حمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
فالحياة بالنسبة للإنسان مدرسة يتعلم فيها الأخلاق والمعاملات والعبادات وكثيرة هي المدارس التي يتعلم منها المسلم فمن مدرسة الصيام التي يتعلم فيها المراقبة والقيام والوحدة الإسلامية وغيرها إلى مدرسة الشتاء الذي قيل عنه إنه فاكهة المسلم لأنه يقصر فيه النهار فيسهل فيه الصيام ويطول فيه الليل فيسهل عليه القيام . ومن هذه المدارس التي أغفلت عند كثير من الناس هي مدرسة الصحابة ذلك الجيل العظيم الذي صحب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فنحن نحبهم ونسأل الله أن يجمعنا بحبهم في جنته لذلك سوف نتطرق في هذه العجالة إلى بعض الدروس التي نستفيدها من مدرسة الصحابة .
* نستفيد من الصحابة محبة النبي صلى الله عليه وسلم وضربوا لنا أروع الأمثلة في حبه عليه الصلاة والسلام يقول الكافر لما رجع إلى أصحابه ( أي قوم والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم محمدا والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر تعظيما له )
يقول عمرو بن العاص ( وما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجل في عيني منه وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه ) (عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال بينا أنا واقف في الصف يوم بدر نظرت عن يميني وشمالي فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما تمنيت لو كنت بين أضلع منهما فغمزني أحدهما فقال يا عم هل تعرف أبا جهل قال قلت نعم وما حاجتك إليه يا ابن أخي قال أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا قال فتعجبت لذلك فغمزني الآخر فقال مثلها قال فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يزول في الناس فقلت ألا تريان هذا صاحبكما الذي تسألان عنه قال فابتدراه فضرباه بسيفيهما حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه فقال أيكما قتله فقال كل واحد منهما أنا قتلت فقال هل مسحتما سيفيكما قالا لا فنظر في السيفين فقال كلاكما قتله وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح!
والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء ) هؤلاء هم صغار الصحابة .
كان الصحبة رضوان الله عليهم يفدون رسول الله بأنفسهم ( عن الزبير بن العوام قال كان على النبي صلى الله عليه وسلم درعان يوم أحد فنهض إلى الصخرة فلم يستطع فأقعد طلحة تحته فصعد النبي صلى الله عليه وسلم عليه حتى استوى على الصخرة فقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول أوجب طلحة ) .
في معركة أحد عندما انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أنس في الحديث الذي رواه البخاري (فيقول أبو طلحة يا نبي الله بأبي أنت وأمي لا تشرف يصيبك سهم من سهام القوم نحري دون نحرك )
* نستفيد من الصحابة سرعة استجابتهم لأوامر النبي صلى الله عليه وسلم فكان الواحد منهم يأخذ النص لينفذ ويعمل مباشرة دون أي تردد حتى ولو كان العمل ضد هوى الواحد منهم (عن معقل بن يسار أن زوج أخته رجلاً من المسلمين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت عنده ماكانت ثم طلقها تطليقة لم يراجعها حتى انقضت العده فهويها وهويته ثم خطبها مع الخطاب فقال له : يالكع أكرمتك بها وزوجتكها فطلقتها والله لا ترجع إليك أبدا آخر ما عليك قال : فعلم الله حاجته إليها وحاجتها إلى بعلها فأنزل الله تبارك وتعالى ( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن – إلى قوله – وأنتم لا تعلمون ) فلما سمعها معقل قال سمعا لربي وطاعة ثم دعاه فقال أزوجك وأكرمك ) .
