سجود السهو
د. يوسف بن عبدالله الأحمد
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم ، أما بعد .
فهذا الموضوع يحتاجه الناس كثيراً ، ولا يكاد أن يمر علي يوم إلا ويأتيني فيه سؤال ، فأحببت بيان أحكامه وفق القول الراجح بدليله .
و قد ثبت في سجود السهو أحاديث كثيرة من قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله ، فلعل الأنسب أن أبدأ بها ، ثم بذكر ما تدل عليه من فوائد .
1. عن عَبْدَاللَّهِ بن بُحَيْنَةَ رضي الله عنه : " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهِمُ الظَّهْرَ فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ لَمْ يَجْلِسْ فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ حَتَّى إِذَا قَضَى الصَّلَاةَ وَانْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ وَهُوَ جَالِسٌ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ ثُمَّ سَلَّمَ " متفق عليه .
2. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : " صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ ـ أي الظهر أو العصر ـ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ سَمَّاهَا أَبُو هُرَيْرَةَ وَلَكِنْ نَسِيتُ أَنَا . قَالَ : فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ، فَقَامَ إِلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّه غَضْبَانُ ، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ، وَوَضَعَ خَدَّهُ الْأَيْمَنَ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى ، وَخَرَجَتِ السَّرَعَانُ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالُوا قَصُرَتِ الصَّلَاةُ ، وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ ، وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ طُولٌ يُقَالُ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتِ الصَّلَاةُ ؟ قَالَ : لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ . فَقَالَ : أَكَمَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟ فَقَالُوا : نَعَمْ . فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى مَا تَرَكَ ، ثُمَّ سَلَّمَ ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ . فَرُبَّمَا سَأَلُوهُ ـ أي محمد بن سيرين ـ :ثُمَّ سَلَّمَ ؟ فَيَقُولُ : نُبِّئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ : ثُمَّ سَلَّمَ " متفق عليه.
3. عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْعَصْرَ فَسَلَّمَ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ ، ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْخِرْبَاقُ وَكَانَ فِي يَدَيْهِ طُولٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَكَرَ لَهُ صَنِيعَهُ ، وَخَرَجَ غَضْبَانَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى النَّاسِ . فَقَالَ : أَصَدَقَ هَذَا ؟ قَالُوا : نَعَمْ . فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ " أخرجه مسلم .
4. عن عَبْدُاللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قال : " صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ـ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لَا أَدْرِي زَادَ أَوْ نَقَصَ ـ فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ ؟ قَالَ : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالُوا : صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا ، فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ، فَلَمَّا أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ قَالَ : إِنَّهُ لَوْ حَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ لَنَبَّأْتُكُمْ بِهِ وَلَكِنْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي ، وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيُسَلِّمْ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ " متفق عليه .
وفي رواية لهما : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا ، فَقِيلَ لَهُ : أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ ؟ فَقَالَ : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ : صَلَّيْتَ خَمْسًا . فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ " . وفي رواية لمسلم بلفظ :" صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسًا فَلَمَّا انْفَتَلَ تَوَشْوَشَ الْقَوْمُ بَيْنَهُمْ ، فَقَالَ : مَا شَأْنُكُمْ ؟ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ زِيدَ فِي الصَّلَاةِ ؟ قَالَ : لَا . قَالُوا : فَإِنَّكَ قَدْ صَلَّيْتَ خَمْسًا . فَانْفَتَلَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ، ثُمَّ سَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ ".
5. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ ، فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَامًا لِأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ " أخرجه مسلم .
6. عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ وَاحِدَةً صَلَّى أَوْ ثِنْتَيْنِ فَلْيَبْنِ عَلَى وَاحِدَةٍ ، فَإِنْ لَمْ يَدْرِ ثِنْتَيْنِ صَلَّى أَوْ ثَلَاثًا فَلْيَبْنِ عَلَى ثِنْتَيْنِ ، فَإِنْ لَمْ يَدْرِ ثَلَاثًا صَلَّى أَوْ أَرْبَعًا فَلْيَبْنِ عَلَى ثَلَاثٍ ، وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ " أخرجه أحمد و أبوداود و الترمذي وقال : " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ ". وصححه النووي في المجموع (4/107) وصححه من المعاصرين الألباني ( صحيح سنن الترمذي ح399).
