السؤال :
امرأة فقدت لسبب ما غشاء البكارة فهل يجوز لها رتق الغشاء بواسطة عملية جراحية ؟ .
الجواب :
الحمد لله
هذه المسألة تعتبر من المسائل النازلة في هذا العصر . ولهذا من المناسب ذكر كلا قولي العلماء في هذه المسألة وترجيح إحداهما :
القول الأول :
لا يجوز رتق البكارة مطلقاً
القول الثاني : التفصيل :
1- إذا كان سبب التمزق حادثة أو فعلاً لا يعتبر في الشرع معصية ، وليس وطئاً في عقد نكاح يُنظر :
فإن غلب على الظن أن الفتاة ستلاقي عنتا وظلما بسبب الأعراف ، والتقاليد كان إجراؤه واجباً .
وإن لم يغلب ذلك على ظن الطبيب كان إجراؤه مندوباً .
2- إذا كان سبب التمزق وطئاً في عقد نكاح كما في المطلقة ، أو كان بسبب زنى اشتهر بين الناس فإنه يحرم إجراؤه .
3- إذا كان سبب التمزق زنى لم يشتهر بين الناس كان الطبيب مخيراً بين إجرائه وعدم إجرائه ، وإجراؤه أولى .
تحديد محل الخلاف :
ينحصر محل الخلاف بين القولين في الحالة الأولى ، والثالثة ، أما في الحالة الثانية فإنهما متفقان على تحريم الرتق .
الأدلة :
(1) دليل القول الأول : ( لا يجوز مطلقاً )
أولاً : أن رتق غشاء البكارة قد يؤدي إلى اختلاط الأنساب ، فقد تحمل المرأة من الجماع السابق ، ثم تتزوج بعد رتق غشاء بكارتها ، وهذا يؤدي إلى إلحاق ذلك الحمل بالزوج واختلاط الحلال بالحرام .
ثانياً : أن رتق غشاء البكارة فيه اطّلاع على العورة المغلّظة .
ثالثاً : أن رتق غشاء البكارة يُسهّل للفتيات ارتكاب جريمة الزنى لعلمهن بإمكان رتق غشاء البكارة بعد الجماع .
رابعاً : أنه إذا اجتمعت المصالح والمفاسد فإن أمكن تحصيل المصالح ودرء المفاسد فعلنا ذلك ، وإن تعذر الدرء والتحصيل ، فإن كانت المفسدة أعظم من المصلحة درأنا المفسدة ولا نبالي بفوات المصلحة كما قرر ذلك فقهاء الإسلام .
وتطبيقاً لهذه القاعدة فإننا إذا نظرنا إلى رتق غشاء البكارة وما يترتب عليه من مفاسد حكمنا بعدم جواز الرتق لعظيم المفاسد المترتبة عليه .
خامساً : أن من القواعد الشريعة الإسلامية أن الضرر لا يزال بالضرر ، ومن فروع هذه القاعدة : ( لا يجوز للإنسان أن يدفع الغرق عن أرضه بإغراق أرض غيره ) ومثل ذلك لا يجوز للفتاة وأمها أن يزيلا الضرر عنهما برتق الغشاء ويلحقانه بالزوج .
سادساً : أن مبدأ رتق غشاء البكارة مبدأ غير شرعي لأنه نوع من الغش ، والغش محرم شرعاً .
سابعاً : أن رتق غشاء البكارة يفتح أبواب الكذب للفتيات وأهليهم لإخفاء حقيقة السبب ، والكذب محرم شرعاً .
ثامناً : أن رتق غشاء البكارة يفتح الباب للأطباء أن يلجأوا إلى إجراء عمليات الإجهاض ، وإسقاط الأجنّة بحجة السّتر .
دليل القول الثاني :
أولاً : أن النصوص الشرعية دالة على مشروعية الستر وندبه ، ورتق غشاء البكارة معين على تحقيق ذلك في الأحوال التي حكمنا بجواز فعله فيها .
ثانياً : أن المرأة البريئة من الفاحشة إذا أجزنا لها فعل جراحة الرتق قفلنا باب سوء الظن فيها ، فيكون في ذلك دفع للظلم عنها ، وتحقيقاً لما شهدت النصوص الشرعية باعتباره وقصده من حسن الظن بالمؤمنين والمؤمنات .
