يرفع البعض في وجه أهل العلم شبهة عدم الاعتراف بالآخر، ورجوعهم إلى ما يقوله الآخر، مهما كانت درجة مخالفة قول الآخر للحق.
إذ الحق عند الله واحد لا يتعدد، كما هو مذهب العامة من أهل العلم المقتدى بهم، وكل مجتهد إن كان من أهل الاجتهاد أوالاتباع فهو مأجور، فإن وافق قوله الحق فله أجران، وإن جانب الحق فله أجر، أما الزعم بأن كل مجتهد مصيب فخطأ شائع.
لا إخال شريعة من الشرائع السماوية أوالأرضية اعترفت بحق الآخر كما هو في شريعة النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم، وذلك أن جميع الخلق مسلمهم وكافرهم من أمته، فالمؤمنون المصدِّقون هم أمة الاستجابة، والكافرون المعاندون هم أمة الدعوة.
والكل من قبل ومن بعد عبيد الله عز وجل، بما في ذلك عبيد السوء المشركين التعساء.
والكل في الإسلام له حقوق وعليه واجبات، فبقدر أدائه للواجبات التي عليه ينال حقوقه، ويحصل على حظوظه.
أصناف الأمة
1. مسلمون، وهم قسمان:
أ. أهل سنة.
ب. وأهل قبلة
2. مبتدعة، وهم قسمان:
أ. أصحاب بدع صغيرة.
ب. وأصحاب بدع كفرية كبيرة.
3. كفار ومنافقون نفاق اعتقاد.
لقد جمع الله بينهم في مواطن: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ"1، "إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا"2، "إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ"3، لوحدة مصيرهما في الآخرة.
والكفار أقسام:
أ. ذميون.
ب. معاهدون.
ج. محاربون
ولكل قسم من هذه الأقسام حقوق وواجبات تختلف عن حقوق وواجبات القسمين الآخرين.
علاقة المسلم بالمسلم مستور الحال
فالمسلم إن كان من أهل السنة، وهم كل من سوى أهل البدع من رافضة، وخوارج، ومرجئة، ونحوهم، وهم الذين يكونون على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاعتقاد، والتصور، والمنهج، والسلوك، والعبادة، على الأقل من الناحية النظرية، كما جاء في وصف الفرقة الناجية: "الذين يكونون على ما أنا عليه وأصحابي اليوم".4
وهؤلاء تجب موالاتهم موالاة كاملة بقدر الطاقة، أما إن كان المسلم من أهل القبلة، وقد عرفهم الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: "من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم، له ما لنا وعليه ما علينا".5
فأهل القبلة اسم جامع لكل من نطق بالشهادتين، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، ولم ينكر أمراً من أمور الدين المعلومة ضرورة، فإن جحد أمراً معلوماً من الدين ضرورة، وعلِّم بخطورة ذلك، وأزيلت عنه الشبه، ولم يرجع، فهذا ليس بمسلم.
وأهل القبلة تجب موالاتهم بقدر تمسكهم بالدين، ولجميع المسلمين سنيهم وأهل القبلة منهم الحقوق الكفائية التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عند الاختلاف
عند الاختلاف على المسلمين جميعاً أن يردوا الأمر إلى الله ورسوله، إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أجمعت عليه الأمة بحكم الله: " فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ"6، " فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا"7، وبحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به".8
الذي يحدث، أن كثيراً من المسلمين لا يلتزمون بذلك عند التنازع، لأسباب مختلفة، منها:
1. الاحتجاج بالأحاديث الضعيفة والموضوعة.
2. التأويلات المرجوحة والفاسدة لبعض النصوص الصحيحة.
3. التقليد والتعصب لبعض الأئمة والقادة.
4. اعتقاد البعض أن الاختلاف الخالي من الدليل حجة، ولهذا فله أن يتخير من أقوال الأئمة ما يشاء، وهذا هو عين اتباع الهوى.
5. التشبث ببعض الزلات والسقطات لأهل العلم.
6. ومنهم من تأخذه العزة بالإثم، ويستنكف عن قبول الحق.
