الصحابة كانوا أعلم أهل الأرض / درَة نفيسة للإمام ابن القيم - رحمه الله -
بسم الله الرحمن الرحيم
ذابَون عن الصحابة إلى الممات
الصحابة كانوا أعلم أهل الأرض
كلمة رائعة للجهبذ الإمام و الجبل الهمام ابن القيم - رحمه الله -
- جاء في كتابه العجاب : ( هداية الحيارى صفحة 120 - 127 ) جوابا عن هذه الشبهة و حاصلها :
السؤال السادس :
- وأما السؤال السادس وهو قول السائل : تدخل علينا الريبة من جهة عبد اله بن سلام وأصحابه ، وهو انكم قد بنيتم أكثر أساس شرائعكم في الحلال والحرام والمر والنهي على أحاديث عوام من الصحابة الذين ليس لهم بحث في علم ولا دراسة ولا كتابة قبل مبعث نبيكم ، فابن سلام هو وأصحابه أولى أن يؤخذ بأحاديثهم ورواياتهم ، لأنهم كانوا اهل علم وبحث ودراسة وكتابة قبل مبعث نبيكم وبعده ، ولا نراكم تروون عنهم من الحلال والحرام والأمر والنهي إلا شيئاً يسيراً جداً ، وهو ضعيف عندكم أ.هـ.
والجواب من وجوه :
- ( أن هذا بهت من قائله ، فإنا لم نبن أساس شريعتنا في الحلال والحرام والأمر والنهي إلا على كتاب رينا المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، الذي أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي تحدى به الأمم كلها على اختلاف علومها وأجناسها وطبائعها وهو في غاية الضعف ، وأعداؤه طبقوا الأرض أن يعارضوه بمثله فيكونوا أولى بالحق منه ويظهر كذبه وصدقهم فعجزوا عن ذلك .
فتحداهم بأن يأتوا بعشر سور مثله فعجزوا ، فتحداهم بأن بسورة من مثله فعجزوا ، هذا وأعداؤه الأدنون إليه أفصح الخلق وهم أهل البلاغة والفصاحة واللسن والنظم والنثر والخطب وأنواع الكلام ، فما منهم من فاه في معارضته ببنت شفة ، وكانوا أحرص الناس على تكذيبه وأشدهم أذى له بالقول والفعل والتنفير عنه بكل طريق.
فما نقل عن أحد منهم سورة واحدة عارضة بها ، إلا مسيلمة الكذاب بمثل قوله : يا ضفدع بنت ضفدعين ، نقي كم تنقين ، لا الشارب تمنعين ، ولا الماء تكدرين ، ومثل والطاحنات طحناً ، والعاجنات عجناً ، فالخابزات خبزاً ، إهالة وسمناً وأمثال هذه الألفاظ التي هي بألفاظ أهل الجنون والمعتوهين أشبه منها بألفاظ العقلاء.
فالمسلمون إنما بنوا أساس دينهم ومعالم حلالهم وحرامهم على الكتاب الذي لم ينزل من السماء كتاب أعظم منه ، فيه بيان كل شئ وتفصيل كل شئ وهدى ورحمة وشفاء لما في الصدور ، به هدى الله رسوله وأمته فهو أساس دينهم .
(الثاني): إن قولكم إن المسلمين بنوا أساس دينهم على رواية عوام من الصحابة من أعظم البهت وأفحش الكذب ، فإنهم وإن كانوا أميين فمذ بعث الله فيهم رسوله زكاهم وعلمهم الكتاب والحكمة وفضلهم في العلم والعمل والهدى والمعارف الإلهية والعلوم النافعة المكملة للنفوس على جميع الأمم ، فلم تبق أمة من الأمم تدانيهم في فضلهم وعلومهم وأعمالهم ومعارفهم.
فلو قيس ما عند جميع المم من معرفة وعلم وهدى بصيرة إلى ما عندهم لم يظهر له نسبة إليه بوجه ما ، وإن كان غيرهم من المم أعلم بالحساب والهندسة ، والكم المتصل والكم المنفصل ، والنبض والقارورة والبول القسطة ، ووزن الأنهار ونقوش الحيطان ، ووضع الآلات العجيبة وصناعة الكيمياء ، وعلم الفرحة ، وعلم الهيئة ، وتسيير الكواكب ، وعلم الموسيقى والألحان ، وغير ذلك من العلوم التي هي بين علم لا ينفع وبين ظنون كاذبة ، وبين علم نفعه في العاجلة وليس من زاد المعاد .
