منتدي الا رسول الله

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدي اسلامي


2 مشترك

    فتوى الشيخ القرضاوي حول تسيير المظاهرات السلمية

    avatar
    عبير مصطفى
    العضو صاحب الحضور الدائم


    انثى عدد الرسائل : 34
    العمر : 55
    البلد : مصر
    الهوايات المفضلة : الكمبويتر
    nbsp : فتوى الشيخ القرضاوي حول تسيير المظاهرات السلمية 15781611
    درجات الاجاده : 0
    نقاط : 61540

    فتوى الشيخ القرضاوي حول تسيير المظاهرات السلمية Empty فتوى الشيخ القرضاوي حول تسيير المظاهرات السلمية

    مُساهمة من طرف عبير مصطفى 6/2/2008, 2:45 pm

    فتوى الشيخ القرضاوي حول تسيير المظاهرات السلمية










    تلقَّى فضيلة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي- رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين- استفسارًا من أحد القُرَّاء حول جواز تنظيم المظاهرات في الإسلام للتعبير عن معارضة قضايا ما في الشأن السياسي أو الاقتصادي مثلاً، فهل تنظيمها حرام كما يرى بعض العلماء؛ انطلاقًا من أنها بدعةٌ يرفضها الإسلام؟! وما رأي فضيلتكم فيما ذكره بعض العلماء من عدم مشروعية تسيير المسيرات والمظاهرات؛ تأييدًا لمطالب مشروعة أو تعبيرًا عن رفض أمور معينة في مجال السياسة أو الاقتصاد أو العلاقات الدولية أو غيرها.



    وقد أفتى أحد العلماء بالقول: إن تنظيم هذه المسيرات أو الدعوة إليها أو المشاركة فيها حرام، ودليله على ذلك أن هذه بدعةٌ لم يعرفها المسلمون، وليست من طرائق المسلمين، وإنما هي مستوردة من بلاد اليهود والنصارى والشيوعيين وغيرهم من الكفرة والملحدين.



    وتحدَّى مَن يأتيه بواقعةٍ واحدة، سارت فيها مظاهرة كبيرة أو صغيرة في عهد الرسول أو الصحابة.



    وإذا كانت هذه المسيرات تُعبِّر عن الاحتجاج على الحكومة، فهذا خروج على المنهج الإسلامي في إسداء النصيحة للحكام، والمعروف أن الأولى في هذه النصيحة أن تكون بين الناصح والحاكم ولا تكون على الملأ، على أن هذه المسيرات كثيرًا ما يستغلُّها المخرِّبون، ويقومون بتدمير الممتلكات وتخريب المنشآت؛ ولذا وجب منعها سدًّا للذرائع.



    فهل هذا الكلام مسلَّم به من الوجهة الشرعية؟ وهل يسوغ للناس في أنحاء العالم أن يسيِّروا المظاهرات للتعبير عن مطالبهم الخاصة أو العامة، وأن يؤثِّروا في الرأي العام من حولهم، وبالتالي يؤثِّروا في الحكام وأصحاب القرار؛ حيث إن المسلمين دون غيرهم، يحرم عليهم استعمال هذه الوسيلة التي أصبحت عالمية؟!



    نرجو أن نسمع منكم القول الفصل المُوثَّق بأدلة الشرع في هذه القضية الخطيرة، التي غدت تهمُّ كل الناس في سائر الأقطار والقارات، وفقكم الله وسدَّدكم.



    عدد من طلاب العلم الشرعي



    وفي ردِّه على السائل أفاد فضيلته بقوله:

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن ابتع هداه.. أما بعد فمن حقِّ المسلمين- كغيرهم من سائر البشر- أن يسيِّروا المسيرات ويُنشئوا المظاهرات؛ تعبيرًا عن مطالبهم المشروعة، وتبليغًا بحاجاتهم إلى أولي الأمر وصنّاع القرار، بصوتٍ مسموعٍ لا يمكن تجاهله؛ فإنَّ صوتَ الفرد قد لا يُسمع، ولكنَّ صوت المجموع أقوى من أن يُتجاهل، وكلما تكاثر المتظاهرون وكان معهم شخصيات لها وزنها كان صوتهم أكثرَ إسماعًا وأشدَّ تأثيرًا؛ لأن إرادة الجماعة أقوى من إرادة الفرد، والمرء ضعيف بمفرده قويٌّ بجماعته؛ ولهذا قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى﴾ (المائدة: من الآية 2)، وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشدُّ بعضه بعضًا"، وشبَّك بين أصابعه.