7. ومنهم من يعتقد أن الحق هو ما عليه عامة الناس – الأغلبية.
8. تقسيم البعض البدع إلى حسنة وقبيحة.
9. التعصب للتقاليد والأعراف: "إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ"9.
10. تباين المرجعيات واختلافها في هذه العصور المتأخرة.
هذه أهم الأسباب التي وسَّعت دائرة الخلاف بين المسلمين، وجعلت البعض يرمي بعض العلماء وطلاب العلم بأنهم لا يعترفون بالآخر، ويردون ذلك إلى الكِبْر والتعالي عليهم.
علاقة المسلم بالمبتدع
البدع دركات، بعضها أخس وأقبح من بعض، منها بدع صغيرة، وأخرى متوسطة، وثالثة كفرية، وكلها ضلال بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وكل بدعة ضلالة".10
فمن حيث النوع فالبدع نوعان:
1. بدع ليست كفرية.
2. وبدع كفرية.
ومن حيث أتباعها فهم نوعان كذلك:
1. متسترون ببدعتهم.
2. داعون مجاهرون ببدعتهم.
فأصحاب البدع غير الكفرية يعاملون معاملة أهل القبلة في الحقوق والواجبات، ويوالون بقدر قربهم من السنة.
أما أصحاب البدع الكفرية، فالمستترون يعاملون بما ظهر منهم، أما المجاهرون الداعون لبدعتهم فهؤلاء يجتهد في نصحهم وإرشادهم وإزالة الشبه العالقة بهم، فإن رجعوا إلى رشدهم فبها ونعمت، وإن أصروا هُجروا هجراً يكون زجراً لهم ولأمثالهم.
ولا ينبغي أن يجامل هؤلاء على حساب الدين، فسلوك أهل السنة مع هذا الصنف واضح، ومفاصلتهم لهم واجبة، وهي من أفضل القرب.
وليس لهجر أهل البدع حد، ولكن يختلف باختلاف الحال.
ومناظرة ومجادلة أهل البدع لا يخوض فيها إلا الراسخون في العلم، المتمكنون في الفقه والفهم.
علاقة المسلم بالكافر
علاقة المسلم بالكافر حددها ربنا سبحانه وتعالى، حيث قال: "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ"11.
هذا فيما يتعلق بالكافر مشركاً كان أم كتابياً، فالكتابي يخيَّر بين:
أ. الدخول في الإسلام.
ب. البقاء على كفره مع دفع الجزية.
أما المشرك فلا يُقبل منه إلا الإسلام.
ومن رحمة الله عز وجل بالكفار أن أمرنا بدعوتهم، وشرع لنا الجهاد – جهاد الطلب – لإنقاذهم من النار، فالجهاد رحمة للمؤمنين والكافرين: "كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ"12، فترك المسلمين لجهاد الطلب فيه ظلم لهم وللكفار.
وعندما يُطلق الجهاد يراد به جهاد الطلب، حيث يخرج المسلمون يطلبون من الكفار الدخول في الإسلام، ويقاتلون من حال بينهم وبين العباد.
هذا كله بعد دعوتهم إلى الإسلام، وإمهالهم ثلاثة أيام، وتخييرهم بين ثلاثة أمور: الإسلام، الجزية، أوالقتال.
فالكفار بطوائفهم الثلاثة حقوقهم محفوظة مبينة في مظانها، ذميين كانوا أم معاهدين أم محاربين، وليت المسلمين يجدون معشار ما يجده الكفار من المسلمين.
الخلط بين الأمور العقدية والعلاقات الشخصية
يخلط كثير من الناس بين العلاقات الشخصية الإنسانية وبين المسائل الدينية العقدية على وجه الخصوص، وبينهما ما بينهما من الفروق.
فالمسلم مطالب بحسن المعاملة مع الكافر غير المحارب، ومع المبتدع غير المعلن، فكيف مع المسلم مستور الحال؟! فالرفق، والتلطف، والحكمة، والموعظة الحسنة طريق الدعوة إلى الله.
