ما وراء مناسك الحج والعمرة
طارق حسن السقا
الحج المبرور هو أسهل جسر يعبر بصاحبه إلى جنات النعيم .فــ (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) (1) ولكي تؤتي هذه الشعيرة ثمارها و أهدافها المرجوة, يجب على كل مسلم أن يستعد لها مبكرا ويهيئ نفسه لها كل التهيئة , وليكن ذلك من خلال تعلم مناسك الحج وأحكامه الفقهية, وأسرار الحج وفوائده, ومعالمه. وليتدرب على إتقان فقه الآثار المعنوية للحج . كما ويجب عليه ألا يغفل فقه ما وراء المناسك . وليعلم كل حاج أو معتمر أن المسلم أنه إن لم يتقن هذا الفقه فلا يمكن لهذه الشعيرة أن تؤتي أكلها ولا أهدافها المرجوة . ولا يمكن إن تحدث رحلة الحج أو العمرة مرددوها أو الأثر المرجو منها في نفوس الحجيج والمعتمرين .
وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الحديث: ( إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها " (2) وإذا كان بن عباس قال: ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها ,. فإن هاتين القاعدتين يمكن إن تنسحبا على -عبادات أخرى – منها مناسك الحج والعمرة . وبالتالي فعلى الحاج أو المعتمر أن يعلم أنه ليس له من عبادته إلا ما عقل منها ووعى, وكان قلبه حاضرا مستشعرا المعنى والمغزى من كل منسك أو شعيرة في تلكم الرحلة بدءا من مجرد التفكير فيها حتى ما بعد العودة منها. ومن هناك جاءت هذه المحاولة للتذكير بفقه ما وراء مناسك الحج والعمرة وللتذكير بنوايا عديدة يمكن للحاج أن يستشعرها في هذه الرحلة . أمور جمعناها علها تكون للحجيج ذادا وللمعتمرين معينا .
1) عند خروجك من بيتك : لا تنسى أن تودع أهلك وأصدقائك بالدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم
يقول المقيم للمسافر :
(استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك )
ويقول أيضاً زودك الله بالتقوى )
ويقول أيضاً لا تنسانا يا أخي من دعائك )
قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضى الله عنه عند سفره
بينما ويقول المسافر للمقيمين :
( أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ) .
2) وأنت تودع أهلك وأصحابك بهذا الدعاء استشعر ما فيه من ذكر لله, وافتراق على الله . وفيه التواصي بالحق و الثبات على الأمر و الحرص على حسن الخاتمة . استشعر العاطفة , وحب الخير المتبادل وهذه أمور لا تجدها إلا بيننا نحن المسلمين .
3) وأنت في طريق سفرك إلي أداء المناسك عبر البحر أو البر أو الجو, أو في أي وسيلة سير وسفر، استحضر طريق الآخرة والجنة ، وسبيل النجاة يوم الدين . استحضر أن كل خطوة تخطوها في أداء الحج والعمرة ما هي إلا رمزا لخطوات حياتك صوب الطريق إلى الآخرة . لذلك اغتنم في رحلة الحج كل خطوة تخطوها من أجل مضاعفة الأجر, وليكن ذلك بالمحافظة على الصلوات في أوقاتها و على الذكر الدائم , والورد القرآني و الوتر والضحى و الوضوء . احرص في رحلتك على مصاحبة الصالحين ورؤية أفعالهم والتأسي بهم . احرص على غَضِّ البصر عن كل محرم وعن كل زينة من مباهج الدنيا حتى ما كان منها مباحا .والمعنى : أن تتخلى عن كل فضـول ، من بصر أو طعام أو مخالطة أو نوم أو كلام .
4) وأنت تحج أو تعتمر إياك أن تنوي أن تعود إلى المعصية , فالتوبة مهمة جدا، وإلا فكيف بك تفد على الله في بيته الحرام وتدعوه أن يغفر لك ويرحمك وأنت تنوي أن تعصيه مرة أخرى بعد العودة؟ يقول أحد العلماء: أخشى أن يخرج من ينوي الحج وهو يصر على أن يعود إلى المعصية وينادي: لبيك اللهم لبيك فيرد الله عليه: لا لبيك ولا سعديك،لأنه كان ينوي الرجوع إلى المعصية مرة أخرى.فعاهد ربك على ألا تعود إلى المعاصي والذنوب بعد الحج ما أحياك الله .
5) استحضر أن رحلة الحج و العمرة ليست رحلة بالبدن فقط من مكان إقامتك إلي مكة وما بعدها , ثم العودة . ولكنها في المقام الأول رحلة قلوب . قلوب ذهبت إلى هناك لتتزود وتمتلئ بالفيوضات والبركات والإيمانيات . .إنها رحلة ربانية ، رحلة نورانية ، رحلة قلوب وأرواح تسعى إلى خالقها ، فتتصل بأصلها وتستمد القوة و الحياة و السعادة وتتزود بالتقوى خير زاد .فاحرص على أن تبحث في كل فعل أو قول أو عمل على ما يسمو بقلبك ويزكيه . فلا تنشغل إلا بالله ولا ينشغل قلبك إلا بالله .وعندما ينشغل القلب بالله ويتزود من فضله وإحسانه ورحماته يتحقق الحج المبرور و الزاد الموفور و الذنب المغفور وتعود بإذن ربك طاهراً نقياً كيوم ولدتك أمك .
