قال الله -تعالى-: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة:100)، فبين الله-تعالى- فضل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار،وهم على أصح الأقوال الذين أسلموا قبل صلح الحديبية، كما قال -تعالى-: (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)(الحديد: من الآية10)، والفتح -على أصح الأقوال- هو فتح صلح الحديبية، وقيل هو فتح مكة، وقيل أيضا في السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار: هم من صلى إلى القبلتين، أي من أسلم قبل تحويل القبلة وهذا الذي ذكره أهل العلم من أن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار هم الذين أسلموا قبل الحديبية هو الصحيح لدلالة القرآن على ذلك، ومدح الله الذين اتبعوهم بإحسان، ولا يسمى تابعاً لهم إلا من أتى بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فدل ذلك على ثباتهم على الإيمان؛ لأن الله -تعالى- لا يتكلم في حق من يعلم أنهم يرتدون أو يفجرون أو يفسقون -كما زعم الشيعة - بمثل هذا الكلام، ولا يمدح من يتبعهم، وهو العليم الحكيم.
ويخبر الله-تعالى- أنه: (...وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة:100)، وهذا دليل على أنهم يثبتون على الإيمان، ولا ينحرفون عنه بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
والشيعة يزعمون أن هذه الآيات نزلت فيهم قبل ردتهم، وهذا لا يمكن أن يكون، فإن الله -تعالى- امتدح الذين اتبعوهم بإحسان كما امتدح الذين جاءوا من بعدهم، كما قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (الحشر:10).
فتبين بذلك سلامة قلوب أهل السنة وألسنتهم لأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ليس فيها غل ولا حقد لهم، بل على ألسنتهم الدعاء، وفي قلوبهم المحبة لصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفي قلوبهم وألسنتهم الشهادة لهم بالإيمان بنص القرآن، بخلاف من أمروا بالاستغفار لهم فإذا بهم يسبونهم، لذلك نقول: قد مدح الله -تعالى- الذين جاءوا من بعدهم، وهو -تعالى- يعلم الغيب، ومدح الذين يمتدحون الصحابة ويشهدون لهم بالإيمان ويشهدون لهم بالسبق، كما قال -تعالى-: (وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ)، فكيف نقول بعد ذلك: إن هذه الآيات نزلت فيهم إذ كانوا مسلمين، ولكنهم لما ارتدوا لم يكن لهم هذا الفضل؟! نعوذ بالله من هذا التناقض الفظيع والتكذيب -في الحقيقة- للقرآن، وإن كان لابد أن يبين لصاحب هذا الكلام تكذيبه وتناقضه ذلك، لأن أكثرهم لا يعقلون ولا يفهمون، بل حتى لا يعلمون معاني الآيات، وكثير منهم لا يحسن العربية ليفهم هذه المسائل العظيمة.
وقد بين الله -تعالى- فضل أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- خصوصاً، حيث قال -تعالى-: (إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة:40).
وبين -تعالى- رضاه عن الصحابة الذين بايعوا تحت الشجرة فقال -تعالى-: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) (الفتح:18)، وهذا لا يقال إلا في حق من يثبت على الإيمان، والأدلة على فضلهم في الكتاب والسنة كثيرة مستفيضة وثابتة لا ينازع فيها إلا ضال، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم...)، وهذا الحديث وهذه الرواية تدل على أنهم خير الناس بعد الأنبياء، ومعنى (خير الناس قرني) أي: الجيل الذي صحبه -صلى الله عليه وسلم-، وهم أصحابه المؤمنون منهم قطعاً (ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) فالتابعون ثم تابعو التابعين هم أفضل هذه الأمة في الجملة.
