الحجاب
ُيبكي أتاتورك في قبره
يوم بعد يوم ، يؤكد حزب العدالة والتنمية أنه مايسترو التغييرات الجذرية على طريق أسلمة تركيا ـ وبحنكة سياسية قلما نجد لها نظيرا في عالمنا العربي والإسلامي ـ فرغم عدم مضي إلا أشهر قليلة على دخول أول سيدة محجبة قصر جانكايا الرئاسي إلا وفوجيء العلمانيون بضربة جديدة على رؤوسهم لاتقل في وطأتها عن سابقتها ، وذلك عندما أقر البرلمان التركي ـ منتصف فبراير الجاري ـ بأغلبية 404 صوتا من أصل 550 تعديلا دستوريا ينهي الحظر على ارتداء الحجاب في الجامعات الذي كان مفروضا منذ عام 1989.
محيط - جهان مصطفى
ومع أن الحظر على الحجاب لايزال ساريا على كل النساء العاملات في إدارات الدولة وأيضا في المدارس ، إلا أن تحقيق اختراق في تلك المؤسسات كما حدث في الجامعات هو أمر بحسب كثير من المراقبين لن يتأخر كثيرا في ضوء عدد من الأمور أبرزها ، استطلاع الرأي الذي أجرته صحيفة " زمان " التركية في 12 محافظة تركية وكشف أن نسبة 5 ر 96 % من إجمالي من تم استطلاع آرائهم يؤيدون رفع الحظر المفروض على الحجاب بالإضافة إلى تأييد نسبة 1 ر 73 % من غير المحجبات لقرار البرلمان الأخير لأنه يحقق من وجهة نظرهن المساواة في حق التعليم الجامعي .
وهناك أمر آخر حاسم في هذا الشأن وهو أن حزب العدالة يسير بتركيا على طريق إعادة الهوية الإسلامية عبر التمسك بالديمقراطية ومبادئ العلمانية نفسها ما يضع مؤيديها في حرج بالغ ليس أمام الأتراك فقط وإنما أيضا أمام العالم بأكمله .
فمنذ استلامها السلطة في نوفمبر 2002 ، نجحت حكومة حزب العدالة في أن تغير أو تعدل الكثير من مواد الدستور التى وضعها جنرالات الجيش في عام 1982 عقب الانقلاب العسكري الذي قاده رئيس أركان الجيش الجنرال كنعان أفرين عام 1980 وتولى بعده منصب رئيس الجمهورية ، حيث تم حتى الآن تغيير أو تعديل 75 مادة من مواد الدستور وعددها 176 مادة ، أبرزها ما يتعلق بالحد من صلاحيات الجيش في الحياة السياسية والاعتراف للأقليات القومية والدينية والمذهبية بحقوقها السياسية والثقافية ، وهى تركز الآن على حرية العقيدة وهى أحد مبادئ العلمانية أيضا للسماح بحرية ارتداء الحجاب .
وهذا ما ظهر بوضوح في التصريحات التي أدلي بها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوجان قبل موافقة البرلمان ، عندما أكد تمسكه بالنظام العلماني وأن التعديل الدستوري يهدف إلى ترسيخ مفهوم حرية التعليم لجميع المواطنين، علمانيين وغير علمانيين، قائلا :"هدفنا الوحيد هو وضع حد لسوء معاملة الفتيات على أبواب الجامعات" ، في إشارة إلى إجبار الطالبات على نزع الحجاب في غرفة خاصة عند بوابة الجامعة والدخول إلى الحرم الجامعي سافرات ، وهو ما يتعارض كلية مع روح العلمانية التي تبيح للمواطن الحرية في الاعتقاد.
رئيس الوزراء أردوجان
وأمام هذا الواقع الجديد ، تبدو النخبة العلمانية عاجزة عن فعل شيء لعرقلة مساعى حكومة حزب العدالة حتى وإن واصلت التظاهر ولجأت للقضاء، ولعل هذا أيضا مااضطر الجيش الذي يشكل وهو القضاء آخر قلاع العلمانية ، للوقوف على الحياد هذه المرة.
