الأستاذ الدكتور سلامه عبد الهادي
عميد كلية علوم الطاقة جامعة جنوب الوادي ـ أسوان
لواء أركان حرب سابق في الجيش المصري
الحلقة الأولى : خلق الكون
لنمضى فى رحلة للتأمل فى الإعجاز فى رواية القرآن الكريم لبدء الخلق، ثم نتابع نفس الرواية كما جاءت فى الكتاب المقدس، كي نرى من خلالهـا كيف يقدم لنا الخالق بداية الخلق التى لم يشاهدها أحد منا، طبقا لوصفين فى كتابين بعث الله بهما أنبياء له ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، إنها رحلة في القرآن وفى الكتاب المقدس ... سنرى من خلالهـا كيف صاغ الخالق بداية الخلق فى القرآن بكلمات تشهد أنها وحي من عند الله .. كما تشهد كلمات الكتاب المقدس أن هناك كتاب أنزل من عند الله، ولكن صياغة كلماته قد جاءت من خلال بشر ... قصرت عقولهم عن استيعاب معانيه التى أنزلهـا الله حقا إلى موسى، فلم تعبر بالصدق عما أنزل إليهم .. ولم تعطى الله قدره من التعظيم والتوقير اللائق بجلاله وعظمته .. وإن حوت بعض الحقائق التى أراد الله أن يبنهـا لعباده
تبدأ قصة خلق الكون فى القرآن الكريم بقول الحق :
مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً [الكهف : 51]
هذا هوالحق، فلم يشهد أحد منا نحن بنى البشر خلق الله، ولا سبيل أمامنا كي نعلم عنها شيئا إلا من كتبه المنزلة على رسله، وفى الآيات التالية يقص علينا الخالق مراحل الخلق:
قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوكَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ , فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [فصلت : 9 - 12]
هكذا جاء في القرآن كيف بدأ الخلق .. كلمات ترمز إلى الحق وعظمة الخالق وقدرته وحكمته وتنزيهه ..
تعالوا ننظر ما جاء فى الكتاب المقدس لنرى كيف جاء شرح نفس الحدث:
سفر التكوين الإصحاح الأول:
1. في البدء خلق الله السموات والارض
2. وكانت الارض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه
3. وقال الله ليكن نور فكان نور
4. وراى الله النور انه حسن. وفصل الله بين النور والظلمة
5. ودعا الله النور نهارا والظلمة دعاها ليلا. وكان مساء وكان صباح يوما واحد
6. وقال الله ليكن جلد في وسط المياه.وليكن فاصلا بين مياه ومياه
7. فعمل الله الجلد وفصل بين المياه التي تحت الجلد والمياه التي فوق الجلد.وكان كذلك
8. ودعا الله الجلد سماء. وكان مساء وكان صباح يوما ثانيا
9. وقال الله لتجتمع المياه تحت السماء الى مكان واحد ولتظهر اليابسة.وكان كذلك
10. ودعا الله اليابسة ارضا.ومجتمع المياه دعاه بحارا.ورأى الله ذلك انه حسن
11. وقال الله لتنبت الارض عشبا وبقلا يبزر بزرا وشجرا ذا ثمر يعمل ثمرا كجنسه بزره فيه على الارض.وكان كذلك
12. فأخرجت الارض عشبا وبقلا يبزر بزرا كجنسه وشجرا يعمل ثمرا بزره فيه كجنسه.ورأى الله ذلك انه حسن.
