العائدون إلى الله
قصص جديدة للتائبين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فهذه أخبار بعض التائبين العائدين إلى الله جمعتها تشويقاً إلى أخبارهم وترغيباً في أحوالهم والاقتداء بهم، سائلاً الله عز وجل أن يقبل منا توبتنا وتوبة كل مسلم إنه هو التواب الرحيم.
توبة شاب عاق لأمه
ح.ح.م. شاب ذهب إلى الخارج.. تعلم وحصل على شهادات عالية ثم رجع إلى البلاد.. تزوج غنية جميلة كانت سبباً في تعاسته لولا عناية الله..
يقول ح.ح.م مات والدي وأنا صغير فأشرفت أمي على رعايتي.. عملت خادمة في البيوت حتى تستطيع أن تصرف علي فقد كنت وحيدها.. أدخلتني المدرسة وتعلمت حتى أنهيت الدراسة الجامعية.. كنت باراً بها.. وجاءت بعثتي إلى الخارج فودعتني أمي والدموع تملاً عينيها وهي تقول لي: انتبه يا ولدي على نفسك ولا تقطعني من اخبارك، أرسل لي رسائل حتى أطمئن على صحتك.
أكملت تعليمي بعد مضي زمن طويل، ورجعت شخصاً آخر قد أثرت فيه الحضارة الغربية.. رأيت في الدين تخلفاً ورجعية.. وأصبحت لا أؤمن إلا بالحياة المادية والعياذ بالله.
وتحصلت على وظيفة عالية، وبدأت أبحث عن الزوجة حتى حصلت عليها، وكانت والدتي قد اختارت لي فتاة متدينة محافظة، ولكني أبيت إلا تلك الفتاة الغنية الجميلة لأني كنت أحلم بالحياة الارستقراطية كما يقولون، وخلال ستة أشهر من زواجي كانت زوجتي تكيد لأمي حتى كرهت والدتي، وفي يوم من الأيام دخلت البيت وإذا بزوجتي تبكي، فسألتها عن السبب فقالت لي شوف يا أنا يا أمك في هذا البيت، لا أستطيع أن أصبر عليها أكثر من ذلك!!
وبعد ذلك بساعات خرجت أبحث عنها ولكن بلا فائدة، رجعت إلى البيت واستطاعت زوجتي بمكرها وجهلي أن تنسيني تلك الأم الغالية الفاضلة.
انقطعت أخبار أمي عني فترة من الزمن أصيبت خلالها بمرض خبيث، دخلت على أثره المستشفى وعلمت أمي أمي بالخبر فجاءت تزوروني وكانت زوجتي عدي، وقبل أن تدخل علي طردتها زوجتي، وقالت لها: ابنك ليس هنا.. ماذا تريدين منا؟
اذهبي عنا.. رجعت أمي من حيث أتت!
وخرجت من المستشفى بعد وقت طويل انتكست فه حالتي النفسية وفقدت الوظيفة والبيت وتراكمت علي الديون.. وكل ذلك بسبب زوجتي، فقد كانت ترهقني بطلباتها الكثيرة.. وفي آخر المطاف ردت زوجتي الجميل وقالت: ما دمت قد فقد وظيفتك ومالك ولم يعد لك مكان في المجتمع، فإني أعلنها لك صريحة أنا لا أريدك طلقني.
كان هذا الخبر بمثابة صاعقة وقعت على رأسي، وطلقتها بالفعل، فاستيقظت من السبات الذي كنت فيه.
خرجت أهيم على وجهي أبحث عن أمي، وفي النهاية وجدتها ولكن أين وجدتها؟!
كانت تقبع في أحد الأربطة تأكل من صدقات المحسنين!!
دخلت عليها.. وجدتها وقد أثر عليها البكاء فبدت شاحبة، وما أن رأيتها حتى ألقيت بنفسي عند رجليها وبكيت بكاء مراً.. فما كان مها إلا أن شاركتني البكاء..
بقينا على هذه الحالة حوالي ساعة كاملة.. بعدها أخذتها إلى البيت واليت على نفسي أن أكون طائعاً لها، وقبل ذلك أكون متبعاً لأوامر الله ومجتنباً لنوهيه.
وها أنا الآن أعيش أحلى أيامي وأجملها مع حبيبة العمر: أمي حفظها الله وأسأل الله أن يديم علينا الستر والعافية.
توبة شاب كان يتعرض للنساء
إنها قصة مؤثرة يرويها أحد الغيورين على دين الله، يقول:
خرجت ذات يوم بسيارتي لقضاء بعض الأعمال، وفي إحدى الطرق الفرعية الهادئة قابلني بعض شاب يركب سيارة صغير ةلم يراني لأنه كان مشغولاً بمحلاقة بعض الفتيات في تلك الطريق الخالية من المارة، كنت مسرعاً فتجاوزته، فلما سرت غير بعد، قلت في نفسي، أأعود فأنصح ذلك الشاب؟
أم أمضي في طريقي وأدعه يفعل ما يشاء؟
وبعد صراع داخلي، دام عدة ثواني فقط اخترت الأمر الأول.
عدت ثانية فإذا قد أوقف سيارته وهو ينظر إليهن ينتظر منهن نظرة أو التفاتة فدخلن في أحد البيوت.
أوقفت سيارتي بجوار سيارته، نزلت من سيارتي واتجهت إليه، سلمت عليه أولاً، ثم نصحته فكان مما قلته له: تخيل أن هؤلاء الفتيات أخواتك أو بناتك أو قريباتك فهل ترضى لأحد من الناس أن يلاحقهن أو يؤذيهن؟
كنت أتحدث إليه، وأنا أشعر بشيء من الخوف، فقد كان شاباً ضخماً ممتلئ الجسم، كان يستمتع إلي وهو مطرق الرأس لا ينبس ببنت شفة.
وفجأة التفت إلي، فإذا دمعة قد سالت على خده فاستبشرت خيراً، وكان ذلك دافعاً لي لمواصلة النصيحة، لقد زال الخوف مني تماماً وشددت عليه في الحديث حتى رأيت أني قد أبلغت في النصيحة ثم ودعته لكنه استوقفني وطلب مني أن أكتب له رقم هاتفي وعنواني، وأخبرني أنه يعيش فراغاً نفسياً قائلاً، فكتبت له ما أراد.
