خيرا اخى فى الله من ارض العراق الحر
    قاتلوهم يعذبهم الله بايديكم
    ودمتم ودامت اقلامكم
    فللقلم والبندقيه فوهة واحده

      الوقت/التاريخ الآن هو 23/11/2024, 10:28 am