الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فلاشك في أنّ الدين يسر، ولن يشاد هذا الدين أحد إلاّ غلبه، كما في الصحيح عن نبينا صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ} [سورة الحج: من الآية 78]، قال المفسرون: "المعنى أن الله لم يكلفكم في هذه الملة ما لاتطيقون، وما ألزمكم بشيء فشق عليكم إلاّ شرع لكم فيه تيسيراً"، {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [سورة البقرة: من الآية 286]، {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [سورة البقرة: من الآية 185]، {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [سورة النساء: من الآية 28]، والنبي صلى الله عليه وسلم بعث برفع الأغلال والآصار التي كانت على من قبلنا، وهذا محض فضل الله تعالى على هذه الأمة، وإلاّ فإنّ الخلق ما خلقوا ليستريحوا بل خلقوا للعبادة.
وهذه النصوص تدل على أنّ الشريعة التي أنزلها الله وارتضاها لعباده في نفسها ميسرة باعتبار مناسبتها لقدرة عموم الخلق، وباعتبار المصالح العظيمة المترتبة على المشقة اليسيرة المحتملة التي لابد منها في التكليف، فالتكليف لاينفك عن شيء من المشقة لكن المنفي عنه هو المشقة المحرجة أو غير المطاقة.
والشريعة على تيسيرها قد يعرض للمكلف فيها ما يجعل اليسير عليه عسير لعذر قام به، أو أمر خارج عن التشريع متعلق بملابسات الواقع.
والمشقة العارضة التي لايقتضيها أصل التكليف إمّا أن يمكن التخلص منها دون ترك العمل، فيحصل المقصود بدونها، وإمّا أن يتعذر التخلص منها أو يستحيل.
فإن أمكن التخلص منها مع القيام بالتكليف فالعقل والشرع والحكمة قاضيات بجواز التخلص منها. وإن لم يمكن ذلك فلا مناص منها ولن يخلو تقديرها من خير للعباد في الدنيا والآخرة، وإن لم يظهر وجهه للنّاس.
وقد يعذر في هذه الحال بعض النّاس بترك العمل المُكَلَّف به لعجزهم عن تحمل المشقة العارضة إمّا لسبب متعلق بهم في أشخاصهم، أو لأحوال وملابسات متعلقة بواقعهم خاصة.
فإذا كانت المشقة من لازم نفس التكليف ـ وهي المحتملة لعموم النّاس كالمشي إلى المساجد دون الركوب وبالأخص إذا كان في الظلمة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: «بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة» وهو عند أبي داود والترمذي وغيرهما بسند صحيح، فعلى المسلم أن يحتمل هذه المشقة، وليوقن أنّ في التزامها خيرًا له في عاجل أمره وآجله، وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها كما في صحيح مسلم: «أجرك على قدر نصبك».
أمّا إن كانت المشقة العارضة لايمكن دفعها، فلابد أن يأتي التشريع بما يرفعها إن كانت ممّا لا يطاق، أمّا إن كانت مطاقة فإنّ اليسر في فعلها على وجهها ويظهر ذلك بتأمل الآثار المترتبة على تحمل المشقة في سبيل أدائها.
فاليسر الذي من خصائص الشرع المنزل، وقد يكون ظاهرًا في التكليف بحيث يلمس المرء التيسير ويشعر به أثناء أدائه كما في الذكر ودعاء المسألة فهذا على خفته على اللسان تنشرح به نفوس أهل الإيمان والتقوى، وقد يكون اليسر باعتبار ما يترتب على ترك التكليف، ومن ذلك الجهاد، فهو مشروع مع أنّه كره للنفوس: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [سورة البقرة: 216]، ولاشك أنّ في الجهاد مشقة ظاهرة، ولكن لما كان مقصده عظيمًا وهو أن تكون كلمة الله هي العليا بإظهار دين الله على الدين كله، وبسط سلطان شريعة الرحمة المصلحة لأحوال البشرية جمعاء هانت المشقة التي لم تكن مقصودة لكنها عارضة قد علم أنّه لابد منها، ولذا كان الثواب من جنس العمل عظيمًا متميزًا: {ولا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة آل عمران: 169-171].