13. وكان مساء وكان صباح يوما ثالثا
14. وقال الله لتكن انوار في جلد السماء لتفصل بين النهار والليل.وتكون لآيات واوقات وايام وسنين
15. وتكون انوارا في جلد السماء لتنير على الارض.وكان كذلك
16. فعمل الله النورين العظيمين.النور الاكبر لحكم النهار والنور الاصغر لحكم الليل.والنجوم
17. وجعلها الله في جلد السماء لتنير على الارض
18. ولتحكم على النهار والليل ولتفصل بين النور والظلمة.ورأى الله ذلك انه حسن
19. وكان مساء وكان صباح يوما رابعا
20. وقال الله لتفض المياه زحافات ذات نفس حية وليطر طير فوق الارض على وجه جلد السماء
21. فخلق الله التنانين العظام وكل ذوات الانفس الحية الدبّابة التي فاضت بها المياه كاجناسها وكل طائر ذي جناح كجنسه.ورأى الله ذلك انه حسن
22. وباركها الله قائلا اثمري واكثري واملإي المياه في البحار.وليكثر الطير على الارض
23. وكان مساء وكان صباح يوما خامسا
24. وقال الله لتخرج الارض ذوات انفس حية كجنسها.بهائم ودبابات ووحوش ارض كاجناسها.وكان كذلك. 25
25. فعمل الله وحوش الارض كاجناسها والبهائم كاجناسها وجميع دبابات الارض كاجناسها.ورأى الله ذلك انه حسن.
26. 26 وقال الله نعمل الانسان على صورتنا كشبهنا.فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى كل الارض وعلى جميع الدبابات التي تدب على الارض
27. . 27 فخلق الله الانسان على صورته. على صورة الله خلقه. ذكرا وانثى خلقهم
28. وباركهم الله وقال لهم اثمروا واكثروا واملأوا الارض واخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدبّ على الارض
29. وقال الله اني قد اعطيتكم كل بقل يبزر بزرا على وجه كل الارض وكل شجر فيه ثمر شجر يبزر بزرا.لكم يكون طعاما
30. ولكل حيوان الارض وكل طير السماء وكل دبّابة على الارض فيها نفس حية اعطيت كل عشب اخضر طعاما.وكان كذلك
31. ورأى الله كل ما عمله فاذا هوحسن جدا.وكان مساء وكان صباح يوما سادسا
الإصحاح الثانى:
1. فأكملت السموات والارض وكل جندها
2. وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل.فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل
3. وبارك الله اليوم السابع وقدسه.لانه فيه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقا
4. هذه مبادئ السموات والارض حين خلقت.يوم عمل الرب الاله الارض والسموات 5
5. كل شجر البرية لم يكن بعد في الارض وكل عشب البرية لم ينبت بعد.لان الرب الاله لم يكن قد امطر على الارض.ولا كان انسان ليعمل الارض. 6
6. ثم كان ضباب يطلع من الارض ويسقي كل وجه الارض.
هكذا يصف الكتاب المقدس بدء الخلق، ولا شك أن هذا الوصف يحوى بعض الحقائق التي كما سنرى تتفق مع ما جاء فى القرآن الكريم أيضا من حقائق :
1. أن الله هوالخالق للسموات والأرض وما ومن فيهن
2. أن السموات والأرض كانتا ملتصقين فى البدء ففصلهما الله بحكمته
3. أن بدء الخلق جاء من الماء
4. أن الخلق جاء على ستة أيام
5. أن خلق النباتات والحيوانات كان سابقا عن خلق آدم والبشر أجمعين
ولكن ما نراه فى هذا الوصف، أنه لا تستشعر فيه عظمة الخالق الذى قدر ودبر كل شيئ مسبقا، فكيف ندعى أنه بعد أن يخلق الشيئ يكتشف أنه حسنا ... فلا شك أنه فى علم الحق ما خلقه من نور وظلام وأرض ويايسه ونباتات وكائنات ... فما رآه حسنا هى أشياء سابقة فى علمه كما أن ما جاء فى التوراة من وصف للنور والظلام يتعارض مع العلوم التى كشفت النور والظلام .. وأن النور يأتى من ضياء الشمس وتجليه بالنهار على نصف الكرة الأرضية المواجه للشمس والليل يكون موجودا فى النصف الآخر فى نفس الوقيت .. وأن نور الليل يأتى من انعكاس ضوء الشمس على سطح القمر فى الليالى القمرية .. هذه الأخطاء العلمية فى سفر التكوين لا تليق بجلال الله وعلمه وتقديره .. فهووحده الذى يعلم مدى حسنهـا قبل خلقهــا ..