فإن أردتم أن الصحابة كانوا عواماً في العلم بالله وأسمائه وصفاته وافعاله وأحكامه ودينه وشرعه وتفاصيله وتفاصيل ما بعد الموت وعلم سعادة النفوس وشقاوتها وعلم صلاح القلوب وأمراضها فمن بهت نبيهم بما بهته به وجحد نبوته ورسالته التي هي للبصائر أظهر من الشمس الأبصار لم ينكر له أن له يبهت أصحابه ويجحد فضلهم ومعرفتهم ، وينكر ما خصهم الله به وميزهم على من قبلهم ومن هو كائن من بعدهم إلى يوم القيامة ؟! وكيف يكونون عواماً في ذلك وهم أذكى الناس فطرة وأزكاهم نفوساً ، هم يتلقونه غضاً طرياً ومحضاً لم يشب عن نبيهم ،وهم أحرص الناس عليه واشوقهم إليه ، وخبر السماء يأتيهم على لسانه في ساعات الليل والنهار والحضر والسفر ، وكتابهم قد اشتمل على علوم الأولين والآخرين ، وعلم ماكان من المبدأ والمعاد ، وتخليق العالم وأحوال الأمم الماضية ، والأنبياء وسيرهم وأحوالهم مع أممهم ، ودرجاتهم ومنازلهم عند الله ، وعددهم ، وعدد المرسلين منهم ، وذكر كتبهم وأنواع العقوبات التي عذب الله بها أعداءهم ، وما أكرم به أتباعهم ، وذكر الملائكة وأصنافهم وأنواعهم وما وكلوا به واستعملوا فيه ، وذكر اليوم الآخر وتفاصيل أحواله وذكر الجنة وتفاصيل نعيمها والنار وتفصيل عذابها ، وذكر البرزخ وتفاصيل عذابها ، وذكر البرزخ وتفاصيل أحوال الخلق فيه ، وذكر أشراط الساعة والإخبار بها مفصلاً بما لم يتضمنه كتاب غيره من حين قامت الدنيا وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، كما أخبر به المسيح عنه من قوله في الإنجيل وقد بشرهم به فقال : وكل شئ أعده الله تعالى لكم يخبركم به وفي موضع آخر منه : ويخبركم بالحوادث والغيوب ، وفي موضع آخر ويعلمكم كل شئ وأجيئكم بالأمثال وهو يجيئكم بالتأويل ، وفي موضع آخر: إن لي كلاماً كثيراً أريد أن أقوله لكم ولكنكم لا تستطيعون حمله ، لكن إذا جاء روح الحق ذلك يرشدكم إلى جميع الحق ، لأنه ليس ينطق من عنده بل بتلكم بما يسمع ، ويخبركم بكل ما يأتي ، ويعرفكم جميع ما للأب.
فمن هذا علمه بشهادة المسيح وأصحابه يبلقون ذلك جميعه عنه وهم أذكى الخلق وأحفظهم وأحرصهم ، كيف تدانيهم أمة من الأمم في هذه العلوم والمعارف ؟! ولقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً صلاة الصبح ثم صعد المنبر فخطبهم حتى حضرت الظهر ، ثم نزل فصلى وصعد فخطبهم حتى حضرت العصر ، ثم نزل فصلى وخطبهم حتى حضرت المغرب ، فلم يدع شيئاً إلى قيام الساعة إلا أخبرهم به ، فكان أعلمهم أحفظهم.
وخطبهم مرة أخرى خطبة فذكر بدأ الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم.
وقال يهودي لسلمان : لقد علمكم نبيكم كل شئ حتى الخراءة ! قال أجل.
فهذا اليهودي كان أعلم بنبينا من هذا السائل وطائفته !!.
وكيف يدعى في أصحاب نبينا عوام وهذه العلوم النافعة المبثوثة في الأمة على كثرتها واتساعها وتفنن إنما هي عنهم مأخوذة ومن كلامهم وفتاويهم مستنبطة ، وهذا عبد الله بن عباس كان من صبيانهم وفتيانهم وقد طبق الأرض علماً وبلغت فتاويه نحواً من ثلاثين سفراً ، وكان بحراً لا ينزف لو نزل به أهل الأرض لأوسعهم علماً ، وكان إذا أخذ في تفسير القرآن ومعانيه يقول السامع لا يحسن سواه ، فإذا أخذ في السنة والرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول القائل لا يحسن سواه ، فإذا أخذ في القصص وأخبار الأمم وسير الماضين فكذلك ، فإذا أخذ في أنساب العرب وقبائلها واصولها وفروعها فكذلك ، فإذا أخذ في الشعر والغريب فكذلك.
قال مجاهد : أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال قتادة في قوله تعالى : ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ، قال: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
ولما حضر معاذاً الموت قيل له : أوصنا ، قال : أجلسوني ، إن العلم والإيمان بمكانهما ، من اقتفاهما وجدهما عند أربعة رهط : عند عويمر أبي الدرداء ، وعند سلمان الفارسي ، وعند عبد الله بن مسعود ، وعند الله بن سلام ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنه عاشر عشرة في الجنة.
وقال أبو اسحق السبيعي ، قال عبد الله : علماء الأرض ثلاثة ، فرجل بالشام ، وآخر بالكوفة ، وآخر بالمدينة .
فأما هذان فيسالان الذي بالمدينة ، والذي بالمدينة لا يسألهما عن شئ.
وقيل لعلي بن أبي طالب: حدثنا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : عن أيهم ؟ قالوا : عن عبد الله بن مسعود ، قال قرأ القرآن وعلم السنة ثم انتهى وكفى بذلك ، قالوا : فحدثنا عن حذيفة ، قال : أعلم أصحاب محمد بالمنافقين ، قالوا : فأبو ذر؟ ، قال : كنيف ملئ ، قالوا: فعمار؟ ، قال : مؤمن نسي إذا ذكرته ذكر خلط الله الإيمان بلحمه ودمه ليس للنار فيه نصيب ، قالوا موسى؟ ، قال : صبغ في العلم صبغة ، قالوا: فسلمان ؟ ، قال : علم العلم الأول والآخر ، بحر لا ينزج ، هو منا أهل البيت ، قالوا : فحدثنا عن نفسك يا أمير المؤمنين؟ ، قال : إياها أرديم ، كنت إذا سئلت أعطيت ، وإذا سكت ابتديت.