ومن فوائد هذه الأحاديث :
أولاً : أن سجود السهو واجب على من سها في صلاته بزيادة أو نقص أو شك ، في الأركان والواجبات. قال ابن تيمية بعد أن أورد الأدلة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأمره في السجود : " وهذه دلائل بينة واضحة على وجوبهما ، وهو قول جمهور العلماء ، وهو مذهب مالك وأحمد وأبي حنيفة ، وليس مع من لم يوجبهما حجة تقارب ذلك ".(مجموع الفتاوى 23/28).
ثانياً : مشروعية التكبير لسجود السهو . قال ابن الملقن : " يشرع التكبير لسجود السهو ، وهذا مجمع عليه". (الإعلام بفوائد عمدة الأحكام 3/294) .
ثالثاً : إذا تكرر السهو في الصلاة فإنه يكفيه بسجود السهو مرة واحدة . فالنبي صلى الله عليه وسلم ترك التشهد الأول ، والجلوس له ولم يكرر سجود السهو ، كما في حديث عبدالله بن بحينة . قال ابن دقيق معلقاً على هذا الحديث : " فيه دليل على عدم تكرار السجود عند تكرار السهو ؛ لأنه قد ترك الجلوس الأول والتشهد معاً ، واكتفى لهما بسجدتين ". (إحكام الأحكام ص283)
رابعاً : إذا كان سجود السهو بعد السلام ، فيشرع له سلام آخر بعده . وهو الراجح من قولي العلماء لظاهر حديث أبي هريرة وعمران وابن مسعود رضي الله عنهم .
خامساً : من شك في صلاته فعليه أن يتحرى الصواب أولاً ، فإن ترجح له أحد الأمرين عمل به . وإن لم يترجح له شيء بنى على اليقين وهو الأقل ؛ ويدل عليه مجموع حديث عبدالله بن مسعود ، وحديث أبي سعيد ، وابن عوف رضي الله عنهم ".
سادساً : هل يكون سجود السهو قبل السلام أو بعده ؟ خلاف بين العلماء .
القول الأول : أن محل السجود كله قبل السلام . وهو قول الزهري ، و مكحول ، و الأوزاعي ، والليث بن سعد ، و مذهب الشافعية .
القول الثاني : أن محل السجود كله بعد السلام . وهو مذهب الحنفية ، وقول الحسن البصري ، وإبراهيم النخعي ، والثوري .
القول الثالث : أن الأصل في السجود أن يكون قبل السلام ،إلا ما جاءت السنة بالسجود فيه بعد السلام فإنه يسجد بعده . وهو المشهور عن الإمام أحمد .
القول الرابع : أن الأصل في السجود أن يكون بعد السلام ، إلا في حالين فيكون المصلي مخيراً فيهما بالسجود قبل السلام أو بعده : إذا نسي الجلوس للتشهد الأول ، وإذا شك هل صلى ثلاثاً أو أربعاً . وهو قول ابن حزم .
القول الخامس : أن ما ثبت في السنة من السجود قبل السلام أو بعده فإنه يفعل كما ورد ، وما عدا ذلك فإن المصلي مخير بين السجود قبل السلام وبعده . وهذا قول الشوكاني .
القول السادس : أن المصلي مخير بين السجود قبل السلام وبعده مطلقاً . وهو قول بعض الشافعية ، واختيار الصنعاني .
القول السابع : إذا كان السهو عن نقص سجد قبل السلام ، وإن كان عن زيادة سجد بعد السلام . وهو مذهب المالكية . وهذا القول جزء من القول الذي يليه .
القول الثامن : إذا كان السهو عن نقص سجد قبل السلام (1). وإذا كان عن زيادة سجد بعد السلام . وإذا كان عن شك فإنه يتحرى الصواب ؛ فإن غلب على ظنه شيء عمل به وسجد بعد السلام ، وإن لم يغلب على ظنه شيء بنى على اليقين وهو الأقل ، وسجد قبل السلام . وهو رواية عن الإمام أحمد واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.