قال تعالى: "لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ"13، وقال: "ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ"14، وقال: "وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"15، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في كل ذات كبد رطبة أجر".16
لكنه في نفس الوقت نهى عن موالاة الكفار ولو كانوا أولي قربى: "لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْأَبْنَاءهُمْ أَوْإِخْوَانَهُمْ أَوْعَشِيرَتَهُمْ"17.
مما يدل على الفارق بين الإحسان وحسن معاملة الكفار غير المحاربين من ناحية، وتوليهم والاعتراف بما يصدر منهم من كفريات من ناحية أخرى.
أما الكفار وأصحاب البدع الكفرية المعلنين والداعين لها، والفسقة المجاهرين بفسقهم، فلا مجال للاعتراف بما يقولون، ولا مجرد السماع إلى كفرياتهم وضلالهم، إلا لمن استطاع أن يرد عليهم ويغلظ لهم، عملاً بقوله تعالى: "وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ"18.
اختلاف المسلم مع المسلم
الاختلاف إما أن يكون:
1. خلاف تنوع، فهذا الأمر فيه سهل ما لم يبغ أحد الطرفين على الآخر، فإن بغى أحدهما على الآخر فهنا يحدث ما لا تحمد عقباه.
وخلاف التنوع هذا على الرغم من أن منه ما هو راجح وما هو مرجوح، لكن ينبغي أن يسعنا فيه ما وسع سلف الأمة، حيث يكتفى فيه ببيان الراجح، ولا يتعدى الأمر فيه الهجر والمقاطعة.
2. أما خلاف التضاد فالحق فيه واحد، نحو إمرار آيات وأحاديث الأسماء والصفات كما جاءت، من غير تأويل، ولا تمثيل، ولا تشبيه، وأن التأويل باطل ومردود مهما كان الدافع لذلك.
ومن أمثلة خلاف التضاد المحرم إباحة الغناء والموسيقى، وتولي المرأة الإمامة الصغرى والكبرى، لشذوذ من قال بذلك، وقد نهى الشارع الحكيم عن تتبع الشذوذات، والزلات، والهفوات.
أما المطالبة بالاعتراف بالآخر الذي يتمسك بتلك الزلات والهفوات، ويرد بها الأخبار الصحيحة المتواترة، فهذا من باب الظلم والجهل بمقاصد الشريعة.
فالذين يلومون في ذلك هم أولى باللوم، ويصدق عليهم قول القائل: "رمتني بدائها وانسلت".
فثبت أن مرادهم بالاعتراف بالآخر الاعتراف بـ:
1. الملل الكافرة، والأديان المحرفة المنسوخة.
2. بالكفر والضلال.
3. بالبدع والمحدثات.
4. بالفجور والفسوق.
5. بالتحلل والتفسخ من الثوابت.
6. المداهنة والمنافقة.
7. بموالاة من أمرنا الشارع بمعاداته، وهجره، وإبعاده.
8. بالأخذ بالسقطات والزلات.
ألا يدل ذلك كله على أن المراد برفع هذا الشعار هو التلبيس، والتدليس، وطمس الحقائق، ونصرة الباطل، على العكس والنقيض مما أرشدنا إليه نبينا.
انصر أخاك ظالماً أومظلوماً
فإن كان مظلوماً نصرته ممن ظلمه، وإن كان ظالماً أخذت بيده ونهيته عن الظلم، فذلك نصرك إياه، كما جاء في الحديث الصحيح، أما أن تنافقه، وتجامله، وتداهنه على حساب الشرع، فهذا لا يحل.
فالاعتراف بالآخر مهما كان نوعية هذا الآخر، ومهما كان الصادر منه كفراً، وضلالاً، وفسقاً، وفجوراً، مناقضٌ لهذا التوجيه النبوي.
وثمة آخر، وهو أن الآخر هذا إما أن يكون على حق فلا يضره رفض الآخرين له، وإما أن يكون على ضلال وخطأ فلا تنفعه موافقة جميع الخلق، بل تزيده خبالاً على خباله، بدخوله في الوعيد: "ومن سنَّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً"، كما صحَّ بذلك الخبر.