6) إذا يسر الله لك أمر الحج أو العمرة فتذكر أن الله أذن لك ولم يأذن لغيرك فعندما تفكر بهذه الطريقة تشعر بأنك في نعمة عظيمة يغبطك عليها كثير من المسلمين . فكم من مريض لا يستطيع الذهاب إلى الحج , وكم من امرأة لا تجد محرما , وكم من فقير لا يجد نفقة الحج وقلبه يتقلب شوقا لهذه الزيارة, وكم من سجين , وكم من أسير, وكم... وكم ... وكم .....
فعندما تنظر إلى حجك أو عمرتك بهذه الطريقة تستشعر مقدار النعمة التي أنت فيها لما دعاك الله إلى بيته وسهل لك كل السبل فاحرص أن تقابل ذلك بالشكر والحمد لله المنعم .
7) حاول أن تفرق بين الأهداف والوسائل وتذكر أن الإحرام و الميقات، والنية والتلبية، والطواف، والسعي، والتقصير، والوقوف بعرفات وأداء المناسك في منى ثم المبيت فيها، ثم الطواف.. كل هذه وسائل، والهدف الأساس منها هو تحقيق التقوى . و كلمة التقوى يقصد بها تحقيق الهدى والمغفرة. وبتعبير آخر؛ العفو والرضوان. ومن دون معرفة هاتين الشعبتين الشاملتين تبقى الحكمة من فريضة الحج غامضة لدى مؤديها. فالمرء إن لم يكن عارفاً بالهدف مما يفعله فإنه نادرا من يفشل في تحقيقه، وإن هو حققه فإنما يحقق نسبةً ضئيلة منه، فيما ستبقى أعماله غير منضبطة ومتوازنة مع خط الهدف الذي يرغب في تحقيقه. فتذكر الهدف ولا تخلط بين الأهداف والوسائل .
تذكر أن رحلة الحج و العمرة أشبه برحلة الموت إلي الدار الآخرة فما أشبه الحاج الذي يخرج من بيته وقد اغتسل ولبس ملابس الإحرام وخرج من مشاغل الدنيا ليخلص بقلبه لله وترك الأهل و المال و الولد خلفه ، ما أشبهه بمن يخرج من الدنيا عند لقاء الله ، فالاغتسال يقابله التغسيل, وملابس الإحرام تقابل ملابس التكفين, والخروج من مشاغل الدنيا يقابله الخروج الجسدي من الدنيا ، وتوديع الأهل وترك المال و الولد أمر مشترك في الحالين ، فما أجمل أن يتذكر الحاج هذا المعنى ويأخذ العبرة و العظة ، ويستعد للقاء الله على طهر ونقاء ، فيرد المظالم ويقضى الديون ويطلب الصفح ممن أساء إليه ويتوب إلى الله فربما لقى الله في سفره هذا ، وبهذا يبدأ رحلته بدءاً طيباً كريماً . (3)
9) إذا وصلت الميقات تذكر أن أول ما يجب فعله هو الوضوء أو الاغتسال، فإذا توضأت أو اغتسلت فاستحضر نية أنك تتطهر من ذنوب الداخل والخارج. من ذنوبك الحسية والمعنوية .
10) عند الإحرام من الميقات استحضر أن لحظة الإحرام من أهم الأوقات في تلك الرحلة لأنها البداية. ولأنها البداية ، فَتَحَرَّ الإخلاص بأقصى ما تستطيع من جهد . نَقِّ قلبك من أيِّ مُرَادٍ سوى الله . واستحضر وأنت تحرم من الميقات أن الله عز وجل قد حد حدودا وشرع شرائع وأمر الناس بالتزامها ، ووقوفك في الميقات للإحرام مظهر من مظاهر بيعتك ومعاهدتك لأحكم الحاكمين. فاحرص على أن تخضع لشرعه وأوامره وتلزم حدوده وتحترم جناب ما أمر فتأتيه ، وما نهى عنه فتجتنبه من بداية الرحلة لنهايتها . وبعد الرحلة وفيما بقى لك من حياة .