وقال مسروق : شافهت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فوجدت علمهم ينتهي إلى ستة: إلىعلي ، وعبد الله ، وعمر ، وزيد بن ثابت ، وأبي الدرداء ، وأبي بن كعب ، ثم شافهت الستة فوجدت علمهم ينتهي إلى علي ، وعبد الله.
وقال مسروق : جالست أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وكانوا كالأخاذ ، الأخاذ يروي الراكبين ، والأخاذ العشرة ، والأخاذ لو نزل به أهل الأرض لأصدرهم ، وإن بعد الله من تلك الأخاذ .
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت منه حتى أرى الري يخرج من أظفاري ، ثم أعطيت فضلي عمر ، فقالوا : فما أولت ذلك يا رسول الله ، قال : العلم.
وقال عبد الله : إني لا حسب أن عمر بن الخطاب قد ذهب بتسعة أعشار العلم.
وقال عبد الله : لو أن علم عمر بن الخطاب وضع في كفة الميزان ووضع علم أهل الأرض في كفة لرجح علم عمر.
وقال حذيفة بن اليمان : كأن علم الناس مع علم عمر دس في حجر ، وقال الشعبي : قضاة هذه الأمة أربعة عمر وعلي وزيد وأبو موسى.
وقال قبيصة بن جابر : ما رأيت رجلاً قط أعلم بالله ولا أقرأ لكتاب الله ولا أفقه في دين الله من عمر.
وقال علي : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وأنا حديث السن ليس لي علم بالقضاء ، فقلت إنك ترسلني إلى قوم يكون فيهم الأحداث وليس لي علم بالقضاء ، قال فضرب في صدري وقال : إن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك ، قال : فما شككت في قضاء بين اثنين بعده.
وفي الصحيح عن عبد الله بن مسعود قال : كنت أرعى عنماً لعقبة بن أبي معيط فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، فقال لي : يا غلام هل من لبن ؟ ، فقلت : نعم ولكني مؤتمن، قال :فهل من شاة لم ينزل عليها الفحل ؟ ، قال فأتيته بشة فمسح ضرعها فنزل لبن فحلبه في إناء فشرب وسقى أبا بكر ، ثم قال للضرع : اقلص فقلص ، قال ثم أتيته بعد هذا فقلت : يا رسول الله علمني من هذا القول ، فمسح رأسي ، وقال : يرحمك لله إنك عليم معلم.
وقال عقبة بن عامر : ما أرى أحداً أعلم بما أنزل على محمد من عبد الله ، فقال أبو موسى : إن تقل ذلك فإنه كان يسمع حين لا نسمع ويدخل حين لا ندخل.
وقال مسروق : قال عبد الله : ما أنزلت سورة إلا وأنا أعلم فيما أنزلت ، ولو إني أعلم أن رجلاً أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل والمطايا لأتيته.
وقال عبد الله بن بريدة في قوله عز وجل : حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفاً قال : هو عبد الله بن مسعود.
وقيل لمسروق : كانت عائشة تحسن الفرائض ؟ قال : والله لقد رأيت الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونها عن الفرائض.
وقال أبو موسى : ما أشكل علينا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا منه علماً.
وقال شهر بن حوشب : كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا تحدثوا وفيهم معاذ بن جبل نظروا إليه هيبة له.
وقال علي بن أبي طالب : أبو ذر وعاء ملئ علماً ، ثم وكئ عليه فلم يخرج منه شئ حتى قبض.
وقال مسروق : قدمت المدينة فوجدت زيد بن ثابت من الراسخين في العلم.
ولما بلغ أبا الدرداء : إن من الناس من أوتي علماً ولم يؤت حلماً ، وشداد بن أوس ممن أوتي علماً وحلماً.
ولما مات زيد بن ثابت قام ابن عباس على قبره وقال : هكذا يذهب العلم .
وضم رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عباس وقال: اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب ، وقال محمد بن الحنيفية لما مات ابن عباس : لقد مات رباني هذه الأمة وقال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة : ما رأيت أحداً أعلم بالسنة ولا أجلد رأياً ولا أثقب نظراً حين ينظر من ابن عباس.
وكان عمر بن الخطاب يقول له : قد طرأت علينا عضل أقضية أنت لها ولأمثالها ثم يقول عبيد الله : وعمر عمر في جده وحسن نظره للمسلمين.
وقال عطاء بن أبي رباح : ما رأيت مجلساً قط أكرم من مجلس ابن عباس : أكثر فقهاً وأعظم جفنة ، إن أصحاب الفقه عنده .
وأصحاب القرآن عنده وأصحاب الشعر ، يصدرهم كلهم في واد واسع ، وكان عمر بن الخطاب يسأله مع الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعى له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزيده الله علماً وفقهاً.
وقال عبد الله بن مسعود : لو أن ابن عباس أدرك أسناننا ما عشره منا رجل .
أي ما بلغ عشرة.
وقال ابن عباس: ما سألني أحد عن مسألة إلا عرفت أنه فقيه أو غير فقيه ، وقيل له أني أصبت هذا العلم ؟ قال : بلسان سؤول ، وقلب عقول .
وكان يسمى البحر من كثرة علمه.
وقال طاوس : أدركت نحو خمسين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر لهم ابن عباس شيئاً فخالفوه لم يزل بهم حتى يقررهم.
