سلسلة (رَوْعَــةُ الوَداع) .. (2) إشاراتُ الوَداع
أعلنَ النبيُّ صلّى الله عليهِ وسلّمَ للنّاسِ عن رحلَتِهِ إلى مكّة من أجلِ الحج .. وكانَ ذلكَ في العامِ العاشرِ من الهجرة .. فبدأت النّاسُ تتوافَدُ على المدينة ، صِغاراً وكِباراً .. رِجالاً ونِساءً .. كلُّهم يُريدُ الفوزَ بصُحبةِ النبيِّ صلّى الله عليهِ وسلّم والائتمامِ به .
سُمّيت تلكَ الرحلة بـــ " حجّةُ الوداع " معَ أنَّها الحجّةُ الوحيدةُ له صلّى الله عليهِ وسلّم ، وما ذاكَ إلا لأنَّ النبيَّ صلّى الله عليهِ وسلّم أشارَ في ثنايا حجّتهِ بقُربِ وفاته ودنوِّ أجلِه .
فها هو يقولُ للصحابةِ رضيَ الله عنهم وهو يرمي جمرةَ العقبة : " أيُّها النّاس خُذوا عنّي مناسِكَكُم فلعلّي لا ألقاكُم بعدَ عامي هذا ... " .
وفي يومِ عرفة يُنْزِلُ الله عليهِ تلكَ الآية العظيمة في سورة المائدة : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) .. فتكونُ إشارةً ثانيةً إلى دُنوِّ الأجلِ بعدَ إكمالِ الدين وإتمامِ النعمة .
وفي أواسِطِ أيامٍ التشريق يأتيهِ جبريلُ عليهِ السلام ليُوحي إليهِ بسورةِ النصر : (إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) ..
نعم .. إنَّهُ الأمرُ بالتسبيحِ والتحميدِ والاستغفارِ وأنتَ تقتَرِبُ من نهايةِ مُهمّتك .. وإتمامِ رِسالَتك .. وهكذا فَهِمَ عُمرُ بن الخطّابِ وعبدُ الله بن عبّاسٍ (رضيَ الله عنهما) أنَّ نفسَ النبيِّ صلّى الله عليهِ وسلّمَ قد نُعيَت إليه .
يقومُ النبيُّ صلّى الله عليهِ وسلّم خطيباً في النّاسِ فيقولُ في ثنايا خُطبته : " إنَّ عبداً من عبادِ الله ، خيّرَهُ الله بينَ زهرة الحياة الدُنيا وبينَ ما عِندَه ، فاختارَ ما عِنده " ..
فيتكلَّمُ أحدُ الصحابةِ رافِعاً صوتهُ بِعباراتِ التضحيةِ والصِدقِ والفِداء .. يتكلَّمُ أبو بكرٍ الصدّيق رضيَ الله عنه ويقول : نفديكَ بآبائِنا وأُمَّهاتِنا يا رسولَ الله ..
فيستغرِبُ بعضُ الصحابةِ لهذا القول ويقول : ما لهذا الشيخِ الكبير يقول مقالَتَه وقد سَمِعَ من النبيِّ صلّى الله عليهِ وسلّم ما سمع !..
لكنَّهُم سُرعانَ ما عرفوا أنَّ هذا الشيخ الكبير كان أفقهَهُم وأعلمَهُم ..
فإنَّ تلك العبارات من النبيِّ صلّى الله عليهِ وسلّم كانت بمثابة التوديعِ لأحبابِهِ وأمَّته .. فقد كانَ اختيارُ النبيِّ صلّى الله عليهِ وسلّم واضِحاً لا تردُّدَ فيه .. " فاختارَ ما عِندَه " ..
وبعدَ هذا الفهمِ الدقيق ، والأحاسيسِ الصادقة في قلبِ أبي بكرٍ (رضيَ الله عنه) ذاكَ الرّجلُ النحيلُ في جسمه ، والعظيمُ في إيمانه .. يرُدُّ النبيُّ صلّى الله عليهِ وسلّم عليهِ مُعلِناً مكانَتهُ في قلبهِ فيقول : " إنَّ مِن أمنِّ النّاسِ عليَّ في أهلهِ ومالِهِ أبا بكر ... ولو كنتُ مُتَّخِذاً خليلاً لاتّخذتُ أبا بكرٍ خليلاً ولكنَّ صاحبكم خليلُ الرحمن " ..
فهنيئاً لكم يا آل أبي بكرٍ بهذهِ المكانةِ العالية .. والدرجةِ الرفيعة ..
ألا بمثلِ هذا فليفتخرِ المفتَخِرون .
كانت العادة أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم يعتكِفُ عشرة أيّامٍ من رمضان رجاءَ موافقة ليلة القدر ... حتّى استقرَّ أمرُهُ باعتكافِ العشرِ الأواخرِ من رمضان لتضمّنها تلكَ الليلة الشريفة .. وكانَ جبريلُ عليهِ السّلام يأتيهِ في رمضان ليُدارسه القرآن كاملاً .. أمّا في السّنة العاشرة فقد زادَ الأمرُ رغبةً إلى الله ومذاكرةً لكتابه ، فقد دارسَهُ جبريلُ القرآنَ مرّتين ..
كلّ هذا إشاراتٌ ودلالاتٌ على اقترابِ موعدِ الرحيل ، ولقاءِ الله لعبدهِ الخليل ..