ثالثاً : أن رتق غشاء البكارة يوجب دفع الضرر عن أهل المرأة ، فلو تركت المرأة من غير رتق واطلع الزوج على ذلك لأضرها ، واضر بأهلها ، وإذا شاع الأمر بين الناس فإن تلك الأسرة قد يمتنع من الزواج منهم ، فلذلك يشرع لهم دفع الضرر لأنهم بريئون من سببه .
رابعا : أن قيام الطبيب المسلم بإخفاء تلك القرينة الوهمية في دلالتها على الفاحشة له أثر تربوي عام في المجتمع ، وخاصة فيما يتعلق بنفسية الفتاة .
خامسا : أن مفسدة الغش في رتق غشاء البكارة ليست موجودة في الأحوال التي حكمنا بجواز الرتق فيها .
الترجيح :
الذي يترجح والعلم عند الله هو القول بعدم جواز رتق غشاء البكارة مطلقاً لما يأتي :
أولاً : لصحة ما ذكره أصحاب هذا القول في استدلالهم .
ثانياً : وأما استدلال أصحاب القول الثاني فيجاب عنه بما يلي :
الجواب عن الوجه الأول :
أن الستر المطلوب هو الذي شهدت نصوص الشرع باعتبار وسيلته ، ورتق غشاء البكارة لم يتحقق فيه ذلك ، بل الأصل حرمته لمكان كشف العورة ، وفتح باب الفساد .
الجواب عن الوجه الثاني :
أن قفل باب سوء الظن يمكن تحقيقه عن طريق الإخبار قبل الزواج ، فإن رضي الزوج بالمرأة وإلا عوضها الله غيره .
الجواب عن الوجه الثالث :
أن المفسدة المذكورة لا تزول بالكلية بعملية الرتق بعملية الرتق لاحتمال اطلاعه على ذلك ، ولو عن طريق إخبار الغير له ، ثم إن هذه المفسدة تقع في حال تزويج المرأة بدون إخبار زوجها بزوال بكارتها ، والمنبغي إخباره ، واطلاعه ، فإن أقدم زالت تلك المفاسد وكذلك الحال لو أحجم .
الجواب عن الوجه الرابع :
أن هذا الإخفاء كما أن له هذه المصلحة كذلك تترتب عليه المفاسد ، ومنها تسهيل السبيل لفعل فاحشة الزنا ، ودرء المفسدة أولى من جلب المصلحة .
الجواب عن الوجه الخامس :
أننا لا نسلم انتفاء الغش لأن هذه البكارة مستحدثة ، وليست هي البكارة الأصلية ، فلو سلمنا أن غش الزوج منتف في حال زوالها بالقفز ونحوه مما يوجب زوال البكارة طبيعة ، فإننا لا نسلم أن غشه منتف في حال زوالها بالاعتداء عليها .
ثانياً : أن سد الذريعة الذي اعتبره أصحاب القول الأول أمر مهم جداً خاصة فيما يعود إلى انتهاك حرمة الفروج ، والإبضاع والمفسدة لا شك مترتبة على القول بجواز رتق غشاء البكارة .
ثالثاً : أن الأصل يقتضي حرمة كشف العورة ولمسها والنظر إليها والأعذار التي ذكرها أصحاب القول الثاني ليست بقوية إلى درجة يمكن الحكم فيها باستثناء عملية الرتق من ذلك الأصل ، فوجب البقاء عليه والحكم بحرمة فعل جراحة الرتق .
خامساً : أن مفسدة التهمة يمكن إزالتها عن طريق شهادة طبية بعد الحادثة تثبت براءة المرأة وهذا السبيل هو أمثل السبل ، وعن طريقه تزول الحاجة إلى فعل جراحة الرتق .
ولهذا كله فإنه لا يجوز للطبيب ولا للمرأة فعل هذا النوع من الجراحة ، والله تعالى أعلم .
أنظر كتاب أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها /د.محمد بن محمد المختار الشنقيطي ص 403
وقد أفتى بعض أهل العلم المعاصرين بجواز إجراء عملية الرّتق للمغتصبة والتائبة وأمّا غير التائبة فلا لأنّ في ذلك إعانة لها على الاستمرار في جريمتها ، وكذلك التي سبق وطؤها لا يجوز إجراء العملية لها لما في ذلك من الإعانة على الغشّ والتدليس حيث يظنّها من دخل بها بعد العملية بكرا وليست كذلك ، والله تعالى أعلم.
اللجنه الدائمه للبحوث والافتاء