فبهذا التيسير يؤول التشريع ـ وإن كانت فيه مشقة محتملة ـ إلى تيسير، وممّا يقرب فهم هذا المعنى التأمل في الصناعات الدنيوية التي تسهل الأمور الحياتية، فلا ينبغي أن يقال إن كثيرًا من الصناعات لما تقتضيه من إلانة حديد ومعالج صعاب والتدقيق في العلوم جلبت للنّاس العنت والبؤس والمشقة، بل هي من جملة تيسير أسباب الحياة إذا اتسعت نظرتنا، وهكذا شرع الله تعالى.
وخلاصة القول السماحة واليسر الحق هو شرع الله الذي أمر به وكلف العباد التزامه ولو تضمن بعض المشقة فإنّ صلاح البشرية فيه وكذا صلاح الفرد، فإنّ ما يصاحب المشقة البدنية أو المالية من راحة نفسية وسرور قلبي لايجده من ترك الطاعة فكيف بالكافر أو المنافق.
فاعرف الصواب بدليله واسْعَ لمعرفة شرع الله وحكمه واعلم أنّه هو اليسر، ومن ذلك عموم الأمر بالطاعات والنهي عن المحرمات وعن التفريط في الطاعات وتتبع الرخص التي لايؤيدها الدليل، وليس يسر الدين وسماحته ما يظنه النّاس تيسيرًا يخلدون إليه، ولو أنتج لهم راحة عاجلة، فإنّ هذا النوع من الترخص المنفلت من الدليل ليس هو دين الله وإنّما هو شيء أحدثه المترخص، وعاقبته العنت والشقاء الحسي والمعنوي في الدنيا والآخرة {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [سورة طه: من الآية 124].
فلاشك في أنّ الدين يسر، ولن يشاد هذا الدين أحد إلاّ غلبه، كما في الصحيح عن نبينا صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ} [سورة الحج: من الآية 78]، قال المفسرون: "المعنى أن الله لم يكلفكم في هذه الملة ما لاتطيقون، وما ألزمكم بشيء فشق عليكم إلاّ شرع لكم فيه تيسيراً"، {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [سورة البقرة: من الآية 286]، {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [سورة البقرة: من الآية 185]، {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [سورة النساء: من الآية 28]، والنبي صلى الله عليه وسلم بعث برفع الأغلال والآصار التي كانت على من قبلنا، وهذا محض فضل الله تعالى على هذه الأمة، وإلاّ فإنّ الخلق ما خلقوا ليستريحوا بل خلقوا للعبادة.
وهذه النصوص تدل على أنّ الشريعة التي أنزلها الله وارتضاها لعباده في نفسها ميسرة باعتبار مناسبتها لقدرة عموم الخلق، وباعتبار المصالح العظيمة المترتبة على المشقة اليسيرة المحتملة التي لابد منها في التكليف، فالتكليف لاينفك عن شيء من المشقة لكن المنفي عنه هو المشقة المحرجة أو غير المطاقة.
والشريعة على تيسيرها قد يعرض للمكلف فيها ما يجعل اليسير عليه عسير لعذر قام به، أو أمر خارج عن التشريع متعلق بملابسات الواقع.
والمشقة العارضة التي لايقتضيها أصل التكليف إمّا أن يمكن التخلص منها دون ترك العمل، فيحصل المقصود بدونها، وإمّا أن يتعذر التخلص منها أو يستحيل.
فإن أمكن التخلص منها مع القيام بالتكليف فالعقل والشرع والحكمة قاضيات بجواز التخلص منها. وإن لم يمكن ذلك فلا مناص منها ولن يخلو تقديرها من خير للعباد في الدنيا والآخرة، وإن لم يظهر وجهه للنّاس.