    ودليل مشروعية هذه المسيرات: أنها من أمور (العادات) وشئون الحياة المدنية، والأصل في هذه الأمور هو: الإباحة، وهذا ما قررتُه بأدلة- منذ ما يقرب من نصف قرن- في البابِ الأول من كتاب: (الحلال والحرام في الإسلام)، الذي بيَّن في المبدأ الأول أن القاعدة الأولى من هذا الباب: (أن الأصل في الأشياء الإباحة)، وهذا هو القول الصحيح الذي اختاره جمهور الفقهاء والأصوليين.



    فلا حرامَ إلا ما جاء بنصٍّ صحيحِ الثبوت صريح الدلالة على التحريم، أما ما كان ضعيفًا في مسنده أو كان صحيح الثبوت ولكن ليس صريح الدلالة على التحريم، فيبقى على أصل الإباحة؛ حتى لا نُحرِّم ما أحل الله.



    ومن هنا ضاقت دائرةُ المحرَّمات في شريعةِ الإسلام ضيقًا شديدًا، واتسعت دائرة الحلال اتساعًا بالغًا؛ ذلك أن النصوص الصحيحة الصريحة التي جاءت بالتحريم قليلة جدًّا، وما لم يجئ نصٌّ بحله أو حرمته فهو باقٍ على أصل الإباحة وفي دائرة العفو الإلهي، وفي هذا ورد الحديث: "ما أحلَّ الله في كتابه فهو حلال، وما حرَّم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئًا"، وتلا: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ (مريم: من الآية ).



    وعن سلمان الفارسي: سُئل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن السمن والجبن والفراء فقال: "الحلال ما أحلَّ الله في كتابه، والحرام ما حرَّم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا لكم"، فلم يشأ عليه الصلاة والسلام أن يُجيب السائلين عن هذه الجزئيات، بل أحالهم على قاعدة يرجعون إليها في معرفة الحلال والحرام، ويكفي أن يعرفوا ما حرَّم الله، فيكون كل ما عداه حلالاً طيبًا، وقال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله فرضَ فرائض فلا تُضيِّعوها، وحدَّ حدودًا فلا تعتدوها، وحرَّم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمةً بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها".



    وأُحبُّ أن أنبِّه هنا على أن أصل الإباحة لا يقتصر على الأشياء والأعيان، بل يشمل الأفعال والتصرفات التي ليست من أمور العبادة، وهي التي نُسمِّيها: (العادات أو المعاملات)؛ فالأصل فيها عدم التحريم وعدم التقييد إلا ما حرَّمه الشارع وألزم به، وقوله تعالى: ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ﴾ (الأنعام: من الآية 119) عامٌّ في الأشياء والأفعال، وهذا بخلاف العبادة فإنها من أمر الدين المحض، الذي لا يؤخذ إلا عن طريق الوحي، وفيها جاء الحديث الصحيح: "مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"؛ وذلك أن حقيقة الدين تتمثَّل في أمرين: ألا يُعبد إلا الله، وألا يُعبد إلا بما شرع، فمَن ابتدع عبادةً من عنده- كائنًا مَن كان- فهي ضلالة تُردُّ عليه؛ لأن الشارع وحده هو صاحب الحق في إنشاء العبادات التي يُتقرب بها إليه.



    وأما العادات أو المعاملات فليس الشارع منشئًا لها، بل الناس هم الذين أنشأوها وتعاملوا بها، والشارع جاء مصحِّحًا لها ومعدِّلاً ومهذِّبًا، ومقرًّا في بعض الأحيان ما خلا عن الفساد والضرر منها؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان: عبادات يصلح بها دينهم، وعادات يحتاجون إليها في دنياهم؛ فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله أو أحبَّها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع، وأما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه، والأصل فيه عدم الحظر، فلا يحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه وتعالى؛ وذلك لأن الأمر والنهي هما شرع الله، والعبادة لا بد أن تكون مأمورًا بها، فما لم يثبت أنه مأمور به- أي من العادات- كيف يُحكم عليه بأنه محظور؟!