وقال الأعمش : كان ابن عباس إذا رأيته قلت : أجمل الناس ، فإذا تكلم قلت : أفصح الناس ، فإذا حدث قلت : أعلم الناس.
وقال مجاهد : كان بان عباس إذا فسر الشئ رأيت عليه النور.
وقال ابن سيرين : كانوا يرون أن الرجل الواحد يعلم من العمل مالا يعلمه الناس أجمعون .
قال ابن عون : فكأنه رآني أنكرت ذلك قال فقال : أليس أبو بكر كان يعلم مالا يعلم الناس، ثم كان عمر يعلم مالا يعلم الناس؟! وقال عبد الله بن مسعود : لو وضع علم أحياء العرب في كفة وعلم في كفة لرجح بهم علم عمر ، قال الأعمش فذكروا ذلك لإبراهيم فقال : عبد الله ؟! إن كنا لنحسبه قد ذهب بتسعة أعشار العلم.
وقال سعيد بن المسيب : ما أعلم أحداً من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم من عمر بن الخطاب.
وقال الشعبي : قضاة الناس أربعة .
عمر وعلي وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعري.
وكانت عائشة رضي الله عنهما مقدمة في العلم بالفرائض والسنن والأحكام والحلال والحرام والتفسير قال عروة بن الزبير : ما جالست أحداً قط أعلم بقضاء ولا بحديث الجاهلية ولا أروي للشعر ولا أعلم بفريضة ولا طب من عائشة .
وقال عطاء : كانت عائشة أعلم الناس وأفقه الناس.
وقال البخاري في تاريخه : روى العلم عن أبي هريرة ثمانمائة رجل ما بين صاحب وتابع .
وقال عبد الله بن مسعود : إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه وبعثه برسالته ، ثم نظر في قلوب العباد فجعلوا وزراءه .
وقال ابن عباس في قوله تعالى: قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ، قال : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم, وقال ابن مسعود : من كان منكم مستناً فليستن بمن قد مات فإن الحي لا يؤمن عليه الفتنة ، أولئك أصحاب محمد ، أبر هذه الأمة قلوباً ، وأعمقها علماً ، وأقلها تكلفاً ، قوم اختارهم الله لإقامة دينه وصحبة نبيه فاعرفوا لهم حقهم ، وتمسكوا بهديهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم.
وقد أثنى الله سبحانه عليهم بما لم يثنه على أمة من الأمم سواهم فقال تعالى: وكذلك جعلناكم أمة وسطاً أي عدولاً خياراً .
لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً .
وقال تعالى : كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله وقال : محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ، تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً ، سيماهم في وجوههم من أثر السجود ، ذلك مثلهم في التوراة ، ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار ، وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً .
وقال تعالى : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين وهم محمد وأصحابه.
وصح عنه صلى الله عليه وسلم إنه قال : أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرهم وأكرمها على الله عز وجل .
وقال تعالى : والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم .
وقال مالك عن نافع : كان ابن عباس وابن عمر يجلسان للناس عند قدوم الحاج وكنت أجلس إلى هذا يوماً وإلى هذا يوماً ، فكان ابن عباس يجيب ويفتي في كل ما يسأل عنه وكان ابن عمر يرد أكثر مما يفتي.
قال مالك : وسمعت أن معاذ بن جبل يكون إمام العلماء برتوة يعنى يكون أمامهم يوم القيامة برمية حجر.
وقال مالك أقام ابن عمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستين سنة يفتى الناس في الموسم ويغر ذلك وكان من أئمة الدين ، وقال عمر لجرير : يرحمك الله إن كنت لسيداً في الجاهلية فقيهاً في الإسلام .
قال محمد بن المنكدر : ما قدم البصرة أحد افضل من عمران بن حصين .
وكان لجابر بن عبد الله حلقة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤخذ عنه العلم.
والعلم إنما انتشر في الآفاق عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم الذين فتحوا البلاد بالجهاد ، والقلوب بالعلم والقرآن ، فملأوا الدنيا خيراً وعلماً ، والناس اليوم في بقايا آثار علمهم.
قال الشافعي في رسالته وقد ذكر الصحابة فعظمهم وأثنى عليهم ثم قال: وهم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعقل وأمر استدرك به علم ، وآراؤهم لنا ،مد وأولى لنا من أرائنا ، ومن أدركنا ممن نرضى أو حكى لنا عنه ببلدنا صرنا فيما لم نعلم فيه سنة إلى قولهم إن اجتمعوا أو قول بعضهم إن تفرقوا ولم نخرج من أقاويلهم كلهم.
وقال الشافعي : وقد أثنى الله على الصحابة في التوراة والإنجيل والقرآن وسبق لهم على لسان نبيهم صلى الله عليه وسلم من الفضل ما ليس لأحد بعدهم.
وقال أبو حنيفة : إذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين ، وإذا جاء عن الصحابة نختار من قولهم ولم نخرج عنه.
وقال ابن القاسم : سمعت مالكاً يقول : لما دخل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الشام نظر إليهم رجل من أهل الكتاب فقال ما كان أصحاب عيسى بن مريم الذين قطعوا بالمناشير وصلبوا على بأشد اجتهاداً من هؤلاء.