ففي الوقت الذي هدد فيه رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض دانيز بايكال باللجوء إلى المحكمة الدستورية لإلغاء التعديل الدستوري الأخير ،أعلن رئيس أركان القوات المسلحة التركية الجنرال يشاربويوك انيت أن موقف المؤسسة العسكرية معروف ولاحاجة لإعلانه ، أى أنه لم يعلن موقفا صريحا ولذا فسره كل من حزب العدالة وحزب الشعب لصالحه .
لقد بدأ الجيش يعي حقيقة أن تركيا اليوم ليست بأي حال من الأحوال هي الجمهورية العلمانية التى أسسها التى مصطفى كمال أتاتورك عام 1923 ،وأن الانقلابات العسكرية لم تعد أمرا سهلا كما كان يحدث سابقا ، في ضوء الحرص على الانضمام للاتحاد الأوروبي ودعم الغرب لحكومة حزب العدالة التي يرى فيها النموذج الأمثل الذي يمكن تطبيقه في العالمين العربى والإسلامى باعتباره يجمع بين الإسلام المعتدل والعلمانية والديمقراطية.
ولذا باتت تهديدات الجيش غير ذي تأثير بل وتأتي ضده تماما ، فهو كان قد تدخل في 2007 لمنع نائب من دخول البرلمان بحجة أن زوجته محجبة وهدد بالتدخل أيضا لعرقلة انتخاب عبد الله جول ذي الجذور الإسلامية رئيسا للبلاد ، إلا أنه في كلتا الحالتين منى بالهزيمة واكتسح حزب العدالة للانتخابات التشريعية والرئاسية اللتين أجريتا في 22 يوليو و28 أغسطس من العام ذاته .
وهذا بالطبع لم يكن ليحدث لولا الأرضية الصلبة التي أصبح يستند إليها الحزب والمتمثلة بنجاحه في تطبيق سياسات براجماتية وتحقيق رخاء اقتصادي غير مسبوق ، الأمر الذي أكسبه شعبية كبيرة بل ودفع بعض الأتراك للتساؤل أيضا " هل مجد البلاد في علمانيتها؟ أم في ثقافتها وهويتها اللتين أوصلتاها إلى الرخاء ؟ " ، وما سبق إن كان ينم عن شيء فإنما يؤكد أن تركيا بدأت تسير باتجاه التصالح مع أغلبيتها المسلمة عبر التعافي من علمانية أتاتورك الصارمة.
تاريخ مرير
منذ إسقاط الدولة العثمانية والخلافة الإسلامية في أعقاب الحرب العالمية الأولى أقام الزعيم مصطفى كمال أتاتورك الجمهورية الجديدة عام 1923 ووضع الدستور الذي ينص في مادته الثانية على أن تركيا جمهورية ديمقراطية علمانية، وأطلق ثورة التخلص من كل "آثار ومخلفات" الخلافة الاسلامية، وحارب وقهر كل التنظيمات الدينية، وحظر الحجاب في مؤسسات الدولة ، وتبنى الديمقراطية الغربية سلاحاً لإعادة بناء تركيا الحديثة عبر مؤسسات مدنية وجيش له سلطة التدخل والرقابة.
هذا المنهج العلماني كان يتمتع بحماية السلطة العسكرية التي أثبتت وجودها على خريطة الأحداث التركية من خلال 4 انقلابات عسكرية في غضون 37 سنة هدفت جميعها إلى حمايته .
بدأت أولى التدخلات العسكرية في سنة 1960 حين أزيح الحزب الديمقراطي الحاكم من سدة الحكم وأعدم حينئذ رئيس الوزراء عدنان مندريس ذي الميول الإسلامية ،، ثم أجبر سليمان ديميريل على التنازل عن مقعد رئاسة الوزراء في سنة 1971 ، وجاء التدخل العسكري الثالث في سنة 1980 ووقع الانقلاب الرابع في يونيو 1997 عندما أقصى نجم الدين أربكان من السلطة، نظرا لميوله الإسلامية الواضحة ، وقام بحظر حزب "الرفاه" الذي كان يتزعمه ثم حظر الجيش أيضا حزب "الفضيلة" الذي شكله أربكان إثر إسقاط حكومته بحجة مناهضة الحزبين لأسس ومبادئ مؤسس الجمهورية أتاتورك.
