[center][center][color=#cc0033]حليمة السعدية
رضي الله عنها
مرضعة رسول الله صلى الله عليه و سلم
نسبها رضي الله عنها
هي حليمة بنت أبي ذؤيب و اسمه الحارث بن عبد الله بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن قبيصة بن سعد بن بكر بن هوازن
و هي من قبيلة بني سعد أو هوازن
و كان زوجها ابن عم لها و هو الحارث بن عبد العزيز بن رفاعة بن ملان ابن ناصرة بن قبيصة و هو أبو رسول الله صلى الله عليه و سلم من الرضاع
بركة النبي صلى الله عليه و سلم :
كانت من عادة أشراف العرب إرسال أطفالهم المولودين حديثاً للبادية للرضاعة و تعلم الفصاحة من أهلها و كانت السيدة حليمة رضي الله عنها ممن يخرج التامساً للرضعاء للاستعانة بما يتلقين من الأجر وقد روت رضي الله عنها قصتها فقالت :
" خرجت من منازلنا أنا وزوجي وابن لنا صغير نلتمس الرضعاء في مكة ، وكان معنا نسوة من قومي بني " سعد " قد خرجن لمثل ما خرجت إليه . وكان ذلك في سنة قاحلة مجدبة … أيبست الزرع … وأهلكت الضرع فلم تبق لنا شيئاً . وكان معنا دابتان عجفاوان مسنتان لا ترشحان بقطرة من لبن فركبت أنا وغلامي الصغير إحداهما … أما زوجي فركب الأخرى ، وكانت ناقته أكبر سناً وأشد هزالاً .
وكنا ـ والله ـ ما ننام لحظة في ليلنا كله لشدة بكاء طفلنا من الجوع ، إذ لم يكن في ثديي ما يغنيه … ولم يكن في ضرعي ناقتنا ما يغذيه … ولقد أبطأنا بالركب بسبب هزال أتاننا وضعفها فضجر رفاقنا منا … وشق عليهم السفر بسببنا.
فلما بلغنا مكة وبحثنا عن الرضعاء وقعت في أمر لم يكن بالحسبان … ذلك أنه لم تبق امرأة إلا وعرض عليها الغلام الصغير محمد بن عبد الله … فكنا نأباه لأنه يتيم ، وكنا نقول : ما عسى أن تنفعنا أم صبي لا أب له ؟! وما عسى أن يصنع لنا بجده ؟ !
ثم إنه لم يمض عليا غير يومين اثنين حتى ظفرت كل امرأة معنا بواحد من الرضعاء … أما أنا فلم أظفر بأحد … فلما أزمعنا الرحيل قلت لزوجي : إني لأكره أن أرجع إلى منازلنا وألقى بني قومنا خاوية الوفاض دون أن آخذ رضيعاً فليس في صويحباتي امرأة إلا ومعها رضيع . والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم، ولآخذنه .
فقال لها زوجها : لا بأس عليك ، خذيه فعسى أن يجعل الله فيه خيراً فذهبت إلى أمه وأخذته … ووالله ما حملني على أخذه إلا أني لم أجد غلاماً سواه .
فلما رجعت به إلى رحلي وضعته في حجري ، والقمته ثديي ، فدر عليه من اللبن ما شاء الله أن يدر بعد أن كان خاوياً خالياً فشرب الغلام حتى روي ثم شرب أخوه حتى روي أيضاً ، ثم ناما … فأضجعت أنا وزوجي إلى جانبهما لننام بعد أن كنا لا نحظى بالنوم إلا غراراً بسبب صبينا الصغير . ثم حانت من زوجي التفاته إلى ناقتنا المسنة العجفاء … فإذا ضرعاها حافلان ممتلئان … فقام إليها دهشاً ، وهو لا يصدق عينيه وحلب منها وشرب . ثم حلب لي فشربت معه حتى امتلأنا رياً وشبعاً . وبتنا في خير ليلة .
فلما أصبحنا قال لي زوجي : أتدرين يا حليمة أنك قد ظفرت بطفل مبارك ؟ !
قلت له : إنه لكذلك وإني لأرجو منه خيراً كثيراً .
ثم خرجنا من مكة فركبت أتاننا المسنة …وحملته معي عليها ؛ فمضت نشيطة تتقدم دواب القوم جميعاً حتى ما يلحق بها أي من دوابهم . فجعلت صواحبي يقلن لي : ويحك يا ابنة أبي ذؤيب ، تمهلي علينا … أليست هذه أتانك المسنة التي خرجتم عليها ؟ !!
فأقول لهن : بلى … والله إنها هي.