وقد شهد لهم الصادق الصدوق الذي لا ينطق عن الهوى بأنهم خير القرون على الإطلاق كما شهد لهم ربهم تبارك وتعالى بأنهم خير الأمم على الإطلاق. )
فرحمه الله و غفر له
بسم الله الرحمن الرحيم
ذابَون عن الصحابة إلى الممات
الصحابة كانوا أعلم أهل الأرض
كلمة رائعة للجهبذ الإمام و الجبل الهمام ابن القيم - رحمه الله -
- جاء في كتابه العجاب : ( هداية الحيارى صفحة 120 - 127 ) جوابا عن هذه الشبهة و حاصلها :
السؤال السادس :
- وأما السؤال السادس وهو قول السائل : تدخل علينا الريبة من جهة عبد اله بن سلام وأصحابه ، وهو انكم قد بنيتم أكثر أساس شرائعكم في الحلال والحرام والمر والنهي على أحاديث عوام من الصحابة الذين ليس لهم بحث في علم ولا دراسة ولا كتابة قبل مبعث نبيكم ، فابن سلام هو وأصحابه أولى أن يؤخذ بأحاديثهم ورواياتهم ، لأنهم كانوا اهل علم وبحث ودراسة وكتابة قبل مبعث نبيكم وبعده ، ولا نراكم تروون عنهم من الحلال والحرام والأمر والنهي إلا شيئاً يسيراً جداً ، وهو ضعيف عندكم أ.هـ.
والجواب من وجوه :
- ( أن هذا بهت من قائله ، فإنا لم نبن أساس شريعتنا في الحلال والحرام والأمر والنهي إلا على كتاب رينا المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، الذي أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي تحدى به الأمم كلها على اختلاف علومها وأجناسها وطبائعها وهو في غاية الضعف ، وأعداؤه طبقوا الأرض أن يعارضوه بمثله فيكونوا أولى بالحق منه ويظهر كذبه وصدقهم فعجزوا عن ذلك .
فتحداهم بأن يأتوا بعشر سور مثله فعجزوا ، فتحداهم بأن بسورة من مثله فعجزوا ، هذا وأعداؤه الأدنون إليه أفصح الخلق وهم أهل البلاغة والفصاحة واللسن والنظم والنثر والخطب وأنواع الكلام ، فما منهم من فاه في معارضته ببنت شفة ، وكانوا أحرص الناس على تكذيبه وأشدهم أذى له بالقول والفعل والتنفير عنه بكل طريق.
فما نقل عن أحد منهم سورة واحدة عارضة بها ، إلا مسيلمة الكذاب بمثل قوله : يا ضفدع بنت ضفدعين ، نقي كم تنقين ، لا الشارب تمنعين ، ولا الماء تكدرين ، ومثل والطاحنات طحناً ، والعاجنات عجناً ، فالخابزات خبزاً ، إهالة وسمناً وأمثال هذه الألفاظ التي هي بألفاظ أهل الجنون والمعتوهين أشبه منها بألفاظ العقلاء.
فالمسلمون إنما بنوا أساس دينهم ومعالم حلالهم وحرامهم على الكتاب الذي لم ينزل من السماء كتاب أعظم منه ، فيه بيان كل شئ وتفصيل كل شئ وهدى ورحمة وشفاء لما في الصدور ، به هدى الله رسوله وأمته فهو أساس دينهم .
(الثاني): إن قولكم إن المسلمين بنوا أساس دينهم على رواية عوام من الصحابة من أعظم البهت وأفحش الكذب ، فإنهم وإن كانوا أميين فمذ بعث الله فيهم رسوله زكاهم وعلمهم الكتاب والحكمة وفضلهم في العلم والعمل والهدى والمعارف الإلهية والعلوم النافعة المكملة للنفوس على جميع الأمم ، فلم تبق أمة من الأمم تدانيهم في فضلهم وعلومهم وأعمالهم ومعارفهم.
فلو قيس ما عند جميع المم من معرفة وعلم وهدى بصيرة إلى ما عندهم لم يظهر له نسبة إليه بوجه ما ، وإن كان غيرهم من المم أعلم بالحساب والهندسة ، والكم المتصل والكم المنفصل ، والنبض والقارورة والبول القسطة ، ووزن الأنهار ونقوش الحيطان ، ووضع الآلات العجيبة وصناعة الكيمياء ، وعلم الفرحة ، وعلم الهيئة ، وتسيير الكواكب ، وعلم الموسيقى والألحان ، وغير ذلك من العلوم التي هي بين علم لا ينفع وبين ظنون كاذبة ، وبين علم نفعه في العاجلة وليس من زاد المعاد .