مسألة: فهل هذا يقتضي تفضيل كل واحد من الصحابة على كل واحد ممن أتى بعدهم، أو كل واحد من التابعين على كل واحد ممن أتى بعدهم، وكذا في تابعي التابعين، أم هو تفضيل في الجملة؟
نقول: أما السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار فلا شك في سبقهم، كما قال -تعالى-: (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (الجمعه4:3)، والله أعلى وأعلم، وهؤلاء السابقون هم أفضل السابقين من هذه الأمة، ويوجد سابقون بعدهم، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (في كل قرن من أمتي سابقون) رواه أبو نعيم في الحلية 1/، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2001)، وقال -تعالى- عن السابقين المقربين: (ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ) (الواقعة14:13), والراجح أن كليهما من هذه الأمة، أي: ثلة من الأولين من هذه الأمة،وقليل من الآخرين من هذه الأمة.
وأما في أصحاب اليمين فقال تعالى-: (ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ) (الواقعة40:39), ويظهر بذلك أن التفضيل بعد السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار إنما هو للمجموع، لمجموع الصحابة على مجموع التابعين، ومجموع التابعين على مجموع تابعي التابعين، ومجموع تابعي التابعين على من يأتي بعدهم، أما أن يكون التفضيل لكل واحد منهم، فهذا لا يلزم من الأدلة، والله أعلى وأعلم.
فلا شك أنه كان فيمن صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- من قال الله -تعالى- فيهم: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا)(الحجرات: من الآية14)، والظاهر أنهم ليسوا منافقين النفاق الأكبر، ولكن فيهم خصال النفاق، ولقد كان النفاق الأصغر موجوداً على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان).
وكذلك وجد فيهم من ارتكب الكبائر، فلا يصح تفضيل كل واحد من هؤلاء على أفاضل الأمة الذين أتوا بعد ذلك من التابعين وتابعي التابعين فمن بعدهم من أئمة الأمة، والله أعلى وأعلم.
وقد كان في المجتمع المسلم في المدينة جميع الأنواع: المنافق الذي هو في الأسفل من النار، ومن فيه شعبة من النفاق، ومن مؤمن الإيمان الواجب، ومن هو مؤمن الإيمان الكامل المستحب بعد ذلك، وسوف يوجد في المسلمين كذلك هذه النوعيات.
فالصحيح في ذلك تفضيل مجموع الصحابة على مجموع من يأتي من بعدهم، وكذا مجموع التابعي، ومجموع تابعي التابعين، أما السابقون الذين وصف الله تعالى- صدقهم وسبقهم من الصحابة، فلا شك أنهم أسبق من السابقين من غيرهم، والله أعلى وأعلم. وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)، أي لو أنفق أحد الناس مثل جبل أحد ذهباً في سبيل الله ما بلغ إنفاق الصحابي ملء كفيه في سبيل الله، لأن الله تعالى- أقام الإسلام بنفقات هؤلاء الصحابة، وإنما أسلم من بعدهم بنفقاتهم وإن كانت قليلة، ولكن الله تعالى- أقام الإسلام بها, ولذلك كان إنفاقهم أعظم من إنفاق غيرهم، وأكثر مضاعفة، بل في الحقيقة إنفاق غيرهم إنما هو في ميزان حسناتهم، لأن إسلام غيرهم كان بجهادهم، ولقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لخالد بن الوليد في شأن مخاصمته لعبد الرحمن بن عوف عندما نال منه خالد، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا تسبوا أصحابي) نعم، فمن الذي كان سبباً في إسلام خالد، وفي بقاء الإسلام وفي أن يعبد الله في الأرض إلا أهل بدر؟!، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اللهم إن تُهلِك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض)، قال ذلك في غزوة بدر.
وكذلك ثبات المؤمنين في غزوة الأحزاب، أيام أن كان خالد مشركاً، بل كان يقاتل في صف الكفار.
وإذا كان الأمر كذلك تبين لنا فعلاً أنه لولا فضل الله على هؤلاء الصحابة بالنفقة لما دخل من بعدهم في الإسلام، ولو أنفقوا –أي الذين جاءوا من بعدهم- مثل أحد ذهباً بعد ذلك في الإسلام –وما أنفقوا بالفعل- ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه، فكيف بمن يأتي بعدهم؟! وجهاد خالد معلوم، وأكثر الأمم في العراق والشام وسائر البلاد كان دخولهم في الإسلام بفضل الله أن وفق خالداً –رضي الله عنه- ومن معه من الصحابة الكرام للجهاد في سبيل الله وفتح البلاد.