وكذلك أبو بكر لما حلف بعدما وقع بعض الناس في بنته عائشة رضي الله عنها حتى ذاقت المر وبكت حتى انقطع بكائها وجف دمعها وكان من اللذين تورطوا في هذه القضية مسطح ( قال أبو بكر وكان ينفق على مسطح لقرابته منه والله لا أنفق على مسطح شيئاً أبد بعد الذي قال على عائشة فأنزل الله ( ولا يأتل أولو الفضل منكم – إلى قوله – غفور رحيم ) قال أبو بكر بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال والله لا أنزعها عنه أبدا )
* نستفيد من الصحابة الصدق مع الله لا كذب ولا إخلاف عهد مع الله ( عن شداد بن الهاد أن رجلا من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه ثم قال أهاجر معك فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه فلما كانت غزوة غنم النبي صلى الله عليه وسلم سبيا فقسم وقسم له فأعطى أصحابه ما قسم له وكان يرعى ظهرهم فلما جاء دفعوه إليه فقال ما هذا قالوا قسم قسمه لك النبي صلى الله عليه وسلم فأخذه فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما هذا قال قسمته لك قال ما على هذا اتبعتك ولكني اتبعتك على أن أرمى إلى هاهنا وأشار إلى حلقه بسهم فأموت فأدخل الجنة فقال إن تصدق الله يصدقك فلبثوا قليلا ثم نهضوا في قتال العدو فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم يحمل قد أصابه سهم حيث أشار فقال النبي صلى الله عليه وسلم أهو هو قالوا نعم قال صدق الله فصدقه ثم كفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبة النبي صلى الله عليه وسلم ثم قدمه فصلى عليه فكان فيما ظهر من صلاته اللهم هذا عبدك خرج مهاجرا في سبيلك فقتل شهيدا أنا شهيد على ذلك )
عرف الالتزام عرف التطوع عرف الهداية قل ما شئت لكن المسألة والله العظيم في النهاية شيء واحد الصدق مع الله فقط. .
* نستفيد من الصحابة أن قراءتهم للقرآن كانت مؤثرة ( فابتنى مسجدا بفناء داره فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فيقف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون إليه وكان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين )
وكذلك مدينة النبي صلى الله عليه وسلم فتحت بالقرآن ولم تفتح بالسيف والسنان عندما فتحها مصعب بن عمير و ابن أم مكتوم .
* نستفيد من الصحابة ترك الدنيا لأجل العلم أبو هريرة يقول (أالله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع ) كل ذلك من أجل العلم لذلك سطرت دواوين الحديث خمسة آلاف حديث لأبي هريرة وأكثر من روى الحديث أبو هريرة ويقول : لقد رأيتني وإني لأخر فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حجرة عائشة مغشيا علي فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي ويرى أني مجنون وما بي من جنون ما بي إلا الجوع.
* نستفيد من الصحابة التواضع فإن هؤلاء الصحابة الفقراء لما إنفتحت عليهم الدنيا وجاءتهم الغنائم والمناصب لم يتغيروا ولم تتبدل نفوسهم ولما جاءت خزائن كسرى وقيصر لم تتبدل نفوسهم.
* نستفيد من الصحابة الشجاعة (عن عروة بن الزبير قال سألت عبد الله بن عمرو عن أشد ما صنع المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم قال رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فوضع رداءه في عنقه فخنقه به خنقا شديدا فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه فقال ( أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم )
وهذا موقف آخر لحمزة رضي الله عنه يبين شجاعته في غزوة أحد يقول الراوي(فلما أن اصطفوا للقتال خرج سباع فقال هل من مبارز قال فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب فقال يا سباع يا ابن أم أنمار مقطعة البظور أتحاد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم قال ثم شد عليه فكان كأمس الذاهب)
( عن هشام بن عروة عن أبيه أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا للزبير يوم اليرموك ألا تشد فنشد معك فقال إني إن شددت كذبتم فقالوا لا نفعل فحمل عليهم حتى شق صفوفهم فجاوزهم وما معه أحد ثم رجع مقبلا فأخذوا بلجامه فضربوه ضربتين على عاتقه بينهما ضربة ضربها يوم بدر قال عروة كنت أدخل أصابعي في تلك الضربات ألعب وأنا صغير قال عروة وكان معه عبد الله بن الزبير يومئذ وهو ابن عشر سنين فحمله على فرس ووكل به رجلا )
وخال يقول عن غزوة مؤته ( قد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية )
( فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة له قال فلما أفاء الله عليه قال لأصحابه هل تفقدون من أحد قالوا نفقد فلانا ونفقد فلانا قال انظروا هل تفقدون من أحد قالوا لا قال لكني أفقد جليبيبا قال فاطلبوه في القتلى قال فطلبوه فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه فقالوا يا رسول الله ها هو ذا إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فقام عليه فقال قتل سبعة وقتلوه هذا مني وأنا منه هذا مني وأنا منه مرتين أو ثلاثا ثم وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ساعديه وحفر له ما له سرير إلا ساعدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وضعه في قبره ولم يذكر أنه غسله )
