أدب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع الأطفال
الطفولة لها سماتها الخاصة التى تتطلب فهمها بطريقة تتناسب مع هذه المرحلة الهامة، وتعددت الدراسات والأبحاث العلمية التى تناولت هذه المرحلة. وقد تناول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كثيرًا من الأمور التى تخص قضاياهم ومشاكلهم والتى نتناول جزءاً منها، وهى بمثابة غَيْض من فيض من حكمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التى هى بمثابة مواقف تعليمية للآباء والأمهات، استقيناها كلها من صحيح البخارى.
اشكروهم.. وتلطفوا:
من المعلوم أن كثيرًا من الأطفال عندما يخطئون فإنهم ينتظرون اللوم أو حساب الآباء وعقابهم لهم، ولكن القليل منهم من يقدم له الشكر عندما يقوم بعمل طيب، فلا يحرص على الشكر والثناء كالحرص على التأنيب أو العقاب.
وقد ورد عن ابن عباس قوله: وضعت للنبى -صلى الله عليه وسلم- وضوءاً فقال: من وضع هذا؟ فأُخبِر؛ فقال: "اللهم فقهه فى الدين".
ولما خدم أنس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعا له النبى فقال: "اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته".
ويرى كثير من الأطفال أن الكبار يسلمون على بعضهم البعض، ويتبادلون التحية فيما بينهم، غير أنهم يرون أن بعض الكبار يتجاهلونهم. وقد ورد أن النبى -صلى الله عليه وسلم- مرَّ على أطفال يلعبون فقال لهم: "السلام عليكم يا صبيان" غير أنه لا يحرم الأطفال من مشاركة الكبار فى السلام أو التحية، وذلك كما ورد فى قوله -صلى الله عليه وسلم-: يُسَلِّم الصغير على الكبير والمار على القاعد والقليل على الكثير].
قل له: أحبك!
ومن الجميل أن يسمع كثير من الأطفال آباءهم يقولون لهم: إنهم يحبونهم كثيرًا قدر الدنيا كلها، ولكن الأجمل من الآباء والأمهات أن يشعروهم بهذا الحب وهذه الحفاوة.
قال البراء رضى الله عنه: رأيت النبى والحسن بن علىّ على عاتقه يقول: (اللهم إنى أُحِبُّه فأَحِبَّه). وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: إن رسول الله التزم الحسن بن على، فقال (اللهم إنى أحبه فأحبه وأحب من يحبه)، وقال أبو هريرة فما كان أحد أحب إلى من الحسن بعد ما قال الرسول ما قال.
اللعب ضرورة:
واللعب ضرورة هامة فى حياة الطفل، والحرمان منه نهائيًّا له آثاره النفسية والاجتماعية، فاللعب عند الأطفال وجبة أساسية يصعب التنازل عنها أو نسيانها، غير أن بعض الآباء والأمهات يمتَنُّون على أولادهم عندما يسمحون لهم باللعب، ولا يَعُدُّون ذلك حقًّا لهم. وقد ورد عن عائشة -رضى الله عنها- أنها قالت: كنت ألعب بالبنات عند النبى -صلى الله عليه وسلم- وكان لى صواحب يلعبن معى، فكان رسول الله إذا دخل يتقمعن منه فيسر بهن إلى فيلعبن معى.
التقبيل والحنان:
وكما أن اللعب حق لهم فإن الحنان والعطاء والرحمة من حقوقهم. فعن أبى هريرة -رضى الله عنه- قال: قَبَّل رسول الله الحسن بن علىّ وعنده الأقرع بن حابس التميمى جالسًا، فقال الأقرع: إن لى عشرة من الولد ما قبَّلْتُ منهم أحدًا، فنظر إليه رسول الله ثم قال (من لا يَرْحَم لا يُرْحَم).