الدعوة إلى الاعتراف بالآخر وإن كان كافراً، أومبتدعاً، أوفاسقاً، وإن كان ما جاء به كفر، وضلال، وخطأ، مخالف لما كان عليه سادات العلماء المقتدى بهم، أمثال الحسن، وأيوب، وأبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وغيرهم كثير، إذ لم يقف هؤلاء عند عدم الاعتراف بالآخر، بل تعدوه إلى اللعن، والهجر، والطرد.
*
روي عن الحسن وأبي حنيفة أنهما قالا عن المعتزلي عمرو بن عبيد: "لعنه الله، ما أزهده"، فلم يمنعهما الاعتراف بزهده عن لعنه وطرده من رحمة الله.
*
وطرد مالك أحد تلاميذ عمرو بن عبيد شر طردة من مجلسه، وقال له: "ما أراك إلا ضالاً"، وأمر بإخراجه من مجلسه.
*
ورفض أيوب السختياني مجرد الاستاع لآية أوحديث من مبتدع، وعندما قال له المبتدع: اسمع مني كلمة؛ قال له: "ولا نصف كلمة، إما أن تقوم وإما أن أقوم".
*
وزجر الشافعي حفصاً المعتزلي ولعنه، وقد جاء لعيادته، عندما قال له: عرفتني يا أبا عبد الله؟ قال له: "لا عرفك الله، ولا حيَّاك، ولا بيَّاك".
*
ومنع عمر بن عبد العزيز دخول شعراء المبتدعة المتزلفين عليه، أمثال الفرزدق وجرير.
*
ومن قبل جلد عمر وحبس صبيغاً لمجرد سؤاله عن المتشابه من القرآن، الذي لا يتعلق به حكم من الأحكام الشرعية، نحو سؤاله عن "الذاريات".
ولولا خوف الإطالة لأتينا بالعديد من النماذج التي تبين فساد هذا الادعاء وبطلانه، وأن عدم الاعتراف والرجوع إلى قول الآخر إذا كان مناقضاً للدين ومخالفاً للدليل الصحيح الصريح قربى إلى الله عز وجل.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، والباطل باطلاً وجنبنا اتباعه، واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلى الله وسلم وبارك على محمد القائل: "من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى".
إذ الحق عند الله واحد لا يتعدد، كما هو مذهب العامة من أهل العلم المقتدى بهم، وكل مجتهد إن كان من أهل الاجتهاد أوالاتباع فهو مأجور، فإن وافق قوله الحق فله أجران، وإن جانب الحق فله أجر، أما الزعم بأن كل مجتهد مصيب فخطأ شائع.
لا إخال شريعة من الشرائع السماوية أوالأرضية اعترفت بحق الآخر كما هو في شريعة النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم، وذلك أن جميع الخلق مسلمهم وكافرهم من أمته، فالمؤمنون المصدِّقون هم أمة الاستجابة، والكافرون المعاندون هم أمة الدعوة.
والكل من قبل ومن بعد عبيد الله عز وجل، بما في ذلك عبيد السوء المشركين التعساء.
والكل في الإسلام له حقوق وعليه واجبات، فبقدر أدائه للواجبات التي عليه ينال حقوقه، ويحصل على حظوظه.
أصناف الأمة
1. مسلمون، وهم قسمان:
أ. أهل سنة.
ب. وأهل قبلة
2. مبتدعة، وهم قسمان:
أ. أصحاب بدع صغيرة.
ب. وأصحاب بدع كفرية كبيرة.
3. كفار ومنافقون نفاق اعتقاد.
لقد جمع الله بينهم في مواطن: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ"1، "إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا"2، "إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ"3، لوحدة مصيرهما في الآخرة.
والكفار أقسام:
أ. ذميون.
ب. معاهدون.
ج. محاربون
ولكل قسم من هذه الأقسام حقوق وواجبات تختلف عن حقوق وواجبات القسمين الآخرين.