* نستفيد من الصحابة تسخير الطاقات لنصرت هذا الدين (عن زيد بن ثابت قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم له كلمات من كتاب يهود قال إني والله ما آمن يهود على كتابي قال فما مر بي نصف شهر حتى تعلمته له قال فلما تعلمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابهم)
اللذين يتعلمون الآن اللغة الإنجليزية هل فكروا في الدعوة إلى الله والذين عندهم مواهب وطاقات في الكمبيوتر والخطابة والكتابة هل قاموا بتسخير طاقاتهم في الدعوة إلى الله ونصرت هذا الدين ؟
* نستفيد من الصحابة التفاعل مع النصوص (قال أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعبد المملوك الصالح أجران والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك)
(وكذلك عندما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض قال يقول عمير بن الحمام الأنصاري يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض قال نعم قال بخ بخ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحملك على قولك بخ بخ قال لا والله يا رسول الله إلا رجاءة أن أكون من أهلها قال فإنك )
(عن حبيب بن عبيد عن جبير بن نفير سمعه يقول سمعت عوف بن مالك يقول صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر أو من عذاب النار قال حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت)
(فقال نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي بالليل قال سالم فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلا )
(عمر بن أبي سلمة يقول كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك فما زالت تلك طعمتي بعد )
* نستفيد من الصحابة الشعور بالمسؤلية (أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر عنده جالس وقال أبو بكر يا زيد بن ثابت إنك غلام شاب عاقل لا نتهمك قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه قال زيد فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن )
* نستفيد من الصحابة الإيثار الأنصار أعطوا المهاجرين نصف الثمرة كما في البخاري .
(عن أبي هريرة رضي الله عنه قالأتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أصابني الجهد فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا رجل يضيفه هذه الليلة يرحمه الله فقام رجل من الأنصار فقال أنا يا رسول الله فذهب إلى أهله فقال لامرأته ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخريه شيئا قالت والله ما عندي إلا قوت الصبية قال فإذا أراد الصبية العشاء فنوميهم وتعالي فأطفئي السراج ونطوي بطوننا الليلة ففعلت ثم غدا الرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لقد عجب الله عز وجل أو ضحك من فلان وفلانة فأنزل الله عز وجل ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة )
* نستفيد من الصحابة الرحمة بين الأخوان كانوا كالجسد الواحد لما حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه في يهود بني قريظة وحضره الموت (قالت عائشة فحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم وابو بكر وعمر قالت فوالذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر وأنا في حجرتي وكانوا كما قال الله عز وجل (رحماء بينهم)
* نستفيد من الصحابة المشاركة الأخوية (فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله عز وجل منا قد ضاقت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفي على سلع يقول بأعلى صوته يا كعب بن مالك أبشر قال فخررت ساجدا وعرفت أن قد جاء فرج قال فآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا فذهب قبل صاحبي مبشرون وركض رجل إلي فرسا وسعى ساع من أسلم قبلي وأوفى الجبل فكان الصوت أسرع من الفرس فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني فنزعت له ثوبي فكسوتهما إياه ببشارته والله ما أملك غيرهما يومئذ واستعرت ثوبين فلبستهما فانطلقت أتأمم رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئوني بالتوبة ويقولون لتهنئك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحوله الناس فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني )
* وختاماً أقول الصحابة مدرسة في الأخلاق في الجهاد في التعامل بل في كل أمور الدنيا والآخرة فهل نقتدي بهم ونهتم بسيرهم والله إنا نشهد الله على حبهم فيه وأسأل الله أن يجمعني بحبهم في جنته وصلى الله وسلم على عبده ونبيه محمد
فالحياة بالنسبة للإنسان مدرسة يتعلم فيها الأخلاق والمعاملات والعبادات وكثيرة هي المدارس التي يتعلم منها المسلم فمن مدرسة الصيام التي يتعلم فيها المراقبة والقيام والوحدة الإسلامية وغيرها إلى مدرسة الشتاء الذي قيل عنه إنه فاكهة المسلم لأنه يقصر فيه النهار فيسهل فيه الصيام ويطول فيه الليل فيسهل عليه القيام . ومن هذه المدارس التي أغفلت عند كثير من الناس هي مدرسة الصحابة ذلك الجيل العظيم الذي صحب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فنحن نحبهم ونسأل الله أن يجمعنا بحبهم في جنته لذلك سوف نتطرق في هذه العجالة إلى بعض الدروس التي نستفيدها من مدرسة الصحابة .
* نستفيد من الصحابة محبة النبي صلى الله عليه وسلم وضربوا لنا أروع الأمثلة في حبه عليه الصلاة والسلام يقول الكافر لما رجع إلى أصحابه ( أي قوم والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم محمدا والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر تعظيما له )
يقول عمرو بن العاص ( وما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجل في عيني منه وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه ) (عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال بينا أنا واقف في الصف يوم بدر نظرت عن يميني وشمالي فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما تمنيت لو كنت بين أضلع منهما فغمزني أحدهما فقال يا عم هل تعرف أبا جهل قال قلت نعم وما حاجتك إليه يا ابن أخي قال أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا قال فتعجبت لذلك فغمزني الآخر فقال مثلها قال فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يزول في الناس فقلت ألا تريان هذا صاحبكما الذي تسألان عنه قال فابتدراه فضرباه بسيفيهما حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه فقال أيكما قتله فقال كل واحد منهما أنا قتلت فقال هل مسحتما سيفيكما قالا لا فنظر في السيفين فقال كلاكما قتله وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح!
والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء ) هؤلاء هم صغار الصحابة .
كان الصحبة رضوان الله عليهم يفدون رسول الله بأنفسهم ( عن الزبير بن العوام قال كان على النبي صلى الله عليه وسلم درعان يوم أحد فنهض إلى الصخرة فلم يستطع فأقعد طلحة تحته فصعد النبي صلى الله عليه وسلم عليه حتى استوى على الصخرة فقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول أوجب طلحة ) .
في معركة أحد عندما انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أنس في الحديث الذي رواه البخاري (فيقول أبو طلحة يا نبي الله بأبي أنت وأمي لا تشرف يصيبك سهم من سهام القوم نحري دون نحرك )
* نستفيد من الصحابة سرعة استجابتهم لأوامر النبي صلى الله عليه وسلم فكان الواحد منهم يأخذ النص لينفذ ويعمل مباشرة دون أي تردد حتى ولو كان العمل ضد هوى الواحد منهم (عن معقل بن يسار أن زوج أخته رجلاً من المسلمين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت عنده ماكانت ثم طلقها تطليقة لم يراجعها حتى انقضت العده فهويها وهويته ثم خطبها مع الخطاب فقال له : يالكع أكرمتك بها وزوجتكها فطلقتها والله لا ترجع إليك أبدا آخر ما عليك قال : فعلم الله حاجته إليها وحاجتها إلى بعلها فأنزل الله تبارك وتعالى ( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن – إلى قوله – وأنتم لا تعلمون ) فلما سمعها معقل قال سمعا لربي وطاعة ثم دعاه فقال أزوجك وأكرمك ) .
وكذلك أبو بكر لما حلف بعدما وقع بعض الناس في بنته عائشة رضي الله عنها حتى ذاقت المر وبكت حتى انقطع بكائها وجف دمعها وكان من اللذين تورطوا في هذه القضية مسطح ( قال أبو بكر وكان ينفق على مسطح لقرابته منه والله لا أنفق على مسطح شيئاً أبد بعد الذي قال على عائشة فأنزل الله ( ولا يأتل أولو الفضل منكم – إلى قوله – غفور رحيم ) قال أبو بكر بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال والله لا أنزعها عنه أبدا )
* نستفيد من الصحابة الصدق مع الله لا كذب ولا إخلاف عهد مع الله ( عن شداد بن الهاد أن رجلا من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه ثم قال أهاجر معك فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه فلما كانت غزوة غنم النبي صلى الله عليه وسلم سبيا فقسم وقسم له فأعطى أصحابه ما قسم له وكان يرعى ظهرهم فلما جاء دفعوه إليه فقال ما هذا قالوا قسم قسمه لك النبي صلى الله عليه وسلم فأخذه فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما هذا قال قسمته لك قال ما على هذا اتبعتك ولكني اتبعتك على أن أرمى إلى هاهنا وأشار إلى حلقه بسهم فأموت فأدخل الجنة فقال إن تصدق الله يصدقك فلبثوا قليلا ثم نهضوا في قتال العدو فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم يحمل قد أصابه سهم حيث أشار فقال النبي صلى الله عليه وسلم أهو هو قالوا نعم قال صدق الله فصدقه ثم كفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبة النبي صلى الله عليه وسلم ثم قدمه فصلى عليه فكان فيما ظهر من صلاته اللهم هذا عبدك خرج مهاجرا في سبيلك فقتل شهيدا أنا شهيد على ذلك )
عرف الالتزام عرف التطوع عرف الهداية قل ما شئت لكن المسألة والله العظيم في النهاية شيء واحد الصدق مع الله فقط. .
* نستفيد من الصحابة أن قراءتهم للقرآن كانت مؤثرة ( فابتنى مسجدا بفناء داره فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فيقف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون إليه وكان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين )
وكذلك مدينة النبي صلى الله عليه وسلم فتحت بالقرآن ولم تفتح بالسيف والسنان عندما فتحها مصعب بن عمير و ابن أم مكتوم .
* نستفيد من الصحابة ترك الدنيا لأجل العلم أبو هريرة يقول (أالله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع ) كل ذلك من أجل العلم لذلك سطرت دواوين الحديث خمسة آلاف حديث لأبي هريرة وأكثر من روى الحديث أبو هريرة ويقول : لقد رأيتني وإني لأخر فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حجرة عائشة مغشيا علي فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي ويرى أني مجنون وما بي من جنون ما بي إلا الجوع.
* نستفيد من الصحابة التواضع فإن هؤلاء الصحابة الفقراء لما إنفتحت عليهم الدنيا وجاءتهم الغنائم والمناصب لم يتغيروا ولم تتبدل نفوسهم ولما جاءت خزائن كسرى وقيصر لم تتبدل نفوسهم.
* نستفيد من الصحابة الشجاعة (عن عروة بن الزبير قال سألت عبد الله بن عمرو عن أشد ما صنع المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم قال رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فوضع رداءه في عنقه فخنقه به خنقا شديدا فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه فقال ( أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم )
وهذا موقف آخر لحمزة رضي الله عنه يبين شجاعته في غزوة أحد يقول الراوي(فلما أن اصطفوا للقتال خرج سباع فقال هل من مبارز قال فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب فقال يا سباع يا ابن أم أنمار مقطعة البظور أتحاد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم قال ثم شد عليه فكان كأمس الذاهب)
( عن هشام بن عروة عن أبيه أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا للزبير يوم اليرموك ألا تشد فنشد معك فقال إني إن شددت كذبتم فقالوا لا نفعل فحمل عليهم حتى شق صفوفهم فجاوزهم وما معه أحد ثم رجع مقبلا فأخذوا بلجامه فضربوه ضربتين على عاتقه بينهما ضربة ضربها يوم بدر قال عروة كنت أدخل أصابعي في تلك الضربات ألعب وأنا صغير قال عروة وكان معه عبد الله بن الزبير يومئذ وهو ابن عشر سنين فحمله على فرس ووكل به رجلا )
وخال يقول عن غزوة مؤته ( قد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية )
( فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة له قال فلما أفاء الله عليه قال لأصحابه هل تفقدون من أحد قالوا نفقد فلانا ونفقد فلانا قال انظروا هل تفقدون من أحد قالوا لا قال لكني أفقد جليبيبا قال فاطلبوه في القتلى قال فطلبوه فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه فقالوا يا رسول الله ها هو ذا إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فقام عليه فقال قتل سبعة وقتلوه هذا مني وأنا منه هذا مني وأنا منه مرتين أو ثلاثا ثم وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ساعديه وحفر له ما له سرير إلا ساعدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وضعه في قبره ولم يذكر أنه غسله )
