من طرف zmzm 29/4/2008, 6:37 am
جزاكى الله خيرا اختى لونجى واسمحى لى بهذه المشاركة
السابقون بالخيرات
يقول الله تعالى : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ)فاطر32
لقد اصطفى الله هذه الأمة على غيرها، فجعلها أمة وسطاً، شاهدة على غيرها من الأمم وجعلها خير أمة أخرجت للناس وهذا فضل من الله عظيم، وقد انقسم الناس في هذه الأمة إلى ثلاثة أقسام: الأول هو الظالم لنفسه وهو المقصر في فعل الواجبات كالصلوات المكتوبة والزكاة وصوم رمضان وحج البيت والتفقه فيما يلزم لأمور حياته وصلة الرحم المحرم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و لزوم الجماعة وهو المرتكب لبعض المحرمات كالكذب والغيبة والنميمة والظلم وعقوق الوالدين والتجسس على المسلمين وموالاة الكافرين، والثاني هو المقتصد وهو المؤدي للواجبات التارك للمحرمات وقد يترك بعض المندوبات كالتبكير إلى الصلاة وإجابة المؤذن وصلاة النافلة في البيت وصوم التطوع والصدقة النافلة وقيام الليل وزيارة القبور ويفعل بعض المكروهات كأن يصلي النافلة في الأوقات المكروهة أو يتداوى بالنجس والمحرمات، أما الثالث فهو السابق بالخيرات بإذن الله وهو الفاعل للواجبات والمندوبات التارك للمحرمات والمكروهات وبعض المباحات كأن يترك لباساً معيناً أو لا يأكل طعاماً معيناً أو أن لا يقبل الهدايا ، قال ابن عباس: "السابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب والمقتصد يدخل الجنة برحمة الله والظالم لنفسه وأصحاب الأعراف يدخلون الجنة بشفاعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم". وقال أيضاً "إن المقتصد يحاسب حساباً يسيراً"، إذن فالكل يدخل الجنة ولكن هناك فرق في المنازل فيها، عن محمد بن الحنفيه قال: إنها أمة مرحومة، الظالم مغفور له والمقتصد في الجنان عند الله والسابق بالخيرات في الدرجات عند الله".
وقد جاءت الآيات في بداية سورة الواقعة تبين أقسام الناس وتتحدث عن السابقين بالخيرات، قال تعالى: (وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلَاثَةً{7} فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ{8} وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ{9} وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ{10} أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ{11} فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ{12} ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ{13} وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ{14} ). فقوم عن يمين العرش وهم الذين يؤتون كتبهم بأيمانهم وهم جمهور أهل الجنة، وآخرون عن يسار العرش وهم الذين يؤتون كتبهم بشمالهم وهم عامة أهل النار، وطائفة سابقون بين يدي الله عز وجل وهم أحظى وأقرب من أصحاب اليمين فيهم الرسل والأنبياء والصديقون والشهداء وفيهم المبادرون إلى فعل الخيرات فهم السابقون السابقون العاملون بقوله تعالى: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)الحديد21 ، فمن سابق في هذه الدنيا وسبق إلى الخير كان في الآخرة من السابقين إلى الكرامة فإن الجزاء من جنس العمل لذلك قال عنهم ربهم (أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ) ، والسابقون قليلو العدد لقوله تعالى ( ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِين َ* وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ ) ، عن أبي هريره قال لما نزلت هذه الآيات شق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت الآيات (ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِين ** وَثُلَّةٌ مِّنَ الْآخِرِين) الواقعة 39-40 فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، ثلث أهل الجنة بل أنتم نصف أهل الجنة أو شطر أهل الجنة وتقاسمونهم النصف الثاني".
فهنيئاً لمن سابق بالخيرات، لمن بادر بالأعمال الصالحة هنيئاً له حسن المقام وجزيل الثواب في جنات النعيم في الفردوس الأعلى في رفقة النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً، فمن أراد أن يكون من ثلة السابقين بإذن الله عليه بتقوى الله والمسارعة إلى مغفرته ممتثلاً قول الله تعالى: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)آل عمران133 ، عليه أن يطع الله ورسوله وأن يتحاكم إليهما ، عليه أن يكون من الذين قال عنهم سبحانه وتعالى : (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{51} وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ{52}) النور .
من السابقين بالخيرات بإذن الله هؤلاء الذين يبذلون أموالهم ويقدمون أرواحهم رخيصة في سبيل الله هؤلاء الذين قال سبحانه وتعالى عنهم (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً )الأحزاب23
من السابقين بالخيرات بإذن الله هؤلاء الذين نذروا أنفسهم لإعزاز الدين ونصرته في صدر هذه الأمة من المهاجرين والأنصار من الصحابة الكرام أمثال مصعب بن عمير و أسيد بن حضير وأسعد بن زراره و سعد بن معاذ .
من السابقين بإذن الله هؤلاء القابضين على دينهم، الغرباء في مجتمعاتهم لتمسكهم بدينهم، هؤلاء الذين أثنى عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم وبشرهم بالجنة في قوله: "بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء".
