[size=32]أخطاء ما قبل الإحرام[/size]
وهذه الأخطاء لا ترتبط بأعمال الحج والعمرة مطلقًا، ولكن قد تكون مخلَّةً بشرط صحَّتِهما أو قادحةً فيها، وهي ثمانية أخطاء؛ فقبل أن تلْبَس لباسَ الإحرام أخي - تعرَّف عليها، واستعن بالله على التخلُّص منها، وهي كالتالي:
الخطأ الأول:
إهمال التوبة النصوح قبل السفر للحج أو العمرة.
ومن المعروف أنَّ من شروط التوبة الإقلاع عن المعصية، والندم على فعلها، والعزم الأكيد على عدم العودة إليها، ثم إذا كانت هذه المعصية تتعلَّق بحقِّ آدميٍّ يزيد شرطٌ رابعٌ؛ وهو التحلُّل من هذا الحقِّ واسترضاء صاحبه.
والصواب: أنَّ التوبة من أوائل ما يحرص عليه الحاج والمعتمر قبل سفره لأداء هذه العبادة.
الخطأ الثاني:
استهانة بعض الحجاج بحقوق العباد.
وذلك نتيجة خطأ في فهم النصوص الواردة في فضل الحج؛ كقول الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة – رضيَ الله عنه -: ((مَنْ حجَّ فلم يَرْفُث ولم يَفْسُق؛ رجع كيوم ولدته أمُّه))، وكقول الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة – رضيَ الله عنه -: ((العمرة إلى العمرة كفَّارةٌ لما بينهما، والحجُّ المبرور ليس له جزاءٌ إلاَّ الجنة)).
وغير ذلك من النصوص الذي يُوهِمُ ظاهرها أنَّ الحج والعمرة يُسقِطان حقوقَ العباد.
والصواب: أنَّ الحجَّ والعمرة - مع فضلهما - لا يُسقِطان حقوقَ العباد؛ والدليل على ذلك أمران:
أ – الحج والعمرة ثوابُهما يُسقط الأوزار والذنوب، ولا يُسقِط حقوقَ العباد:
قال الإمام الترمذي تعليقاً على حديث رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ((مَنْ حجَّ فلم يَرْفُث ولم يَفْسُق؛ رجع كيوم ولدته أمُّه)): "هو مخصوصٌ بالمعاصي المتعلِّقة بحقوق الله خاصةً دون حقوق العباد، ولا تَسقط الحقوقُ أنفسها؛ فمن كانت عليه صلاةٌ أو كفَّارةٌ ونحوهما من حقوق الله تعالى لا تسقط عنه؛ لأنها حقوقٌ لا ذنوب، إنَّما الذنوب تأخيرها، فنَفْسُ التأخير يُسْقَطُ بالحج لا هي أنفسها؛ فالحج المبرور يُسْقط إثمَ المخالفة لا هيَ"؛ (إرشاد الساري: 3/97).
ب – القتل في سبيل الله لا يُسقِط حقوقَ العباد:
أخرج الإمام أحمد والبيهقي من حديث عبدالله بن مسعود – رضيَ الله عنه - أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((القتل في سبيل الله يكفِّر الذنوبَ كلَّها إلاَّ الأمانة)). قال: ((يُؤتَى بالعبد يوم القيامة – وإن كان قُتِلَ في سبيل الله – فيُقال: أدِّ أمانتك. فيقول: أي ربِّ، كيف وقد ذهبت الدنيا؟!! فيقال: انطلقوا به إلى الهاوية. فيُنطَلق به إلى الهاوية، وتُمثَّل له أمانته كهيئتها يوم دُفِعَتْ إليه، فيراها فيعرفها، فيهوي في أَثَرِها حتى يدركها، فيحملها على منكبيه، حتى إذا ظنَّ أنه خارجٌ زلَّت عن منكبه، فهو يهوي بها أبد الآبدين)). ثم قال: ((الصلاة أمانةٌ، والوضوء أمانةٌ، والوزن أمانةٌ، والكَيْل أمانةٌ))، وأشياء عدَّدها ((وأشدُّ ذلك الودائع)).
ومن هذا يتَّضح بما لا يدع مجالاً للشكِّ: أنَّ الحجَّ والعمرة وإن كانا من الأعمال العظيمة، التي تجعل المسلم بعد أدائها كيوم ولدته أمُّه - إلا أنها لا تُسقِط حقوقَ العباد كما يظنُّ بعض الناس، ومنشأ ذلك من فَهْمهم الخاطئ للنصوص.
الخطأ الثالث:
عدم استرضاء مَنْ يجب عليهم استرضاؤه؛ كالوالدين والزَّوج (بالنسبة للزوجة):
والصحيح: أن الحاجَّ أو الحاجة ينبغي لهما أن يسترضيا الوالدَيْن وغيرهما ممن يجب عليهما استرضاؤه؛ حتى لا يكون في نفوس أقربائهم منهم شيءٌ، فلا يدري الحاجُّ والُمعتَمِر: هل يعود إلى بلاده فيُرضي مَنْ أساء إليه أم لا. فينبغي له أن يبادر بذلك قبل سفره للحج.
