بسم الله الرحمن الرحيم
قال العلامة الإمام ابن القيم - رحمه الله -
" لما بايع الرسول صلى الله عليه وسلم أهل العقبة أمر الصحابة بالهجرة الى المدينة, فعلمت قريش أن أصحابه قد كثروا وأنهم سيمنعونه, فأعملت آراءها في استخراج الحيل فمنهم من رأى الحبس ومنهم من رأى النفي.
ثم اجتمع رأيهم على القتل, فجاء البريد بالخبر من السماء وأمره أن يفارق المضجع, فبات علي مكانه ونهض الصديّق لرفقة السفر. فلما فارقا بيوت مكة اشتد الحذر بالصدّيق فجعل يذكر الرصد فيسير أمامه وتارة يذكر الطلب فيتأخر وراءه, وتارة عن يمينه وتارة عن شماله الى أن انتهيا الى الغار, فبدأ الصدّيق بدخوله ليكون وقاية له ان كان ثم مؤذ. وأنبت الله شجرة لم تكن قبل, فأظلّت المطلوب وأضلّت الطالب, وجاءت عنكبوت فحازت وجه الغار فحاكت ثوب نسجها عن منوال الستر, فأحكمت الشقة حتى عمي على القائف المطلب, وأرسل الله حمامتين فاتخذتا هناك عشا جعل على أبصار الطالبين غشاوة, وهذا أبلغ في الاعجاز من مقاومة القوم بالجنود.
فلما وقف القوم على رؤوسهم وصار كلامهم بسمع الرسول صلى الله عليه وسلم والصدّيق, قال الصدّيق وقد اشتد به القلق: يا رسول الله, لو أن أحدهم نظر الى ما تحت قدميه لأبصرنا تحت قدميه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟" لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنه قد اشتد, لكن لا على نفسه, قوي قلبه ببشارة {لا تحزن ان الله معنا} فظهر سر هذا الاقتران في المعية لفظا, كما ظهر حكما ومعنى, اذ يقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحب رسول الله رضي الله عنه, فلما مات صلى الله عليه وسلم قيل: خليفة رسول الله , ثم انقطعت اضافة الخلافة بموته فقيل: أمير المؤمنين.
فأقاما في الغار ثلاثا ثم خرجا منه ولسان القدر يقول: لتدخلنها دخولا لم يدخله أحد قبلك ولا ينبغي لأحد من بعدك. فلما استقلا على البيداء لحقهما سراقة بن مالك, فلما شارف الظفر أرسل عليه الرسول صلى الله عليه وسلم سهما من سهام الدعاء, فساخت قوائم فرسه في الأرض الى بطنها, فلما علم أنه لا سبيل له عليهما أخذ يعرض المال على من قد رد مفاتيح الكنوز ويقدم الزاد الى شعبان " أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني "
كانت تحفة { ثاني اثنين } مدخرة للصديق, دون الجميع فهو الثاني في الاسلام وفي بذل النفس وفي الزهد وفي الصحبة وفي الخلافة وفي العمر, وفي سبب الموت؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد مات عن أثر السم وأبو بكر سم فمات .
أسلم على يديه من العشرة: عثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص. وكان عنده يوم أسلم أربعون ألف درهم فأنفقها أحوج ما كان الاسلام اليها, فلهذا جلبت نفقته عليه" ما نفعني مال, ما نفعني مال أبي بكر" . فهو خير من مؤمن آل فرعون؛ لأن ذلك كان يكتم ايمانه والصدّيق أعلن به, وخير من مؤمن آل {يس}؛ لأن ذلك جاهد ساعة والصديق جاهد سنين.
عاين طائر الفاقة يحوم حول حب الايثار ويصيح: { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا} , فألقى له حب المال على روض الرضى واستلقى على فراش الفقر, فنقل الطائر الحب الى حوصلة المضاعفة ثم علا على أفنان شجرة الصدق يغرد بفنون المدح, ثم قام في محاريب الاسلام يتلو:{ وسيجنّبها الأتقى, الذي يؤتي ماله يتزكى} .
نطقت بفضله الآيات والأخبار؛ واجتمع على بيعته المهاجرون والأنصار.