    ولهذا كان أحمد وغيره من فقهاء أهل الحديث يقولون: إن الأصل في العبادات التوقيف، فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله، وإلا دخلنا في معنى قوله تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ﴾ (الشورى: من الآية 21)، والعادات الأصل فيها العفو، فلا يحظر منها إلا ما حرّمه الله، وإلا دخلنا في معنى قوله تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً﴾ (يونس: من الآية 59)، وهذه قاعدة عظيمة نافعة، وإذا كان كذلك فنقول: البيع والهبة والإجارة، وغيرها من العادات التي يحتاج الناس إليها في معاشهم، كالأكل والشرب واللباس.. فإن الشريعة قد جاءت في هذه العادات بالآداب الحسنة، فحرَّمت منها ما فيه فساد، وأوجبت ما لا بُدَّ منه، وكرهت ما لا ينبغي، واستحبَّت ما فيه مصلحة راجحة في أنواع هذه العادات ومقاديرها وصفاتها.



    وإذا كان كذلك، فالناس يتبايعون ويستأجرون كيف يشاءون، ما لم تحرم الشريعة، كما يأكلون ويشربون كيف شاءوا ما لم تحرم الشريعة، وإن كان بعض ذلك قد يُستحب أو يكون مكروهًا، وما لم تحدّ الشريعة في ذلك حدًّا فيبقون فيه على الإطلاق الأصلي" (انتهى).




    الآلاف يرددون بالروح بالدم نفديك يا فلسطين في مظاهرة بمعرض الكتاب


    ومما يدلُّ على هذا الأصل المذكور ما جاء في الصحيح عن جابر بن عبد الله قال: "كنا نعزل والقرآن ينزل، فلو كان شيء ينهى عنه لنهى عنه القرآن"، فدلَّ على أن ما سكت عنه الوحي غيرُ محظور ولا منهيٌّ عنه، وأنهم في حِلٍّ من فعله حتى يَرِدَ نصٌّ بالنهي والمنع، وهذا من كمال فقه الصحابة رضي الله عنهم، وبهذا تقرَّرت هذه القاعدة الجليلة، ألا تشرع عبادةٌ إلا بشرع الله، ولا تحرُم عادةٌ إلا بتحريم الله.



    والقول بأن هذه المسيرات (بدعة) لم تحدث في عهد رسول الله ولا أصحابه، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.. قولٌ مرفوضٌ؛ لأن هذا إنما يتحقَّق في أمر العبادة وفي الشأن الديني الخالص؛ فالأصل في أمور الدين (الاتباع) وفي أمور الدنيا (الابتداع)؛ ولهذا ابتكر الصحابة والتابعون لهم بإحسان أمورًا كثيرةً لم تكن في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- ومن ذلك ما يُعرف بـ(أوليَّات عمر)، وهي الأشياء التي ابتدأها عمر رضي الله عنه غيرَ مسبوقٍ إليها؛ مثل: إنشاء تاريخ خاصّ للمسلمين، وتمصير الأمصار، وتدوين الدواوين، واتخاذ دار للسجن، وغيرها.



    وبعد الصحابة أنشأ التابعون وتلاميذهم أمورًا كثيرةً؛ مثل: ضرب النقود الإسلامية بدل اعتمادهم على دراهم الفرس ودنانير الروم، وإنشاء نظام البريد، وتدوين العلوم، وإنشاء علوم جديدة؛ مثل: علم أصول الفقه، وعلوم النحو والصرف والبلاغة، وعلم اللغة، وغيرها، وأنشأ المسلمون (نظام الحسبة) ووضعوا له قواعدَ وأحكامًا وآدابًا، وألَّفوا فيه كتبًا شتَّى، ولهذا كان من الخطأ المنهجي أن يُطلَب دليلٌ خاصٌّ على شرعية كل شأن من شئون العادات، فحسبنا أنه لا يوجد نص مانع من الشرع.