علاقة المسلم بالمسلم مستور الحال
فالمسلم إن كان من أهل السنة، وهم كل من سوى أهل البدع من رافضة، وخوارج، ومرجئة، ونحوهم، وهم الذين يكونون على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاعتقاد، والتصور، والمنهج، والسلوك، والعبادة، على الأقل من الناحية النظرية، كما جاء في وصف الفرقة الناجية: "الذين يكونون على ما أنا عليه وأصحابي اليوم".4
وهؤلاء تجب موالاتهم موالاة كاملة بقدر الطاقة، أما إن كان المسلم من أهل القبلة، وقد عرفهم الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: "من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم، له ما لنا وعليه ما علينا".5
فأهل القبلة اسم جامع لكل من نطق بالشهادتين، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، ولم ينكر أمراً من أمور الدين المعلومة ضرورة، فإن جحد أمراً معلوماً من الدين ضرورة، وعلِّم بخطورة ذلك، وأزيلت عنه الشبه، ولم يرجع، فهذا ليس بمسلم.
وأهل القبلة تجب موالاتهم بقدر تمسكهم بالدين، ولجميع المسلمين سنيهم وأهل القبلة منهم الحقوق الكفائية التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عند الاختلاف
عند الاختلاف على المسلمين جميعاً أن يردوا الأمر إلى الله ورسوله، إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أجمعت عليه الأمة بحكم الله: " فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ"6، " فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا"7، وبحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به".8
الذي يحدث، أن كثيراً من المسلمين لا يلتزمون بذلك عند التنازع، لأسباب مختلفة، منها:
1. الاحتجاج بالأحاديث الضعيفة والموضوعة.
2. التأويلات المرجوحة والفاسدة لبعض النصوص الصحيحة.
3. التقليد والتعصب لبعض الأئمة والقادة.
4. اعتقاد البعض أن الاختلاف الخالي من الدليل حجة، ولهذا فله أن يتخير من أقوال الأئمة ما يشاء، وهذا هو عين اتباع الهوى.
5. التشبث ببعض الزلات والسقطات لأهل العلم.
6. ومنهم من تأخذه العزة بالإثم، ويستنكف عن قبول الحق.
7. ومنهم من يعتقد أن الحق هو ما عليه عامة الناس – الأغلبية.
8. تقسيم البعض البدع إلى حسنة وقبيحة.
9. التعصب للتقاليد والأعراف: "إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ"9.
10. تباين المرجعيات واختلافها في هذه العصور المتأخرة.
هذه أهم الأسباب التي وسَّعت دائرة الخلاف بين المسلمين، وجعلت البعض يرمي بعض العلماء وطلاب العلم بأنهم لا يعترفون بالآخر، ويردون ذلك إلى الكِبْر والتعالي عليهم.
علاقة المسلم بالمبتدع
البدع دركات، بعضها أخس وأقبح من بعض، منها بدع صغيرة، وأخرى متوسطة، وثالثة كفرية، وكلها ضلال بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وكل بدعة ضلالة".10
فمن حيث النوع فالبدع نوعان:
1. بدع ليست كفرية.
2. وبدع كفرية.
ومن حيث أتباعها فهم نوعان كذلك:
1. متسترون ببدعتهم.
2. داعون مجاهرون ببدعتهم.
فأصحاب البدع غير الكفرية يعاملون معاملة أهل القبلة في الحقوق والواجبات، ويوالون بقدر قربهم من السنة.
أما أصحاب البدع الكفرية، فالمستترون يعاملون بما ظهر منهم، أما المجاهرون الداعون لبدعتهم فهؤلاء يجتهد في نصحهم وإرشادهم وإزالة الشبه العالقة بهم، فإن رجعوا إلى رشدهم فبها ونعمت، وإن أصروا هُجروا هجراً يكون زجراً لهم ولأمثالهم.
ولا ينبغي أن يجامل هؤلاء على حساب الدين، فسلوك أهل السنة مع هذا الصنف واضح، ومفاصلتهم لهم واجبة، وهي من أفضل القرب.
وليس لهجر أهل البدع حد، ولكن يختلف باختلاف الحال.
ومناظرة ومجادلة أهل البدع لا يخوض فيها إلا الراسخون في العلم، المتمكنون في الفقه والفهم.
علاقة المسلم بالكافر
علاقة المسلم بالكافر حددها ربنا سبحانه وتعالى، حيث قال: "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ"11.