11) إذا لبست الإحرام انس بهرجة الدنيا,وزينتها وزخارفها ومباهجها ومناصبها . انس ابن من أنت،وانس الحسب والنسب والجاه والسلطان و الوظيفة . انس مكانتك ومنزلتك في دنيا الناس . وربي في نفسك خلق التواضع لله , والتذلل لله . وحبذا التحلي بهذا الخلق في الحج والعمرة وما بعدهما, و طيلة حياتك بعد العودة إلى وطنك .واعلم أن التواضع نتاج التقوى فمن اتقى الله تواضع لله , ومن تكبر كان مفتقدا لتقواها
وأنت تلبي استشعر تلبية الشجر والحجر من حولك : ( ما من مسلم يلبي إلا لبى ما عن يمينه وشماله من حجر أو شجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من ها هنا وها هنا ) (4) وأنت تلبي استحضر أن من معاني لبيك اللهم لبيك : أن اتجاهي إليك وحدك يا رب, وان قصدي إليك وحدك يا رب , وأن محبتي لك وحدك يا الله, وأن خضوعي لك وحدك يا الله , و أن إخلاصي لك وحدك يا الله . (5) فاستحضر هذا المعاني وأنت تلبي بــ : لبيك الهم لبيك .
12) وأنت تقول لبيك اللهم لبيك استشعر انك تلبي دعوة سيدنا إبراهيم عليه السلام لما أمره الله بالأمر المعروف : ( وإذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين كل فج عميق ) (6) وتذكر رد الخليل على الرحمن لما قال له : رب وما يبلغ صوتي ؟ قال : أذن وعلى البلاغ .0 فنادي إبراهيم: يا أيها الناس كتب الله عليكم الحج إلى البيت العتيق, فسمعه من بين السماء والأرض وكل من في أرحام النساء وأصلاب الرجال . فها أنت اليوم تلبي نداء الله على لسان سيدنا إبراهيم وتقول : لبيك اللهم لبيك . رددها من قلبك وأنت توقن أن وفودك إلى بيت الله كان باستدعاء منه سبحانه وتعالى وهذا كرم منه وفضل يستحق منك المزيد من الشكر .فلتخرج لبيك الهم لبيك من قلبك وهي تحمل كل معاني الشكر والحمد والثناء لله رب العالمين
13) تذكر أن لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك لبيك " ليس مجرد شعار يردده الحاج كلما صعد جبلا أو هبط واديا إنما هو نوع من أنواع التربية العملية للإنسان المسلم, حيث يتكرس في مفهومه سرعة تلبيته لله رب العالمين فيحمل ذلك في ذاكرته ليعود إلى بلده متجسدا هذا الشعار الخالد لبيك اللهم لبيك . فإذا رأى طاعة أسرع إليها متمثلا ذلك الشعار لبيك اللهم لبيك
وكذلك وإذا رأى معصية أسرع منها لبيك اللهم لبيك .
14) تذكر انك منذ عقدت النية على الذهاب إلى مكة أنك في ضيافة الله .و أنك وكل من يؤدي الفريضة في ضيافة الرحمن فتعهد أن تتعامل مع ضيوف الرحمن بكل رفق ولين وتسامح وحب وتعاون ، تعين الضعيف و المريض وتقضى حاجة المحتاج:{ فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } (7) أترك الجدل والمخاصمة والشجار وعدم الانشغال بالناس. وكن كالتابعي الذي كان إذا نوى الحج أو العمرة يقول: لقد تصدقت بجسدي على المسلمين،، بمعنى أن أي فعل يتم تجاه جسدي في الحج، مثل ما يحدث من التدافع والضرب وغيره فهذا صدقة منى تصدقت بها على من آذاني .
15) إذا دخلت المسجد الحرام فتصور نفسك أنك عبد آبق ارتمى في أحضان مولاه داخل بيته ، وخاصة عند الدخول الأول ، وخاصة في الحجة الأولى. احسب نفسك في مقام الله, وأمام حضرته وفي بيته المبجل المقدس ، وأنك تستأذنه في الدخول ، فذلك هو مهوى أفئدة اصطفاها الله من الناس إلى حج هذا البيت المعمور . فهذا الشعور لا يتحقق ولا يتكرر في أي بقعة من بقاع الأرض.لذلك وأنت في هذا المقام تذكر ذنوبك وهفواتك وزلاتك وتقصيرك وأنت في بيت الكريم .اسكب دموع الندم واطلب منه في إلحاح الصفح عما مضى والتوفيق فيما بقى .
16) وأنت تطوف حول الكعبة تذكر أن الطواف حول البيت صلاة. صلاة في صورة خطوات ودورات ودعوات, فأده كأدائك للصلاة في خشوع وحضور قلب وأدب ورفق بإخوانك أثناء الطواف واستشعر اطلاع الله عليك وأنت تؤدى هذه العبادة حول بيته الحرام ، واعلم أن قلبك هو موضع نظر الرب جل جلاله . فأخل قلبك من كل شيء إلا الله وحب الله ، الإخلاص لله حينئذٍ تسمو روحك وكأنها هي التي تطوف حول البيت وليست الأقدام ، ولتكثر من ذكر الله و الدعاء لك ولإخوانك ولدعوتك وللإسلام والمسلمين . وأنت في هذا المقام لا تنسى أولى القبلتين وثالث الحرمين: المسجد الأقصى الأسير, وأدعو الله أن يرزقك صلاة في رحابه بعد أن يخلصه من براثن اليهود .