من السابقين بإذن الله هؤلاء الذين نالوا مرتبة عالية يغبطهم الأنبياء والشهداء عليها، هؤلاء الذين اجتمعوا على كتاب الله لم تجمعهم أموال أو أرحام ، جاء في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "إن لله عباداً ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الشهداء والنبيون يوم القيامة لقربهم من الله تعالى ومجلسهم منه ، فجثا أعرابي على ركبتيه فقال يا رسول الله صفهم لنا وجلهم لنا قال : قوم من أفناء الناس من نزاع القبائل ، تصادقوا في الله وتحابوا فيه ، يضع الله عز وجل لهم يوم القيامة منابر من نور يخاف الناس ولا يخافون ، هم أولياء الله عز وجل الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون "
من السابقين بالخيرات بإذن الله العاملين في هذه الأيام لإقامة سلطان الإسلام وتوحيد الأمة بإقامة دولة الخلافة لتحكيم شرع الله وحمل الإسلام رسالة هدى ونور للبشرية جمعاء ، العاملين في وقت وجدت فيه ثلاث فئات من الناس بالإضافة إلى الكافر المستعمر الذي يشن حرباً فكرية وسياسية واقتصادية وعسكرية على الإسلام والمسلمين وبلادهم ، الفئة الأولى تتمثل في تلك الحفنة من شرار الخلق الذين نصبوا حكاماً على المسلمين، ومعهم من يعاونهم ويقف بجانبهم من وزراء وقضاة وعلماء ومعهم أيضاً أناس من المسلمين يستهزئون بالعمل ويستخفون بالعاملين ، فنقول للعاملين عن هذه الفئة بالإضافة إلى الكافر المستعمر قول الله سبحانه وتعالى لرسوله الكريم: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ{94} إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ{95}) الحجر ، وقوله سبحانه وتعالى : 0فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ) الروم60 وقوله تعالى {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ }الأنعام34 ، أما الفئة الثانية فهم من تغلغل اليأس والقنوط في قلوبهم ، يستبعدون إقامة دولة الإسلام من جديد لما يرونه من قوة الكافرين وضعف المسلمين ، كأنهم لم يسمعوا قول الله تعالى يعد عباده المؤمنين بالنصر والاستخلاف والتمكين : (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) النور55 والله منجز وعده ومن أصدق من الله قيلاً قال سبحانه : (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)غافر51 ، وكأنهم لم يسمعوا ببشرى رسول صلى الله عليه وسلم لنا بأنه ستكون في بيت المقدس بيعة هدى، وسيكون بيت المقدس عقر دار الإسلام قال:"هذا الأمر كائن بعدي بالمدينة ثم بالشام ثم بالجزيرة ثم بالعراق ثم بالمدينة ثم ببيت المقدس فإذا كان ببيت المقدس فثم عقر دارها ولا يخرجها قوم فتعود إليهم أبداً" وهذا لا يتحقق بدون دولة الخلافة ، أما الفئة الأخيرة فهم من وقفوا متفرجين كأن الأمر لا يعنيهم من قريب أو من بعيد ، يمدحون العمل ولا يعملون....
فمن أراد أن يكون من السابقين بالخيرات بإذن الله عليه أن يبادر بالأعمال الصالحة قبل أن يسبق عليه الكتاب قال تعالى : (... وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)لقمان34 والقلوب بين أصابع الرحمن يقلبها كيفما شاء... فلنكن من السابقين بالخيرات بإذن الله المبادرين بالأعمال الصالحة كالذين كانوا في صدر هذه الأمة ، مثل القوم الذين توجهوا الى الكعبة وهم في الصلاة ركوع بعد أن كانوا متجهين إلى بيت المقدس وعلموا حينها أن القبلة قد تحولت إلى الكعبة فتحولوا من فورهم ، أيضاً جاء في حديث أنس " فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر وجاء المشركون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، قال يقول عمير بن الحمام الأنصاري: يا رسول الله جنة عرضها السماوات والأرض ؟ قال: نعم، قال: بخٍ بخٍ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما يحملك على قول بخٍ بخٍ ؟ قال : لا والله يا رسول الله إلا رجاءة أن أكون من أهلها، قال : فإنك من أهلها، فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منها، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، قال: فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل "هؤلاء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، الذين ضربوا لنا أروع الأمثلة في المسابقة بالخيرات، والمبادرة بالأعمال، والمسارعة إلى جنة عرضها السماوات والأرض، والأمة في كل عصر لا تخلو من أمثال هؤلاء القوم وأمثال عمير، لا تخلو من المسارعين الذين يستجيبون لربهم ويشرون أنفسهم ابتغاء رضوانه.
فلنكن من السابقين بالخيرات بإذن الله من الغرباء ونزاع القبائل ليرضى الله عنا ويكرمنا بنصره في الدنيا وبالدرجات العليا يوم القيامة