وبعد أيام جائني في البيت، لقد تغير وجهه وتبدلت ملامحه، فقد أطلق لحيته وشع نور الإيمان من وجهه.
جلست معه فجعل يحدثني عن تلك الأيام التي قضاها في التسكع في الشوارع والطرقات وإيذاء المسلمين والمسلمات، فأخذت أسليه، وأخبرته بأن الله سبحانه واسع المغفرة، وتلوت عليه قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]
فانفجرت أسارير وجهه، واستبشر خيراً ثم ودعني وطلب مني أن أرد الزيارة، فهو في حاجة إلى من من يعينه على السير في الطريق المستقيم فودعته بالزيارة.
مضت الأيام، وشغلت ببعض المشاغل الحياة الكثيرة، وجعلت أسوف في زيارته، وبعد عدة أيام وجدت فرصة وذهبت إليه، طرقت الباب فإذا بشيخ كبير يفتح الباب، وقد ظهرت عليه آثار الحزن والأسى، إنه والده.
سألته عن صاحبي أطرق برأسه إلى الأرض، وصمت برهة، ثم قال بصوت خافت، يرحمه الله ويغفر له، لقد مات، ثم استطرد قائلاً: حقاً إن الأعمال بالخواتيم، ثم أخذ يحدثني عن حاله وكيف أنه كان مفرطاً في جنب الله، بعيداً عن طاعة الله فمن الله عليه بالهداية قبل موته بأيام، لقد تداركه الله برحمته قبل فوات الأوان.
فلما فرغ من حديثه عزيته ومضت.. وقد عاهدت الله أن أبذل النصيحة لكل مسلم.
توبة شاب غافل بعد وفاة أخته المؤمنة
يقول صاحب القصة: كنت شاباً غافلاً عن الله، بعيداً عنه، غارقاً في لجج المعاصي والآثام فلما أراد الله لي الهداية قد لي حادثاً أعادني إلى رشدي وردني إلى صوابي وإليكم القصة:
في يوم من الأيام وبعد أن قضينا أياماً جميلة في نزهة عائلية في مدينة الدمام، انطلقت بسيارتي عبر الطريق السريع بين الدمام والرياض ومعي أخواتي الثلاث، وبدل أن أدعو بدعاء السفر المأثور استنفرني الشطيان بصوته، وأجلب علي بخيله، ورجله وزين لي سماع لهو الحديث المحرم لأظل سادراً غافلاً عن الله.
لم أكن حينذاك أحرص على سماع إذاعة القرآن الكريم أو الأشرطة الإسلامية النافعة للمشايخ والعلماء، لأن الحق والباطل لا يجتمعان في قلب واحد أبداً.
إحدى أخواتي كانت صالحة مؤمنة، ذاكرة لله، حافظة لحدوده، طلبت مني أن أسكت صوت الباطل، وأستمع إلى صوت الحق ولكن.. أني لي أن أستجيب لذلك وقد استحوذ علي الشيطان، ورفضت طلبها وقد شاركني في ذلك أختاي الأخريتان.. وكرت أختي المؤمنة طلبها فازددت عناداً وإصراراً وأخذنا نسخر منها ونحتقرها بل إني قلت لها ساخراً إن أعجبك الحال وإلا أنزلتك على قارعة الطريق!!
فصمتت أختي على مضض وقد كرهت هذا العمل بقلبها، وأدت ما علينا والهل سبحانه لا يكلف نفساً إلا وسعها.
وفجأة وبقدر من الله سبق انفجرت إحدى عجلات السيارة ونحن نسير بسرعة شديدة فانحرفت السيارة عن الطريق وهوت في منحدر جانبي، فأصبحت رأساً على عقب، بعد أن انقلبت عدة مرات، وأصبحنا في حال لا يعلمها إلا الله العلي العظيم، فاجتمع الناس حول سيارتنا المنكوبة وقام أهل الخير بإخراجنا من بين الحطام والزجاج المتناثر.. ولكن ماالذي حدث؟
لقد خرجنا جميعاً سالمين، إلا من بعض الإصابات البسيطة ما عدا أختي المؤمنة.. أختي الصابرة.. أختي الطيبة.. فقد لقظت أنفاسها الأخيرة تحت الركام..!!
نعم.. لقد ماتت أختي الحبيبة التي كنا نستهزئ بها، واختارها الله إلى جواره، وإني لأرجو أن تكون في عداد الشهداء الأبرار، وأسال الله عز وجل أن يرفع منزلتها ويعلي مكانتها في جنات النعيم.
أما أنا فقد بكيت على نفسي قبل أن أبكي على أختي، وانكشف عني الغطاء فأبصرت حقيقة نفسي وما كنت فيه من الغرور والغفلة والضياع، وعلمت أن الله جل وعلا قد أراد بي خيراً وكتب لي عمراً جديداً لأبدأ حياة جديدة ملؤها الإيمان والعمل الصالح.
أما أختي الحبيبة فكلما تذكرتها أذرف دموع الحزن والندم، وأتساءل في نفسي:
هل سيغفر الله لي؟
فأجد الجواب في كتاب الله عز وجل في قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [الزمر: 53]
وختاماً أحذركم إخواني في الله من الغرور والغفلة فأفيقوا أيها الغافلون، وخذوا من غيركم العبرة.. قبل أن تكونوا لغيركم عبرة..!!
توبة رجل عاص على يد ابنته الصغيرة
كان يقطن الرياض.. يعيش في ضياع ولا يعرف الله إلا قليلاً.
منذ سنوات لم يدخل المسجد ولم يسجد لهل سجدة واحدة.. ويشاء الله عز وجل أن تكون توبته على يد ابنته الصغيرة! يروي القصة فيقول:
كنت أسهر حتى الفجر مع رفقاء السوء في لهو ولعب وضياع، تاركاً زوجتي المسكينة وهي تعاني من الوحدة والضيق والألم ما الله به عليم، لقد عجزت عني تلك الزوجة الصالحة الوفية فهي لم تدخر وسعاً في نصحي وإرشادي ولكن دون جدوى.