هذا فيما يتعلق بالكافر مشركاً كان أم كتابياً، فالكتابي يخيَّر بين:
أ. الدخول في الإسلام.
ب. البقاء على كفره مع دفع الجزية.
أما المشرك فلا يُقبل منه إلا الإسلام.
ومن رحمة الله عز وجل بالكفار أن أمرنا بدعوتهم، وشرع لنا الجهاد – جهاد الطلب – لإنقاذهم من النار، فالجهاد رحمة للمؤمنين والكافرين: "كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ"12، فترك المسلمين لجهاد الطلب فيه ظلم لهم وللكفار.
وعندما يُطلق الجهاد يراد به جهاد الطلب، حيث يخرج المسلمون يطلبون من الكفار الدخول في الإسلام، ويقاتلون من حال بينهم وبين العباد.
هذا كله بعد دعوتهم إلى الإسلام، وإمهالهم ثلاثة أيام، وتخييرهم بين ثلاثة أمور: الإسلام، الجزية، أوالقتال.
فالكفار بطوائفهم الثلاثة حقوقهم محفوظة مبينة في مظانها، ذميين كانوا أم معاهدين أم محاربين، وليت المسلمين يجدون معشار ما يجده الكفار من المسلمين.
الخلط بين الأمور العقدية والعلاقات الشخصية
يخلط كثير من الناس بين العلاقات الشخصية الإنسانية وبين المسائل الدينية العقدية على وجه الخصوص، وبينهما ما بينهما من الفروق.
فالمسلم مطالب بحسن المعاملة مع الكافر غير المحارب، ومع المبتدع غير المعلن، فكيف مع المسلم مستور الحال؟! فالرفق، والتلطف، والحكمة، والموعظة الحسنة طريق الدعوة إلى الله.
قال تعالى: "لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ"13، وقال: "ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ"14، وقال: "وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"15، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في كل ذات كبد رطبة أجر".16
لكنه في نفس الوقت نهى عن موالاة الكفار ولو كانوا أولي قربى: "لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْأَبْنَاءهُمْ أَوْإِخْوَانَهُمْ أَوْعَشِيرَتَهُمْ"17.
مما يدل على الفارق بين الإحسان وحسن معاملة الكفار غير المحاربين من ناحية، وتوليهم والاعتراف بما يصدر منهم من كفريات من ناحية أخرى.
أما الكفار وأصحاب البدع الكفرية المعلنين والداعين لها، والفسقة المجاهرين بفسقهم، فلا مجال للاعتراف بما يقولون، ولا مجرد السماع إلى كفرياتهم وضلالهم، إلا لمن استطاع أن يرد عليهم ويغلظ لهم، عملاً بقوله تعالى: "وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ"18.
اختلاف المسلم مع المسلم
الاختلاف إما أن يكون:
1. خلاف تنوع، فهذا الأمر فيه سهل ما لم يبغ أحد الطرفين على الآخر، فإن بغى أحدهما على الآخر فهنا يحدث ما لا تحمد عقباه.
وخلاف التنوع هذا على الرغم من أن منه ما هو راجح وما هو مرجوح، لكن ينبغي أن يسعنا فيه ما وسع سلف الأمة، حيث يكتفى فيه ببيان الراجح، ولا يتعدى الأمر فيه الهجر والمقاطعة.
2. أما خلاف التضاد فالحق فيه واحد، نحو إمرار آيات وأحاديث الأسماء والصفات كما جاءت، من غير تأويل، ولا تمثيل، ولا تشبيه، وأن التأويل باطل ومردود مهما كان الدافع لذلك.
ومن أمثلة خلاف التضاد المحرم إباحة الغناء والموسيقى، وتولي المرأة الإمامة الصغرى والكبرى، لشذوذ من قال بذلك، وقد نهى الشارع الحكيم عن تتبع الشذوذات، والزلات، والهفوات.
أما المطالبة بالاعتراف بالآخر الذي يتمسك بتلك الزلات والهفوات، ويرد بها الأخبار الصحيحة المتواترة، فهذا من باب الظلم والجهل بمقاصد الشريعة.