    ودعوى أن هذه المسيرات مقتبَسة أو مستورَدة من عند غير المسلمين لا يُثبت تحريمًا لهذا الأمر، ما دام هو في نفسه مباحًا ويراه المسلمون نافعًا لهم؛ فـ"الحكمة ضالَّة المؤمن أنَّى وجدها فهو أحق الناس بها"، وقد اقتبس المسلمون في عصر النبوة طريقةَ حفر الخندق حول المدينة، لتحصينها من غزو المشركين، وهي من طرق الفرس، واتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم خاتمًا؛ حيث أشير عليه أن يفعل ذلك؛ فإن الملوك والأمراء في العالم لا يقبلون كتابًا إلا مختومًا، واقتبس الصحابة نظام الخراج من دولة الفرس العريقة في المدنية والتنظيم، واقتبسوا كذلك تدوين الدواوين، من دولة الروم؛ لما لها من عراقة في ذلك، وترجم المسلمون الكتب التي تتضمَّن (علوم الأوائل) أي الأمم المتقدمة، التي طوَّرها المسلمون وهذَّبوها وأضافوا إليها، وابتكروا فيها مثل: (علم الجبر) بشهادة المنصفين من مؤرِّخي العلم، ولم يعترضوا إلا على (الجانب الإلهي) في التراث اليوناني؛ لأن الله تعالى أغناهم بعقيدة الإسلام عن وثنية اليونان وما فيها من أساطير وأباطيل.



    ومن نظر إلى حياتنا المعاصرة في شتى المجالات وجد فيها كثيرًا جدًّا مما اقتبسناه من بلاد الغرب: في التعليم والإعلام والاقتصاد والإدارة والسياسة وغيرها؛ ففكرة الدستور، والانتخابات (بالصورة المعاصرة)، وفصل السلطات، وإنشاء الصحافة والإذاعة والتلفزة، بوصفها أدواتٍ للتعبير والتوجيه والترفيه، وإنجاز الشبكة الجبَّارة للمعلومات (الإنترنت)، والتعليم بمؤسساته وتقسيماته وترتيباته ومراحله وآلياته المعاصرة.. مقتبَسٌ في معظمه من الغرب.



    والشيخ رفاعة الطهطاوي، حين ذهب إلى باريس إمامًا للبعثة المصرية، ورأى من ألوان المدنية ما رأى، بهَرَتْه الحضارة الحديثة، وعاد لينبِّه قومَه إلى ضرورة الاقتباس مما سبق به الأوربيون، حتى لا يظلُّوا يتقدمون ونحن نتأخر، ومن يومها بدأ المصريون- وبدأ معهم كثيرٌ من العرب، وقبلهم بدأ العثمانيون- في اقتباس ما عند الغربيين.




    النساء يعلنَّ تضامنهن مع أخواتهن في غزة


    كلُّ هذه مقتبسات من الغرب الذي تفوَّق علينا وسبقَنا بها، ولم نجد بُدًّا من أن نأخذها عنه، ولم تجد نكيرًا من أحد من علماء الشرع ولا من غيرهم، فأقرَّها العرف العام، وقد أخذ الغرب عنا من قبل واقتبس منا وانتفع بعلومنا أوائل نهضته ﴿وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ (آل عمران: من الآية 140).



    المهم أن نأخذ ما يلائم عقائدَنا وقيمَنا وشرائعَنا، دون ما يناقضها أو ينقضها؛ فالناقل هو الذي يأخذ من غيره ما ينفعه لا ما يضره، وأهم ما يأخذه المسلم من غيره ما كان متعلقًا بشئون الحياة المتطورة، وجلّه يتصل بالوسائل والآليات التي طابعها المرونة والتغيُّر، لا بالأهداف والمبادئ التي طابعها الثبات والبقاء.