17) وأنت تطوف تذكر أن الملائكة تطوف فوقك. استشعر صورة الملائكة فوقك وهي تطوف . أين؟ . أنها تطوف حول العرش وأين؟ حول بيت الله المعمور في السماء السابعة في نفس النقطة , وبنفس الحركة التي تتحرك بها وبنفس الاتجاه، واسأل نفسك ما هي حالة خشوع الملائكة وذلهم لله تبارك وتعالى؟ فطف مثلهم وفي مثل خشوعهم وذلهم لله عز وجل، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من تشبّه بقوم فهو منهم أو هو معهم ) ( فحاول أن تكون ملائكيّ الطبع في طوافك , وفي حجك , في عمرتك وبعد الحج وبعد العمرة. وعند العودة إلي بلدك. وحبذا التحلي بهذا الخلق في كل شئون حياتك .
18) وأنت تطوف حول الكعبة المعظمة تعلم كيف تطوف في حياتك حول الأمور العظيمة ولا تجعل طوافك ومحور تحركاتك حول الأمور التافهة والرخيصة .
19) وأنت تطوف في الأشواط الثلاثة الأولى استحضر نية إظهار قوة المسلمين, وذلك وأنت تنفذ ما يسمى بالرمل والاضطباع وهو إخراج الكتف الأيمن خارج رداء الإحرام ، وتبدأ الطواف على هيئة الجري البطيء ( وهو الرمل )وذلك للرجال فقط، وهذا سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفعلها عليه الصلاة والسلام، وكانت مناسبة هذا : عندما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة ليقوم بالعمرة . و كان كل أهل مكة - وهم على كفرهم - ينظرون إليه ويقولون : إن محمدا وأصحابه أصابتهم حمى شديدة وأصابهم المرض فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (رحم الله رجلا أراهم من نفسه قوة ( فبدأ الصحابة رضوان الله عليهم في إظهار أكتافهم اليمنى، وبدأ في الطواف على هذه الهيئة وفعلوا مثلما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وذلك ثلاثة أشواط فقط، وبعد انتشار الإسلام وعندما جاء النبي صلى الله عليه وسلم لفتح مكة , أتى البيت ليطوف به ففعل ما فعله في عمرة القضاء، فقال له عمر رضي الله عنه، يا رسول الله: كنت تفعل ذلك لإظهار قوة المسلمين أمام أهل الكفر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( هذه سنتي ولا بد أن تفعلها وفي نفسك نية ) فاستحضر هذه النية أثناء الرمل والاضطباع , وأدها من هذا المنطلق .
20) وأنت تستلم الحجر الأسود استحضر معنى المعاهدة مع رب العالمين في هذا الموقف .عاهد ربك على التوبة والرجوع إلى الله. قل في نفسك: يا رب تبت وندمت ولن أعود إلى الذنوب مرة أخرى، وتعاهد الله خالصا: يا رب إني قد خلعت قلبي من كل معصية ومن كل شهوة ومن كل إصرار على ذنب ومن كل فتنة تملكت قلبي قبل أن أخرج للحج أو للعمرة.واحرص على إن تصدق الله ليصدقك .
21) عند مقام إبراهيم صلى ركعتين إن تيسر وتذكر الصلة الروحية الممتدة عبر الأجيال بيننا وبين سيدنا إبراهيم عليه السلام واستجابة الله لدعواته بأن بعث فينا محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين .
22) وأنت تشرب ماء زمزم تذكر أنه ليس كغيره من الماء , فقد خصه الله كذلك بخير كثير ولنتذكر عند شربنا منه السيدة هاجر أم إسماعيل , وكم قاسا من العطش قبل ظهور زمزم ، فلنروض أنفسنا على تحمل المشاق في سبيل الله في ميادين الجهاد والعمل لنصرة دينه عز وجل .
23) وأنت تشرب ماء زمزم تذكر أنه لا بد من الفرج بعد الشدة وأن مع العسر يسرا , فالليل مهما طال لا بد من الفجر . فثق بربك القائل ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) (9) وتأكد أن من سنن الله في الكون إن بعد كل عسر يسرا .
