المواطن العربي حائر حيرة شديدة فيما تنقله له الأنباء من موقف القيادات السياسية العربية ،
والفلسطينية بوجه خاص، من مشروعات التسوية السلمية المزعومة وموضع القدس الشريف
منها . ومن أخطر التصريحات العربية ، التي تؤكد حينا وتنكر حينا آخر أن القيادة الفلسطينية
وبعض القيادات العربية قبلت أن يكون للعدو الصهيوني السيادة على الحائط الغربي للحرم
المقدسي الشريف ( المسجد الأقصى) المعروف باسم حائط البراق والذي اخترع اليهود تسميته
بحائط المبكى ! والخطير في هذه التصريحات أنها تظهر استعداد بعض العرب للتفريط في حقوق
ثابتة ، ذات قداسة دينية للمسلمين دون أن يملكوا هذا التفريط ودون أن يستطيع أن يملّكهم إياه
أحد .
والخلاف حول حائط البراق ( والبراق هو الدابّة التي ركبها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة
الإسراء من مكة إلى بيت المقدس وقد وصفها بأنها تضع حافرها عند منتهى بصرها!) خلاف
قديم . ولا أريد أن أسوق إلى القرّاء تفاصيل تاريخية لم تعد ذات جدوى ، وإنما أكتفي بأن
أذكر أنه في أعقاب الاضطرابات التي وقعت في مدينة القدس بسبب إساءة اليهود استعمال
الحقوق التي تسامح المسلمون معهم في شأنها ، وافق مجلس عصبة الأمم في 15 مايو (أيار ) 1930
على تشكيل لجنة دولية ثلاثية من غير المسلمين وغير اليهود ، لدراسة موضوع حائط البراق أو
المبكى والحقوق المدّعاة عليه من قبل المسلمين واليهود . وقد مارست اللجنة عملها منذ 19
يونيو ( حزيران) 1930 وأصدرت تقريرها في أول ديسمبر ( كانون الأول ) 1930 م .
وجاءت النتائج التي توصلت اللجنة إليها قاطعة في شأن الحق العربي على حائط البراق ، فقد
انتهت اللجنة إلى ما يأتي : " إن حق ملكية الحائط وحق التصرف فيه وما جاوره من الأماكن
المبحوث عنها في هذا التقرير عائد للمسلمين . ذلك أن الحائط نفسه هو ملك للمسلمين لكونه
جزءا لا يتجزأ من الحرم الشريف . كما أنه ثبت للجنة .. أن الرصيف الكائن عند الحائط حيث يقيم
اليهود صلواتهم هو أيضا ملك للمسلمين " . " كذلك ثبت لللجنة أن المنطقة التي تكتنف الرصيف
المذكور قد وقفها على المسلمين الملك الأفضل بعد صلاح الدين الأيوبي حوالي سنة 1193 بعد
الميلاد " .
" إن الحائط نفسه لكونه جزءا لا يتجزأ من الحرم الشريف هو وقف بلا ريب . وإذا أخذنا بعين
الاعتبار المعلومات التي زودنا بها فريق المسلمين بشأن الوقف والمستندة إلى أحكام الشرع
الإسلامي يكون الرصيف الكائن أمام الحائط من نفس المرتبة كوقف محلة المغاربة ".
" أما فيما يتعلق بالحائط نفسه فالأمر مختلف فيه . واللجنة تميل إلى قبول قول المسلمين
بشأنه ، أي أن حائط المبكى برمّته مقدس للمسلمين لأنه المحل الذي نزل فيه النبي صلى الله
عليه وسلم ومر به ثم ربط براقه فيه ".
" المنع الذي كان يعلن عنه أحيانا (( المقصود منع اليهود من الصلاة أمام حائط البراق )) كان
يتناول خصيصا بعض أعمال كان يقوم بها اليهود ويعتبرها المسلمون تعدّيا على ملكيتهم أو
توسّعا في العادة القديمة التي جروا عليها فيما مضى في جوار الحائط ".
وعندما أرادت اللجنة أن توجز قرارها قالت : " للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي ،
ولهم وحدهم الحق العيني فيه لكونه يؤلف جزءا لا يتجزأ من مساحة الحرم الشريف التي هي من
أملاك الوقف . وللمسلمين أيضا تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط وأمام المحلّة المعروفة
بحارة المغاربة المقابلة للحائط لكونه موقوفا حسب أحكام الشرع الإسلامي لجهات البر
والخير . إن أدوات العبادة و ( أو ) غيرها التي يحق لليهود وضعها بالقرب من الحائط إما
بالاستناد إلى أحكام هذا القرار أو بالاتفاق بين الفريقين لا يجوز في حال من الأحوال أن تعتبر
أو أن يكون من شأنها إنشاء أي حق عيني لليهود في الحائط أو في الرصيف المجاور له " .
هذا هو حائط البراق ، الذي صنع اليهود من تسامح المسلمين معهم في الصلاة قبالته من خارج
ساحة الحرم الشريف ومبناه حقا مكذوبا وقداسة مزعومة ، وخرافة تاريخية ، يطالبون بناء
عليها – اليوم – بأن تكون لهم ملكية جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى ، أو السيادة الكاملة
عليه .
إنني أعلم أن هذه الحقائق لن تعوق السياسيين العرب الواقعين في أحبولة الانحياز الأمريكي
للكيان الصهيوني من التسليم لها بما لا يملكون التسليم به . ولكن غاية ما أرجوه أن يتذكّر
الناس البسطاء الطيبون المخلصون أن حقنا في مسجدنا الأقصى ثابت بشهادة هذه اللجنة
الدولية المحايدة منذ سنة 1930م فلا يماري فيه أحـد ، ولا يتشكك فيه أحد ، ولا يظن أحد من
هؤلاء الطيبين المخلصين أن لليهود حقا فيه أو شبهة حق . إننــي أخاطب هؤلاء وحدهم ، فهم
الباقون أبدا ، الممثلون للإرادة العربية والإسلامية الصادقة دوما.. أما أصحاب المناصب
والألقاب فهم كمناصبهم وألقابهم إلى زوال قريب أو بعيد .