رزحت الإنسانية- بشتى مشاربها الفكرية وفي فترات حياتها المتطاولة-، تحت وطأة أعباء الحياة، وأثقلت كاهلها مصاعب العيش الكريم، مع سعيها الدؤوب الجاد للتخلص من ذلك، ولكن عبثاً حاولت، فها هي مجتمعات زخرفت الحضارة المادية عيشها، وغلب على ظنها رشدها، ناءت مع سطوة إمكانياتها بحمل تلك الأعباء، حيث شرع كل فرد منها في استقطاب الثروات ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فحقق الملذات وتمتع بالشهوات، وحق له ذلك- كما يزعم- فهو أسد في غاب مجتمعه، فلا ضير لديه لو أن نملاً قد نال فتات حبات سكر، أو حتى لو لم يجدها!
المجتمع الإنساني الفاضل الذي طالما حلمت به البشرية منذ فجر التاريخ، وسطره الفلاسفة وأتباعهم إلى يومنا هذا، لم يتحقق بعد، ولا أحسبه سيكون واقعاً ملموساً، فنحن نرى الإنسانية تارة تسعى للكمال بتمجيد الفرد، وتارة أخرى بتقديس النزعة الجماعية، وطوراً ببناء الحجر وهدم البشر، وطوراً آخر بوجدانية تُعلي إرادة الإنسان فلا تحدها حدود ولاتقام دونها سدود.
لم يسلم من ذلك الترنح البغيض إلا من ارتضى شرعة الله لعباده، وانتهج منهاج الحق، لذا فقد شهد التاريخ الاجتماعي الإنساني مخاضاً عسيراً تمخض عنه مولود التكافل، حيث أمسك الإسلام بزمام أمره وجسّده واقعاً مثالياً بعد أن كادت تزيغ قلوب الخليقة آيسة من خلاص، موقنة ألا مهرب من ظلم ولامناص.
لقد تأرجح أنموذج تكافل المجتمع الإسلامي عبر التاريخ بين واقع ونظر، لكنه كان الأقرب- ولاشك- للمثال المتكامل، وذلك عند توافر إصرار على تطبيقه، فها هو التاريخ الإسلامي شاهد على حصول فترات فاضت فيها الثروات حتى زهد طلابها في تحصيلها فهي في متناول الجميع، ولا مسوغ للتنافس فيها. هذا الأنموذج الفذ الفريد في تاريخ البشرية تحقق فعلاً، وها نحن نراه اليوم وقد تحول فجأة إلى نظرية، كأن بينها وبين الواقع بُعد المشرقين، لكنه مازال أملاً منشوداً، ومثالاً كاملاً مطلوباً وبناء فريداً مفقوداً.
لذا، فقد أحببت أن أضع لبنة ولو كانت متواضعة في هذا البناء، فالقليل خير من العدم، والإسهام خير من الإسجام.
هذه المساهمة هي دعوة لكل عائلة كريمة في مجتمعنا، لتفكر ملياً في تحقيق تواصل معنوي ومادي فيما بينها، ولتكون بدورها دعامة متينة في بناء تواصل المجتمع بأسره وسبباً مهماً في قوته الروحية والمادية، هذا التواصل العائلي قد يكون من المفيد لتحقيقه بعض أمور:
أولاً: إنشاء مجلس العائلة ممن هم على دراية تامة بأحوالها، وممن يتبوؤون مراكز ثقافية واجتماعية مرموقة، ويقوم هذا المجلس برعاية مصالح العائلة، الخاصة والعامة، وإصلاح ذات بينهم، عملاً بقول الله تعالى: {لاخير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس، ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً} «النساء: 114».
ثانياً: عقد لقاءات دورية- ولو سنوية- للمنتسبين للعائلة لتتوثق لديهم عرى القرابة، ويتراحموا فيما بينهم، استجابة لوصف النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين بقوله: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» متفق عليه.
ثالثاً: تأسيس صندوق للتكافل الاجتماعي بين أفراد العائلة، يعتمد أساساً على تبرعات أفرادها واشتراكاتهم السنوية، وقد يتم من خلاله إنشاء وقف خيري يعود ريعه على الأيتام والمحتاجين منهم، وتحقيق رعاية للموهوبين علمياً من أفراد العائلة، وكذلك توفير مشاريع توفر فرص عمل مناسبة لهم، تمثلاً بحسن تكافل الأشعريين من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كانوا إذا قل طعام عيالهم في المدينة جمعوا ماكان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم بالسوية، حتى نالوا شرف الانتساب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «فهم مني وأنا منهم» متفق عليه.
رابعاً: إصدار مطوية داخلية تعرف بأهم رجالات العائلة، وتحوي أخبارها المستجدة، كما تُعلم بأنشطة أفرادها الخاصة والعامة، وتُشيد بالمبرزين منهم في شتى الميادين الثقافية والعلمية والاجتماعية اقتداء بقول النبي صلى الله عليه وسلم لمن أحسن: «أحسنت». وقد قالها مراراً صلى الله عليه وسلم كما صح في السنة المطهرة.
