ما سربته المصادر الصهيونية من أن حكومة (أولمرت) درست في جلستها أمس خطة لمحاولة إعادة 700 يهودي غادروا الكيان الصهيوني على مدار العقود الماضية في سياق ما يُسمى "الهجرة المعاكسة" وتوجه ربع المغادرين إلى أوروبا للزواج من غير اليهوديات وترك اليهودية ـ كديانة ـ وكون المغادرين من الشباب المتعلم الذي يمتلك قدرة تقنية عالية، يكشـف مدى عمق أزمة المشـروع الصهيوني في فلسـطين بعد ما يُقارب من 60 عاماً من نشـأة هذا الكيان الصهيوني. فلا هو أصبح مأوى لـ 13 مليون يهودي في العالم، إذ يعيش فقط 37 منهم فيه، وبات المغادرون منه أكبر من القادمين إليه.
لا شك أن الكيان، والحركة الصهيونية، كنبتة غريبة وظاهرة استعمارية بحتة، استغلت منعطفات تاريخية لاقتلاع شعب بأكمله، قد فشلت تماماً في تحقيق أهدافها؛ فاليوم رغم تهجير 850 ألف فلسطيني عام 1948 أضحى عدد الفلسطينيين يتجاوز عدد اليهود في حدود فلسطين التاريخية، وهم مع حلول عام 2020 سيكونون أغلبية كبيرة تصل وفق خبير الديموغرافيا الصهيوني (أرنون سوفير) إلى 58% فلسطيني مقابل 42% يهودي.
تبدو الأزمة أكثر عمقاً مع انخفاض نسبة اليهود الراغبين في القدوم إلى فلسطين، فالأعوام السبعة الأخيرة لم تجلب سوى 175 ألف يهودياً أي بمعدل 24 ألفاً كل عام يُرجح تراجعهم خلال الأعوام القادمة مع اتخاذ الهجرة إلى فلسطين منحنى هبوط، وإذا ما أضفنا عدد أولئك الذين يُغادرون فلسطين في هجرة معاكسة وكونه يقترب من عدد القادمين، بل وتجاوزه عام 2007، فإن ميزان الهجرة الوافدة سيُصبح صفرياً، وستعتمد تل أبيب في زيادتها السكانية على الولادة الطبيعة التي تصل 1.9 للمرأة اليهودية مقابل 3.5 للمرأة الفلسطينية.
الزواج المختلط والاندماج في المجتمعات التي يعيشون فيها تبدو أزمة الديموغرافيا اليهودية و(الإسرائيلية) أكثر اتساعاً بما يعني أن مصادر الهجرة في اتجاه النضوب والانقراض، وقد تناول مؤتمر (هرتسيليا) الثالث الذي عُقد في تشرين ثاني 2004 وضع اليهود في العالم بمشاركة العديد من الخبراء والباحثين والعسكريين ورئيس الوكالة اليهودية (سلاي مريدور) ورئيس الوزراء السابق (آرئيل شارون) موضحاً أنهم يصلون إلى 9.12 مليون، وهو أقل مما كان في السنوات القليلة السابقة وقال: "الشـعب اليهودي يتبخر ونفقد 150 يهودياً كل يوم، وهذا يؤثر سـلباً في قوتنا القوميـة ويُشـكل تهديداً للكيان الصهيوني، وهذا التناقض يؤثر أيضاً في صورتنا أمام العالم وفي نظرة الناس إلى قوتنا".
من الواضح أن الصراع مع الدولة العبرية يأخذ بُعداً آخر يتمثل في قدرة أطرافه على الثبات والصمود على الأرض في ظل تعقيدات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وتواصل الفلسطينيين على امتداده وتغيير المعادلة السكانية لصالحهم بعدما نجحت الحركة الصهيونية عبر المذابح في تهجير نصف الشعب الفلسطيني خارج أرضه، والأرقام التي تُقدمها المصادر الصهيونية تُشير إلى واقع جديد يستعيد فيه الفلسطينيون قوتهم الديموغرافية على أرضهم.
إذن المعركـة - وبكل المقاييس- عنوانها الصمود على الأرض والتمسـك بها، والتصدي لمحاولـة اسـتلابها وتقزيمها إلى (كانتونات) يُحشـر الفلسـطينيون فيها فلا يجدون في ظل الضيق والحصار إلا مغادرتها، وهو ما تهدف إليـه الدولـة العبريـة من خلال الحصار ومخططاتها السـياسـيـة التصفويـة لقضيـة الأرض واللاجئين.