مظاهرات ضد رفع الحظر
والحال بالنسبة لارتداء الحجاب لم يكن يختلف في شيء عما واجهته الأحزاب ذات الجذور الإسلامية ، فقد اعتبره العلمانيون بمثابة إعلان دعم للأصولية الإسلامية المخالفة للنظام الذي أقامه أتاتورك ، وبدأ سريان حظر الحجاب بالفعل منذ عام 1925 ونظمته المادة العاشرة من الدستور الخاصة بالملبس والزي في مؤسسات الدولة ، ومع ذلك فإنه حتى عام 1989 لم يكن ممنوعا دخول المحجبات الجامعة .
ولاحقا منع القانون التركي أي محجبة من القبول في الجامعة إذا أصرت على ارتداء الحجاب، واتخذ هذا القرار خوفا من صعود التيار الإسلامي، وانتشاره في الجامعات، بعد ظهور حزب الرفاه الإسلامي، ولذا قامت خير النساء زوجة الرئيس التركي الحالي عبد الله جول في عام 1998 فى سابقة فريدة من نوعها برفع دعوى قضائية أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تشكو فيها حكومة تركيا لرفضها الموافقة على التحاقها في كلية الآداب بجامعة أنقرة لأنها محجبة ، واعتبرته نوعا من الاستبداد ومخالفة لروح العلمانية التي تبيح حرية الاعتقاد ، واستمر الوضع دون أية انفراجة إلى أن جاء 2007 ومعه بشائر حلحلة الموقف بعد انتخابات الرئاسة ، وبدا الأمر واقعا ملموسا في 2008 إثر موافقة البرلمان على رفع الحظر عن ارتداء الحجاب في الجامعات.
ويرى مراقبون أنه مع وصول زوجة الرئيس عبد الله جول المحجبة إلى القصر الجمهوري، ووصول زوجة رئيس الوزراء أردوجان المحجبة أيضا إلى قصر الحكومة ، فإن رؤية الحجاب في الجامعات باتت أقل وطأة بالنسبة للعلمانيين ، إلا أن القلق ينبع من أن التعديل الأخير الذي صادق عليه الرئيس جول في 22 فبراير 2008 سيمهد لتعديلات أخرى قد تقضي على ماتبقى من مباديء أتاتورك .
ُيبكي أتاتورك في قبره
يوم بعد يوم ، يؤكد حزب العدالة والتنمية أنه مايسترو التغييرات الجذرية على طريق أسلمة تركيا ـ وبحنكة سياسية قلما نجد لها نظيرا في عالمنا العربي والإسلامي ـ فرغم عدم مضي إلا أشهر قليلة على دخول أول سيدة محجبة قصر جانكايا الرئاسي إلا وفوجيء العلمانيون بضربة جديدة على رؤوسهم لاتقل في وطأتها عن سابقتها ، وذلك عندما أقر البرلمان التركي ـ منتصف فبراير الجاري ـ بأغلبية 404 صوتا من أصل 550 تعديلا دستوريا ينهي الحظر على ارتداء الحجاب في الجامعات الذي كان مفروضا منذ عام 1989.
محيط - جهان مصطفى
ومع أن الحظر على الحجاب لايزال ساريا على كل النساء العاملات في إدارات الدولة وأيضا في المدارس ، إلا أن تحقيق اختراق في تلك المؤسسات كما حدث في الجامعات هو أمر بحسب كثير من المراقبين لن يتأخر كثيرا في ضوء عدد من الأمور أبرزها ، استطلاع الرأي الذي أجرته صحيفة " زمان " التركية في 12 محافظة تركية وكشف أن نسبة 5 ر 96 % من إجمالي من تم استطلاع آرائهم يؤيدون رفع الحظر المفروض على الحجاب بالإضافة إلى تأييد نسبة 1 ر 73 % من غير المحجبات لقرار البرلمان الأخير لأنه يحقق من وجهة نظرهن المساواة في حق التعليم الجامعي .
وهناك أمر آخر حاسم في هذا الشأن وهو أن حزب العدالة يسير بتركيا على طريق إعادة الهوية الإسلامية عبر التمسك بالديمقراطية ومبادئ العلمانية نفسها ما يضع مؤيديها في حرج بالغ ليس أمام الأتراك فقط وإنما أيضا أمام العالم بأكمله .