وفي إحدى الليالي، جئت من إحدى سهراتي العابثة، وكانت الساعة تشير إلى الثالثة صباحاً فوجدت زوجتي وابنتي الصغيرة وهما تغطان في سبات عميق، فاتجهت إلى الغرفة المجاورة لأكمل ما تبقى من ساعات الليل في مشاهدة بعض الأفلام الساقطة من خلال جهاز الفيديو.. تلك الساعات التي ينزل فيها ربنا عز وجل فيقول: «هل من داع فأستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له، هل من سائل فأعطيه سؤاله؟»
وفجأة.. وأنا على تلك الحال المؤسفة.. فتح باب الغرفة.. فإذا هي ابنتي الصغيرة التي لم تتجاوز الخامسة من عمرها.. نظرت إليّ نظرة تعجب واحتقار وبادرتني قائلة: "بابا عيب عليك، اتق الله".
رددتها ثلاث مرات، ثم أغلقت وذهبت.. أصابني ذهول شديد، فأغلقت جهاز الفيديو، وجلست حائراً، كلماتها لاتزال تتردد في مسامعي وتكاد تقتنلني.. فخرجت في إثرها فوجدتها قد عادت إلى فراشها..
أصبحت كالمجنون، لا أدري ما الذي أصابني في ذلك الوقت، وما هي إلا لحظات حتى انطلق صوت المؤذن من المسجد القريب ليمزق سكون الليل الرهيب، منادياً لصلاة الفجر، توضأت وذهبت إلى المسجد ولم تكن لدي رغبة شديدة في الصلاة، وإنما الذي كان يشغلني ويقلق بالي كلمات ابنتي الصغيرة..
وأقيمت الصلاة.. وكبر الإمام، وقرأ ما تيسر له من القرآن، وما أن سجد وسجدت خلفه ووضعت جبهتي على الأرض حتى انفجرت ببكاء شديد لا أعلم له سبباً، فهذه أول سجدة أسجدها لله عز وجل.. منذ سبع سنوات!!
كان ذلك البكاء فاتحة خير لي، لقد خرج مع ذلك البكاء كل ما في قلبي من كفر ونفاق وفساد، وأحسست بأن الإيمان بدأ يسري بداخلي.
وبعد الصلاة جلست في المسجد قليلاً ثم رجعت إلى بيتي فلم أذق طعم النوم، حتى ذهبت إلى العمل فلما دخلت على صاحبي، استغرب حضوري مبكراً، فقد كنت لا أحضر إلا في ساعة متأخرة، بسبب السهر طوال ساعات الليل، ولما سألني عن السبب أخبرته بما حدث لي البارحة.. فقال: أحمد الله أن سخر لك هذه البنت الصغيرة التي أيقظتك من غفلتك.. ولم تأتك منيتك وأنت على تلك الحال..
ولما حان وقت الظهر كنت مرهقاً حيث لم أنم منذ وقت طويل، فطلبت من صاحبي أن يتسلم عملي، وعدت إلى بيتي لأنال قسطاً من الراحة وأنا في شوق لرؤية ابنتي الصغيرة التي كانت سبباً في هدايتي ورجوعي إلى الله.
دخلت البيت، فاستقبلتني زوجتي وهي تبكي، فقلت لها: مالك يا امرأة؟
فجاء جوابها كالصاعقة، لقد ماتت ابنتك..
لم أتمالك نفسي من هول الصدمة وانفجرت بالبكاء طويلاً.. وبعد أن هدأت من هول الصدمة، وانفجرت بالبكاء طويلاً.. وبعد أن هدأت نفسي تذكرت ما حدث لي ماهو إلا ابتلاء من الله عز وجل ليختبر إيماني، فحمدت الله عز وجل ورفعت سماعة الهاتف، واتصلت بصاحبي وطلبت منه لمساعدتي.
حضر صاحبي، وأخذ الطفلة وغلسها وكفنها وصلينا عليها، ثم ذهبنا بها إلى المقبرة، فقال لي صاحبي: لا يليق أن يدخلها في القبر غيرك، فحملتها والدموع تملأ عيني، ووضعتها في اللحد،.. أنا لم أدفن ابنتي، وإنما دفنت النور الذي أضاء لي الطريق في هذه الحياة، فأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلها ستراً لي من النار، وأن يجزي زوجتي المؤمنة الصابرة خير الجزاء.
توبة السفاح
هكذا كان يلقب لكثرة جرائمه التي لم تقف عند حد، فقد كان مضرب المثل في الجريمة والإرهاب، الكل يرهبه ويخافه كان الناس يقولون: لو استقام العصاة والمجرمون كلهم ما استقام فلان يعنونه، فسبحان من بيده قلوب العباد.. من كان يصدق أن مثل هذا القلب القاسي سيلين في يوم من الأيام؟!
لكنها إرادة الله عز وجل ومشيئته: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الحديد: 17]
وقد روى لي قصة كاملة يوم أن هداه الله فإذا فيها أمور عظام تقشعر منها الأبدان، وتمتعض لهولها القلوب، اقتصرت منها على ما يحسن ذكره في مثل هذا المقام، قال عفا الله عنا وعنه.
توفي والدي قبل أن أتم التاسعة من عمري، وكنت أكبر أولاده فانتقلت أمي إلى بيت أبيها (جدي لأمي) أما أنا فاستقر بي المقام عند أعمامي، في بيت جدي لأبي، كنت بينهم كاللقيط الذي لا يعرف نسبه أو كاليتيم على مائدة اللئام، بل لقد كنت كذلك، وكأنهم لم يسمعوا قول الله عز وجل:
أو ماورد في الأثر: «خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه»
وليت الأمر اقتصر على ذلك بل كانت التهم دائماً توجه إلي.. بالسرقة.. والفساد.. وغير ذلك، في الوقت الذي كنت فيه في أشد الحاجة إلى العطف والحنان واليد الرحيمة المشفقة، كنت أرى الآباء وهم يقبلون أبناءهم ويلاعبونهم، ويشترون لهم الحلوى واللعب والثياب الجديدة، أما أنا.. فتدمع عيني ويتقطع قلبي ألماً وحسرة أصبحت أكره كل من حولي.. انتظر اللحظة السانحة لأنتقم من الجميع.
وحين بلغت سن الخامسة عشرة بدأت التمرد.. تلفت يميناً وشمالاً فلم أجد إلا رفقاء السوء فانخرطت معهم في غيهم، وتعلمت منهم التدخين والسهر إلى أوقات متأخرة، وعلم عمي أنني أصبحت مدخناً فضربني دون مفاهمة وطردني من البيت وكأنه ينتظر هذه اللحظة، فلجأت إلى بيت جدي لأمي حيث تقيم والدتي ولم تكن والدتي مع إخوتها في بيت جدي أحسن حالاً من مني فقد كانوا يعاملونها هي الأخرى كالخادمة في البيت فهي التي تطبخ وتنظف وتغسل و.. ولا أنسى مرة أنني دخلت عليها وأنا في أوج انحرافي وهي تبكي ألماً وتقول: يا بني اعقل وعد إلى رشدك وابحث لك عن وظيفة تنقذني بها من هذا العذاب فلم أكن ألقي لها بالاً.
وعملت مع أخوالي في الزراعة والحرث تحت الضرب والتهديد، فضاقت بي الدنيا، فاقترضت من والدتي بعض المال، فاشتريت به سيارة، وتوظفت في إحدى الشركات فتعرفت على رفقاء جدد عرفوني على المخدرات وأنواع أخرى من الشرور، فلما علمت والدتي أصابها الهم والحزن والمرض وفزعت إلى عمي وخالي لنصحي وإنقاذي قبل فوات الأوان لكنهم انهالوا علي ضرباً وما هكذا تكون النصيحة، فلم أزدد إلا بعداً وتمرداً وتمادياً في الانحراف، وعرفت طريق الهروب من البيت، فكنت أقضي وقتي كله مع رفقاء السوء ولم أعد أفرق بين الحلال والحرام، أما العقوق وقسوة القلب فقد بلغت فيها حداً لا يوصف وأذكره مرة أنني دخلت على والدتي وهي تبكي وقد أعياها المرض وشحب وجهها، فشتمتها وقذفتها بكلام جارح جداً وخرجت وكأن شيئاً لم يكن أسأل الله أن يعفو عني بمنه وكرمه، فقلك الله يا أمي الحبيبة ما ذنبك؟
وقد ربيتني وأنفقت علي، وربما كانت هدايتي بسب دعوة صالحة في جوف الليل خرجت من قلب الطاهر قتل الإنسان ما أكفره..
واشتهرت بالغناء والعزف على العود وكان صوتي جميلاً ثم بالتفحيط وما يصاحبه من أمور لا تخفى على الكثيرين حتى أطلق علي لقب السفاح لكثرة الجرائم التي كنت أقوم بها فكان لا يركب معي إلا الكبار الذين لا يخافون على أنفسهم، أما البقية فكانوا يلوذون بالفرار.
ودخلت السجن مرات عديدة، فلما أراد الله هدايتي هيأ لذلك الأسباب، فقد كان لي صديق عزيز، كنت أحبه كثيراً، فقد كان جميل الوجه، بهي الطلعة، فلم تكن هذه المحبة في الله، بل كانت مع الله، فسألت عنه يوماً فقيل لي إنه أخل المستشفى في العناية المركزة وهو في حالة خطرة حداً من جراء حادث مروع، فانطلقت مسرعاً لزيارته فلما رأيته لم أكد أعرفه، فقد ذهب جماله وبهاؤه وصار منظره مخيفاً مفزعاً فكنت كلما رأيته أبكي من هول ما أرى!
فلم تمض أيام معدودة حتى قيل إنه مات، فبكيت يومين كاملين خوفاً من الموت، فكان هذا الحادث فاتحة خير لي، وكنت عندما أتوضأ أحس براحة نفسية عظيمة وأتذكر الموت وسكراته وشدائده فأعزم على التوبة إلى الله قبل حلول الأجل.
وألقى الله في نفسي بعض المعاصي كلها، وحبب إلي الإيمان، والعمل الصالح، فجمعت ما عندي من أشرطة الغناء والباطل وذهبت إلى مكتب الدعوة فاستبدلتها بأشرطة إسلامية نافعة.
أما والدتي الحبيبة فقد عدت غليها، وأخذتها معي معززة مكرمة، وطلبت منها لعفو والسماح، فبكت فرحاً وسروراً، وحمدت الله عز وجل على هدايتي، فما كانت تظن أن ذلك سيحدث في يوم من الأيام، ولكن هل تركني رفقاء السوء؟؟
كلا.. بل كانوا يزوروني ويدعونني إلى الرجوع إلى ما كنت عليه في الماضي، ويقولون لي: لا توسوس ارجع إلى الفن، أين العزف؟
أين الشهرة؟
أين.. وأخذوا يذكرونني بالعود والغناء والتفحيط والأمور التي أستحي من ذكرها ل إن بعضهم والعياذ بالله لم يستح أن يعرض نفسه علي مقابل الرجوع!!
فأي ضلال أعظم من هذا الضلال.
ومضت شهور، فغرني أحد السفهاء ودعاني إلى جسلة عود، فعزفت لأني كنت حديث عهد بالتزام وبدأت أضعف شيئاً فشيئاً حتى عدت إلى سماع الغناء وذات ليلة رأيت فيما يرى النائم أن ملك الموت قد هجم علي فأخذت أذكر الله، وأحاول النطق بالشهادة فحلفت بالله إن أصبحت حياً أن أتوب إلى توبة نصوحاً، فلما أصبح الصباح قمت بتحطيم أشرطة الغناء، وقصرت ثوبي، وعزمت على الاستقامة الحقة وقد مضى على ذلك الآن أربع سنوات، ولله الحمد والمنة.
أما حالي بعد التوبة فإني أشعر الآن بسعادة لا يعلمها إلا الله، وقد أشرق وجهي بنور الطاعة وذهب سواده وظلمته، وأحبني من كان يبغضني أيام الغفلة، أما والدتي فقد شفيت من جيمع الأمراض ولله الحمد.
ومما زادني فرحاً وسروراً ما أحابني به أحد العلماء حينما سألته عن ذنوبي السابقة فقال: إن الله وقد وعد بتبديل سيئات التائبين حسنات فلله الحمد والمنة الذي لم يجعل منيتي قبل توبتي.
محمد بن عبدالعزيز المسند
دار ابن خزيمة
موقع وذكر الإسلامي
قصص جديدة للتائبين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فهذه أخبار بعض التائبين العائدين إلى الله جمعتها تشويقاً إلى أخبارهم وترغيباً في أحوالهم والاقتداء بهم، سائلاً الله عز وجل أن يقبل منا توبتنا وتوبة كل مسلم إنه هو التواب الرحيم.
توبة شاب عاق لأمه
ح.ح.م. شاب ذهب إلى الخارج.. تعلم وحصل على شهادات عالية ثم رجع إلى البلاد.. تزوج غنية جميلة كانت سبباً في تعاسته لولا عناية الله..
يقول ح.ح.م مات والدي وأنا صغير فأشرفت أمي على رعايتي.. عملت خادمة في البيوت حتى تستطيع أن تصرف علي فقد كنت وحيدها.. أدخلتني المدرسة وتعلمت حتى أنهيت الدراسة الجامعية.. كنت باراً بها.. وجاءت بعثتي إلى الخارج فودعتني أمي والدموع تملاً عينيها وهي تقول لي: انتبه يا ولدي على نفسك ولا تقطعني من اخبارك، أرسل لي رسائل حتى أطمئن على صحتك.
أكملت تعليمي بعد مضي زمن طويل، ورجعت شخصاً آخر قد أثرت فيه الحضارة الغربية.. رأيت في الدين تخلفاً ورجعية.. وأصبحت لا أؤمن إلا بالحياة المادية والعياذ بالله.
وتحصلت على وظيفة عالية، وبدأت أبحث عن الزوجة حتى حصلت عليها، وكانت والدتي قد اختارت لي فتاة متدينة محافظة، ولكني أبيت إلا تلك الفتاة الغنية الجميلة لأني كنت أحلم بالحياة الارستقراطية كما يقولون، وخلال ستة أشهر من زواجي كانت زوجتي تكيد لأمي حتى كرهت والدتي، وفي يوم من الأيام دخلت البيت وإذا بزوجتي تبكي، فسألتها عن السبب فقالت لي شوف يا أنا يا أمك في هذا البيت، لا أستطيع أن أصبر عليها أكثر من ذلك!!
وبعد ذلك بساعات خرجت أبحث عنها ولكن بلا فائدة، رجعت إلى البيت واستطاعت زوجتي بمكرها وجهلي أن تنسيني تلك الأم الغالية الفاضلة.
انقطعت أخبار أمي عني فترة من الزمن أصيبت خلالها بمرض خبيث، دخلت على أثره المستشفى وعلمت أمي أمي بالخبر فجاءت تزوروني وكانت زوجتي عدي، وقبل أن تدخل علي طردتها زوجتي، وقالت لها: ابنك ليس هنا.. ماذا تريدين منا؟
اذهبي عنا.. رجعت أمي من حيث أتت!
وخرجت من المستشفى بعد وقت طويل انتكست فه حالتي النفسية وفقدت الوظيفة والبيت وتراكمت علي الديون.. وكل ذلك بسبب زوجتي، فقد كانت ترهقني بطلباتها الكثيرة.. وفي آخر المطاف ردت زوجتي الجميل وقالت: ما دمت قد فقد وظيفتك ومالك ولم يعد لك مكان في المجتمع، فإني أعلنها لك صريحة أنا لا أريدك طلقني.
كان هذا الخبر بمثابة صاعقة وقعت على رأسي، وطلقتها بالفعل، فاستيقظت من السبات الذي كنت فيه.
خرجت أهيم على وجهي أبحث عن أمي، وفي النهاية وجدتها ولكن أين وجدتها؟!
كانت تقبع في أحد الأربطة تأكل من صدقات المحسنين!!
دخلت عليها.. وجدتها وقد أثر عليها البكاء فبدت شاحبة، وما أن رأيتها حتى ألقيت بنفسي عند رجليها وبكيت بكاء مراً.. فما كان مها إلا أن شاركتني البكاء..
بقينا على هذه الحالة حوالي ساعة كاملة.. بعدها أخذتها إلى البيت واليت على نفسي أن أكون طائعاً لها، وقبل ذلك أكون متبعاً لأوامر الله ومجتنباً لنوهيه.
وها أنا الآن أعيش أحلى أيامي وأجملها مع حبيبة العمر: أمي حفظها الله وأسأل الله أن يديم علينا الستر والعافية.
توبة شاب كان يتعرض للنساء
إنها قصة مؤثرة يرويها أحد الغيورين على دين الله، يقول:
خرجت ذات يوم بسيارتي لقضاء بعض الأعمال، وفي إحدى الطرق الفرعية الهادئة قابلني بعض شاب يركب سيارة صغير ةلم يراني لأنه كان مشغولاً بمحلاقة بعض الفتيات في تلك الطريق الخالية من المارة، كنت مسرعاً فتجاوزته، فلما سرت غير بعد، قلت في نفسي، أأعود فأنصح ذلك الشاب؟
أم أمضي في طريقي وأدعه يفعل ما يشاء؟
وبعد صراع داخلي، دام عدة ثواني فقط اخترت الأمر الأول.
عدت ثانية فإذا قد أوقف سيارته وهو ينظر إليهن ينتظر منهن نظرة أو التفاتة فدخلن في أحد البيوت.
أوقفت سيارتي بجوار سيارته، نزلت من سيارتي واتجهت إليه، سلمت عليه أولاً، ثم نصحته فكان مما قلته له: تخيل أن هؤلاء الفتيات أخواتك أو بناتك أو قريباتك فهل ترضى لأحد من الناس أن يلاحقهن أو يؤذيهن؟
كنت أتحدث إليه، وأنا أشعر بشيء من الخوف، فقد كان شاباً ضخماً ممتلئ الجسم، كان يستمتع إلي وهو مطرق الرأس لا ينبس ببنت شفة.
وفجأة التفت إلي، فإذا دمعة قد سالت على خده فاستبشرت خيراً، وكان ذلك دافعاً لي لمواصلة النصيحة، لقد زال الخوف مني تماماً وشددت عليه في الحديث حتى رأيت أني قد أبلغت في النصيحة ثم ودعته لكنه استوقفني وطلب مني أن أكتب له رقم هاتفي وعنواني، وأخبرني أنه يعيش فراغاً نفسياً قائلاً، فكتبت له ما أراد.
وبعد أيام جائني في البيت، لقد تغير وجهه وتبدلت ملامحه، فقد أطلق لحيته وشع نور الإيمان من وجهه.
جلست معه فجعل يحدثني عن تلك الأيام التي قضاها في التسكع في الشوارع والطرقات وإيذاء المسلمين والمسلمات، فأخذت أسليه، وأخبرته بأن الله سبحانه واسع المغفرة، وتلوت عليه قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]
فانفجرت أسارير وجهه، واستبشر خيراً ثم ودعني وطلب مني أن أرد الزيارة، فهو في حاجة إلى من من يعينه على السير في الطريق المستقيم فودعته بالزيارة.
مضت الأيام، وشغلت ببعض المشاغل الحياة الكثيرة، وجعلت أسوف في زيارته، وبعد عدة أيام وجدت فرصة وذهبت إليه، طرقت الباب فإذا بشيخ كبير يفتح الباب، وقد ظهرت عليه آثار الحزن والأسى، إنه والده.
سألته عن صاحبي أطرق برأسه إلى الأرض، وصمت برهة، ثم قال بصوت خافت، يرحمه الله ويغفر له، لقد مات، ثم استطرد قائلاً: حقاً إن الأعمال بالخواتيم، ثم أخذ يحدثني عن حاله وكيف أنه كان مفرطاً في جنب الله، بعيداً عن طاعة الله فمن الله عليه بالهداية قبل موته بأيام، لقد تداركه الله برحمته قبل فوات الأوان.
فلما فرغ من حديثه عزيته ومضت.. وقد عاهدت الله أن أبذل النصيحة لكل مسلم.
توبة شاب غافل بعد وفاة أخته المؤمنة
يقول صاحب القصة: كنت شاباً غافلاً عن الله، بعيداً عنه، غارقاً في لجج المعاصي والآثام فلما أراد الله لي الهداية قد لي حادثاً أعادني إلى رشدي وردني إلى صوابي وإليكم القصة:
في يوم من الأيام وبعد أن قضينا أياماً جميلة في نزهة عائلية في مدينة الدمام، انطلقت بسيارتي عبر الطريق السريع بين الدمام والرياض ومعي أخواتي الثلاث، وبدل أن أدعو بدعاء السفر المأثور استنفرني الشطيان بصوته، وأجلب علي بخيله، ورجله وزين لي سماع لهو الحديث المحرم لأظل سادراً غافلاً عن الله.
لم أكن حينذاك أحرص على سماع إذاعة القرآن الكريم أو الأشرطة الإسلامية النافعة للمشايخ والعلماء، لأن الحق والباطل لا يجتمعان في قلب واحد أبداً.
إحدى أخواتي كانت صالحة مؤمنة، ذاكرة لله، حافظة لحدوده، طلبت مني أن أسكت صوت الباطل، وأستمع إلى صوت الحق ولكن.. أني لي أن أستجيب لذلك وقد استحوذ علي الشيطان، ورفضت طلبها وقد شاركني في ذلك أختاي الأخريتان.. وكرت أختي المؤمنة طلبها فازددت عناداً وإصراراً وأخذنا نسخر منها ونحتقرها بل إني قلت لها ساخراً إن أعجبك الحال وإلا أنزلتك على قارعة الطريق!!
فصمتت أختي على مضض وقد كرهت هذا العمل بقلبها، وأدت ما علينا والهل سبحانه لا يكلف نفساً إلا وسعها.
وفجأة وبقدر من الله سبق انفجرت إحدى عجلات السيارة ونحن نسير بسرعة شديدة فانحرفت السيارة عن الطريق وهوت في منحدر جانبي، فأصبحت رأساً على عقب، بعد أن انقلبت عدة مرات، وأصبحنا في حال لا يعلمها إلا الله العلي العظيم، فاجتمع الناس حول سيارتنا المنكوبة وقام أهل الخير بإخراجنا من بين الحطام والزجاج المتناثر.. ولكن ماالذي حدث؟
لقد خرجنا جميعاً سالمين، إلا من بعض الإصابات البسيطة ما عدا أختي المؤمنة.. أختي الصابرة.. أختي الطيبة.. فقد لقظت أنفاسها الأخيرة تحت الركام..!!
نعم.. لقد ماتت أختي الحبيبة التي كنا نستهزئ بها، واختارها الله إلى جواره، وإني لأرجو أن تكون في عداد الشهداء الأبرار، وأسال الله عز وجل أن يرفع منزلتها ويعلي مكانتها في جنات النعيم.
أما أنا فقد بكيت على نفسي قبل أن أبكي على أختي، وانكشف عني الغطاء فأبصرت حقيقة نفسي وما كنت فيه من الغرور والغفلة والضياع، وعلمت أن الله جل وعلا قد أراد بي خيراً وكتب لي عمراً جديداً لأبدأ حياة جديدة ملؤها الإيمان والعمل الصالح.
أما أختي الحبيبة فكلما تذكرتها أذرف دموع الحزن والندم، وأتساءل في نفسي:
هل سيغفر الله لي؟
فأجد الجواب في كتاب الله عز وجل في قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [الزمر: 53]
وختاماً أحذركم إخواني في الله من الغرور والغفلة فأفيقوا أيها الغافلون، وخذوا من غيركم العبرة.. قبل أن تكونوا لغيركم عبرة..!!
توبة رجل عاص على يد ابنته الصغيرة
كان يقطن الرياض.. يعيش في ضياع ولا يعرف الله إلا قليلاً.
منذ سنوات لم يدخل المسجد ولم يسجد لهل سجدة واحدة.. ويشاء الله عز وجل أن تكون توبته على يد ابنته الصغيرة! يروي القصة فيقول:
كنت أسهر حتى الفجر مع رفقاء السوء في لهو ولعب وضياع، تاركاً زوجتي المسكينة وهي تعاني من الوحدة والضيق والألم ما الله به عليم، لقد عجزت عني تلك الزوجة الصالحة الوفية فهي لم تدخر وسعاً في نصحي وإرشادي ولكن دون جدوى.