فما أجملهُ من موعد .. وما أشرفهُ من مشهد
أعلنَ النبيُّ صلّى الله عليهِ وسلّمَ للنّاسِ عن رحلَتِهِ إلى مكّة من أجلِ الحج .. وكانَ ذلكَ في العامِ العاشرِ من الهجرة .. فبدأت النّاسُ تتوافَدُ على المدينة ، صِغاراً وكِباراً .. رِجالاً ونِساءً .. كلُّهم يُريدُ الفوزَ بصُحبةِ النبيِّ صلّى الله عليهِ وسلّم والائتمامِ به .
سُمّيت تلكَ الرحلة بـــ " حجّةُ الوداع " معَ أنَّها الحجّةُ الوحيدةُ له صلّى الله عليهِ وسلّم ، وما ذاكَ إلا لأنَّ النبيَّ صلّى الله عليهِ وسلّم أشارَ في ثنايا حجّتهِ بقُربِ وفاته ودنوِّ أجلِه .
فها هو يقولُ للصحابةِ رضيَ الله عنهم وهو يرمي جمرةَ العقبة : " أيُّها النّاس خُذوا عنّي مناسِكَكُم فلعلّي لا ألقاكُم بعدَ عامي هذا ... " .
وفي يومِ عرفة يُنْزِلُ الله عليهِ تلكَ الآية العظيمة في سورة المائدة : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) .. فتكونُ إشارةً ثانيةً إلى دُنوِّ الأجلِ بعدَ إكمالِ الدين وإتمامِ النعمة .
وفي أواسِطِ أيامٍ التشريق يأتيهِ جبريلُ عليهِ السلام ليُوحي إليهِ بسورةِ النصر : (إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) ..
نعم .. إنَّهُ الأمرُ بالتسبيحِ والتحميدِ والاستغفارِ وأنتَ تقتَرِبُ من نهايةِ مُهمّتك .. وإتمامِ رِسالَتك .. وهكذا فَهِمَ عُمرُ بن الخطّابِ وعبدُ الله بن عبّاسٍ (رضيَ الله عنهما) أنَّ نفسَ النبيِّ صلّى الله عليهِ وسلّمَ قد نُعيَت إليه .
يقومُ النبيُّ صلّى الله عليهِ وسلّم خطيباً في النّاسِ فيقولُ في ثنايا خُطبته : " إنَّ عبداً من عبادِ الله ، خيّرَهُ الله بينَ زهرة الحياة الدُنيا وبينَ ما عِندَه ، فاختارَ ما عِنده " ..
فيتكلَّمُ أحدُ الصحابةِ رافِعاً صوتهُ بِعباراتِ التضحيةِ والصِدقِ والفِداء .. يتكلَّمُ أبو بكرٍ الصدّيق رضيَ الله عنه ويقول : نفديكَ بآبائِنا وأُمَّهاتِنا يا رسولَ الله ..
فيستغرِبُ بعضُ الصحابةِ لهذا القول ويقول : ما لهذا الشيخِ الكبير يقول مقالَتَه وقد سَمِعَ من النبيِّ صلّى الله عليهِ وسلّم ما سمع !..
لكنَّهُم سُرعانَ ما عرفوا أنَّ هذا الشيخ الكبير كان أفقهَهُم وأعلمَهُم ..
فإنَّ تلك العبارات من النبيِّ صلّى الله عليهِ وسلّم كانت بمثابة التوديعِ لأحبابِهِ وأمَّته .. فقد كانَ اختيارُ النبيِّ صلّى الله عليهِ وسلّم واضِحاً لا تردُّدَ فيه .. " فاختارَ ما عِندَه " ..
وبعدَ هذا الفهمِ الدقيق ، والأحاسيسِ الصادقة في قلبِ أبي بكرٍ (رضيَ الله عنه) ذاكَ الرّجلُ النحيلُ في جسمه ، والعظيمُ في إيمانه .. يرُدُّ النبيُّ صلّى الله عليهِ وسلّم عليهِ مُعلِناً مكانَتهُ في قلبهِ فيقول : " إنَّ مِن أمنِّ النّاسِ عليَّ في أهلهِ ومالِهِ أبا بكر ... ولو كنتُ مُتَّخِذاً خليلاً لاتّخذتُ أبا بكرٍ خليلاً ولكنَّ صاحبكم خليلُ الرحمن " ..
فهنيئاً لكم يا آل أبي بكرٍ بهذهِ المكانةِ العالية .. والدرجةِ الرفيعة ..
ألا بمثلِ هذا فليفتخرِ المفتَخِرون .
كانت العادة أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم يعتكِفُ عشرة أيّامٍ من رمضان رجاءَ موافقة ليلة القدر ... حتّى استقرَّ أمرُهُ باعتكافِ العشرِ الأواخرِ من رمضان لتضمّنها تلكَ الليلة الشريفة .. وكانَ جبريلُ عليهِ السّلام يأتيهِ في رمضان ليُدارسه القرآن كاملاً .. أمّا في السّنة العاشرة فقد زادَ الأمرُ رغبةً إلى الله ومذاكرةً لكتابه ، فقد دارسَهُ جبريلُ القرآنَ مرّتين ..
كلّ هذا إشاراتٌ ودلالاتٌ على اقترابِ موعدِ الرحيل ، ولقاءِ الله لعبدهِ الخليل ..
فما أجملهُ من موعد .. وما أشرفهُ من مشهد