وهذا أرجح الأقوال وأقربها إلى الصواب وبه تجتمع الأدلة ولا تتعارض . فالنبي صلى الله عليه وسلم سجد قبل السلام جبراً للنقص حين ترك التشهد الأول ؛ كما في حديث عبد الله بن بحينة. وسجد بعد السلام حين زاد في الصلاة ركعة خامسة كما في حديث عبدالله بن مسعود ، وسجد بعد السلام أيضاً حين زاد سلاماً بعد الثانية في صلاة الظهر كما في قصة ذي اليدين . وأمر بالسجود قبل للسلام عند الشك في عدد الركعات بعد البناء على اليقين كما في حديث أبي سعيد ، وحديث ابن عوف رضي الله عنه. وأمر بالسجود بعد السلام إذا شك ثم تحرى و عمل بما ترجح له بعد التحري . قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " فهذا القول الذي نصرناه هو الذي يستعمل فيه جميع الأحاديث ، لا يترك منها حديث مع استعمال القياس الصحيح فيما لم يرد فيه نص ، وإلحاق ما ليس بمنصوص بما يشبهه من المنصوص ".(مجموع الفتاوى23/25).
مناقشة الأقوال الأخرى :
أما القول الأول فهو مخالف لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسجود بعد السلام .
والقول الثاني مخالف أيضاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسجود قبل السلام .
والقول الثالث جعل الأصل في السجود قبل السلام ، وهذا يحتاج إلى دليل خاص .
والقول الرابع جعل الأصل في السجود بعد السلام ، و دليلهم حديث ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لكل سهو سجدتان بعد ما يسلم " أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه . و في إسناده عندهم زهير بن سالم العنسي ، وهو ضعيف . قال عنه الدارقطني : " منكر الحديث " . وقال عبد الحق الأشبيلي عن هذا الحديث في الأحكام الوسطى (2/29): " و ليس إسناده مما تقوم به حجة " . وقال النووي في المجموع (4/155) : " حديث ضعيف ظاهر الضعف ".
و على فرض صحته فإنه محمول على الأحوال التي يكون السجود فيها بعد السلام جمعاً بينه وبين الأحاديث الأخرى التي ثبت فيها السجود قبل السلام من فعل النبي صلى الله عليه وسلم و أمره .
و تتمة القول الرابع : أنه ذكر حالين يكون المصلي فيهما مخيراً بعد السلام . وكيف يكون مخيراً والنبي صلى الله عليه وسلم سجد قبل السلام في الحال الأولى ، وأمر بالسجود قبل السلام في الحال الثانية ، والصواب الاقتداء بفعله وامتثال أمره .
د. يوسف بن عبدالله الأحمد
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم ، أما بعد .
فهذا الموضوع يحتاجه الناس كثيراً ، ولا يكاد أن يمر علي يوم إلا ويأتيني فيه سؤال ، فأحببت بيان أحكامه وفق القول الراجح بدليله .
و قد ثبت في سجود السهو أحاديث كثيرة من قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله ، فلعل الأنسب أن أبدأ بها ، ثم بذكر ما تدل عليه من فوائد .
1. عن عَبْدَاللَّهِ بن بُحَيْنَةَ رضي الله عنه : " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهِمُ الظَّهْرَ فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ لَمْ يَجْلِسْ فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ حَتَّى إِذَا قَضَى الصَّلَاةَ وَانْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ وَهُوَ جَالِسٌ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ ثُمَّ سَلَّمَ " متفق عليه .
2. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : " صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ ـ أي الظهر أو العصر ـ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ سَمَّاهَا أَبُو هُرَيْرَةَ وَلَكِنْ نَسِيتُ أَنَا . قَالَ : فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ، فَقَامَ إِلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّه غَضْبَانُ ، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ، وَوَضَعَ خَدَّهُ الْأَيْمَنَ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى ، وَخَرَجَتِ السَّرَعَانُ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالُوا قَصُرَتِ الصَّلَاةُ ، وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ ، وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ طُولٌ يُقَالُ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتِ الصَّلَاةُ ؟ قَالَ : لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ . فَقَالَ : أَكَمَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟ فَقَالُوا : نَعَمْ . فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى مَا تَرَكَ ، ثُمَّ سَلَّمَ ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ . فَرُبَّمَا سَأَلُوهُ ـ أي محمد بن سيرين ـ :ثُمَّ سَلَّمَ ؟ فَيَقُولُ : نُبِّئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ : ثُمَّ سَلَّمَ " متفق عليه.
3. عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْعَصْرَ فَسَلَّمَ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ ، ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْخِرْبَاقُ وَكَانَ فِي يَدَيْهِ طُولٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَكَرَ لَهُ صَنِيعَهُ ، وَخَرَجَ غَضْبَانَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى النَّاسِ . فَقَالَ : أَصَدَقَ هَذَا ؟ قَالُوا : نَعَمْ . فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ " أخرجه مسلم .