24) وأنت تشرب ماء زمزم اجتهد في استحضار أكبر عدد من النوايا واشرب منه متيقنا أن ماء زمزم لما شرب له . ومن النوايا التي يمكن استحضارها عند شرب ماء زمزم أن تقول : اللهم إني أشرب ماء زمزم لتغسل عن قلبي كل ران ، وتزيل عن فهمي كل حجاب يحول دون فهم مرادك ومراد رسولك صلى الله عليه وسلم في القرآن والسـنة . اللهم قوي حفظي ، وسدد فهمي، وارزقني الإصابة في اجتهادي ، وأعلِ همتي وأمض عزمي ، وسهل علي العبادة وحببها إلى قلبي يا أرحم الراحمين
طارق حسن السقا
الحج المبرور هو أسهل جسر يعبر بصاحبه إلى جنات النعيم .فــ (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) (1) ولكي تؤتي هذه الشعيرة ثمارها و أهدافها المرجوة, يجب على كل مسلم أن يستعد لها مبكرا ويهيئ نفسه لها كل التهيئة , وليكن ذلك من خلال تعلم مناسك الحج وأحكامه الفقهية, وأسرار الحج وفوائده, ومعالمه. وليتدرب على إتقان فقه الآثار المعنوية للحج . كما ويجب عليه ألا يغفل فقه ما وراء المناسك . وليعلم كل حاج أو معتمر أن المسلم أنه إن لم يتقن هذا الفقه فلا يمكن لهذه الشعيرة أن تؤتي أكلها ولا أهدافها المرجوة . ولا يمكن إن تحدث رحلة الحج أو العمرة مرددوها أو الأثر المرجو منها في نفوس الحجيج والمعتمرين .
وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الحديث: ( إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها " (2) وإذا كان بن عباس قال: ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها ,. فإن هاتين القاعدتين يمكن إن تنسحبا على -عبادات أخرى – منها مناسك الحج والعمرة . وبالتالي فعلى الحاج أو المعتمر أن يعلم أنه ليس له من عبادته إلا ما عقل منها ووعى, وكان قلبه حاضرا مستشعرا المعنى والمغزى من كل منسك أو شعيرة في تلكم الرحلة بدءا من مجرد التفكير فيها حتى ما بعد العودة منها. ومن هناك جاءت هذه المحاولة للتذكير بفقه ما وراء مناسك الحج والعمرة وللتذكير بنوايا عديدة يمكن للحاج أن يستشعرها في هذه الرحلة . أمور جمعناها علها تكون للحجيج ذادا وللمعتمرين معينا .
1) عند خروجك من بيتك : لا تنسى أن تودع أهلك وأصدقائك بالدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم
يقول المقيم للمسافر :
(استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك )
ويقول أيضاً زودك الله بالتقوى )
ويقول أيضاً لا تنسانا يا أخي من دعائك )
قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضى الله عنه عند سفره
بينما ويقول المسافر للمقيمين :
( أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ) .
2) وأنت تودع أهلك وأصحابك بهذا الدعاء استشعر ما فيه من ذكر لله, وافتراق على الله . وفيه التواصي بالحق و الثبات على الأمر و الحرص على حسن الخاتمة . استشعر العاطفة , وحب الخير المتبادل وهذه أمور لا تجدها إلا بيننا نحن المسلمين .
3) وأنت في طريق سفرك إلي أداء المناسك عبر البحر أو البر أو الجو, أو في أي وسيلة سير وسفر، استحضر طريق الآخرة والجنة ، وسبيل النجاة يوم الدين . استحضر أن كل خطوة تخطوها في أداء الحج والعمرة ما هي إلا رمزا لخطوات حياتك صوب الطريق إلى الآخرة . لذلك اغتنم في رحلة الحج كل خطوة تخطوها من أجل مضاعفة الأجر, وليكن ذلك بالمحافظة على الصلوات في أوقاتها و على الذكر الدائم , والورد القرآني و الوتر والضحى و الوضوء . احرص في رحلتك على مصاحبة الصالحين ورؤية أفعالهم والتأسي بهم . احرص على غَضِّ البصر عن كل محرم وعن كل زينة من مباهج الدنيا حتى ما كان منها مباحا .والمعنى : أن تتخلى عن كل فضـول ، من بصر أو طعام أو مخالطة أو نوم أو كلام .
4) وأنت تحج أو تعتمر إياك أن تنوي أن تعود إلى المعصية , فالتوبة مهمة جدا، وإلا فكيف بك تفد على الله في بيته الحرام وتدعوه أن يغفر لك ويرحمك وأنت تنوي أن تعصيه مرة أخرى بعد العودة؟ يقول أحد العلماء: أخشى أن يخرج من ينوي الحج وهو يصر على أن يعود إلى المعصية وينادي: لبيك اللهم لبيك فيرد الله عليه: لا لبيك ولا سعديك،لأنه كان ينوي الرجوع إلى المعصية مرة أخرى.فعاهد ربك على ألا تعود إلى المعاصي والذنوب بعد الحج ما أحياك الله .
5) استحضر أن رحلة الحج و العمرة ليست رحلة بالبدن فقط من مكان إقامتك إلي مكة وما بعدها , ثم العودة . ولكنها في المقام الأول رحلة قلوب . قلوب ذهبت إلى هناك لتتزود وتمتلئ بالفيوضات والبركات والإيمانيات . .إنها رحلة ربانية ، رحلة نورانية ، رحلة قلوب وأرواح تسعى إلى خالقها ، فتتصل بأصلها وتستمد القوة و الحياة و السعادة وتتزود بالتقوى خير زاد .فاحرص على أن تبحث في كل فعل أو قول أو عمل على ما يسمو بقلبك ويزكيه . فلا تنشغل إلا بالله ولا ينشغل قلبك إلا بالله .وعندما ينشغل القلب بالله ويتزود من فضله وإحسانه ورحماته يتحقق الحج المبرور و الزاد الموفور و الذنب المغفور وتعود بإذن ربك طاهراً نقياً كيوم ولدتك أمك .