فمنذ استلامها السلطة في نوفمبر 2002 ، نجحت حكومة حزب العدالة في أن تغير أو تعدل الكثير من مواد الدستور التى وضعها جنرالات الجيش في عام 1982 عقب الانقلاب العسكري الذي قاده رئيس أركان الجيش الجنرال كنعان أفرين عام 1980 وتولى بعده منصب رئيس الجمهورية ، حيث تم حتى الآن تغيير أو تعديل 75 مادة من مواد الدستور وعددها 176 مادة ، أبرزها ما يتعلق بالحد من صلاحيات الجيش في الحياة السياسية والاعتراف للأقليات القومية والدينية والمذهبية بحقوقها السياسية والثقافية ، وهى تركز الآن على حرية العقيدة وهى أحد مبادئ العلمانية أيضا للسماح بحرية ارتداء الحجاب .
وهذا ما ظهر بوضوح في التصريحات التي أدلي بها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوجان قبل موافقة البرلمان ، عندما أكد تمسكه بالنظام العلماني وأن التعديل الدستوري يهدف إلى ترسيخ مفهوم حرية التعليم لجميع المواطنين، علمانيين وغير علمانيين، قائلا :"هدفنا الوحيد هو وضع حد لسوء معاملة الفتيات على أبواب الجامعات" ، في إشارة إلى إجبار الطالبات على نزع الحجاب في غرفة خاصة عند بوابة الجامعة والدخول إلى الحرم الجامعي سافرات ، وهو ما يتعارض كلية مع روح العلمانية التي تبيح للمواطن الحرية في الاعتقاد.
رئيس الوزراء أردوجان
وأمام هذا الواقع الجديد ، تبدو النخبة العلمانية عاجزة عن فعل شيء لعرقلة مساعى حكومة حزب العدالة حتى وإن واصلت التظاهر ولجأت للقضاء، ولعل هذا أيضا مااضطر الجيش الذي يشكل وهو القضاء آخر قلاع العلمانية ، للوقوف على الحياد هذه المرة.
ففي الوقت الذي هدد فيه رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض دانيز بايكال باللجوء إلى المحكمة الدستورية لإلغاء التعديل الدستوري الأخير ،أعلن رئيس أركان القوات المسلحة التركية الجنرال يشاربويوك انيت أن موقف المؤسسة العسكرية معروف ولاحاجة لإعلانه ، أى أنه لم يعلن موقفا صريحا ولذا فسره كل من حزب العدالة وحزب الشعب لصالحه .
لقد بدأ الجيش يعي حقيقة أن تركيا اليوم ليست بأي حال من الأحوال هي الجمهورية العلمانية التى أسسها التى مصطفى كمال أتاتورك عام 1923 ،وأن الانقلابات العسكرية لم تعد أمرا سهلا كما كان يحدث سابقا ، في ضوء الحرص على الانضمام للاتحاد الأوروبي ودعم الغرب لحكومة حزب العدالة التي يرى فيها النموذج الأمثل الذي يمكن تطبيقه في العالمين العربى والإسلامى باعتباره يجمع بين الإسلام المعتدل والعلمانية والديمقراطية.
ولذا باتت تهديدات الجيش غير ذي تأثير بل وتأتي ضده تماما ، فهو كان قد تدخل في 2007 لمنع نائب من دخول البرلمان بحجة أن زوجته محجبة وهدد بالتدخل أيضا لعرقلة انتخاب عبد الله جول ذي الجذور الإسلامية رئيسا للبلاد ، إلا أنه في كلتا الحالتين منى بالهزيمة واكتسح حزب العدالة للانتخابات التشريعية والرئاسية اللتين أجريتا في 22 يوليو و28 أغسطس من العام ذاته .
وهذا بالطبع لم يكن ليحدث لولا الأرضية الصلبة التي أصبح يستند إليها الحزب والمتمثلة بنجاحه في تطبيق سياسات براجماتية وتحقيق رخاء اقتصادي غير مسبوق ، الأمر الذي أكسبه شعبية كبيرة بل ودفع بعض الأتراك للتساؤل أيضا " هل مجد البلاد في علمانيتها؟ أم في ثقافتها وهويتها اللتين أوصلتاها إلى الرخاء ؟ " ، وما سبق إن كان ينم عن شيء فإنما يؤكد أن تركيا بدأت تسير باتجاه التصالح مع أغلبيتها المسلمة عبر التعافي من علمانية أتاتورك الصارمة.