ثم ما جاء فى التوراة من أن روح الله كانت ترفرف على الماء .. هذا الوصف لا يليق أيضا بالله .. فالله ليس كمثله شيء .. والقول على لله روحا ترفرف على سطح يثير فى النفس خيالات لا تليق بعمة الله الذى ليس كمثله شيء .. ثم أن خلق آدم جاء على صورة الله .. ذكرا .. وصفا أيضا بعيد عن الحق .. فالله ليس كمثله أوعلى صورته شيء ... وآيات القرآن الكريم لا تتطاول إلى وصف الله أوصضع تخيلا لصورته .. إن الله من صفات السميع والبصير والقوى والمتين الحى والقيوم والرحمن والرحيم و... إنهـا صفات عليا أوأسماء حسنى لا تجعلنا نطمح بخيالاتنا إلى معرفة طبيعته أوصورته .. فعلومنا محدودة وز خيالاتنا قاصرة عن هذا
هكذا .. لا يليق أن نعتقد بما جاء فى التوراة من عبارات لا تدل على عظمة الخالق .. ولكنهـا آيات تشير إلى أنه كان هناك كتابا منزلا من عند الله .. ولم يستوعبه البشر الذين وصل إليهم .. فعبروا عما فيه طبقا لأفهامهم ولعلومهم فى عصورهم القديمة .. لهذا لا نرى الجلال والحكمة والعلم الذى نراه فى آيات القرآن الكريم، الذى جاء مناسبا لعصر تتجلى فيه العلوم والحقائق.
إننا نجد فى القرآن آيات كثيرة فى العديد من السور تأتى بتفاصيل متنوعة عن بدء الخلق، وفى كل مرة تطرق جانبا من جوانب الإعجاز العلمى فى بدء هذا الخلق الذى لم ندركه إلا فى عصرنا هذا ... هذا العصر الذى كشفت فيه العلوم عن معجزة الخلق والخالق .. إنهـا تفاصيل نستوعب منها بحسب قدراتنا وعلومنا وإدراك كل منا بحسب علمه ومعرفته : نرى مثلا الآيات التالية التى تعبر أنه فى بدء الخلق كانت السموات والأرض ملتصقتين وأن بدء الخلق جميعا جاء من الماء:
أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ، وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ، وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ، وَهُوالَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [الأنبياء :30 - 33]
وفى الآية نرى أن خلق السموات والأرض جاء على ستة مراحل أوأيام، وكيف يتعاقب الليل والنهار، وأن خلق هذه السماوات وتنظيم كل ما يجري فى أفلك يتم بأمره:
إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف : 54]
وفى الآية التالية تبين لنا أن عرش الله كان على الماء، وليست روحه التى كانت ترفرف عليه، كما تبين الحكمة من الخلق:
وَهُوالَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ [هود : 7]
وفى الآيات التالية يبين لنا الخالق كيف أعد لنا الأرض بانبساطها ومائها ومطرها وزرعهـا:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة : 21 - 22]
أوفى هذه الآيات التى تبين عدد السموات وانتظامها وما قدر الله للأرض من رزق ونبات :
وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ، وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ، فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ، [المؤمنون : 17 - 19]
والآيات التالية تصف تتابع الخلق وصفا علميا يليق بجلاله، ويصف بيضاوية الأرض وحركتها فى أفلاك بيضاوية (راجع تأملات إيمانية فى سورة النازعات على نفس الموقع ):
أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا، رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا، وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا، وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا، أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا، وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا، مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ [النازعات : 27 - 33]