    على أن ما ذكره السائل أو السائلون، من نسبة هذه المظاهرات أو المسيرات إلى الشيوعيين الملحدين غير صحيح؛ فالأنظمة الشيوعية لا تسمح بهذه المسيرات إطلاقًا؛ لأن هذه الأنظمة الشمولية القاهرة تقوم على كبت الحريات، وتكميم الأفواه، والخضوع المطلق لسلطان الحكم وجبروته.



    قاعدتان مهمتان

    وأود أن أقرِّر هنا قاعدتين في غاية الأهمية:

    1- قاعدة المصلحة المرسلة:

    الأولى هي قاعدة المصلحة المرسلة؛ فهذه الممارسات التي لم ترد في العهد النبوي، ولم تعرف في العهد الراشدي، ولم يعرفها المسلمون في عصورهم الأولى، وإنما هي من مستحدثات هذا العصر، إنما تدخل في دائرة (المصلحة المرسلة)، وهي التي لم يرد من الشرع دليلٌ باعتبارها ولا بإلغائها.



    وشرطها: أن لا تكون من أمور العبادات حتى لا تدخل في البدعة، وأن تكون من جنس المصالح التي أقرَّها الشرع، والتي إذا عُرضت على العقول تلقَّتها بالقبول، وألا تعارض نصًّا شرعيًّا ولا قاعدةً شرعيةً.



    وجمهور فقهاء المسلمين يعتبرون المصلحة دليلاً شرعيًّا يُبنَى عليها التشريع أو الفتوى أو القضاء، ومن قرأ كتب الفقه وجد مئات الأمثلة من الأحكام التي لا تعلّل إلا بمطلق مصلحة تُجلَب، أو ضرر يُدفع.



    وكان الصحابة- وهم أفقه الناس لهذه الشريعة- أكثر الناس استعمالاً للمصلحة واستنادًا إليها، وقد شاع أنَّ الاستدلال بالمصلحة المرسلة خاصٌّ بمذهب المالكية، ولكنَّ الإمام شهاب الدين القرافي المالكي (684هـ) يقول- ردًّا على من نقلوا اختصاصها بالمالكي-: "وإذا افتقدت المذاهب وجدتهم إذا قاسوا أو جمعوا أو فرقوا بين المسألتين، لا يطلبون شاهدًا بالاعتبار لذلك المعنى الذي جمعوا أو فرَّقوا، بل يكتفون بمطلق المناسبة، وهذا هو المصلحة المرسلة، فهي حينئذ في جميع المذاهب".



    2- للوسائل حكم المقاصد

    والقاعدة الثانية: هي أن للوسائل في شئون العادات حكم المقاصد؛ فإذا كان المقصد مشروعًا في هذه الأمور، فإن الوسائل إليه تأخذ حكمه، ولم تكن الوسيلة محرمةً في ذاتها؛ ولهذا حين ظهرت الوسائل الإعلامية الجديدة، مثل (التلفزيون) كثُر سؤال الناس عنها: أهي حلال أم حرام؟!



    وكان جواب أهل العلم: أن هذه الأشياء لا حُكمَ لها في نفسها، وإنما حكمُها بحسب ما تُستعمل له من غايات ومقاصد؛ فإذا سألت عن حكم (البندقية) قلنا: إنها في يد المجاهد عون على الجهاد ونصرة الحق ومقاومة الباطل، وهي في يد قاطع الطريق عون على الجريمة والإفساد في الأرض وترويع الخلق، وكذلك التلفزيون، من يستخدمه في معرفة الأخبار، ومتابعة البرامج النافعة ثقافيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا، بل والبرامج الترفيهية بشروط وضوابط معينة، فهذا لا شكَّ في إباحته ومشروعيته، بل قد يتحوَّل إلى قربة وعبادة بالنية الصالحة، بخلاف من يستخدمه للبحث عن الخلاعة والمجون وغيرها من الضلالات في الفكر والسلوك.



    وكذلك هذه المسيرات والتظاهرات، إن كان خروجها لتحقيق مقصد مشروع، كأن تنادي بتحكيم الشريعة، أو بإطلاق سراح المعتقلين بغير تهمة حقيقية، أو بإيقاف المحاكمات العسكرية للمدنيين، أو بإلغاء حالة الطوارئ التي تعطي للحكَّام سلطات مطلقة، أو بتحقيق مطالب عامة للناس؛ مثل: توفير الخبز أو الزيت أو السكر أو الدواء أو البنزين، أو غير ذلك من الأهداف التي لا شك في شرعيتها؛ فمثل هذا لا يرتاب فقيه في جوازه.