وعن عائشة -رضى الله عنها- قالت: جاء أعرابى إلى النبى -صلى الله عليه وسلم- فقال: أَتُقَبِّلُون الصبيان؟ فما نقبلهم، فقال النبى: أو أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك؟
حب الطفولة كلها:
إن من الجميل أن نحب أطفالنا، ولكن الأجمل أن نحب الأطفال كل الأطفال أيضًا، لذا فإن نظرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ترتقى بهذه المرحلة إلى معناها الشامل وليس عناها المحدود. فعن أنس -رضى الله عنه- قال: رأى النبى النساء والصبيان مقبلين من عرس، فقام النبى ممثلاً، فقال: (اللهم أنتم من أحب الناس إليَّ، اللهم أنتم من أحب الناس إليَّ، اللهم أنتم من أحب الناس إليَّ) قالها ثلاثًا.
وعن أسامة بن زيد -رضى الله عنهما- حدَّث عن النبى أنه كان يأخذه والحسن، فيقول (اللهم أحبهما فإنى أحبهما).
مدارج الرجال والإعداد للقيادة:
وإذا كان من السهل على الكثيرين أن يتكلموا مع طفل، فإنه من الصعب أن يخاطب هذا الطفل بطريقة تناسب عقليته ومداركه وتصوره. ويحاول بعض الآباء أن يعهد إلى ابنه بمهمة معينة لا تتناسب مع قدراته، فيضره ذلك أكثر من أن ينفعه، وبدلاً من يساعده على إرساء الثقة فى نفسه يبدد هذه الثقة.
غير أن من يملك مواهب رائعة وقدرات فائقة على تحمل مسئوليات ضخمة، فمن المفيد أن تستثمر هذه الطاقات والقدرات والمواهب وألا تعطل، كتولى أسامة بن زيد قيادة جيش المسلمين باختيار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ووصيته التى نفذها أبو بكر فى خلافته.
قيمة العمل:
وكذلك الحرص على تشجيع هذه المواهب، كما بعث رسول الله إلى امرأة قائلاً: (مُرِى غلامك النجار يعمل لى أعوادًا أجلس عليهن)، وذلك عندما قالت امرأة: يا رسول الله، ألا أجعل لك شيئًا تقعد عليه فإن لى غلامًا نجارًا؟ فقال رسول الله: إن شئت فعملت المنبر.
تنمية الخيال:
ومن الجميل أن يكون لأطفالنا.. قدرة على التخيل والتصور، والأجمل منها أن نتعاهد ونستثمر هذا الخيال ونقدره بقدره. فعن ابن عمر -رضى الله عنهما- قال: كنا عند رسول الله فقال: "أخبرونى بشجرة تشبه المسلم أو كالرجل المسلم، لا يسقط ورقها وتؤتى أكلها كل حين"، قال ابن عمر: فوقع فى نفسى أنها النخلة، ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان فكرهت أن أتكلم، فلما لم يقولوا شيئًا قال رسول الله: "هى النخلة" فلما قمنا، قلت لعمر: يا أبتاه، والله لقد كان وقع فى نفسى أنها النخلة، فقال: ما منعك أن تتكلم؟ قال: لم أركما تتكلمون فكرهت أن أتكلم أو أقول شيئًا، فقال عمر: لأَنْ تكون قلتها أحب إلى من كذا وكذا.
الثقة بالنفس والفداء:
ربما صنع الصبيان ما لم يصنع الكبار، ليس تقصيرًا من الكبار بقدر ما هو إعطاء الفرصة والثقة للصغار. وعن عبد الرحمن بن عوف عن جده قال: "بينما أنا واقف فى الصف يوم بدر فنظرت عن يمينى وشمالى، فإذا أنا بغلامين من الأنصار حديثة أسنانهما، تمنيت أن أكون بين أضلع منهما، فغمزنى أحدهما فقال: يا عم، هل تعرف أبا جهل؟ قلت: نعم، ما حاجتك إليه يا ابن أخى؟ قال: أخبرت أنه يسب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والذى نفسى بيده لئن رأيته لا يفارق سوادى سواده حتى يموت الأعجل منا، فتعجبت لذلك، فغمزنى الآخر فقال لى مثلها، فلم أنشب أن نظرت لأبى جهل يجول فى الناس، قلت: ألا إن هذا صاحبكما الذى سألتمانى عنه، فابترزاه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله فأخبراه فقال أيكما قتله؟ قال كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال: هل مسحتما سيفيكما؟ قالا: لا، فنظر فى السيفين فقال: كلاكما قتله."