والآية التالية توضح كروية الأرض وتتابع الليل والنهار من تكور الليل على النهار وتكور النهار على الليل، أى التفافهما حول بعضهما نتيجة لكروية الأرض:
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوالْعَزِيزُ الْغَفَّارُ [الزمر : 5]
ويؤكد الخالق فى الآية التالية على أن وحدة الخلق دون تفاوت دليل على وحدانية الرحمن الذى خلقنا لحكمته العظيمة:
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ [الملك : 3]
هذه آيات القرآن فى وصف الخلق وبدايته وحكمته ... التى اشتملت على الحقائق التى جاء بها الكتاب المقدس، ثم فصلت الكثير من الجوانب الأخرى التى تشبع نهم البشر فى حب المعرفة، ونهم العلماء فى تقصي الحقائق، وجاء هذا التفصيل فى نهج علمى عظيم البلاغة، نهج يليق بعظمة الخالق وجلاله
والآن .. هل يمكن لرسول الله .. هذا النبى الأمى .. أن يأتى بهذا الوصف المعجز ... أى أن يترجم التوراة من العبرية إلى العربية، حيث لم تتم هذه الترجمة إلا بعد بعثة رسول الله بعدة قرون ... ثم يعالج ما بهـا من هذا القصور الذى نراه وعجزها أن تعطى هذا الانطباع بعظمة الخالق وجلاله .. ثم يضع هذه التفاصيل العلمية الدقيقة التى لم يشاهدها أحدا إلا الله ...، ولا يستطيع أن يصفها أحد بهذا الكمال والجلال إلا الله ... من يستطيع أن يدعى هذا الإفك ويزور هذه الحقائق الماثلة أمام الجميع؟
والآن .. ألا يجب على كل مؤمن .. يدعى أنه آمن بالكتاب المقدس بنهجة المتواضع، ألا يخشع قلبه لهذا الذكر الكريم الذى يليق برب العالمين، ويؤمن بعظمة منزل هذا القرآن .. طبقا لقول الحق فى الآية الكريمة:
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد : 16]
عميد كلية علوم الطاقة جامعة جنوب الوادي ـ أسوان
لواء أركان حرب سابق في الجيش المصري
الحلقة الأولى : خلق الكون
لنمضى فى رحلة للتأمل فى الإعجاز فى رواية القرآن الكريم لبدء الخلق، ثم نتابع نفس الرواية كما جاءت فى الكتاب المقدس، كي نرى من خلالهـا كيف يقدم لنا الخالق بداية الخلق التى لم يشاهدها أحد منا، طبقا لوصفين فى كتابين بعث الله بهما أنبياء له ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، إنها رحلة في القرآن وفى الكتاب المقدس ... سنرى من خلالهـا كيف صاغ الخالق بداية الخلق فى القرآن بكلمات تشهد أنها وحي من عند الله .. كما تشهد كلمات الكتاب المقدس أن هناك كتاب أنزل من عند الله، ولكن صياغة كلماته قد جاءت من خلال بشر ... قصرت عقولهم عن استيعاب معانيه التى أنزلهـا الله حقا إلى موسى، فلم تعبر بالصدق عما أنزل إليهم .. ولم تعطى الله قدره من التعظيم والتوقير اللائق بجلاله وعظمته .. وإن حوت بعض الحقائق التى أراد الله أن يبنهـا لعباده
تبدأ قصة خلق الكون فى القرآن الكريم بقول الحق :
مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً [الكهف : 51]
هذا هوالحق، فلم يشهد أحد منا نحن بنى البشر خلق الله، ولا سبيل أمامنا كي نعلم عنها شيئا إلا من كتبه المنزلة على رسله، وفى الآيات التالية يقص علينا الخالق مراحل الخلق:
قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوكَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ , فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [فصلت : 9 - 12]
هكذا جاء في القرآن كيف بدأ الخلق .. كلمات ترمز إلى الحق وعظمة الخالق وقدرته وحكمته وتنزيهه ..