    وأذكر أني كنت في سنة 1989م في الجزائر، وقد شكا إليَّ بعض الأخوات من طالبات الجامعة من الملتزمات والمتدينات، من مجموعة من النساء العلمانيات أقمن مسيرةً من نحو خمسمائة امرأة، سارت في شوارع العاصمة، تطالب بمجموعة من المطالب تتعلق بالأسرة أو ما يسمَّى ( قانون الأحوال الشخصية) مثل: منع الطلاق، أو تعدد الزوجات، أو طلب التسوية بين الذكر والأنثى في الميراث، أو إباحة تزوُّج المسلمة من غير المسلم، ونحو ذلك.



    فقلت للطالبات اللائي سألنني عن ذلك: الرد على هذه المسيرة العلمانية أن تقود المسلمات الملتزمات مسيرةً مضادَّةً، من خمسمائة ألف امرأة! أي ضعف المسيرة الأولى ألف مرة! تنادي باحترام قواطع الشريعة الإسلامية، وفعلاً بعد أشهر قليلة أقيمت مسيرة مليونية، عامَّتها من النساء تؤيد الشريعة، وإن شارك فيها عدد محدود من الرجال؛ فهذه المسيرة- بحسب مقصدها- لا شك في شرعيتها، بخلاف المسيرة الأخرى المعارضة لأحكام الشريعة القطعية، لا يستطيع فقيه أن يفتي بجوازها.



    سد الذرائع

    أما ما قيل من منع المسيرات والتظاهرات السلمية؛ خشيةَ أن يتخذها بعض المخرِّبين أداةً لتدمير الممتلكات والمنشآت، وتعكير الأمن، وإثارة القلاقل؛ فمن المعروف أن قاعدة سد الذرائع لا يجوز التوسع فيها؛ حتى تكون وسيلةً للحرمان من كثير من المصالح المعتبرة.



    ويكفي أن نقول بجواز تسيير المسيرات إذا توافرت شروط معينة يترجَّح معها ضمان ألا تحدث التخريبات التي تحدث في بعض الأحيان، كأن تكون في حراسة الشرطة، أو أن يتعهد منظِّموها بأن يتولوا ضبطها؛ بحيث لا يقع اضطراب أو إخلال بالأمن فيها، وأن يتحملوا المسئولية عن ذلك، وهذا المعمول به في البلاد المتقدمة ماديًّا.



    في السنة دليل على شرعية المسيرات

    أعتقد أن فيما سقناه من الأدلة والاعتبارات الشرعية، ما يكفي لإجازة المسيرات السلمية إذا كانت تعبر عن مطالب فئوية أو جماهيرية مشروعة، وليس من الضروري أن يُطلَب دليلٌ شرعيٌّ خاصٌّ على ذلك، مثل نص قرآني أو نبوي، أو واقعة حدثت في عهد النبوة أو الخلافة الراشدة.



    ومع هذا، نتبرَّع بذكر واقعة دالة، حدثت في عهد النبوة، وذلك عندما أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ فبعد أن يسرد عمر- رضي الله عنه- قصة إسلامه، ولنستمع إلى عمر نفسه، وهو يقص علينا نبأ هذه المسيرة، حتى إذا دخل دار الأرقم بن أبي الأرقم معلنًا الشهادتين يقول: "فقلت: يا رسول الله، ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا؟ قال: "بلى، والذي نفسي بيده، إنكم على الحق إن متم وإن حييتم" قال: فقلت: ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن، فأخرجناه في صفين: حمزة في أحدهما، وأنا في الآخر، له كديد ككديد الطحين، حتى دخلنا المسجد، قال: فنظرت إليَّ قريش وإلى حمزة، فأصابتهم كآبةٌ لم يصبهم مثلها، فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ الفاروق".