* نستفيد من الصحابة تسخير الطاقات لنصرت هذا الدين (عن زيد بن ثابت قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم له كلمات من كتاب يهود قال إني والله ما آمن يهود على كتابي قال فما مر بي نصف شهر حتى تعلمته له قال فلما تعلمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابهم)
اللذين يتعلمون الآن اللغة الإنجليزية هل فكروا في الدعوة إلى الله والذين عندهم مواهب وطاقات في الكمبيوتر والخطابة والكتابة هل قاموا بتسخير طاقاتهم في الدعوة إلى الله ونصرت هذا الدين ؟
* نستفيد من الصحابة التفاعل مع النصوص (قال أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعبد المملوك الصالح أجران والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك)
(وكذلك عندما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض قال يقول عمير بن الحمام الأنصاري يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض قال نعم قال بخ بخ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحملك على قولك بخ بخ قال لا والله يا رسول الله إلا رجاءة أن أكون من أهلها قال فإنك )
(عن حبيب بن عبيد عن جبير بن نفير سمعه يقول سمعت عوف بن مالك يقول صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر أو من عذاب النار قال حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت)
(فقال نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي بالليل قال سالم فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلا )
(عمر بن أبي سلمة يقول كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك فما زالت تلك طعمتي بعد )
* نستفيد من الصحابة الشعور بالمسؤلية (أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر عنده جالس وقال أبو بكر يا زيد بن ثابت إنك غلام شاب عاقل لا نتهمك قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه قال زيد فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن )
* نستفيد من الصحابة الإيثار الأنصار أعطوا المهاجرين نصف الثمرة كما في البخاري .
(عن أبي هريرة رضي الله عنه قالأتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أصابني الجهد فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا رجل يضيفه هذه الليلة يرحمه الله فقام رجل من الأنصار فقال أنا يا رسول الله فذهب إلى أهله فقال لامرأته ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخريه شيئا قالت والله ما عندي إلا قوت الصبية قال فإذا أراد الصبية العشاء فنوميهم وتعالي فأطفئي السراج ونطوي بطوننا الليلة ففعلت ثم غدا الرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لقد عجب الله عز وجل أو ضحك من فلان وفلانة فأنزل الله عز وجل ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة )
* نستفيد من الصحابة الرحمة بين الأخوان كانوا كالجسد الواحد لما حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه في يهود بني قريظة وحضره الموت (قالت عائشة فحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم وابو بكر وعمر قالت فوالذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر وأنا في حجرتي وكانوا كما قال الله عز وجل (رحماء بينهم)
* نستفيد من الصحابة المشاركة الأخوية (فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله عز وجل منا قد ضاقت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفي على سلع يقول بأعلى صوته يا كعب بن مالك أبشر قال فخررت ساجدا وعرفت أن قد جاء فرج قال فآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا فذهب قبل صاحبي مبشرون وركض رجل إلي فرسا وسعى ساع من أسلم قبلي وأوفى الجبل فكان الصوت أسرع من الفرس فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني فنزعت له ثوبي فكسوتهما إياه ببشارته والله ما أملك غيرهما يومئذ واستعرت ثوبين فلبستهما فانطلقت أتأمم رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئوني بالتوبة ويقولون لتهنئك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحوله الناس فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني )
* وختاماً أقول الصحابة مدرسة في الأخلاق في الجهاد في التعامل بل في كل أمور الدنيا والآخرة فهل نقتدي بهم ونهتم بسيرهم والله إنا نشهد الله على حبهم فيه وأسأل الله أن يجمعني بحبهم في جنته وصلى الله وسلم على عبده ونبيه محمد