6) إذا يسر الله لك أمر الحج أو العمرة فتذكر أن الله أذن لك ولم يأذن لغيرك فعندما تفكر بهذه الطريقة تشعر بأنك في نعمة عظيمة يغبطك عليها كثير من المسلمين . فكم من مريض لا يستطيع الذهاب إلى الحج , وكم من امرأة لا تجد محرما , وكم من فقير لا يجد نفقة الحج وقلبه يتقلب شوقا لهذه الزيارة, وكم من سجين , وكم من أسير, وكم... وكم ... وكم .....
فعندما تنظر إلى حجك أو عمرتك بهذه الطريقة تستشعر مقدار النعمة التي أنت فيها لما دعاك الله إلى بيته وسهل لك كل السبل فاحرص أن تقابل ذلك بالشكر والحمد لله المنعم .
7) حاول أن تفرق بين الأهداف والوسائل وتذكر أن الإحرام و الميقات، والنية والتلبية، والطواف، والسعي، والتقصير، والوقوف بعرفات وأداء المناسك في منى ثم المبيت فيها، ثم الطواف.. كل هذه وسائل، والهدف الأساس منها هو تحقيق التقوى . و كلمة التقوى يقصد بها تحقيق الهدى والمغفرة. وبتعبير آخر؛ العفو والرضوان. ومن دون معرفة هاتين الشعبتين الشاملتين تبقى الحكمة من فريضة الحج غامضة لدى مؤديها. فالمرء إن لم يكن عارفاً بالهدف مما يفعله فإنه نادرا من يفشل في تحقيقه، وإن هو حققه فإنما يحقق نسبةً ضئيلة منه، فيما ستبقى أعماله غير منضبطة ومتوازنة مع خط الهدف الذي يرغب في تحقيقه. فتذكر الهدف ولا تخلط بين الأهداف والوسائل .
تذكر أن رحلة الحج و العمرة أشبه برحلة الموت إلي الدار الآخرة فما أشبه الحاج الذي يخرج من بيته وقد اغتسل ولبس ملابس الإحرام وخرج من مشاغل الدنيا ليخلص بقلبه لله وترك الأهل و المال و الولد خلفه ، ما أشبهه بمن يخرج من الدنيا عند لقاء الله ، فالاغتسال يقابله التغسيل, وملابس الإحرام تقابل ملابس التكفين, والخروج من مشاغل الدنيا يقابله الخروج الجسدي من الدنيا ، وتوديع الأهل وترك المال و الولد أمر مشترك في الحالين ، فما أجمل أن يتذكر الحاج هذا المعنى ويأخذ العبرة و العظة ، ويستعد للقاء الله على طهر ونقاء ، فيرد المظالم ويقضى الديون ويطلب الصفح ممن أساء إليه ويتوب إلى الله فربما لقى الله في سفره هذا ، وبهذا يبدأ رحلته بدءاً طيباً كريماً . (3)
9) إذا وصلت الميقات تذكر أن أول ما يجب فعله هو الوضوء أو الاغتسال، فإذا توضأت أو اغتسلت فاستحضر نية أنك تتطهر من ذنوب الداخل والخارج. من ذنوبك الحسية والمعنوية .
10) عند الإحرام من الميقات استحضر أن لحظة الإحرام من أهم الأوقات في تلك الرحلة لأنها البداية. ولأنها البداية ، فَتَحَرَّ الإخلاص بأقصى ما تستطيع من جهد . نَقِّ قلبك من أيِّ مُرَادٍ سوى الله . واستحضر وأنت تحرم من الميقات أن الله عز وجل قد حد حدودا وشرع شرائع وأمر الناس بالتزامها ، ووقوفك في الميقات للإحرام مظهر من مظاهر بيعتك ومعاهدتك لأحكم الحاكمين. فاحرص على أن تخضع لشرعه وأوامره وتلزم حدوده وتحترم جناب ما أمر فتأتيه ، وما نهى عنه فتجتنبه من بداية الرحلة لنهايتها . وبعد الرحلة وفيما بقى لك من حياة .