تاريخ مرير
منذ إسقاط الدولة العثمانية والخلافة الإسلامية في أعقاب الحرب العالمية الأولى أقام الزعيم مصطفى كمال أتاتورك الجمهورية الجديدة عام 1923 ووضع الدستور الذي ينص في مادته الثانية على أن تركيا جمهورية ديمقراطية علمانية، وأطلق ثورة التخلص من كل "آثار ومخلفات" الخلافة الاسلامية، وحارب وقهر كل التنظيمات الدينية، وحظر الحجاب في مؤسسات الدولة ، وتبنى الديمقراطية الغربية سلاحاً لإعادة بناء تركيا الحديثة عبر مؤسسات مدنية وجيش له سلطة التدخل والرقابة.
هذا المنهج العلماني كان يتمتع بحماية السلطة العسكرية التي أثبتت وجودها على خريطة الأحداث التركية من خلال 4 انقلابات عسكرية في غضون 37 سنة هدفت جميعها إلى حمايته .
بدأت أولى التدخلات العسكرية في سنة 1960 حين أزيح الحزب الديمقراطي الحاكم من سدة الحكم وأعدم حينئذ رئيس الوزراء عدنان مندريس ذي الميول الإسلامية ،، ثم أجبر سليمان ديميريل على التنازل عن مقعد رئاسة الوزراء في سنة 1971 ، وجاء التدخل العسكري الثالث في سنة 1980 ووقع الانقلاب الرابع في يونيو 1997 عندما أقصى نجم الدين أربكان من السلطة، نظرا لميوله الإسلامية الواضحة ، وقام بحظر حزب "الرفاه" الذي كان يتزعمه ثم حظر الجيش أيضا حزب "الفضيلة" الذي شكله أربكان إثر إسقاط حكومته بحجة مناهضة الحزبين لأسس ومبادئ مؤسس الجمهورية أتاتورك.
مظاهرات ضد رفع الحظر
والحال بالنسبة لارتداء الحجاب لم يكن يختلف في شيء عما واجهته الأحزاب ذات الجذور الإسلامية ، فقد اعتبره العلمانيون بمثابة إعلان دعم للأصولية الإسلامية المخالفة للنظام الذي أقامه أتاتورك ، وبدأ سريان حظر الحجاب بالفعل منذ عام 1925 ونظمته المادة العاشرة من الدستور الخاصة بالملبس والزي في مؤسسات الدولة ، ومع ذلك فإنه حتى عام 1989 لم يكن ممنوعا دخول المحجبات الجامعة .
ولاحقا منع القانون التركي أي محجبة من القبول في الجامعة إذا أصرت على ارتداء الحجاب، واتخذ هذا القرار خوفا من صعود التيار الإسلامي، وانتشاره في الجامعات، بعد ظهور حزب الرفاه الإسلامي، ولذا قامت خير النساء زوجة الرئيس التركي الحالي عبد الله جول في عام 1998 فى سابقة فريدة من نوعها برفع دعوى قضائية أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تشكو فيها حكومة تركيا لرفضها الموافقة على التحاقها في كلية الآداب بجامعة أنقرة لأنها محجبة ، واعتبرته نوعا من الاستبداد ومخالفة لروح العلمانية التي تبيح حرية الاعتقاد ، واستمر الوضع دون أية انفراجة إلى أن جاء 2007 ومعه بشائر حلحلة الموقف بعد انتخابات الرئاسة ، وبدا الأمر واقعا ملموسا في 2008 إثر موافقة البرلمان على رفع الحظر عن ارتداء الحجاب في الجامعات.
ويرى مراقبون أنه مع وصول زوجة الرئيس عبد الله جول المحجبة إلى القصر الجمهوري، ووصول زوجة رئيس الوزراء أردوجان المحجبة أيضا إلى قصر الحكومة ، فإن رؤية الحجاب في الجامعات باتت أقل وطأة بالنسبة للعلمانيين ، إلا أن القلق ينبع من أن التعديل الأخير الذي صادق عليه الرئيس جول في 22 فبراير 2008 سيمهد لتعديلات أخرى قد تقضي على ماتبقى من مباديء أتاتورك .