فإن أردتم أن الصحابة كانوا عواماً في العلم بالله وأسمائه وصفاته وافعاله وأحكامه ودينه وشرعه وتفاصيله وتفاصيل ما بعد الموت وعلم سعادة النفوس وشقاوتها وعلم صلاح القلوب وأمراضها فمن بهت نبيهم بما بهته به وجحد نبوته ورسالته التي هي للبصائر أظهر من الشمس الأبصار لم ينكر له أن له يبهت أصحابه ويجحد فضلهم ومعرفتهم ، وينكر ما خصهم الله به وميزهم على من قبلهم ومن هو كائن من بعدهم إلى يوم القيامة ؟! وكيف يكونون عواماً في ذلك وهم أذكى الناس فطرة وأزكاهم نفوساً ، هم يتلقونه غضاً طرياً ومحضاً لم يشب عن نبيهم ،وهم أحرص الناس عليه واشوقهم إليه ، وخبر السماء يأتيهم على لسانه في ساعات الليل والنهار والحضر والسفر ، وكتابهم قد اشتمل على علوم الأولين والآخرين ، وعلم ماكان من المبدأ والمعاد ، وتخليق العالم وأحوال الأمم الماضية ، والأنبياء وسيرهم وأحوالهم مع أممهم ، ودرجاتهم ومنازلهم عند الله ، وعددهم ، وعدد المرسلين منهم ، وذكر كتبهم وأنواع العقوبات التي عذب الله بها أعداءهم ، وما أكرم به أتباعهم ، وذكر الملائكة وأصنافهم وأنواعهم وما وكلوا به واستعملوا فيه ، وذكر اليوم الآخر وتفاصيل أحواله وذكر الجنة وتفاصيل نعيمها والنار وتفصيل عذابها ، وذكر البرزخ وتفاصيل عذابها ، وذكر البرزخ وتفاصيل أحوال الخلق فيه ، وذكر أشراط الساعة والإخبار بها مفصلاً بما لم يتضمنه كتاب غيره من حين قامت الدنيا وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، كما أخبر به المسيح عنه من قوله في الإنجيل وقد بشرهم به فقال : وكل شئ أعده الله تعالى لكم يخبركم به وفي موضع آخر منه : ويخبركم بالحوادث والغيوب ، وفي موضع آخر ويعلمكم كل شئ وأجيئكم بالأمثال وهو يجيئكم بالتأويل ، وفي موضع آخر: إن لي كلاماً كثيراً أريد أن أقوله لكم ولكنكم لا تستطيعون حمله ، لكن إذا جاء روح الحق ذلك يرشدكم إلى جميع الحق ، لأنه ليس ينطق من عنده بل بتلكم بما يسمع ، ويخبركم بكل ما يأتي ، ويعرفكم جميع ما للأب.
فمن هذا علمه بشهادة المسيح وأصحابه يبلقون ذلك جميعه عنه وهم أذكى الخلق وأحفظهم وأحرصهم ، كيف تدانيهم أمة من الأمم في هذه العلوم والمعارف ؟! ولقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً صلاة الصبح ثم صعد المنبر فخطبهم حتى حضرت الظهر ، ثم نزل فصلى وصعد فخطبهم حتى حضرت العصر ، ثم نزل فصلى وخطبهم حتى حضرت المغرب ، فلم يدع شيئاً إلى قيام الساعة إلا أخبرهم به ، فكان أعلمهم أحفظهم.
وخطبهم مرة أخرى خطبة فذكر بدأ الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم.
وقال يهودي لسلمان : لقد علمكم نبيكم كل شئ حتى الخراءة ! قال أجل.
فهذا اليهودي كان أعلم بنبينا من هذا السائل وطائفته !!.
وكيف يدعى في أصحاب نبينا عوام وهذه العلوم النافعة المبثوثة في الأمة على كثرتها واتساعها وتفنن إنما هي عنهم مأخوذة ومن كلامهم وفتاويهم مستنبطة ، وهذا عبد الله بن عباس كان من صبيانهم وفتيانهم وقد طبق الأرض علماً وبلغت فتاويه نحواً من ثلاثين سفراً ، وكان بحراً لا ينزف لو نزل به أهل الأرض لأوسعهم علماً ، وكان إذا أخذ في تفسير القرآن ومعانيه يقول السامع لا يحسن سواه ، فإذا أخذ في السنة والرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول القائل لا يحسن سواه ، فإذا أخذ في القصص وأخبار الأمم وسير الماضين فكذلك ، فإذا أخذ في أنساب العرب وقبائلها واصولها وفروعها فكذلك ، فإذا أخذ في الشعر والغريب فكذلك.
قال مجاهد : أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال قتادة في قوله تعالى : ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ، قال: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
ولما حضر معاذاً الموت قيل له : أوصنا ، قال : أجلسوني ، إن العلم والإيمان بمكانهما ، من اقتفاهما وجدهما عند أربعة رهط : عند عويمر أبي الدرداء ، وعند سلمان الفارسي ، وعند عبد الله بن مسعود ، وعند الله بن سلام ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنه عاشر عشرة في الجنة.
وقال أبو اسحق السبيعي ، قال عبد الله : علماء الأرض ثلاثة ، فرجل بالشام ، وآخر بالكوفة ، وآخر بالمدينة .
فأما هذان فيسالان الذي بالمدينة ، والذي بالمدينة لا يسألهما عن شئ.
وقيل لعلي بن أبي طالب: حدثنا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : عن أيهم ؟ قالوا : عن عبد الله بن مسعود ، قال قرأ القرآن وعلم السنة ثم انتهى وكفى بذلك ، قالوا : فحدثنا عن حذيفة ، قال : أعلم أصحاب محمد بالمنافقين ، قالوا : فأبو ذر؟ ، قال : كنيف ملئ ، قالوا: فعمار؟ ، قال : مؤمن نسي إذا ذكرته ذكر خلط الله الإيمان بلحمه ودمه ليس للنار فيه نصيب ، قالوا موسى؟ ، قال : صبغ في العلم صبغة ، قالوا: فسلمان ؟ ، قال : علم العلم الأول والآخر ، بحر لا ينزج ، هو منا أهل البيت ، قالوا : فحدثنا عن نفسك يا أمير المؤمنين؟ ، قال : إياها أرديم ، كنت إذا سئلت أعطيت ، وإذا سكت ابتديت.