تعالوا ننظر ما جاء فى الكتاب المقدس لنرى كيف جاء شرح نفس الحدث:
سفر التكوين الإصحاح الأول:
1. في البدء خلق الله السموات والارض
2. وكانت الارض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه
3. وقال الله ليكن نور فكان نور
4. وراى الله النور انه حسن. وفصل الله بين النور والظلمة
5. ودعا الله النور نهارا والظلمة دعاها ليلا. وكان مساء وكان صباح يوما واحد
6. وقال الله ليكن جلد في وسط المياه.وليكن فاصلا بين مياه ومياه
7. فعمل الله الجلد وفصل بين المياه التي تحت الجلد والمياه التي فوق الجلد.وكان كذلك
8. ودعا الله الجلد سماء. وكان مساء وكان صباح يوما ثانيا
9. وقال الله لتجتمع المياه تحت السماء الى مكان واحد ولتظهر اليابسة.وكان كذلك
10. ودعا الله اليابسة ارضا.ومجتمع المياه دعاه بحارا.ورأى الله ذلك انه حسن
11. وقال الله لتنبت الارض عشبا وبقلا يبزر بزرا وشجرا ذا ثمر يعمل ثمرا كجنسه بزره فيه على الارض.وكان كذلك
12. فأخرجت الارض عشبا وبقلا يبزر بزرا كجنسه وشجرا يعمل ثمرا بزره فيه كجنسه.ورأى الله ذلك انه حسن.
13. وكان مساء وكان صباح يوما ثالثا
14. وقال الله لتكن انوار في جلد السماء لتفصل بين النهار والليل.وتكون لآيات واوقات وايام وسنين
15. وتكون انوارا في جلد السماء لتنير على الارض.وكان كذلك
16. فعمل الله النورين العظيمين.النور الاكبر لحكم النهار والنور الاصغر لحكم الليل.والنجوم
17. وجعلها الله في جلد السماء لتنير على الارض
18. ولتحكم على النهار والليل ولتفصل بين النور والظلمة.ورأى الله ذلك انه حسن
19. وكان مساء وكان صباح يوما رابعا
20. وقال الله لتفض المياه زحافات ذات نفس حية وليطر طير فوق الارض على وجه جلد السماء
21. فخلق الله التنانين العظام وكل ذوات الانفس الحية الدبّابة التي فاضت بها المياه كاجناسها وكل طائر ذي جناح كجنسه.ورأى الله ذلك انه حسن
22. وباركها الله قائلا اثمري واكثري واملإي المياه في البحار.وليكثر الطير على الارض
23. وكان مساء وكان صباح يوما خامسا
24. وقال الله لتخرج الارض ذوات انفس حية كجنسها.بهائم ودبابات ووحوش ارض كاجناسها.وكان كذلك. 25
25. فعمل الله وحوش الارض كاجناسها والبهائم كاجناسها وجميع دبابات الارض كاجناسها.ورأى الله ذلك انه حسن.
26. 26 وقال الله نعمل الانسان على صورتنا كشبهنا.فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى كل الارض وعلى جميع الدبابات التي تدب على الارض
27. . 27 فخلق الله الانسان على صورته. على صورة الله خلقه. ذكرا وانثى خلقهم
28. وباركهم الله وقال لهم اثمروا واكثروا واملأوا الارض واخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدبّ على الارض
29. وقال الله اني قد اعطيتكم كل بقل يبزر بزرا على وجه كل الارض وكل شجر فيه ثمر شجر يبزر بزرا.لكم يكون طعاما
30. ولكل حيوان الارض وكل طير السماء وكل دبّابة على الارض فيها نفس حية اعطيت كل عشب اخضر طعاما.وكان كذلك
31. ورأى الله كل ما عمله فاذا هوحسن جدا.وكان مساء وكان صباح يوما سادسا
الإصحاح الثانى:
1. فأكملت السموات والارض وكل جندها
2. وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل.فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل
3. وبارك الله اليوم السابع وقدسه.لانه فيه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقا
4. هذه مبادئ السموات والارض حين خلقت.يوم عمل الرب الاله الارض والسموات 5
5. كل شجر البرية لم يكن بعد في الارض وكل عشب البرية لم ينبت بعد.لان الرب الاله لم يكن قد امطر على الارض.ولا كان انسان ليعمل الارض. 6
6. ثم كان ضباب يطلع من الارض ويسقي كل وجه الارض.
هكذا يصف الكتاب المقدس بدء الخلق، ولا شك أن هذا الوصف يحوى بعض الحقائق التي كما سنرى تتفق مع ما جاء فى القرآن الكريم أيضا من حقائق :
1. أن الله هوالخالق للسموات والأرض وما ومن فيهن
2. أن السموات والأرض كانتا ملتصقين فى البدء ففصلهما الله بحكمته
3. أن بدء الخلق جاء من الماء
4. أن الخلق جاء على ستة أيام
5. أن خلق النباتات والحيوانات كان سابقا عن خلق آدم والبشر أجمعين
ولكن ما نراه فى هذا الوصف، أنه لا تستشعر فيه عظمة الخالق الذى قدر ودبر كل شيئ مسبقا، فكيف ندعى أنه بعد أن يخلق الشيئ يكتشف أنه حسنا ... فلا شك أنه فى علم الحق ما خلقه من نور وظلام وأرض ويايسه ونباتات وكائنات ... فما رآه حسنا هى أشياء سابقة فى علمه كما أن ما جاء فى التوراة من وصف للنور والظلام يتعارض مع العلوم التى كشفت النور والظلام .. وأن النور يأتى من ضياء الشمس وتجليه بالنهار على نصف الكرة الأرضية المواجه للشمس والليل يكون موجودا فى النصف الآخر فى نفس الوقيت .. وأن نور الليل يأتى من انعكاس ضوء الشمس على سطح القمر فى الليالى القمرية .. هذه الأخطاء العلمية فى سفر التكوين لا تليق بجلال الله وعلمه وتقديره .. فهووحده الذى يعلم مدى حسنهـا قبل خلقهــا ..
ثم ما جاء فى التوراة من أن روح الله كانت ترفرف على الماء .. هذا الوصف لا يليق أيضا بالله .. فالله ليس كمثله شيء .. والقول على لله روحا ترفرف على سطح يثير فى النفس خيالات لا تليق بعمة الله الذى ليس كمثله شيء .. ثم أن خلق آدم جاء على صورة الله .. ذكرا .. وصفا أيضا بعيد عن الحق .. فالله ليس كمثله أوعلى صورته شيء ... وآيات القرآن الكريم لا تتطاول إلى وصف الله أوصضع تخيلا لصورته .. إن الله من صفات السميع والبصير والقوى والمتين الحى والقيوم والرحمن والرحيم و... إنهـا صفات عليا أوأسماء حسنى لا تجعلنا نطمح بخيالاتنا إلى معرفة طبيعته أوصورته .. فعلومنا محدودة وز خيالاتنا قاصرة عن هذا
هكذا .. لا يليق أن نعتقد بما جاء فى التوراة من عبارات لا تدل على عظمة الخالق .. ولكنهـا آيات تشير إلى أنه كان هناك كتابا منزلا من عند الله .. ولم يستوعبه البشر الذين وصل إليهم .. فعبروا عما فيه طبقا لأفهامهم ولعلومهم فى عصورهم القديمة .. لهذا لا نرى الجلال والحكمة والعلم الذى نراه فى آيات القرآن الكريم، الذى جاء مناسبا لعصر تتجلى فيه العلوم والحقائق.