فيقلن : والله إن لها لشأنا.
ثم قدمنا منازلنا في بلاد بني " سعد " ، وما أعلم أرضاً من أرض الله أشد قحطاً منها ولا أقسى جدباً . لكن غنمنا جعلت تغدو إليها مع كل صباح فترعى فيها ثم تعود مع المساء … فنحلب منها ما شاء الله أن نحلب ، ونشرب من لبنها ما طاب لنا أن نشرب وما يحلب أحد غيرنا من غنمه قطرة. فجعل بنو قومي يقولون لرعيانهم : ويلكم … اسرحوا بغنمكم حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب . فصاروا يسرحون بأغنامهم وراء غنمنا ؛ غير أنهم كانوا يعودون بها وهي جائعة ما ترشح لهم بقطرة.
ولم نزل نتلقى من الله البركة والخير حتى انقضت سنتا رضاع الصبي … وثم فطامه …
رجاء حليمة أن تود بالنبي صلى الله عليه و سلم :
وكان خلال عاميه هذين ينمو نمواً لا يشبه نمو أقرانه … فهو ما كاد يتم سنتيه عندنا حتى غدا غلاماً قوياً مكتملاً . عند ذلك قدمنا به على أمه ، ونحن أحرص ما نكون على مكثه عندنا ، وبقائه فينا لما كنا نرى في بركته ، فلما لقيت أمه طمأنتها عليه وقلت : ليتك تتركين بني عندي حتى يزداد فتوة وقوة … فإني أخشى عليها وباء مكة … ولم أزل بها أقنعها وأرغبها حتى ردته معنا … فرجعنا به فرحين مستبشرين.
حادثة شق بطن الرسول صلى الله عليه و سلم :
لم يمض على مقدم الغلام المبارك غير أشهر معدودات حتى وقع له أمر أخاف السيدة حليمة رضي الله عنها وهزها هزاً. و تحكي السيدة حليمة رضي الله عنها ما حدث فتقول :
خرج ذات صباح مع أخيه في غنيمات لنا يرعيانها خلف بيوتنا ؛ فما هو إلا قليل حتى أقبل علينا أخوه يعدو ، وقال : الحقا بأخي القرشي ، فقد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاه … وشقا بطنه …
فانطلقت أنا وزوجي نغدو نحو الغلام ، فوجدناه ممتقع الوجه مرتجفاً … فاكرمته و التزمه زوجي ، وضممته إلى صدري … وقلت له : مالك يا بني ؟!! فقال : جاءني رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاني ، وشقا بطني ، والتمسا شيئاً فيه ، لا أدري ما هو ثم خلياني ، ومضيا.
فرجعنا بالغلام مضطربين خائفين. فلما بلغنا خباءنا التفت إلي زوجي وعيناه تدمعان ، ثم قال : إني لأخشى أن يكون هذا الغلام المبارك قد أصيب بأمر لا قبل لنا برده … فألحقيه بأهله ، فإنهم أقدر منا على ذلك.
فاحتملنا الغلام ومضينا به حتى بلغنا مكة ، ودخلنا بيت أمه ، فلما رأتنا حدقت في وجه ولدها، ثم بادرتني قائلة: ما أقدمك بمحمد يا حليمة وقد كنت حريصة عليه ؟! شديدة الرغبة في مكثه عندك؟ فقلت : لقد قوي عوده واكتملت فتوته وقضيت الذي علي نحوه ، وتخوفت عليه من الأحداث ؛ فأديته إليك فقالت آمنة رضي الله عنها : اصدقيني الخبر فما أنت بالتي ترغب عن الصبي لهذا الذي ذكرته ثم مازالت تلح علي ولم تدعني حتى أخبرتها بما وقع له ، فهدأت ثم قالت : وهل تخوفت عليه الشيطان يا حليمة ؟
فقلت : نعم .
فقالت : كلا ، والله ما للشيطان عليه من سبيل … وإن لابني لشأناً … فهل أخبرك خبره ؟
فقلت : بلى …
قالت : رأيت ـ حين حملت به ـ أنه خرج مني نور أضاء لي قصور بصرى من أرض الشام ثم إني حين ولدته نزل واضعاً يديه على الأرض ، رافعاً رأسه إلى السماء
ثم قالت دعيه عنك ، وانطلقي راشدة وجزيت عنه وعنا خيراً.
فمضيت أنا وزوجي محزونين أشد الحزن على فراقه … ولم يكن غلامنا بأقل منا حزنا عليه ، وأسى ولوعة على فراقه.
منزلتها عند رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ولقد آمنت السيدة آمنة رضي الله عنها وصدقت بالكتاب الذي أنزل على ابنها البار الذي أرضعته و قد كان لها رضي الله عنها ذات مكانة في قلب الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم
فعندما غنم رسول الله صلى الله عليه و سلم من غزوة الطائف الكثير من المغانم و كان معه من سبي هوازن ستة آلاف من الذراري و النساء و كذلك من الإبل و الشياه الشئ الكثير
و قد اتاه وفد هوازن ممن اسلموا و قالوا له : يا رسول الله غنما في الحظائر عماتك و خالاتك و خواصك. فوقعت الكلمة في قلب رسول الرحمة صلى الله عليه و سلم فهم قد تشفعوا بأمه التي أرضعته رضي الله عنها فلم يرد الرسول صلى الله عليه و سلم شفاعتهم و لكن الغنائم حق للمسلمين فلابد ان يرودوه لهوازن عن طيب نفس منهم فقال لوفد هوازن : " أما ما كان لي و لبني عبد المطلب فهو لكم و إذا أنا صليت الظهر بالناس فقوموا و قولوا : إنا نستشفع برسول الله الى المسلمين و بالمسلمين الى رسول الله في ابنائنا و نسائنا فسأعطيكم عند ذلك و أسأل لكم
و لما صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بالناس الظهر قام رجال هوازن و تكلموا بالذي أمرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال النبي صلى الله عليه و سلم : " أما ما كان لي و لبني عبد المطلب فهو لكم " و قال المهاجرون : و ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه و سلم و قال الانصار : و ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه و سلم فردوا لهوازن الغنائم كلها عرفانا منه صلى الله عليه و سلم لأمه رضي الله عنها
و قد روى أبو داوود عن أبي الطفيل بن عامر بن واثلة الكناني قال : "رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقسم لحماً بالجعرانة و أنا يومئذ غلام أحمل عظم الجزور إذ أقبلت امرأة دنت الى النبي صلى الله عليه و سلم فبسط لها رداءه فجلست عليه
فقلت : من هي ؟
فقالوا : هذه أمه التي أرضعته
و هكذا فلقد عاشت حليمة السعدية رضي الله عنها حتى بلغت من الكبر عتياً ثم رأت الطفل اليتيم الذي أرضعته ، قد غدا للعرب سيداً وللإنسانية مرشداً وللبشرية نبياً
مرضعة رسول الله صلى الله عليه و سلم
نسبها رضي الله عنها
هي حليمة بنت أبي ذؤيب و اسمه الحارث بن عبد الله بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن قبيصة بن سعد بن بكر بن هوازن
و هي من قبيلة بني سعد أو هوازن
و كان زوجها ابن عم لها و هو الحارث بن عبد العزيز بن رفاعة بن ملان ابن ناصرة بن قبيصة و هو أبو رسول الله صلى الله عليه و سلم من الرضاع
بركة النبي صلى الله عليه و سلم :
كانت من عادة أشراف العرب إرسال أطفالهم المولودين حديثاً للبادية للرضاعة و تعلم الفصاحة من أهلها و كانت السيدة حليمة رضي الله عنها ممن يخرج التامساً للرضعاء للاستعانة بما يتلقين من الأجر وقد روت رضي الله عنها قصتها فقالت :
" خرجت من منازلنا أنا وزوجي وابن لنا صغير نلتمس الرضعاء في مكة ، وكان معنا نسوة من قومي بني " سعد " قد خرجن لمثل ما خرجت إليه . وكان ذلك في سنة قاحلة مجدبة … أيبست الزرع … وأهلكت الضرع فلم تبق لنا شيئاً . وكان معنا دابتان عجفاوان مسنتان لا ترشحان بقطرة من لبن فركبت أنا وغلامي الصغير إحداهما … أما زوجي فركب الأخرى ، وكانت ناقته أكبر سناً وأشد هزالاً .
وكنا ـ والله ـ ما ننام لحظة في ليلنا كله لشدة بكاء طفلنا من الجوع ، إذ لم يكن في ثديي ما يغنيه … ولم يكن في ضرعي ناقتنا ما يغذيه … ولقد أبطأنا بالركب بسبب هزال أتاننا وضعفها فضجر رفاقنا منا … وشق عليهم السفر بسببنا.
فلما بلغنا مكة وبحثنا عن الرضعاء وقعت في أمر لم يكن بالحسبان … ذلك أنه لم تبق امرأة إلا وعرض عليها الغلام الصغير محمد بن عبد الله … فكنا نأباه لأنه يتيم ، وكنا نقول : ما عسى أن تنفعنا أم صبي لا أب له ؟! وما عسى أن يصنع لنا بجده ؟ !
ثم إنه لم يمض عليا غير يومين اثنين حتى ظفرت كل امرأة معنا بواحد من الرضعاء … أما أنا فلم أظفر بأحد … فلما أزمعنا الرحيل قلت لزوجي : إني لأكره أن أرجع إلى منازلنا وألقى بني قومنا خاوية الوفاض دون أن آخذ رضيعاً فليس في صويحباتي امرأة إلا ومعها رضيع . والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم، ولآخذنه .
فقال لها زوجها : لا بأس عليك ، خذيه فعسى أن يجعل الله فيه خيراً فذهبت إلى أمه وأخذته … ووالله ما حملني على أخذه إلا أني لم أجد غلاماً سواه .
فلما رجعت به إلى رحلي وضعته في حجري ، والقمته ثديي ، فدر عليه من اللبن ما شاء الله أن يدر بعد أن كان خاوياً خالياً فشرب الغلام حتى روي ثم شرب أخوه حتى روي أيضاً ، ثم ناما … فأضجعت أنا وزوجي إلى جانبهما لننام بعد أن كنا لا نحظى بالنوم إلا غراراً بسبب صبينا الصغير . ثم حانت من زوجي التفاته إلى ناقتنا المسنة العجفاء … فإذا ضرعاها حافلان ممتلئان … فقام إليها دهشاً ، وهو لا يصدق عينيه وحلب منها وشرب . ثم حلب لي فشربت معه حتى امتلأنا رياً وشبعاً . وبتنا في خير ليلة .
فلما أصبحنا قال لي زوجي : أتدرين يا حليمة أنك قد ظفرت بطفل مبارك ؟ !
قلت له : إنه لكذلك وإني لأرجو منه خيراً كثيراً .
ثم خرجنا من مكة فركبت أتاننا المسنة …وحملته معي عليها ؛ فمضت نشيطة تتقدم دواب القوم جميعاً حتى ما يلحق بها أي من دوابهم . فجعلت صواحبي يقلن لي : ويحك يا ابنة أبي ذؤيب ، تمهلي علينا … أليست هذه أتانك المسنة التي خرجتم عليها ؟ !!
فأقول لهن : بلى … والله إنها هي.
فيقلن : والله إن لها لشأنا.
ثم قدمنا منازلنا في بلاد بني " سعد " ، وما أعلم أرضاً من أرض الله أشد قحطاً منها ولا أقسى جدباً . لكن غنمنا جعلت تغدو إليها مع كل صباح فترعى فيها ثم تعود مع المساء … فنحلب منها ما شاء الله أن نحلب ، ونشرب من لبنها ما طاب لنا أن نشرب وما يحلب أحد غيرنا من غنمه قطرة. فجعل بنو قومي يقولون لرعيانهم : ويلكم … اسرحوا بغنمكم حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب . فصاروا يسرحون بأغنامهم وراء غنمنا ؛ غير أنهم كانوا يعودون بها وهي جائعة ما ترشح لهم بقطرة.
ولم نزل نتلقى من الله البركة والخير حتى انقضت سنتا رضاع الصبي … وثم فطامه …
رجاء حليمة أن تود بالنبي صلى الله عليه و سلم :
وكان خلال عاميه هذين ينمو نمواً لا يشبه نمو أقرانه … فهو ما كاد يتم سنتيه عندنا حتى غدا غلاماً قوياً مكتملاً . عند ذلك قدمنا به على أمه ، ونحن أحرص ما نكون على مكثه عندنا ، وبقائه فينا لما كنا نرى في بركته ، فلما لقيت أمه طمأنتها عليه وقلت : ليتك تتركين بني عندي حتى يزداد فتوة وقوة … فإني أخشى عليها وباء مكة … ولم أزل بها أقنعها وأرغبها حتى ردته معنا … فرجعنا به فرحين مستبشرين.
حادثة شق بطن الرسول صلى الله عليه و سلم :
لم يمض على مقدم الغلام المبارك غير أشهر معدودات حتى وقع له أمر أخاف السيدة حليمة رضي الله عنها وهزها هزاً. و تحكي السيدة حليمة رضي الله عنها ما حدث فتقول :
خرج ذات صباح مع أخيه في غنيمات لنا يرعيانها خلف بيوتنا ؛ فما هو إلا قليل حتى أقبل علينا أخوه يعدو ، وقال : الحقا بأخي القرشي ، فقد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاه … وشقا بطنه …
فانطلقت أنا وزوجي نغدو نحو الغلام ، فوجدناه ممتقع الوجه مرتجفاً … فاكرمته و التزمه زوجي ، وضممته إلى صدري … وقلت له : مالك يا بني ؟!! فقال : جاءني رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاني ، وشقا بطني ، والتمسا شيئاً فيه ، لا أدري ما هو ثم خلياني ، ومضيا.