فالذين يلومون في ذلك هم أولى باللوم، ويصدق عليهم قول القائل: "رمتني بدائها وانسلت".
فثبت أن مرادهم بالاعتراف بالآخر الاعتراف بـ:
1. الملل الكافرة، والأديان المحرفة المنسوخة.
2. بالكفر والضلال.
3. بالبدع والمحدثات.
4. بالفجور والفسوق.
5. بالتحلل والتفسخ من الثوابت.
6. المداهنة والمنافقة.
7. بموالاة من أمرنا الشارع بمعاداته، وهجره، وإبعاده.
8. بالأخذ بالسقطات والزلات.
ألا يدل ذلك كله على أن المراد برفع هذا الشعار هو التلبيس، والتدليس، وطمس الحقائق، ونصرة الباطل، على العكس والنقيض مما أرشدنا إليه نبينا.
انصر أخاك ظالماً أومظلوماً
فإن كان مظلوماً نصرته ممن ظلمه، وإن كان ظالماً أخذت بيده ونهيته عن الظلم، فذلك نصرك إياه، كما جاء في الحديث الصحيح، أما أن تنافقه، وتجامله، وتداهنه على حساب الشرع، فهذا لا يحل.
فالاعتراف بالآخر مهما كان نوعية هذا الآخر، ومهما كان الصادر منه كفراً، وضلالاً، وفسقاً، وفجوراً، مناقضٌ لهذا التوجيه النبوي.
وثمة آخر، وهو أن الآخر هذا إما أن يكون على حق فلا يضره رفض الآخرين له، وإما أن يكون على ضلال وخطأ فلا تنفعه موافقة جميع الخلق، بل تزيده خبالاً على خباله، بدخوله في الوعيد: "ومن سنَّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً"، كما صحَّ بذلك الخبر.
الدعوة إلى الاعتراف بالآخر وإن كان كافراً، أومبتدعاً، أوفاسقاً، وإن كان ما جاء به كفر، وضلال، وخطأ، مخالف لما كان عليه سادات العلماء المقتدى بهم، أمثال الحسن، وأيوب، وأبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وغيرهم كثير، إذ لم يقف هؤلاء عند عدم الاعتراف بالآخر، بل تعدوه إلى اللعن، والهجر، والطرد.
*
روي عن الحسن وأبي حنيفة أنهما قالا عن المعتزلي عمرو بن عبيد: "لعنه الله، ما أزهده"، فلم يمنعهما الاعتراف بزهده عن لعنه وطرده من رحمة الله.
*
وطرد مالك أحد تلاميذ عمرو بن عبيد شر طردة من مجلسه، وقال له: "ما أراك إلا ضالاً"، وأمر بإخراجه من مجلسه.
*
ورفض أيوب السختياني مجرد الاستاع لآية أوحديث من مبتدع، وعندما قال له المبتدع: اسمع مني كلمة؛ قال له: "ولا نصف كلمة، إما أن تقوم وإما أن أقوم".
*
وزجر الشافعي حفصاً المعتزلي ولعنه، وقد جاء لعيادته، عندما قال له: عرفتني يا أبا عبد الله؟ قال له: "لا عرفك الله، ولا حيَّاك، ولا بيَّاك".
*
ومنع عمر بن عبد العزيز دخول شعراء المبتدعة المتزلفين عليه، أمثال الفرزدق وجرير.
*
ومن قبل جلد عمر وحبس صبيغاً لمجرد سؤاله عن المتشابه من القرآن، الذي لا يتعلق به حكم من الأحكام الشرعية، نحو سؤاله عن "الذاريات".
ولولا خوف الإطالة لأتينا بالعديد من النماذج التي تبين فساد هذا الادعاء وبطلانه، وأن عدم الاعتراف والرجوع إلى قول الآخر إذا كان مناقضاً للدين ومخالفاً للدليل الصحيح الصريح قربى إلى الله عز وجل.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، والباطل باطلاً وجنبنا اتباعه، واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلى الله وسلم وبارك على محمد القائل: "من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى".