آداب دخول الخلاء
ضرورة التستر والبعد عن أعين الناس وعدم استقبال القبلة أو استدبارها ، فإن الإسلام يعلمنا أيضا فيما يعلمنا كيف ندخل المرحاض وكيف نقضي حاجتنا، فعن سيدنا سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: "علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة" رواه مسلم، والخراءة التخلص من نجاسة البول والغائط. وهذا من أرفع ما يميز ديننا في اهتمامه بجزئيات التنظف والتنزه عن النجاسات تحقيقا للطهارة التي هي أول شرط مشروط على المسلم ليُقبل على ربه في صلاته وعباداته.
أول ما نبدأ به قبل دخول المرحاض:
1- الاستئذان قبل ولوج المرحاض والتأكد من خلوه وأنه لا يوجد به أحد حتى لا يكشف عن عورة غيره، وذلك بطرق الباب والانتظار. ويتأكد هذا الأدب في المراحيض الجماعية والمراحيض العمومية.
2- الدعاء عند الدخول بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أصح ما جاء في ذلك "اللهم إني أعوذ بك من الخُبُث والخبائث" رواه البخاري ومسلم. والخُبُث جمع خبيث والخبائث جمع خبيثة، ومعناه التعوذ من الشياطين ذكورها وإناثها فإن ذلك موطنهم.
3- تقديم الرجل اليسرى عند الدخول، فشرف اليمنى لا يتناسب وطبيعة المكان الذي سيلِجه.
4- تجنب استصحاب وإدخال ما كتب عليه اسم الله عز وجل أو شيء من القرآن، ويدخل في ذلك ما تتزين به المرأة من القلادات والحلي المعلقة في العنق مما كتب عليه اسم الله تعالى أو آية الكرسي... فيجمل بها أن تقلعه قبل الدخول إلى المرحاض تأدبا مع الله عز وجل وتنزيها لأسمائه الحسنى وكلامه العظيم عما لا يليق به.
وبعد الدخول إلى المرحاض:
5- التأكد من إغلاق الباب بعد الدخول والإشارة إلى من يريد الدخول بعده بالانتظار حتى يستأمن على عورته ألا تُكشف.
6- تجنب الكلام أثناء التبرز أو التبول، ولا يجيب متكلما، ولا يشمت عاطسا، ولا يرد سلاما، فإن عطس حمد الله في قلبه، ولا يتكلم إلا لضرورة. فعن سيدنا ابن عمر رضي الله عنهما "أن رجلا مر بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه" رواه مسلم.
ولاشك أن من الحكمة في ذلك عدم إذاية الملائكة، فحين يتكلم المرء وهو في هذه الحالة فإنه يستدعي حضور الملائكة الملازمة له لتسجيل ما قاله، فتتأذى بالرائحة الكريهة للنجاسة. روى سيدنا جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم" رواه مسلم، ومن ثم ينبغي علينا أن نتأدب معها تأدبنا مع الناس وأكثر، وأن نحرص كل الحرص على عدم إذايتها ولو بالرائحة الكريهة.
7- الحرص على عدم إصابة الثياب بشيء من النجاسة أثناء قضاء الحاجة، فإن استطاع المرء أن يخلع من الثياب ما يسهل عليه الأمر أو يهز من ثيابه المسدولة فليفعل.
ولا يبول الرجل قائما لأن هذه الوضعية لا تسلم من رش ملابسه بالبول فإن استدعت الحاجة ذلك لعذر كالمرض مثلا فلا حرج عليه. عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت : "من حدثكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بال قائما فلا تصدقوه" رواه الترمذي. .
8- الاستبراء: ومعناه الانتظار وقتا كافيا وعدم الاستعجال بعد التبول من أجل استفراغ بقية البول قبل التنظيف. وتتأكد هذه العملية على المسلم لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه" رواه الدارقطني، وفي مسند أحمد بسند صحيح قصة القبر الذي كان يُعذب صاحبه وما يُعذب لذنب كبير وإنما كان لا يستنزه من البول كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد ثبت علميا أن ما يبقى من البول في الإحليل بعد التبول يضر بصحة المرء.