إننا نجد فى القرآن آيات كثيرة فى العديد من السور تأتى بتفاصيل متنوعة عن بدء الخلق، وفى كل مرة تطرق جانبا من جوانب الإعجاز العلمى فى بدء هذا الخلق الذى لم ندركه إلا فى عصرنا هذا ... هذا العصر الذى كشفت فيه العلوم عن معجزة الخلق والخالق .. إنهـا تفاصيل نستوعب منها بحسب قدراتنا وعلومنا وإدراك كل منا بحسب علمه ومعرفته : نرى مثلا الآيات التالية التى تعبر أنه فى بدء الخلق كانت السموات والأرض ملتصقتين وأن بدء الخلق جميعا جاء من الماء:
أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ، وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ، وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ، وَهُوالَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [الأنبياء :30 - 33]
وفى الآية نرى أن خلق السموات والأرض جاء على ستة مراحل أوأيام، وكيف يتعاقب الليل والنهار، وأن خلق هذه السماوات وتنظيم كل ما يجري فى أفلك يتم بأمره:
إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف : 54]
وفى الآية التالية تبين لنا أن عرش الله كان على الماء، وليست روحه التى كانت ترفرف عليه، كما تبين الحكمة من الخلق:
وَهُوالَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ [هود : 7]
وفى الآيات التالية يبين لنا الخالق كيف أعد لنا الأرض بانبساطها ومائها ومطرها وزرعهـا:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة : 21 - 22]
أوفى هذه الآيات التى تبين عدد السموات وانتظامها وما قدر الله للأرض من رزق ونبات :
وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ، وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ، فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ، [المؤمنون : 17 - 19]
والآيات التالية تصف تتابع الخلق وصفا علميا يليق بجلاله، ويصف بيضاوية الأرض وحركتها فى أفلاك بيضاوية (راجع تأملات إيمانية فى سورة النازعات على نفس الموقع ):
أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا، رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا، وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا، وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا، أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا، وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا، مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ [النازعات : 27 - 33]
والآية التالية توضح كروية الأرض وتتابع الليل والنهار من تكور الليل على النهار وتكور النهار على الليل، أى التفافهما حول بعضهما نتيجة لكروية الأرض:
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوالْعَزِيزُ الْغَفَّارُ [الزمر : 5]
ويؤكد الخالق فى الآية التالية على أن وحدة الخلق دون تفاوت دليل على وحدانية الرحمن الذى خلقنا لحكمته العظيمة:
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ [الملك : 3]
هذه آيات القرآن فى وصف الخلق وبدايته وحكمته ... التى اشتملت على الحقائق التى جاء بها الكتاب المقدس، ثم فصلت الكثير من الجوانب الأخرى التى تشبع نهم البشر فى حب المعرفة، ونهم العلماء فى تقصي الحقائق، وجاء هذا التفصيل فى نهج علمى عظيم البلاغة، نهج يليق بعظمة الخالق وجلاله
والآن .. هل يمكن لرسول الله .. هذا النبى الأمى .. أن يأتى بهذا الوصف المعجز ... أى أن يترجم التوراة من العبرية إلى العربية، حيث لم تتم هذه الترجمة إلا بعد بعثة رسول الله بعدة قرون ... ثم يعالج ما بهـا من هذا القصور الذى نراه وعجزها أن تعطى هذا الانطباع بعظمة الخالق وجلاله .. ثم يضع هذه التفاصيل العلمية الدقيقة التى لم يشاهدها أحدا إلا الله ...، ولا يستطيع أن يصفها أحد بهذا الكمال والجلال إلا الله ... من يستطيع أن يدعى هذا الإفك ويزور هذه الحقائق الماثلة أمام الجميع؟
والآن .. ألا يجب على كل مؤمن .. يدعى أنه آمن بالكتاب المقدس بنهجة المتواضع، ألا يخشع قلبه لهذا الذكر الكريم الذى يليق برب العالمين، ويؤمن بعظمة منزل هذا القرآن .. طبقا لقول الحق فى الآية الكريمة:
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد : 16]