فيا مبغضيه في قلوبكم من ذكره نار, كلما تليت فضائله علا عليهم الصغار. أترى لم يسمع الروافض الكفّار
{ثاني اثنين اذ هما في الغار} . دعي الى الاسلام فما تلعثم ولا أبى, وسار على المحجّة فما زال ولا كبا, وصبر في مدته من مدى العدى على وقوع الشبا, وأكثر في الانفاق فما قاا حتى تخلل بالعبا
تالله قد زاد على السبك في كل دينار دينار {ثاني اثنين اذ هما في الغار}
من كان قرين النبي في شبابه. من ذا الذي سبق الى الايمان من أصحابه. من الذي أفتى بحضرته سريعا في جوابه, من أوّل من صلّى معه؟ ومن آخر من صلّى به؟ من الذي ضاجعه بعد الموت في ترابه فاعرفوا حق الجار.
نهض يوم الردة بفهم واستيقاظ, وأبان من نص الكتاب معنى دق عن حديد الالحاظ, فالمحب يفرح بفضائله والمبغض يغتاظ حسرة الرافضي أن يفر من مجلس ذكره, ولكن أين الفرار؟. كم وقى الرسول بالنفس والمال, وكان أخص به في حياته وهو ضجيعه في الرمس فضائله جلية وهي خليّة عن اللبس. يا عجبا! من يغطي عين ضوء الشمس في نصف النهار, لقد دخلا غارا لا يسكنه لابث, فاستوحش الصديق من خوف الحوادث, فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:" ما ظنّك باثنين والله الثالث". فنزلت السكينة فارتفع خوف الحادث.فزال القلق وطاب عيش الماكث. فقام مؤذن النصر ينادي على رؤوس منائر الأمصار: {ثاني اثنين اذ هما في الغار}.
حبه والله رأس الحنيفية, وبغضه يدل على خبث الطوية. فهو خير الصحابة والقرابة, والحجة على ذلك قوية. لولا صحة امامته ما قال ابن الحنفية... مهلا مهلا !! فان دم الروافض قد فار.
والله ما أحببناه لهوانا, ولا نعتقد في غيره هوانا, ولكن أخذنا بقول علي رضي الله عنه: "كفانا رضيك رسول الله لديننا, أفلا نرضاك لدنيانا " تالله لقد أخذت من الروافض بالثأر تالله لقد وجب حق الصدّيق علينا, فنحن نقضي بمدائحه ونقر بما نقر به من السنى عينا, فمن كان رافضيا فلا يعد الينا وليقل: لي أعذار. "
المصدر : كتاب " الفوائد " صفحة : 45 - 47
منقول ##
قال العلامة الإمام ابن القيم - رحمه الله -
" لما بايع الرسول صلى الله عليه وسلم أهل العقبة أمر الصحابة بالهجرة الى المدينة, فعلمت قريش أن أصحابه قد كثروا وأنهم سيمنعونه, فأعملت آراءها في استخراج الحيل فمنهم من رأى الحبس ومنهم من رأى النفي.
ثم اجتمع رأيهم على القتل, فجاء البريد بالخبر من السماء وأمره أن يفارق المضجع, فبات علي مكانه ونهض الصديّق لرفقة السفر. فلما فارقا بيوت مكة اشتد الحذر بالصدّيق فجعل يذكر الرصد فيسير أمامه وتارة يذكر الطلب فيتأخر وراءه, وتارة عن يمينه وتارة عن شماله الى أن انتهيا الى الغار, فبدأ الصدّيق بدخوله ليكون وقاية له ان كان ثم مؤذ. وأنبت الله شجرة لم تكن قبل, فأظلّت المطلوب وأضلّت الطالب, وجاءت عنكبوت فحازت وجه الغار فحاكت ثوب نسجها عن منوال الستر, فأحكمت الشقة حتى عمي على القائف المطلب, وأرسل الله حمامتين فاتخذتا هناك عشا جعل على أبصار الطالبين غشاوة, وهذا أبلغ في الاعجاز من مقاومة القوم بالجنود.
فلما وقف القوم على رؤوسهم وصار كلامهم بسمع الرسول صلى الله عليه وسلم والصدّيق, قال الصدّيق وقد اشتد به القلق: يا رسول الله, لو أن أحدهم نظر الى ما تحت قدميه لأبصرنا تحت قدميه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟" لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنه قد اشتد, لكن لا على نفسه, قوي قلبه ببشارة {لا تحزن ان الله معنا} فظهر سر هذا الاقتران في المعية لفظا, كما ظهر حكما ومعنى, اذ يقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحب رسول الله رضي الله عنه, فلما مات صلى الله عليه وسلم قيل: خليفة رسول الله , ثم انقطعت اضافة الخلافة بموته فقيل: أمير المؤمنين.