4. عن عَبْدُاللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قال : " صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ـ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لَا أَدْرِي زَادَ أَوْ نَقَصَ ـ فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ ؟ قَالَ : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالُوا : صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا ، فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ، فَلَمَّا أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ قَالَ : إِنَّهُ لَوْ حَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ لَنَبَّأْتُكُمْ بِهِ وَلَكِنْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي ، وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيُسَلِّمْ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ " متفق عليه .
وفي رواية لهما : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا ، فَقِيلَ لَهُ : أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ ؟ فَقَالَ : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ : صَلَّيْتَ خَمْسًا . فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ " . وفي رواية لمسلم بلفظ :" صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسًا فَلَمَّا انْفَتَلَ تَوَشْوَشَ الْقَوْمُ بَيْنَهُمْ ، فَقَالَ : مَا شَأْنُكُمْ ؟ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ زِيدَ فِي الصَّلَاةِ ؟ قَالَ : لَا . قَالُوا : فَإِنَّكَ قَدْ صَلَّيْتَ خَمْسًا . فَانْفَتَلَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ، ثُمَّ سَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ ".
5. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ ، فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَامًا لِأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ " أخرجه مسلم .
6. عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ وَاحِدَةً صَلَّى أَوْ ثِنْتَيْنِ فَلْيَبْنِ عَلَى وَاحِدَةٍ ، فَإِنْ لَمْ يَدْرِ ثِنْتَيْنِ صَلَّى أَوْ ثَلَاثًا فَلْيَبْنِ عَلَى ثِنْتَيْنِ ، فَإِنْ لَمْ يَدْرِ ثَلَاثًا صَلَّى أَوْ أَرْبَعًا فَلْيَبْنِ عَلَى ثَلَاثٍ ، وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ " أخرجه أحمد و أبوداود و الترمذي وقال : " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ ". وصححه النووي في المجموع (4/107) وصححه من المعاصرين الألباني ( صحيح سنن الترمذي ح399).
ومن فوائد هذه الأحاديث :
أولاً : أن سجود السهو واجب على من سها في صلاته بزيادة أو نقص أو شك ، في الأركان والواجبات. قال ابن تيمية بعد أن أورد الأدلة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأمره في السجود : " وهذه دلائل بينة واضحة على وجوبهما ، وهو قول جمهور العلماء ، وهو مذهب مالك وأحمد وأبي حنيفة ، وليس مع من لم يوجبهما حجة تقارب ذلك ".(مجموع الفتاوى 23/28).
ثانياً : مشروعية التكبير لسجود السهو . قال ابن الملقن : " يشرع التكبير لسجود السهو ، وهذا مجمع عليه". (الإعلام بفوائد عمدة الأحكام 3/294) .
ثالثاً : إذا تكرر السهو في الصلاة فإنه يكفيه بسجود السهو مرة واحدة . فالنبي صلى الله عليه وسلم ترك التشهد الأول ، والجلوس له ولم يكرر سجود السهو ، كما في حديث عبدالله بن بحينة . قال ابن دقيق معلقاً على هذا الحديث : " فيه دليل على عدم تكرار السجود عند تكرار السهو ؛ لأنه قد ترك الجلوس الأول والتشهد معاً ، واكتفى لهما بسجدتين ". (إحكام الأحكام ص283)
رابعاً : إذا كان سجود السهو بعد السلام ، فيشرع له سلام آخر بعده . وهو الراجح من قولي العلماء لظاهر حديث أبي هريرة وعمران وابن مسعود رضي الله عنهم .
خامساً : من شك في صلاته فعليه أن يتحرى الصواب أولاً ، فإن ترجح له أحد الأمرين عمل به . وإن لم يترجح له شيء بنى على اليقين وهو الأقل ؛ ويدل عليه مجموع حديث عبدالله بن مسعود ، وحديث أبي سعيد ، وابن عوف رضي الله عنهم ".
سادساً : هل يكون سجود السهو قبل السلام أو بعده ؟ خلاف بين العلماء .
القول الأول : أن محل السجود كله قبل السلام . وهو قول الزهري ، و مكحول ، و الأوزاعي ، والليث بن سعد ، و مذهب الشافعية .