11) إذا لبست الإحرام انس بهرجة الدنيا,وزينتها وزخارفها ومباهجها ومناصبها . انس ابن من أنت،وانس الحسب والنسب والجاه والسلطان و الوظيفة . انس مكانتك ومنزلتك في دنيا الناس . وربي في نفسك خلق التواضع لله , والتذلل لله . وحبذا التحلي بهذا الخلق في الحج والعمرة وما بعدهما, و طيلة حياتك بعد العودة إلى وطنك .واعلم أن التواضع نتاج التقوى فمن اتقى الله تواضع لله , ومن تكبر كان مفتقدا لتقواها
وأنت تلبي استشعر تلبية الشجر والحجر من حولك : ( ما من مسلم يلبي إلا لبى ما عن يمينه وشماله من حجر أو شجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من ها هنا وها هنا ) (4) وأنت تلبي استحضر أن من معاني لبيك اللهم لبيك : أن اتجاهي إليك وحدك يا رب, وان قصدي إليك وحدك يا رب , وأن محبتي لك وحدك يا الله, وأن خضوعي لك وحدك يا الله , و أن إخلاصي لك وحدك يا الله . (5) فاستحضر هذا المعاني وأنت تلبي بــ : لبيك الهم لبيك .
12) وأنت تقول لبيك اللهم لبيك استشعر انك تلبي دعوة سيدنا إبراهيم عليه السلام لما أمره الله بالأمر المعروف : ( وإذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين كل فج عميق ) (6) وتذكر رد الخليل على الرحمن لما قال له : رب وما يبلغ صوتي ؟ قال : أذن وعلى البلاغ .0 فنادي إبراهيم: يا أيها الناس كتب الله عليكم الحج إلى البيت العتيق, فسمعه من بين السماء والأرض وكل من في أرحام النساء وأصلاب الرجال . فها أنت اليوم تلبي نداء الله على لسان سيدنا إبراهيم وتقول : لبيك اللهم لبيك . رددها من قلبك وأنت توقن أن وفودك إلى بيت الله كان باستدعاء منه سبحانه وتعالى وهذا كرم منه وفضل يستحق منك المزيد من الشكر .فلتخرج لبيك الهم لبيك من قلبك وهي تحمل كل معاني الشكر والحمد والثناء لله رب العالمين
13) تذكر أن لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك لبيك " ليس مجرد شعار يردده الحاج كلما صعد جبلا أو هبط واديا إنما هو نوع من أنواع التربية العملية للإنسان المسلم, حيث يتكرس في مفهومه سرعة تلبيته لله رب العالمين فيحمل ذلك في ذاكرته ليعود إلى بلده متجسدا هذا الشعار الخالد لبيك اللهم لبيك . فإذا رأى طاعة أسرع إليها متمثلا ذلك الشعار لبيك اللهم لبيك
وكذلك وإذا رأى معصية أسرع منها لبيك اللهم لبيك .
14) تذكر انك منذ عقدت النية على الذهاب إلى مكة أنك في ضيافة الله .و أنك وكل من يؤدي الفريضة في ضيافة الرحمن فتعهد أن تتعامل مع ضيوف الرحمن بكل رفق ولين وتسامح وحب وتعاون ، تعين الضعيف و المريض وتقضى حاجة المحتاج:{ فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } (7) أترك الجدل والمخاصمة والشجار وعدم الانشغال بالناس. وكن كالتابعي الذي كان إذا نوى الحج أو العمرة يقول: لقد تصدقت بجسدي على المسلمين،، بمعنى أن أي فعل يتم تجاه جسدي في الحج، مثل ما يحدث من التدافع والضرب وغيره فهذا صدقة منى تصدقت بها على من آذاني .
15) إذا دخلت المسجد الحرام فتصور نفسك أنك عبد آبق ارتمى في أحضان مولاه داخل بيته ، وخاصة عند الدخول الأول ، وخاصة في الحجة الأولى. احسب نفسك في مقام الله, وأمام حضرته وفي بيته المبجل المقدس ، وأنك تستأذنه في الدخول ، فذلك هو مهوى أفئدة اصطفاها الله من الناس إلى حج هذا البيت المعمور . فهذا الشعور لا يتحقق ولا يتكرر في أي بقعة من بقاع الأرض.لذلك وأنت في هذا المقام تذكر ذنوبك وهفواتك وزلاتك وتقصيرك وأنت في بيت الكريم .اسكب دموع الندم واطلب منه في إلحاح الصفح عما مضى والتوفيق فيما بقى .
16) وأنت تطوف حول الكعبة تذكر أن الطواف حول البيت صلاة. صلاة في صورة خطوات ودورات ودعوات, فأده كأدائك للصلاة في خشوع وحضور قلب وأدب ورفق بإخوانك أثناء الطواف واستشعر اطلاع الله عليك وأنت تؤدى هذه العبادة حول بيته الحرام ، واعلم أن قلبك هو موضع نظر الرب جل جلاله . فأخل قلبك من كل شيء إلا الله وحب الله ، الإخلاص لله حينئذٍ تسمو روحك وكأنها هي التي تطوف حول البيت وليست الأقدام ، ولتكثر من ذكر الله و الدعاء لك ولإخوانك ولدعوتك وللإسلام والمسلمين . وأنت في هذا المقام لا تنسى أولى القبلتين وثالث الحرمين: المسجد الأقصى الأسير, وأدعو الله أن يرزقك صلاة في رحابه بعد أن يخلصه من براثن اليهود .