لذلك ينطبق هذا الأمر على كل أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- في حق من أتى بعدهم، وينطبق على من طالت بالنسبة لمن قصرت أو تأخر إسلامه إلى ما بعد الحديبية. والله أعلى وأعلم.
منقول للافاااااااااده
ويخبر الله-تعالى- أنه: (...وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة:100)، وهذا دليل على أنهم يثبتون على الإيمان، ولا ينحرفون عنه بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
والشيعة يزعمون أن هذه الآيات نزلت فيهم قبل ردتهم، وهذا لا يمكن أن يكون، فإن الله -تعالى- امتدح الذين اتبعوهم بإحسان كما امتدح الذين جاءوا من بعدهم، كما قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (الحشر:10).
فتبين بذلك سلامة قلوب أهل السنة وألسنتهم لأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ليس فيها غل ولا حقد لهم، بل على ألسنتهم الدعاء، وفي قلوبهم المحبة لصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفي قلوبهم وألسنتهم الشهادة لهم بالإيمان بنص القرآن، بخلاف من أمروا بالاستغفار لهم فإذا بهم يسبونهم، لذلك نقول: قد مدح الله -تعالى- الذين جاءوا من بعدهم، وهو -تعالى- يعلم الغيب، ومدح الذين يمتدحون الصحابة ويشهدون لهم بالإيمان ويشهدون لهم بالسبق، كما قال -تعالى-: (وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ)، فكيف نقول بعد ذلك: إن هذه الآيات نزلت فيهم إذ كانوا مسلمين، ولكنهم لما ارتدوا لم يكن لهم هذا الفضل؟! نعوذ بالله من هذا التناقض الفظيع والتكذيب -في الحقيقة- للقرآن، وإن كان لابد أن يبين لصاحب هذا الكلام تكذيبه وتناقضه ذلك، لأن أكثرهم لا يعقلون ولا يفهمون، بل حتى لا يعلمون معاني الآيات، وكثير منهم لا يحسن العربية ليفهم هذه المسائل العظيمة.
وقد بين الله -تعالى- فضل أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- خصوصاً، حيث قال -تعالى-: (إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة:40).
وبين -تعالى- رضاه عن الصحابة الذين بايعوا تحت الشجرة فقال -تعالى-: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) (الفتح:18)، وهذا لا يقال إلا في حق من يثبت على الإيمان، والأدلة على فضلهم في الكتاب والسنة كثيرة مستفيضة وثابتة لا ينازع فيها إلا ضال، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم...)، وهذا الحديث وهذه الرواية تدل على أنهم خير الناس بعد الأنبياء، ومعنى (خير الناس قرني) أي: الجيل الذي صحبه -صلى الله عليه وسلم-، وهم أصحابه المؤمنون منهم قطعاً (ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) فالتابعون ثم تابعو التابعين هم أفضل هذه الأمة في الجملة.
مسألة: فهل هذا يقتضي تفضيل كل واحد من الصحابة على كل واحد ممن أتى بعدهم، أو كل واحد من التابعين على كل واحد ممن أتى بعدهم، وكذا في تابعي التابعين، أم هو تفضيل في الجملة؟
نقول: أما السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار فلا شك في سبقهم، كما قال -تعالى-: (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (الجمعه4:3)، والله أعلى وأعلم، وهؤلاء السابقون هم أفضل السابقين من هذه الأمة، ويوجد سابقون بعدهم، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (في كل قرن من أمتي سابقون) رواه أبو نعيم في الحلية 1/، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2001)، وقال -تعالى- عن السابقين المقربين: (ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ) (الواقعة14:13), والراجح أن كليهما من هذه الأمة، أي: ثلة من الأولين من هذه الأمة،وقليل من الآخرين من هذه الأمة.