وفي إحدى الليالي، جئت من إحدى سهراتي العابثة، وكانت الساعة تشير إلى الثالثة صباحاً فوجدت زوجتي وابنتي الصغيرة وهما تغطان في سبات عميق، فاتجهت إلى الغرفة المجاورة لأكمل ما تبقى من ساعات الليل في مشاهدة بعض الأفلام الساقطة من خلال جهاز الفيديو.. تلك الساعات التي ينزل فيها ربنا عز وجل فيقول: «هل من داع فأستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له، هل من سائل فأعطيه سؤاله؟»
وفجأة.. وأنا على تلك الحال المؤسفة.. فتح باب الغرفة.. فإذا هي ابنتي الصغيرة التي لم تتجاوز الخامسة من عمرها.. نظرت إليّ نظرة تعجب واحتقار وبادرتني قائلة: "بابا عيب عليك، اتق الله".
رددتها ثلاث مرات، ثم أغلقت وذهبت.. أصابني ذهول شديد، فأغلقت جهاز الفيديو، وجلست حائراً، كلماتها لاتزال تتردد في مسامعي وتكاد تقتنلني.. فخرجت في إثرها فوجدتها قد عادت إلى فراشها..
أصبحت كالمجنون، لا أدري ما الذي أصابني في ذلك الوقت، وما هي إلا لحظات حتى انطلق صوت المؤذن من المسجد القريب ليمزق سكون الليل الرهيب، منادياً لصلاة الفجر، توضأت وذهبت إلى المسجد ولم تكن لدي رغبة شديدة في الصلاة، وإنما الذي كان يشغلني ويقلق بالي كلمات ابنتي الصغيرة..
وأقيمت الصلاة.. وكبر الإمام، وقرأ ما تيسر له من القرآن، وما أن سجد وسجدت خلفه ووضعت جبهتي على الأرض حتى انفجرت ببكاء شديد لا أعلم له سبباً، فهذه أول سجدة أسجدها لله عز وجل.. منذ سبع سنوات!!
كان ذلك البكاء فاتحة خير لي، لقد خرج مع ذلك البكاء كل ما في قلبي من كفر ونفاق وفساد، وأحسست بأن الإيمان بدأ يسري بداخلي.
وبعد الصلاة جلست في المسجد قليلاً ثم رجعت إلى بيتي فلم أذق طعم النوم، حتى ذهبت إلى العمل فلما دخلت على صاحبي، استغرب حضوري مبكراً، فقد كنت لا أحضر إلا في ساعة متأخرة، بسبب السهر طوال ساعات الليل، ولما سألني عن السبب أخبرته بما حدث لي البارحة.. فقال: أحمد الله أن سخر لك هذه البنت الصغيرة التي أيقظتك من غفلتك.. ولم تأتك منيتك وأنت على تلك الحال..
ولما حان وقت الظهر كنت مرهقاً حيث لم أنم منذ وقت طويل، فطلبت من صاحبي أن يتسلم عملي، وعدت إلى بيتي لأنال قسطاً من الراحة وأنا في شوق لرؤية ابنتي الصغيرة التي كانت سبباً في هدايتي ورجوعي إلى الله.
دخلت البيت، فاستقبلتني زوجتي وهي تبكي، فقلت لها: مالك يا امرأة؟
فجاء جوابها كالصاعقة، لقد ماتت ابنتك..
لم أتمالك نفسي من هول الصدمة وانفجرت بالبكاء طويلاً.. وبعد أن هدأت من هول الصدمة، وانفجرت بالبكاء طويلاً.. وبعد أن هدأت نفسي تذكرت ما حدث لي ماهو إلا ابتلاء من الله عز وجل ليختبر إيماني، فحمدت الله عز وجل ورفعت سماعة الهاتف، واتصلت بصاحبي وطلبت منه لمساعدتي.
حضر صاحبي، وأخذ الطفلة وغلسها وكفنها وصلينا عليها، ثم ذهبنا بها إلى المقبرة، فقال لي صاحبي: لا يليق أن يدخلها في القبر غيرك، فحملتها والدموع تملأ عيني، ووضعتها في اللحد،.. أنا لم أدفن ابنتي، وإنما دفنت النور الذي أضاء لي الطريق في هذه الحياة، فأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلها ستراً لي من النار، وأن يجزي زوجتي المؤمنة الصابرة خير الجزاء.
توبة السفاح
هكذا كان يلقب لكثرة جرائمه التي لم تقف عند حد، فقد كان مضرب المثل في الجريمة والإرهاب، الكل يرهبه ويخافه كان الناس يقولون: لو استقام العصاة والمجرمون كلهم ما استقام فلان يعنونه، فسبحان من بيده قلوب العباد.. من كان يصدق أن مثل هذا القلب القاسي سيلين في يوم من الأيام؟!
لكنها إرادة الله عز وجل ومشيئته: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الحديد: 17]
وقد روى لي قصة كاملة يوم أن هداه الله فإذا فيها أمور عظام تقشعر منها الأبدان، وتمتعض لهولها القلوب، اقتصرت منها على ما يحسن ذكره في مثل هذا المقام، قال عفا الله عنا وعنه.
توفي والدي قبل أن أتم التاسعة من عمري، وكنت أكبر أولاده فانتقلت أمي إلى بيت أبيها (جدي لأمي) أما أنا فاستقر بي المقام عند أعمامي، في بيت جدي لأبي، كنت بينهم كاللقيط الذي لا يعرف نسبه أو كاليتيم على مائدة اللئام، بل لقد كنت كذلك، وكأنهم لم يسمعوا قول الله عز وجل:
أو ماورد في الأثر: «خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه»
وليت الأمر اقتصر على ذلك بل كانت التهم دائماً توجه إلي.. بالسرقة.. والفساد.. وغير ذلك، في الوقت الذي كنت فيه في أشد الحاجة إلى العطف والحنان واليد الرحيمة المشفقة، كنت أرى الآباء وهم يقبلون أبناءهم ويلاعبونهم، ويشترون لهم الحلوى واللعب والثياب الجديدة، أما أنا.. فتدمع عيني ويتقطع قلبي ألماً وحسرة أصبحت أكره كل من حولي.. انتظر اللحظة السانحة لأنتقم من الجميع.