وبَعْدُ فهذه خواطر تواردت، رجوت بكتابتها الإسهام في باب الخير، مع علمي أن عائلات كريمة في مجتمعنا لم يفتها مثل ذلك. فهل لي بعد ذلك بأن أطمح في تعميم هذه الظاهرة الخيرة، وتحقيق التنافس فيها.
المجتمع الإنساني الفاضل الذي طالما حلمت به البشرية منذ فجر التاريخ، وسطره الفلاسفة وأتباعهم إلى يومنا هذا، لم يتحقق بعد، ولا أحسبه سيكون واقعاً ملموساً، فنحن نرى الإنسانية تارة تسعى للكمال بتمجيد الفرد، وتارة أخرى بتقديس النزعة الجماعية، وطوراً ببناء الحجر وهدم البشر، وطوراً آخر بوجدانية تُعلي إرادة الإنسان فلا تحدها حدود ولاتقام دونها سدود.
لم يسلم من ذلك الترنح البغيض إلا من ارتضى شرعة الله لعباده، وانتهج منهاج الحق، لذا فقد شهد التاريخ الاجتماعي الإنساني مخاضاً عسيراً تمخض عنه مولود التكافل، حيث أمسك الإسلام بزمام أمره وجسّده واقعاً مثالياً بعد أن كادت تزيغ قلوب الخليقة آيسة من خلاص، موقنة ألا مهرب من ظلم ولامناص.
لقد تأرجح أنموذج تكافل المجتمع الإسلامي عبر التاريخ بين واقع ونظر، لكنه كان الأقرب- ولاشك- للمثال المتكامل، وذلك عند توافر إصرار على تطبيقه، فها هو التاريخ الإسلامي شاهد على حصول فترات فاضت فيها الثروات حتى زهد طلابها في تحصيلها فهي في متناول الجميع، ولا مسوغ للتنافس فيها. هذا الأنموذج الفذ الفريد في تاريخ البشرية تحقق فعلاً، وها نحن نراه اليوم وقد تحول فجأة إلى نظرية، كأن بينها وبين الواقع بُعد المشرقين، لكنه مازال أملاً منشوداً، ومثالاً كاملاً مطلوباً وبناء فريداً مفقوداً.
لذا، فقد أحببت أن أضع لبنة ولو كانت متواضعة في هذا البناء، فالقليل خير من العدم، والإسهام خير من الإسجام.
هذه المساهمة هي دعوة لكل عائلة كريمة في مجتمعنا، لتفكر ملياً في تحقيق تواصل معنوي ومادي فيما بينها، ولتكون بدورها دعامة متينة في بناء تواصل المجتمع بأسره وسبباً مهماً في قوته الروحية والمادية، هذا التواصل العائلي قد يكون من المفيد لتحقيقه بعض أمور:
أولاً: إنشاء مجلس العائلة ممن هم على دراية تامة بأحوالها، وممن يتبوؤون مراكز ثقافية واجتماعية مرموقة، ويقوم هذا المجلس برعاية مصالح العائلة، الخاصة والعامة، وإصلاح ذات بينهم، عملاً بقول الله تعالى: {لاخير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس، ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً} «النساء: 114».
ثانياً: عقد لقاءات دورية- ولو سنوية- للمنتسبين للعائلة لتتوثق لديهم عرى القرابة، ويتراحموا فيما بينهم، استجابة لوصف النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين بقوله: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» متفق عليه.
ثالثاً: تأسيس صندوق للتكافل الاجتماعي بين أفراد العائلة، يعتمد أساساً على تبرعات أفرادها واشتراكاتهم السنوية، وقد يتم من خلاله إنشاء وقف خيري يعود ريعه على الأيتام والمحتاجين منهم، وتحقيق رعاية للموهوبين علمياً من أفراد العائلة، وكذلك توفير مشاريع توفر فرص عمل مناسبة لهم، تمثلاً بحسن تكافل الأشعريين من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كانوا إذا قل طعام عيالهم في المدينة جمعوا ماكان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم بالسوية، حتى نالوا شرف الانتساب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «فهم مني وأنا منهم» متفق عليه.
رابعاً: إصدار مطوية داخلية تعرف بأهم رجالات العائلة، وتحوي أخبارها المستجدة، كما تُعلم بأنشطة أفرادها الخاصة والعامة، وتُشيد بالمبرزين منهم في شتى الميادين الثقافية والعلمية والاجتماعية اقتداء بقول النبي صلى الله عليه وسلم لمن أحسن: «أحسنت». وقد قالها مراراً صلى الله عليه وسلم كما صح في السنة المطهرة.
وبَعْدُ فهذه خواطر تواردت، رجوت بكتابتها الإسهام في باب الخير، مع علمي أن عائلات كريمة في مجتمعنا لم يفتها مثل ذلك. فهل لي بعد ذلك بأن أطمح في تعميم هذه الظاهرة الخيرة، وتحقيق التنافس فيها.
((خالد عبد الرحمن الجريس))