    ومن تتبَّع السيرة النبوية والسنة المحمدية لا يُعدَم أن يجد فيها أمثلة أخرى.

    والحمد لله رب العالمين.


    ----------------

    * نقلاً عن موقع الشيخ القرضاوي
    thanaa
    thanaa
    المشرف العام المميز للمنتدي


    انثى عدد الرسائل : 3058
    nbsp : فتوى الشيخ القرضاوي حول تسيير المظاهرات السلمية 15781611
    درجات الاجاده : 3
    نقاط : 2147546537

    فتوى الشيخ القرضاوي حول تسيير المظاهرات السلمية Empty رد: فتوى الشيخ القرضاوي حول تسيير المظاهرات السلمية

    مُساهمة من طرف thanaa 6/2/2008, 8:06 pm


    - المؤمن للمؤمن كالبنيان ، يشد بعضه بعضا . وشبك بين أصابعه .
    الراوي: أبو موسى الأشعري - خلاصة الدرجة: [صحيح] - المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 2446

    26483 - الحلال ما أحل الله في كتابه ، والحرام ما حرمه الله في كتابه ، وما سكت عنه فهو مما عفا لكم
    الراوي: سلمان الفارسي - خلاصة الدرجة: في إسناده سيف بن هارون البرجمي ضعفه جماعة ووثقه أبو نعيم - المحدث: الألباني - المصدر: التعليقات الرضية - الصفحة أو الرقم: 23/3

    28016 - إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ، وحد حدودا فلا تعتدوها ، ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها ، وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها
    الراوي: أبو ثعلبة الخشني - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: ابن القيم - المصدر: أعلام الموقعين - الصفحة أو الرقم: 1/221

    1248 - من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد
    الراوي: عائشة - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: مسلم - المصدر: المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم: 1718

    147278 - سألت عمر رضي الله عنه : لأي شيء سميت الفاروق ؟ قال : أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام ثم شرح الله صدري للإسلام فقلت : الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى فما في الأرض نسمة أحب إلي من نسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت : أين رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت أختي : هو في دار الأرقم بن أبي الأرقم عند الصفا ، فأتيت الدار وحمزة في أصحابه جلوس في الدار ورسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت ، فضربت الباب فاستجمع القوم فقال لهم حمزة : ما لكم ؟ قالوا : عمر ، قال : فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بمجامع ثيابه ثم نتره نترة فما تمالك أن وقع على ركبتيه فقال : ما أنت بمنته يا عمر . قال : فقلت : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . قال : فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد . قال : فقلت : يا رسول الله ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا ؟ قال : بلى والذي نفسي بيده إنكم على الحق إن متم وإن حييتم . قال : فقلت : ففيم الاختفاء ؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن ، فأخرجناه في صفين حمزة في أحدهما وأنا في الآخر له كديد ككديد الطحين حتى دخلنا المسجد ، قال : فنظرت إلى قريش وإلى حمزة فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها ، فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ الفاروق وفرق الله به بين الحق والباطل
    الراوي: عمر بن الخطاب - خلاصة الدرجة: هذا إسناده ضعيف جدا - المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الضعيفة - الصفحة أو الرقم: 6531


    thanaa
    thanaa
    المشرف العام المميز للمنتدي


    انثى عدد الرسائل : 3058
    nbsp : فتوى الشيخ القرضاوي حول تسيير المظاهرات السلمية 15781611
    درجات الاجاده : 3
    نقاط : 2147546537

    فتوى الشيخ القرضاوي حول تسيير المظاهرات السلمية Empty رد: فتوى الشيخ القرضاوي حول تسيير المظاهرات السلمية

    مُساهمة من طرف thanaa 6/2/2008, 8:09 pm


    السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
    جزاكى الله خير جزاء عنا اختى الفاضله عبير
    جعله الله فى ميزان حسناتك
    ننتظر مشاركاتك وموضوعاتك المتميزه معنا داااااااااائما


    فتوى الشيخ القرضاوي حول تسيير المظاهرات السلمية 0638

      الوقت/التاريخ الآن هو 23/11/2024, 10:28 am