ألاَ تُدافعُ عنْ حِياضِ قلبِكَ ..
تجمَّدتْ قدماهُ .. وكادَ قلبُهُ يتوقَّفُ مِنْ شدَّةِ الفَرحِ ..
لا يكادُ يُصدِّقُ ما قالتهُ الطبيبَةُ .. يا إلهي .. أأحلُمْ !!
(( مُباركٌ .. زوجَتُكَ حاملٌ ))
ما استطاعَ أنْ يتمالَكَ دُموعَهُ .. أبعْدَ سنواتِ الحِرمانِ .. ورحلةِ العِلاجِ الطويلَةِ..
أَبعْدَ كلِّ ذلِكَ العَناءِ الجسَديِّ والنَّفسيِّ .. سيَتحقَّقُ الحُلُمُ ..؟؟
::
كانَ يَعدُّ للمولُودِ الثَّوانِي حتّى يرَى النورَ .. ليضُمّهُ .. ويشُمّهُ .. ويُقبِّلهُ ..
وجاءَ الابنُ بعدَ طولِ انتظارٍ ..
وبعدَ أشهُرٍ قلِيلةٍ .. أُصيبَ الطفلُ بمَرضٍ خطيرٍ .. طارَ الأبُ بابنهِ لأبْعدِ البُلدانِ .. قاصِدًا أفضلَ أماكِنِ العلاجِ ..
تَملَّكَ قلبَهُ الخوفُ .. أيُمكنُ أنْ أخْسرهُ بهذهِ السُّهولَةِ .. وأنَا الذي تجرَّعتُ مرارَةَ أيامٍ كُنتُ أشْتهي فيها كلِمةَ أبِي ..
لنْ أبْخلَ علَيكَ بروحِي إنْ لزِمَتْ لشِفائِكَ ..
أنتَ الأملُ الذي انتظرتُهُ .. وذُقتُ حلاوةَ الدنيا معَهُ .. وأصبحَ للحياةِ لونٌ بوجودِهِ ..
وآخرُ ..
خرجَ للسُّوقِ بمالٍ يَسيرٍ .. وجُهدٍ وهِمَّةٍ تُحطّمُ المُستحيلَ ..
تَحمّلَ ما لا يتحمّلُه بشَرٌ ..
قضَى ساعاتٍ تحتَ الشمسِ المُحرقَةِ .. ومرَّتْ أيّامٌ عانى فيها قَسوَةَ زَمْهريرِ الشتاءِ ..
لمْ يتوانَ ولمْ ينْثنِ.. وقرَّرَ أنْ يـُصَيِّـرَ منْ يسيرِ المالِ ثَرْوةً ..
وكانَ لهُ ما أرادَ .. فكما يُقالُ: (( مَنْ صَبرَ ظفرَ ))
وفي لَحظةِ سوءِ تدبيرٍ .. كادَ أنْ يخسرَ مالَهُ جميعًا .. بصفْقةٍ وَضعَ فيها كلَّ ما يَملكُ ..
وأصْبحتْ أموالُهُ على حافَّةِ الهاويَةِ .. وأصبحَ بينَهُ وبينَ أنْ يعودَ كأوّلِ ما بَدأَ خُطواتٍ يسيرَةٍ ..
فَراحَ كالمجْنونِ .. يُجري اتّصالاتِهِ .. يُقابلُ منْ بيدِهِ حلٌّ ولوْ يسيرٌ ..
وهاجِسُ الفقرِ والعوْدةِ للصّفرِ يُطارِدُهُ كشبحٍ مُخيفٍ .. مُميتٍ ..
اِستقْتلَ في تَحرُّكاتِهِ .. واستَبْسلَ في الدفاعِ عنْ أموالهِ ..
وأخيرًا .. كانَ لهُ ما يُريدُ .. حيْثُ استطاعَ أنْ يُحافظَ على ثَروتِهِ ..
أيُّها المُباركُ ..
أيُعقلُ أنْ يُفرِّطَ المرءُ بما نَالَهُ بعدَ طولِ عناءٍ ..!!
أتَرى رجُلا حازَ على ما يتمنَّاهُ بصُعوبةٍ .. يتنازلُ عنهُ بسهولةٍ ..!!
إنْ كانَ أهلُ الدنيا يتقاتلونَ للحفاظِ على ما يحصُلونَ عليهِ وهو منَ الدّنيا وللدُّنيا .. وآخرَتُهُ للفناءِ
فما تَقولُ فيمنْ حازَ علَى ما هُو أنفَسُ منَ الدنيا بأَسْرِها .. بِنعِيمِها .. ولذَّاتِها ..؟
أتُراهُ يتنازلُ عنْهُ ببساطةٍ ..!!؟
::
أتدْري منْ الرجلُ .. ؟!
إنَّهُ أنتَ .. نعمْ .. أنْتَ يا منْ أسألُ اللهَ أنْ يرزُقَهُ الفِردوسَ الأعلى ..
أتدْري ما الذي حُزتَهُ وكانَ أغلَى منْ نعيمِ الدنيا ..
إنّهُ قلبُكَ الذي خرجتَ بهِ منْ رمضانَ ..
قلبُكَ الذي سَطعَ نورُهُ .. وعلتْ هِمّتُهُ .. ولانَ وخشعَ لذكرِ ربِّهِ ..
قلبُكَ.. المُشتاقُ للجِنانِ
المُفعمُ بحُبِّ الرّحمنِ ..