وقال مسروق : شافهت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فوجدت علمهم ينتهي إلى ستة: إلىعلي ، وعبد الله ، وعمر ، وزيد بن ثابت ، وأبي الدرداء ، وأبي بن كعب ، ثم شافهت الستة فوجدت علمهم ينتهي إلى علي ، وعبد الله.
وقال مسروق : جالست أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وكانوا كالأخاذ ، الأخاذ يروي الراكبين ، والأخاذ العشرة ، والأخاذ لو نزل به أهل الأرض لأصدرهم ، وإن بعد الله من تلك الأخاذ .
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت منه حتى أرى الري يخرج من أظفاري ، ثم أعطيت فضلي عمر ، فقالوا : فما أولت ذلك يا رسول الله ، قال : العلم.
وقال عبد الله : إني لا حسب أن عمر بن الخطاب قد ذهب بتسعة أعشار العلم.
وقال عبد الله : لو أن علم عمر بن الخطاب وضع في كفة الميزان ووضع علم أهل الأرض في كفة لرجح علم عمر.
وقال حذيفة بن اليمان : كأن علم الناس مع علم عمر دس في حجر ، وقال الشعبي : قضاة هذه الأمة أربعة عمر وعلي وزيد وأبو موسى.
وقال قبيصة بن جابر : ما رأيت رجلاً قط أعلم بالله ولا أقرأ لكتاب الله ولا أفقه في دين الله من عمر.
وقال علي : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وأنا حديث السن ليس لي علم بالقضاء ، فقلت إنك ترسلني إلى قوم يكون فيهم الأحداث وليس لي علم بالقضاء ، قال فضرب في صدري وقال : إن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك ، قال : فما شككت في قضاء بين اثنين بعده.
وفي الصحيح عن عبد الله بن مسعود قال : كنت أرعى عنماً لعقبة بن أبي معيط فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، فقال لي : يا غلام هل من لبن ؟ ، فقلت : نعم ولكني مؤتمن، قال :فهل من شاة لم ينزل عليها الفحل ؟ ، قال فأتيته بشة فمسح ضرعها فنزل لبن فحلبه في إناء فشرب وسقى أبا بكر ، ثم قال للضرع : اقلص فقلص ، قال ثم أتيته بعد هذا فقلت : يا رسول الله علمني من هذا القول ، فمسح رأسي ، وقال : يرحمك لله إنك عليم معلم.
وقال عقبة بن عامر : ما أرى أحداً أعلم بما أنزل على محمد من عبد الله ، فقال أبو موسى : إن تقل ذلك فإنه كان يسمع حين لا نسمع ويدخل حين لا ندخل.
وقال مسروق : قال عبد الله : ما أنزلت سورة إلا وأنا أعلم فيما أنزلت ، ولو إني أعلم أن رجلاً أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل والمطايا لأتيته.
وقال عبد الله بن بريدة في قوله عز وجل : حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفاً قال : هو عبد الله بن مسعود.
وقيل لمسروق : كانت عائشة تحسن الفرائض ؟ قال : والله لقد رأيت الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونها عن الفرائض.
وقال أبو موسى : ما أشكل علينا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا منه علماً.
وقال شهر بن حوشب : كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا تحدثوا وفيهم معاذ بن جبل نظروا إليه هيبة له.
وقال علي بن أبي طالب : أبو ذر وعاء ملئ علماً ، ثم وكئ عليه فلم يخرج منه شئ حتى قبض.
وقال مسروق : قدمت المدينة فوجدت زيد بن ثابت من الراسخين في العلم.
ولما بلغ أبا الدرداء : إن من الناس من أوتي علماً ولم يؤت حلماً ، وشداد بن أوس ممن أوتي علماً وحلماً.
ولما مات زيد بن ثابت قام ابن عباس على قبره وقال : هكذا يذهب العلم .
وضم رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عباس وقال: اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب ، وقال محمد بن الحنيفية لما مات ابن عباس : لقد مات رباني هذه الأمة وقال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة : ما رأيت أحداً أعلم بالسنة ولا أجلد رأياً ولا أثقب نظراً حين ينظر من ابن عباس.
وكان عمر بن الخطاب يقول له : قد طرأت علينا عضل أقضية أنت لها ولأمثالها ثم يقول عبيد الله : وعمر عمر في جده وحسن نظره للمسلمين.
وقال عطاء بن أبي رباح : ما رأيت مجلساً قط أكرم من مجلس ابن عباس : أكثر فقهاً وأعظم جفنة ، إن أصحاب الفقه عنده .
وأصحاب القرآن عنده وأصحاب الشعر ، يصدرهم كلهم في واد واسع ، وكان عمر بن الخطاب يسأله مع الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعى له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزيده الله علماً وفقهاً.
وقال عبد الله بن مسعود : لو أن ابن عباس أدرك أسناننا ما عشره منا رجل .
أي ما بلغ عشرة.
وقال ابن عباس: ما سألني أحد عن مسألة إلا عرفت أنه فقيه أو غير فقيه ، وقيل له أني أصبت هذا العلم ؟ قال : بلسان سؤول ، وقلب عقول .
وكان يسمى البحر من كثرة علمه.
وقال طاوس : أدركت نحو خمسين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر لهم ابن عباس شيئاً فخالفوه لم يزل بهم حتى يقررهم.