وقد يعذر في هذه الحال بعض النّاس بترك العمل المُكَلَّف به لعجزهم عن تحمل المشقة العارضة إمّا لسبب متعلق بهم في أشخاصهم، أو لأحوال وملابسات متعلقة بواقعهم خاصة.
فإذا كانت المشقة من لازم نفس التكليف ـ وهي المحتملة لعموم النّاس كالمشي إلى المساجد دون الركوب وبالأخص إذا كان في الظلمة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: «بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة» وهو عند أبي داود والترمذي وغيرهما بسند صحيح، فعلى المسلم أن يحتمل هذه المشقة، وليوقن أنّ في التزامها خيرًا له في عاجل أمره وآجله، وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها كما في صحيح مسلم: «أجرك على قدر نصبك».
أمّا إن كانت المشقة العارضة لايمكن دفعها، فلابد أن يأتي التشريع بما يرفعها إن كانت ممّا لا يطاق، أمّا إن كانت مطاقة فإنّ اليسر في فعلها على وجهها ويظهر ذلك بتأمل الآثار المترتبة على تحمل المشقة في سبيل أدائها.
فاليسر الذي من خصائص الشرع المنزل، وقد يكون ظاهرًا في التكليف بحيث يلمس المرء التيسير ويشعر به أثناء أدائه كما في الذكر ودعاء المسألة فهذا على خفته على اللسان تنشرح به نفوس أهل الإيمان والتقوى، وقد يكون اليسر باعتبار ما يترتب على ترك التكليف، ومن ذلك الجهاد، فهو مشروع مع أنّه كره للنفوس: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [سورة البقرة: 216]، ولاشك أنّ في الجهاد مشقة ظاهرة، ولكن لما كان مقصده عظيمًا وهو أن تكون كلمة الله هي العليا بإظهار دين الله على الدين كله، وبسط سلطان شريعة الرحمة المصلحة لأحوال البشرية جمعاء هانت المشقة التي لم تكن مقصودة لكنها عارضة قد علم أنّه لابد منها، ولذا كان الثواب من جنس العمل عظيمًا متميزًا: {ولا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة آل عمران: 169-171].
فبهذا التيسير يؤول التشريع ـ وإن كانت فيه مشقة محتملة ـ إلى تيسير، وممّا يقرب فهم هذا المعنى التأمل في الصناعات الدنيوية التي تسهل الأمور الحياتية، فلا ينبغي أن يقال إن كثيرًا من الصناعات لما تقتضيه من إلانة حديد ومعالج صعاب والتدقيق في العلوم جلبت للنّاس العنت والبؤس والمشقة، بل هي من جملة تيسير أسباب الحياة إذا اتسعت نظرتنا، وهكذا شرع الله تعالى.
وخلاصة القول السماحة واليسر الحق هو شرع الله الذي أمر به وكلف العباد التزامه ولو تضمن بعض المشقة فإنّ صلاح البشرية فيه وكذا صلاح الفرد، فإنّ ما يصاحب المشقة البدنية أو المالية من راحة نفسية وسرور قلبي لايجده من ترك الطاعة فكيف بالكافر أو المنافق.
فاعرف الصواب بدليله واسْعَ لمعرفة شرع الله وحكمه واعلم أنّه هو اليسر، ومن ذلك عموم الأمر بالطاعات والنهي عن المحرمات وعن التفريط في الطاعات وتتبع الرخص التي لايؤيدها الدليل، وليس يسر الدين وسماحته ما يظنه النّاس تيسيرًا يخلدون إليه، ولو أنتج لهم راحة عاجلة، فإنّ هذا النوع من الترخص المنفلت من الدليل ليس هو دين الله وإنّما هو شيء أحدثه المترخص، وعاقبته العنت والشقاء الحسي والمعنوي في الدنيا والآخرة {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [سورة طه: من الآية 124].