وأما في أصحاب اليمين فقال تعالى-: (ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ) (الواقعة40:39), ويظهر بذلك أن التفضيل بعد السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار إنما هو للمجموع، لمجموع الصحابة على مجموع التابعين، ومجموع التابعين على مجموع تابعي التابعين، ومجموع تابعي التابعين على من يأتي بعدهم، أما أن يكون التفضيل لكل واحد منهم، فهذا لا يلزم من الأدلة، والله أعلى وأعلم.
فلا شك أنه كان فيمن صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- من قال الله -تعالى- فيهم: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا)(الحجرات: من الآية14)، والظاهر أنهم ليسوا منافقين النفاق الأكبر، ولكن فيهم خصال النفاق، ولقد كان النفاق الأصغر موجوداً على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان).
وكذلك وجد فيهم من ارتكب الكبائر، فلا يصح تفضيل كل واحد من هؤلاء على أفاضل الأمة الذين أتوا بعد ذلك من التابعين وتابعي التابعين فمن بعدهم من أئمة الأمة، والله أعلى وأعلم.
وقد كان في المجتمع المسلم في المدينة جميع الأنواع: المنافق الذي هو في الأسفل من النار، ومن فيه شعبة من النفاق، ومن مؤمن الإيمان الواجب، ومن هو مؤمن الإيمان الكامل المستحب بعد ذلك، وسوف يوجد في المسلمين كذلك هذه النوعيات.
فالصحيح في ذلك تفضيل مجموع الصحابة على مجموع من يأتي من بعدهم، وكذا مجموع التابعي، ومجموع تابعي التابعين، أما السابقون الذين وصف الله تعالى- صدقهم وسبقهم من الصحابة، فلا شك أنهم أسبق من السابقين من غيرهم، والله أعلى وأعلم. وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)، أي لو أنفق أحد الناس مثل جبل أحد ذهباً في سبيل الله ما بلغ إنفاق الصحابي ملء كفيه في سبيل الله، لأن الله تعالى- أقام الإسلام بنفقات هؤلاء الصحابة، وإنما أسلم من بعدهم بنفقاتهم وإن كانت قليلة، ولكن الله تعالى- أقام الإسلام بها, ولذلك كان إنفاقهم أعظم من إنفاق غيرهم، وأكثر مضاعفة، بل في الحقيقة إنفاق غيرهم إنما هو في ميزان حسناتهم، لأن إسلام غيرهم كان بجهادهم، ولقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لخالد بن الوليد في شأن مخاصمته لعبد الرحمن بن عوف عندما نال منه خالد، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا تسبوا أصحابي) نعم، فمن الذي كان سبباً في إسلام خالد، وفي بقاء الإسلام وفي أن يعبد الله في الأرض إلا أهل بدر؟!، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اللهم إن تُهلِك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض)، قال ذلك في غزوة بدر.
وكذلك ثبات المؤمنين في غزوة الأحزاب، أيام أن كان خالد مشركاً، بل كان يقاتل في صف الكفار.
وإذا كان الأمر كذلك تبين لنا فعلاً أنه لولا فضل الله على هؤلاء الصحابة بالنفقة لما دخل من بعدهم في الإسلام، ولو أنفقوا –أي الذين جاءوا من بعدهم- مثل أحد ذهباً بعد ذلك في الإسلام –وما أنفقوا بالفعل- ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه، فكيف بمن يأتي بعدهم؟! وجهاد خالد معلوم، وأكثر الأمم في العراق والشام وسائر البلاد كان دخولهم في الإسلام بفضل الله أن وفق خالداً –رضي الله عنه- ومن معه من الصحابة الكرام للجهاد في سبيل الله وفتح البلاد.
لذلك ينطبق هذا الأمر على كل أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- في حق من أتى بعدهم، وينطبق على من طالت بالنسبة لمن قصرت أو تأخر إسلامه إلى ما بعد الحديبية. والله أعلى وأعلم.
منقول للافاااااااااده