القول الثاني : أن محل السجود كله بعد السلام . وهو مذهب الحنفية ، وقول الحسن البصري ، وإبراهيم النخعي ، والثوري .
القول الثالث : أن الأصل في السجود أن يكون قبل السلام ،إلا ما جاءت السنة بالسجود فيه بعد السلام فإنه يسجد بعده . وهو المشهور عن الإمام أحمد .
القول الرابع : أن الأصل في السجود أن يكون بعد السلام ، إلا في حالين فيكون المصلي مخيراً فيهما بالسجود قبل السلام أو بعده : إذا نسي الجلوس للتشهد الأول ، وإذا شك هل صلى ثلاثاً أو أربعاً . وهو قول ابن حزم .
القول الخامس : أن ما ثبت في السنة من السجود قبل السلام أو بعده فإنه يفعل كما ورد ، وما عدا ذلك فإن المصلي مخير بين السجود قبل السلام وبعده . وهذا قول الشوكاني .
القول السادس : أن المصلي مخير بين السجود قبل السلام وبعده مطلقاً . وهو قول بعض الشافعية ، واختيار الصنعاني .
القول السابع : إذا كان السهو عن نقص سجد قبل السلام ، وإن كان عن زيادة سجد بعد السلام . وهو مذهب المالكية . وهذا القول جزء من القول الذي يليه .
القول الثامن : إذا كان السهو عن نقص سجد قبل السلام (1). وإذا كان عن زيادة سجد بعد السلام . وإذا كان عن شك فإنه يتحرى الصواب ؛ فإن غلب على ظنه شيء عمل به وسجد بعد السلام ، وإن لم يغلب على ظنه شيء بنى على اليقين وهو الأقل ، وسجد قبل السلام . وهو رواية عن الإمام أحمد واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.
وهذا أرجح الأقوال وأقربها إلى الصواب وبه تجتمع الأدلة ولا تتعارض . فالنبي صلى الله عليه وسلم سجد قبل السلام جبراً للنقص حين ترك التشهد الأول ؛ كما في حديث عبد الله بن بحينة. وسجد بعد السلام حين زاد في الصلاة ركعة خامسة كما في حديث عبدالله بن مسعود ، وسجد بعد السلام أيضاً حين زاد سلاماً بعد الثانية في صلاة الظهر كما في قصة ذي اليدين . وأمر بالسجود قبل للسلام عند الشك في عدد الركعات بعد البناء على اليقين كما في حديث أبي سعيد ، وحديث ابن عوف رضي الله عنه. وأمر بالسجود بعد السلام إذا شك ثم تحرى و عمل بما ترجح له بعد التحري . قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " فهذا القول الذي نصرناه هو الذي يستعمل فيه جميع الأحاديث ، لا يترك منها حديث مع استعمال القياس الصحيح فيما لم يرد فيه نص ، وإلحاق ما ليس بمنصوص بما يشبهه من المنصوص ".(مجموع الفتاوى23/25).
مناقشة الأقوال الأخرى :
أما القول الأول فهو مخالف لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسجود بعد السلام .
والقول الثاني مخالف أيضاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسجود قبل السلام .
والقول الثالث جعل الأصل في السجود قبل السلام ، وهذا يحتاج إلى دليل خاص .
والقول الرابع جعل الأصل في السجود بعد السلام ، و دليلهم حديث ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لكل سهو سجدتان بعد ما يسلم " أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه . و في إسناده عندهم زهير بن سالم العنسي ، وهو ضعيف . قال عنه الدارقطني : " منكر الحديث " . وقال عبد الحق الأشبيلي عن هذا الحديث في الأحكام الوسطى (2/29): " و ليس إسناده مما تقوم به حجة " . وقال النووي في المجموع (4/155) : " حديث ضعيف ظاهر الضعف ".
و على فرض صحته فإنه محمول على الأحوال التي يكون السجود فيها بعد السلام جمعاً بينه وبين الأحاديث الأخرى التي ثبت فيها السجود قبل السلام من فعل النبي صلى الله عليه وسلم و أمره .
و تتمة القول الرابع : أنه ذكر حالين يكون المصلي فيهما مخيراً بعد السلام . وكيف يكون مخيراً والنبي صلى الله عليه وسلم سجد قبل السلام في الحال الأولى ، وأمر بالسجود قبل السلام في الحال الثانية ، والصواب الاقتداء بفعله وامتثال أمره .