الخطأ الرابع:
التهاون في توخِّي الحلال في النَّفَقة، بحجَّة أنَّ الحجَّ سيمحو كلَّ ذلك!:
والصحيح: أنَّ الحجَّ والعمرة وإن كان ثوابهما عظيمٌ وفضلهما جزيلٌ - فلا يمكن أن يمحوا الحرامَ الذي اكتسبه الحاج أو المُعْتَمِر.
ويَصْدُقُ ذلك على حجِّ الفنانين والفنانات؛ فمهما حجُّوا أو حَجَجْنَ بالمال الذي اكتسبوه من الرقص والغناء والتمثيل - فإنَّه لا يمكن أن يكون حجُّهم مقبولاً ولا مبروراً؛ لأن النفقة فيه ليست من الحلال، وشرط الحجِّ المقبول أن تكون النفقة من الحلال.
- أخرج الطبرانيُّ بسنده أن النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إذا خرج الحاجُّ حاجاً بنفقةٍ طيبة، ووضع رِجْلَه في الغَرْز فنادى: لبَّيْك اللهم لبَّيْك - ناداه مُنادٍ من السماء: لبَّيْك وسعدَيْك، زادُك حلالٌ، وراحِلتُك حلالٌ، وحجُّك مبرورٌ غير مأزور. وإذا خرج بالنفقة الخبيثة، فوضع رجله في الغَرْزِ فنادى: لبَّيْكَ - ناداه مُنَادٍ من السماء: لا لبَّيْك ولا سعدَيْك، زادُك حرامٌ، ونفقتُك حرامٌ، وحجُّك مأزورٌ غير مبرور)).
فعلى الحاجِّ أو المُعْتَمِر أن يطيب نفقته؛ فإن الله طيِّبٌ لا يَقبل إلا طيِّبًا.
إِذَا حَجَجْتَ بِمَال ٍ أَصْلُهُ سُحْتٌ فَمَا حَجَجْتَ وَلَكِنْ حَجَّتِ الْعِيرُ لا يَقْبَلُ اللهُ إلاَّ كُلَّ طَيِّبَةٍ مَا كُلُّ مَنْ حَجَّ بَيْتَ اللهِ مَبْرُورُ |
الخطأ الخامس:
عدم طلب الدُّعاء ممَّن يُرجى إجابة دُعائهم:
والحقُّ: ينبغي للحجَّاج أن يطلبوا ممَّن يُعتقَد أو يُظَنُّ فيه الصلاح والتقوى أن يدعو لهم بالسلامة في الوصول، والتَّوفيق في أداء المناسك؛ فقد روى أبو داود والترمذي عن عمر بن الخطاب – رضيَ الله عنه – أنه استأذن النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في العمرة فإذِنَ له، وقال: ((يا أخي، لا تَنْسَنا من دعائك)). فقال كلمةً ما يسرُّني بها الدنيا.
فينبغي للحاجِّ والمُعْتَمِر أن يطلب من غيره أن يدعو له، كما ينبغي من الغير أن يطلب من الحاجِّ والمُعْتَمِر أن يدعو له عند الأماكن التي يُستجاب فيها الدعاء.
الخطأ السادس:
عدم كتابة الحاجِّ والمُعْتَمِر وصيَّتَه بما له وما عليه عند سفره:
والصواب: أنه ينبغي كتابة وصيته عند السفر، وذلك لقول رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الثابت في صحيح البخاري ومسلم من حديث عبدالله بن عمر: ((ما حقُّ امرئٍ مسلمٍ له شيءٌ يوصي به، يبيت ليلتَيْن - إلاَّ ووصيَّتُه مكتوبةٌ عنده)).
فإذا كانت الوصية مستحبَّةً في كلِّ الأوقات؛ فقبل السَّفر للحجِّ والعمرة تستحبُّ من باب أوْلى، لما يترتَّب على السَّفر من المخاطر والمتاعب، ولا يدري الإنسان ماذا يلقى في هذا السفر، وهل سيعود سالماً منه أم لا.
الخطأ السابع:
وصية بعض الحججاج لأولادهم وذويهم عند السفر أو عند المجيء بزخرفة البيت أو الكتابة عليه بعبارات معينة:
مثل: (سفرٌ سعيد، وعَوْدٌ حميد)، أو: (حجٌّ مبرور، وذنبٌ مغفور)؛ فإن هذا قد يتنافى مع الإخلاص؛ فينبغي للعبد ألاَّ يقصد بحجِّه رياءً ولا سمعةً ولا مباهاةً ولا فخرًا ولا خُيَلاء، ولا يقصد به إلا وجهَ ربِّه ورضوانه، ويتواضع ويستكين ويخشع لربِّه، ويجعل عمله خالصًا لوجهه.
قال بعضُهم: الرَّكْبُ كُثْرٌ. فردَّ عليه الآخَر: ولكنَّ الحجَّاج قليلٌ.
قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162].