وحين بلغت سن الخامسة عشرة بدأت التمرد.. تلفت يميناً وشمالاً فلم أجد إلا رفقاء السوء فانخرطت معهم في غيهم، وتعلمت منهم التدخين والسهر إلى أوقات متأخرة، وعلم عمي أنني أصبحت مدخناً فضربني دون مفاهمة وطردني من البيت وكأنه ينتظر هذه اللحظة، فلجأت إلى بيت جدي لأمي حيث تقيم والدتي ولم تكن والدتي مع إخوتها في بيت جدي أحسن حالاً من مني فقد كانوا يعاملونها هي الأخرى كالخادمة في البيت فهي التي تطبخ وتنظف وتغسل و.. ولا أنسى مرة أنني دخلت عليها وأنا في أوج انحرافي وهي تبكي ألماً وتقول: يا بني اعقل وعد إلى رشدك وابحث لك عن وظيفة تنقذني بها من هذا العذاب فلم أكن ألقي لها بالاً.
وعملت مع أخوالي في الزراعة والحرث تحت الضرب والتهديد، فضاقت بي الدنيا، فاقترضت من والدتي بعض المال، فاشتريت به سيارة، وتوظفت في إحدى الشركات فتعرفت على رفقاء جدد عرفوني على المخدرات وأنواع أخرى من الشرور، فلما علمت والدتي أصابها الهم والحزن والمرض وفزعت إلى عمي وخالي لنصحي وإنقاذي قبل فوات الأوان لكنهم انهالوا علي ضرباً وما هكذا تكون النصيحة، فلم أزدد إلا بعداً وتمرداً وتمادياً في الانحراف، وعرفت طريق الهروب من البيت، فكنت أقضي وقتي كله مع رفقاء السوء ولم أعد أفرق بين الحلال والحرام، أما العقوق وقسوة القلب فقد بلغت فيها حداً لا يوصف وأذكره مرة أنني دخلت على والدتي وهي تبكي وقد أعياها المرض وشحب وجهها، فشتمتها وقذفتها بكلام جارح جداً وخرجت وكأن شيئاً لم يكن أسأل الله أن يعفو عني بمنه وكرمه، فقلك الله يا أمي الحبيبة ما ذنبك؟
وقد ربيتني وأنفقت علي، وربما كانت هدايتي بسب دعوة صالحة في جوف الليل خرجت من قلب الطاهر قتل الإنسان ما أكفره..
واشتهرت بالغناء والعزف على العود وكان صوتي جميلاً ثم بالتفحيط وما يصاحبه من أمور لا تخفى على الكثيرين حتى أطلق علي لقب السفاح لكثرة الجرائم التي كنت أقوم بها فكان لا يركب معي إلا الكبار الذين لا يخافون على أنفسهم، أما البقية فكانوا يلوذون بالفرار.
ودخلت السجن مرات عديدة، فلما أراد الله هدايتي هيأ لذلك الأسباب، فقد كان لي صديق عزيز، كنت أحبه كثيراً، فقد كان جميل الوجه، بهي الطلعة، فلم تكن هذه المحبة في الله، بل كانت مع الله، فسألت عنه يوماً فقيل لي إنه أخل المستشفى في العناية المركزة وهو في حالة خطرة حداً من جراء حادث مروع، فانطلقت مسرعاً لزيارته فلما رأيته لم أكد أعرفه، فقد ذهب جماله وبهاؤه وصار منظره مخيفاً مفزعاً فكنت كلما رأيته أبكي من هول ما أرى!
فلم تمض أيام معدودة حتى قيل إنه مات، فبكيت يومين كاملين خوفاً من الموت، فكان هذا الحادث فاتحة خير لي، وكنت عندما أتوضأ أحس براحة نفسية عظيمة وأتذكر الموت وسكراته وشدائده فأعزم على التوبة إلى الله قبل حلول الأجل.
وألقى الله في نفسي بعض المعاصي كلها، وحبب إلي الإيمان، والعمل الصالح، فجمعت ما عندي من أشرطة الغناء والباطل وذهبت إلى مكتب الدعوة فاستبدلتها بأشرطة إسلامية نافعة.
أما والدتي الحبيبة فقد عدت غليها، وأخذتها معي معززة مكرمة، وطلبت منها لعفو والسماح، فبكت فرحاً وسروراً، وحمدت الله عز وجل على هدايتي، فما كانت تظن أن ذلك سيحدث في يوم من الأيام، ولكن هل تركني رفقاء السوء؟؟
كلا.. بل كانوا يزوروني ويدعونني إلى الرجوع إلى ما كنت عليه في الماضي، ويقولون لي: لا توسوس ارجع إلى الفن، أين العزف؟
أين الشهرة؟
أين.. وأخذوا يذكرونني بالعود والغناء والتفحيط والأمور التي أستحي من ذكرها ل إن بعضهم والعياذ بالله لم يستح أن يعرض نفسه علي مقابل الرجوع!!
فأي ضلال أعظم من هذا الضلال.
ومضت شهور، فغرني أحد السفهاء ودعاني إلى جسلة عود، فعزفت لأني كنت حديث عهد بالتزام وبدأت أضعف شيئاً فشيئاً حتى عدت إلى سماع الغناء وذات ليلة رأيت فيما يرى النائم أن ملك الموت قد هجم علي فأخذت أذكر الله، وأحاول النطق بالشهادة فحلفت بالله إن أصبحت حياً أن أتوب إلى توبة نصوحاً، فلما أصبح الصباح قمت بتحطيم أشرطة الغناء، وقصرت ثوبي، وعزمت على الاستقامة الحقة وقد مضى على ذلك الآن أربع سنوات، ولله الحمد والمنة.
أما حالي بعد التوبة فإني أشعر الآن بسعادة لا يعلمها إلا الله، وقد أشرق وجهي بنور الطاعة وذهب سواده وظلمته، وأحبني من كان يبغضني أيام الغفلة، أما والدتي فقد شفيت من جيمع الأمراض ولله الحمد.
ومما زادني فرحاً وسروراً ما أحابني به أحد العلماء حينما سألته عن ذنوبي السابقة فقال: إن الله وقد وعد بتبديل سيئات التائبين حسنات فلله الحمد والمنة الذي لم يجعل منيتي قبل توبتي.
محمد بن عبدالعزيز المسند
دار ابن خزيمة
موقع وذكر الإسلامي