17) وأنت تطوف تذكر أن الملائكة تطوف فوقك. استشعر صورة الملائكة فوقك وهي تطوف . أين؟ . أنها تطوف حول العرش وأين؟ حول بيت الله المعمور في السماء السابعة في نفس النقطة , وبنفس الحركة التي تتحرك بها وبنفس الاتجاه، واسأل نفسك ما هي حالة خشوع الملائكة وذلهم لله تبارك وتعالى؟ فطف مثلهم وفي مثل خشوعهم وذلهم لله عز وجل، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من تشبّه بقوم فهو منهم أو هو معهم ) ( فحاول أن تكون ملائكيّ الطبع في طوافك , وفي حجك , في عمرتك وبعد الحج وبعد العمرة. وعند العودة إلي بلدك. وحبذا التحلي بهذا الخلق في كل شئون حياتك .
18) وأنت تطوف حول الكعبة المعظمة تعلم كيف تطوف في حياتك حول الأمور العظيمة ولا تجعل طوافك ومحور تحركاتك حول الأمور التافهة والرخيصة .
19) وأنت تطوف في الأشواط الثلاثة الأولى استحضر نية إظهار قوة المسلمين, وذلك وأنت تنفذ ما يسمى بالرمل والاضطباع وهو إخراج الكتف الأيمن خارج رداء الإحرام ، وتبدأ الطواف على هيئة الجري البطيء ( وهو الرمل )وذلك للرجال فقط، وهذا سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفعلها عليه الصلاة والسلام، وكانت مناسبة هذا : عندما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة ليقوم بالعمرة . و كان كل أهل مكة - وهم على كفرهم - ينظرون إليه ويقولون : إن محمدا وأصحابه أصابتهم حمى شديدة وأصابهم المرض فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (رحم الله رجلا أراهم من نفسه قوة ( فبدأ الصحابة رضوان الله عليهم في إظهار أكتافهم اليمنى، وبدأ في الطواف على هذه الهيئة وفعلوا مثلما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وذلك ثلاثة أشواط فقط، وبعد انتشار الإسلام وعندما جاء النبي صلى الله عليه وسلم لفتح مكة , أتى البيت ليطوف به ففعل ما فعله في عمرة القضاء، فقال له عمر رضي الله عنه، يا رسول الله: كنت تفعل ذلك لإظهار قوة المسلمين أمام أهل الكفر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( هذه سنتي ولا بد أن تفعلها وفي نفسك نية ) فاستحضر هذه النية أثناء الرمل والاضطباع , وأدها من هذا المنطلق .
20) وأنت تستلم الحجر الأسود استحضر معنى المعاهدة مع رب العالمين في هذا الموقف .عاهد ربك على التوبة والرجوع إلى الله. قل في نفسك: يا رب تبت وندمت ولن أعود إلى الذنوب مرة أخرى، وتعاهد الله خالصا: يا رب إني قد خلعت قلبي من كل معصية ومن كل شهوة ومن كل إصرار على ذنب ومن كل فتنة تملكت قلبي قبل أن أخرج للحج أو للعمرة.واحرص على إن تصدق الله ليصدقك .
21) عند مقام إبراهيم صلى ركعتين إن تيسر وتذكر الصلة الروحية الممتدة عبر الأجيال بيننا وبين سيدنا إبراهيم عليه السلام واستجابة الله لدعواته بأن بعث فينا محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين .
22) وأنت تشرب ماء زمزم تذكر أنه ليس كغيره من الماء , فقد خصه الله كذلك بخير كثير ولنتذكر عند شربنا منه السيدة هاجر أم إسماعيل , وكم قاسا من العطش قبل ظهور زمزم ، فلنروض أنفسنا على تحمل المشاق في سبيل الله في ميادين الجهاد والعمل لنصرة دينه عز وجل .
23) وأنت تشرب ماء زمزم تذكر أنه لا بد من الفرج بعد الشدة وأن مع العسر يسرا , فالليل مهما طال لا بد من الفجر . فثق بربك القائل ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) (9) وتأكد أن من سنن الله في الكون إن بعد كل عسر يسرا .
24) وأنت تشرب ماء زمزم اجتهد في استحضار أكبر عدد من النوايا واشرب منه متيقنا أن ماء زمزم لما شرب له . ومن النوايا التي يمكن استحضارها عند شرب ماء زمزم أن تقول : اللهم إني أشرب ماء زمزم لتغسل عن قلبي كل ران ، وتزيل عن فهمي كل حجاب يحول دون فهم مرادك ومراد رسولك صلى الله عليه وسلم في القرآن والسـنة . اللهم قوي حفظي ، وسدد فهمي، وارزقني الإصابة في اجتهادي ، وأعلِ همتي وأمض عزمي ، وسهل علي العبادة وحببها إلى قلبي يا أرحم الراحمين