9- الاستجمار: ومعناه إزالة أثر النجاسة بشيء جامد طاهر نقي، وقد كان أغلب استجمار السلف بالأحجار، وهو حاليا يقع بالمناديل الورقية الخاصة بالمراحيض. فيمسح موضع النجاسة مبتدئا بالقُبُل ثم الدبر حتى لا يمس القبلَ شيء من نجاسة التبرز (الغائط) مما قد يلحق به الأذى كالالتهاب وغيره.
10- الاستنجاء: ومعناه إزالة أثر النجاسة بالماء فيُصب باليد اليمنى وتستخدم اليسرى في تنظيف محل النجاسة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إذا أتى أحدكم الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه ولا يتمسح بيمينه" رواه البخاري. والمرأة والرجل سواء في هذا الأدب. ويبدأ في الاستنجاء بالقُبُل ثم الدبر لنفس السبب، وتتكرر العملية كلما استدعى الأمر ذلك حتى يتيقن النظافة والنقاوة.
ويستحسن استعمال الصابون في هذه العملية ويتأكد استعمال الصابون عند التبرز لأنه يساعد على إزالة الأثر والرائحة والميكروبات.
ما هو الأفضل الاستجمار أم الاستنجاء؟
إن الاستنجاء بالماء هو أولى من المسح بالورق لأن الماء هو أفضل مطهِّر تتحقق به النظافة، إلا أن الجمع بينهما عند القدرة أفضل كما ذكر الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله لأنه أنسب في التنظيف، حيث نزيل النجاسة بالورق الناشف ثم نطهر المكان بالماء فنسلم من إصابة أيدينا بالنجاسة مباشرة، وقد شكر الله طهور قوم كانوا يجمعون بينهما.
11- النشف: بعد هذا كله تأتي آخر مرحلة وهي النشف أي مسح أثر الماء بمِنشفة من ورق أو ثوب،إذ الماء هو أنسب وسط لتكاثر الباكتيريا، ناهيك عن الانزعاج والرائحة غير الطيبة التي تنتج عن ذلك خصوصا بعد دخول المرحاض مرتين فأكثر.
عند الخروج من المرحاض
12- بعد التخلص من الأذى وقضاء الحاجة يبقى على المرء الذي استفاد من المرحاض أن يتولاه بالتنظيف والتطهير بالماء والصابون ولما لا بالمواد المعطرة حتى لا يبقى فيه أثر ولا رائحة لنجاسته، وذلك قبل أن يغادر المرحاض حتى إذا دخله من بعده لا يتأذى من ذلك.
13- غسل اليدين جيدا بالماء والمطهرات كالصابون فإن النجاسة وإن كانت لا يُرى أثرها بالعين المجردة فإنها لاتزول إلا بعد غسل اليدين جيدا.
14- يحسن عند مغادرة المرحاض تقديم الرجل اليمنى والاستغفار بقول "غفرانك"، وهو ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله عند الخروج من الخلاء في رواية الترمذي وأبي داود.
إن المسلم وهو يستحضر هذه الآداب الراقية عند دخوله للمرحاض لقضاء حاجته لَيَتنزه عن التشبه بغيره ممن يقوم بنفس العملية عشوائيا دونما أية فضيلة، بل إن الحرص على هذه السنن النبوية يُصَير هذه العادة عبادة تستفتح بذكر الله وتنتهي بالاستغفار.
و في ذلك كله يحرص المرء على عدم التخلي ولو لضرورة في طريق الناس وظلهم مما قد نراه أحيانا في الشارع، لما يجره من الإذاية للعباد، ولما ينافي سمو الأخلاق، قال صلى الله عليه وسلم: "اتقوا اللاعنين. قالوا وما اللاعنين يا رسول الله؟ قال: "الذي يتخلى في طريق الناس وظلتهم" مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ولا يفوتنا في الختام تذكير الأمهات وكل من تتولى مهمة التربية بواجبهن تجاه الأطفال بغرس هذه الآداب في فطرتهم غرسا وتربيتهم عليها منذ نعومة أظفارهم حيث أحسن مرحلة للتربية والتلقين على أرقى القيم الدينية بأيسر جهد.