فأقاما في الغار ثلاثا ثم خرجا منه ولسان القدر يقول: لتدخلنها دخولا لم يدخله أحد قبلك ولا ينبغي لأحد من بعدك. فلما استقلا على البيداء لحقهما سراقة بن مالك, فلما شارف الظفر أرسل عليه الرسول صلى الله عليه وسلم سهما من سهام الدعاء, فساخت قوائم فرسه في الأرض الى بطنها, فلما علم أنه لا سبيل له عليهما أخذ يعرض المال على من قد رد مفاتيح الكنوز ويقدم الزاد الى شعبان " أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني "
كانت تحفة { ثاني اثنين } مدخرة للصديق, دون الجميع فهو الثاني في الاسلام وفي بذل النفس وفي الزهد وفي الصحبة وفي الخلافة وفي العمر, وفي سبب الموت؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد مات عن أثر السم وأبو بكر سم فمات .
أسلم على يديه من العشرة: عثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص. وكان عنده يوم أسلم أربعون ألف درهم فأنفقها أحوج ما كان الاسلام اليها, فلهذا جلبت نفقته عليه" ما نفعني مال, ما نفعني مال أبي بكر" . فهو خير من مؤمن آل فرعون؛ لأن ذلك كان يكتم ايمانه والصدّيق أعلن به, وخير من مؤمن آل {يس}؛ لأن ذلك جاهد ساعة والصديق جاهد سنين.
عاين طائر الفاقة يحوم حول حب الايثار ويصيح: { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا} , فألقى له حب المال على روض الرضى واستلقى على فراش الفقر, فنقل الطائر الحب الى حوصلة المضاعفة ثم علا على أفنان شجرة الصدق يغرد بفنون المدح, ثم قام في محاريب الاسلام يتلو:{ وسيجنّبها الأتقى, الذي يؤتي ماله يتزكى} .
نطقت بفضله الآيات والأخبار؛ واجتمع على بيعته المهاجرون والأنصار.
فيا مبغضيه في قلوبكم من ذكره نار, كلما تليت فضائله علا عليهم الصغار. أترى لم يسمع الروافض الكفّار
{ثاني اثنين اذ هما في الغار} . دعي الى الاسلام فما تلعثم ولا أبى, وسار على المحجّة فما زال ولا كبا, وصبر في مدته من مدى العدى على وقوع الشبا, وأكثر في الانفاق فما قاا حتى تخلل بالعبا
تالله قد زاد على السبك في كل دينار دينار {ثاني اثنين اذ هما في الغار}
من كان قرين النبي في شبابه. من ذا الذي سبق الى الايمان من أصحابه. من الذي أفتى بحضرته سريعا في جوابه, من أوّل من صلّى معه؟ ومن آخر من صلّى به؟ من الذي ضاجعه بعد الموت في ترابه فاعرفوا حق الجار.
نهض يوم الردة بفهم واستيقاظ, وأبان من نص الكتاب معنى دق عن حديد الالحاظ, فالمحب يفرح بفضائله والمبغض يغتاظ حسرة الرافضي أن يفر من مجلس ذكره, ولكن أين الفرار؟. كم وقى الرسول بالنفس والمال, وكان أخص به في حياته وهو ضجيعه في الرمس فضائله جلية وهي خليّة عن اللبس. يا عجبا! من يغطي عين ضوء الشمس في نصف النهار, لقد دخلا غارا لا يسكنه لابث, فاستوحش الصديق من خوف الحوادث, فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:" ما ظنّك باثنين والله الثالث". فنزلت السكينة فارتفع خوف الحادث.فزال القلق وطاب عيش الماكث. فقام مؤذن النصر ينادي على رؤوس منائر الأمصار: {ثاني اثنين اذ هما في الغار}.
حبه والله رأس الحنيفية, وبغضه يدل على خبث الطوية. فهو خير الصحابة والقرابة, والحجة على ذلك قوية. لولا صحة امامته ما قال ابن الحنفية... مهلا مهلا !! فان دم الروافض قد فار.
والله ما أحببناه لهوانا, ولا نعتقد في غيره هوانا, ولكن أخذنا بقول علي رضي الله عنه: "كفانا رضيك رسول الله لديننا, أفلا نرضاك لدنيانا " تالله لقد أخذت من الروافض بالثأر تالله لقد وجب حق الصدّيق علينا, فنحن نقضي بمدائحه ونقر بما نقر به من السنى عينا, فمن كان رافضيا فلا يعد الينا وليقل: لي أعذار. "
المصدر : كتاب " الفوائد " صفحة : 45 - 47
منقول ##