وقال الأعمش : كان ابن عباس إذا رأيته قلت : أجمل الناس ، فإذا تكلم قلت : أفصح الناس ، فإذا حدث قلت : أعلم الناس.
وقال مجاهد : كان بان عباس إذا فسر الشئ رأيت عليه النور.
وقال ابن سيرين : كانوا يرون أن الرجل الواحد يعلم من العمل مالا يعلمه الناس أجمعون .
قال ابن عون : فكأنه رآني أنكرت ذلك قال فقال : أليس أبو بكر كان يعلم مالا يعلم الناس، ثم كان عمر يعلم مالا يعلم الناس؟! وقال عبد الله بن مسعود : لو وضع علم أحياء العرب في كفة وعلم في كفة لرجح بهم علم عمر ، قال الأعمش فذكروا ذلك لإبراهيم فقال : عبد الله ؟! إن كنا لنحسبه قد ذهب بتسعة أعشار العلم.
وقال سعيد بن المسيب : ما أعلم أحداً من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم من عمر بن الخطاب.
وقال الشعبي : قضاة الناس أربعة .
عمر وعلي وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعري.
وكانت عائشة رضي الله عنهما مقدمة في العلم بالفرائض والسنن والأحكام والحلال والحرام والتفسير قال عروة بن الزبير : ما جالست أحداً قط أعلم بقضاء ولا بحديث الجاهلية ولا أروي للشعر ولا أعلم بفريضة ولا طب من عائشة .
وقال عطاء : كانت عائشة أعلم الناس وأفقه الناس.
وقال البخاري في تاريخه : روى العلم عن أبي هريرة ثمانمائة رجل ما بين صاحب وتابع .
وقال عبد الله بن مسعود : إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه وبعثه برسالته ، ثم نظر في قلوب العباد فجعلوا وزراءه .
وقال ابن عباس في قوله تعالى: قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ، قال : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم, وقال ابن مسعود : من كان منكم مستناً فليستن بمن قد مات فإن الحي لا يؤمن عليه الفتنة ، أولئك أصحاب محمد ، أبر هذه الأمة قلوباً ، وأعمقها علماً ، وأقلها تكلفاً ، قوم اختارهم الله لإقامة دينه وصحبة نبيه فاعرفوا لهم حقهم ، وتمسكوا بهديهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم.
وقد أثنى الله سبحانه عليهم بما لم يثنه على أمة من الأمم سواهم فقال تعالى: وكذلك جعلناكم أمة وسطاً أي عدولاً خياراً .
لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً .
وقال تعالى : كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله وقال : محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ، تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً ، سيماهم في وجوههم من أثر السجود ، ذلك مثلهم في التوراة ، ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار ، وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً .
وقال تعالى : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين وهم محمد وأصحابه.
وصح عنه صلى الله عليه وسلم إنه قال : أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرهم وأكرمها على الله عز وجل .
وقال تعالى : والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم .
وقال مالك عن نافع : كان ابن عباس وابن عمر يجلسان للناس عند قدوم الحاج وكنت أجلس إلى هذا يوماً وإلى هذا يوماً ، فكان ابن عباس يجيب ويفتي في كل ما يسأل عنه وكان ابن عمر يرد أكثر مما يفتي.
قال مالك : وسمعت أن معاذ بن جبل يكون إمام العلماء برتوة يعنى يكون أمامهم يوم القيامة برمية حجر.
وقال مالك أقام ابن عمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستين سنة يفتى الناس في الموسم ويغر ذلك وكان من أئمة الدين ، وقال عمر لجرير : يرحمك الله إن كنت لسيداً في الجاهلية فقيهاً في الإسلام .
قال محمد بن المنكدر : ما قدم البصرة أحد افضل من عمران بن حصين .
وكان لجابر بن عبد الله حلقة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤخذ عنه العلم.
والعلم إنما انتشر في الآفاق عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم الذين فتحوا البلاد بالجهاد ، والقلوب بالعلم والقرآن ، فملأوا الدنيا خيراً وعلماً ، والناس اليوم في بقايا آثار علمهم.
قال الشافعي في رسالته وقد ذكر الصحابة فعظمهم وأثنى عليهم ثم قال: وهم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعقل وأمر استدرك به علم ، وآراؤهم لنا ،مد وأولى لنا من أرائنا ، ومن أدركنا ممن نرضى أو حكى لنا عنه ببلدنا صرنا فيما لم نعلم فيه سنة إلى قولهم إن اجتمعوا أو قول بعضهم إن تفرقوا ولم نخرج من أقاويلهم كلهم.
وقال الشافعي : وقد أثنى الله على الصحابة في التوراة والإنجيل والقرآن وسبق لهم على لسان نبيهم صلى الله عليه وسلم من الفضل ما ليس لأحد بعدهم.
وقال أبو حنيفة : إذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين ، وإذا جاء عن الصحابة نختار من قولهم ولم نخرج عنه.
وقال ابن القاسم : سمعت مالكاً يقول : لما دخل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الشام نظر إليهم رجل من أهل الكتاب فقال ما كان أصحاب عيسى بن مريم الذين قطعوا بالمناشير وصلبوا على بأشد اجتهاداً من هؤلاء.
وقد شهد لهم الصادق الصدوق الذي لا ينطق عن الهوى بأنهم خير القرون على الإطلاق كما شهد لهم ربهم تبارك وتعالى بأنهم خير الأمم على الإطلاق. )
فرحمه الله و غفر له