فرجعنا بالغلام مضطربين خائفين. فلما بلغنا خباءنا التفت إلي زوجي وعيناه تدمعان ، ثم قال : إني لأخشى أن يكون هذا الغلام المبارك قد أصيب بأمر لا قبل لنا برده … فألحقيه بأهله ، فإنهم أقدر منا على ذلك.
فاحتملنا الغلام ومضينا به حتى بلغنا مكة ، ودخلنا بيت أمه ، فلما رأتنا حدقت في وجه ولدها، ثم بادرتني قائلة: ما أقدمك بمحمد يا حليمة وقد كنت حريصة عليه ؟! شديدة الرغبة في مكثه عندك؟ فقلت : لقد قوي عوده واكتملت فتوته وقضيت الذي علي نحوه ، وتخوفت عليه من الأحداث ؛ فأديته إليك فقالت آمنة رضي الله عنها : اصدقيني الخبر فما أنت بالتي ترغب عن الصبي لهذا الذي ذكرته ثم مازالت تلح علي ولم تدعني حتى أخبرتها بما وقع له ، فهدأت ثم قالت : وهل تخوفت عليه الشيطان يا حليمة ؟
فقلت : نعم .
فقالت : كلا ، والله ما للشيطان عليه من سبيل … وإن لابني لشأناً … فهل أخبرك خبره ؟
فقلت : بلى …
قالت : رأيت ـ حين حملت به ـ أنه خرج مني نور أضاء لي قصور بصرى من أرض الشام ثم إني حين ولدته نزل واضعاً يديه على الأرض ، رافعاً رأسه إلى السماء
ثم قالت دعيه عنك ، وانطلقي راشدة وجزيت عنه وعنا خيراً.
فمضيت أنا وزوجي محزونين أشد الحزن على فراقه … ولم يكن غلامنا بأقل منا حزنا عليه ، وأسى ولوعة على فراقه.
منزلتها عند رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ولقد آمنت السيدة آمنة رضي الله عنها وصدقت بالكتاب الذي أنزل على ابنها البار الذي أرضعته و قد كان لها رضي الله عنها ذات مكانة في قلب الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم
فعندما غنم رسول الله صلى الله عليه و سلم من غزوة الطائف الكثير من المغانم و كان معه من سبي هوازن ستة آلاف من الذراري و النساء و كذلك من الإبل و الشياه الشئ الكثير
و قد اتاه وفد هوازن ممن اسلموا و قالوا له : يا رسول الله غنما في الحظائر عماتك و خالاتك و خواصك. فوقعت الكلمة في قلب رسول الرحمة صلى الله عليه و سلم فهم قد تشفعوا بأمه التي أرضعته رضي الله عنها فلم يرد الرسول صلى الله عليه و سلم شفاعتهم و لكن الغنائم حق للمسلمين فلابد ان يرودوه لهوازن عن طيب نفس منهم فقال لوفد هوازن : " أما ما كان لي و لبني عبد المطلب فهو لكم و إذا أنا صليت الظهر بالناس فقوموا و قولوا : إنا نستشفع برسول الله الى المسلمين و بالمسلمين الى رسول الله في ابنائنا و نسائنا فسأعطيكم عند ذلك و أسأل لكم
و لما صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بالناس الظهر قام رجال هوازن و تكلموا بالذي أمرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال النبي صلى الله عليه و سلم : " أما ما كان لي و لبني عبد المطلب فهو لكم " و قال المهاجرون : و ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه و سلم و قال الانصار : و ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه و سلم فردوا لهوازن الغنائم كلها عرفانا منه صلى الله عليه و سلم لأمه رضي الله عنها
و قد روى أبو داوود عن أبي الطفيل بن عامر بن واثلة الكناني قال : "رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقسم لحماً بالجعرانة و أنا يومئذ غلام أحمل عظم الجزور إذ أقبلت امرأة دنت الى النبي صلى الله عليه و سلم فبسط لها رداءه فجلست عليه
فقلت : من هي ؟
فقالوا : هذه أمه التي أرضعته
و هكذا فلقد عاشت حليمة السعدية رضي الله عنها حتى بلغت من الكبر عتياً ثم رأت الطفل اليتيم الذي أرضعته ، قد غدا للعرب سيداً وللإنسانية مرشداً وللبشرية نبياً
[color:e197=red:e197]منقول