كنت خارجا من مكتبي.. فوجدت زملائي يتهامزون و يتغامزون.. على غير عادتهم..
"مابكم؟"
"العجوز في الخارج تقول كلاما لا يجوز"
"أي عجوز؟"
"لا ندري.. ربما هي سمسارة هنا.. كلّ مرّة تأتي و تقول كلاما بذيئا و تذهب"
"يعني هي كانت هنا؟"
"نعم"
"ثم خرجت؟"
"نعم"
"عندها مشكل معكم؟"
"لا.. لكنها تفتعل كلّ مرّة مشكل.. و تأتي تصيح و تعمل مسرحية ثم تخرج"
"عجيب.. لم يخبرني بأمرها أحد"
"الأمر لا يستحق.. "
خرجت من المكتب.. و دخلت سيارتي.. في الأثناء رأيت العجوز.. عجوز عادية.. لا شيء يميزها.. الا نظرتها لي.. فيها غلّ.. و غضب.. و كان حولها أناس لا أعرفهم.. و هي تنظر اليهم و تشير الي و تقول: "هؤلاء اللذين تعّوا بالدّنيا و تسحّروا بالآخرة.. لا ضمير لهم.. لا يتركون أحدا يأكل خبزا غيرهم.. و لا حتى رغيفا.."
طبعا استفزّتني باتهاماتها.. و صراخها.. تماسكت نفسي لكن أوقفت السيارة و نزلت..
قلت هي احدى اثنتين: اما أن تكون العجوز التبس عليها أمرا فجعلها تنفعل فأفهمها ما التبس عليها.. أو أنّها سليطة و تفتعل المشاكل كما قالوا فأوقفها عند حدّها حتى لا يتطوّر الأمر.
ألقيت السلام على الجمع فلم تردّ عليّ و لم تنظر الي...
"يا حاجة.. هل الكلام الذي كنت تقولينه أنا المقصود به؟"
"نعم"
"و هل تعرفينني؟"
"أنت.. نحن الضعفاء نعرفكم جميعا لكنكم أنتم أيها الجبابرة لا تعرفون منا أحدا.. تدوسوننا بأطراف أحذيتكم و تمرّون و لا تحسّون حتّى بنا..."
لن أدّعي بطولة فقد قرّرت أن أقصّ القصّة كما هي.. بدون تفكير في مجاهرة و لا رياء.. أحداثا أسوقها أسأل الله أن يلهمني فيها الاخلاص و يلهمكم حسن القبول..
غضبت.. كلامها الجارح هذا .. من يسمعها يصدّق..
قلت لها بحزم بعد أن تعمّدت أن أقف أمامها و أجعلها تراني "قولي يا حاجة.. هل تعرفينني؟ هل رأيتني قبل هذا؟ ذكّريني؟"
قالت بعد أن حاصرتها بنظرات حازمة "أعرفك.."
"طيب ماذا تريدين منّي؟ ما هي مشكلتك؟ هل ظلمتك؟"
"نعم"
"طيب.. هاتي مظلمتك و أنا أردها لك"
"أنت أجّرت المكتب الي فوق.. ألم يكفك الي تحت؟ الّي فوق أنا كنت سأأجره لهؤلاء.. و آخذ عمولة.. "
استغربت .. قلت لها: "طيب و ما ذنبي اذا كان صاحبه أجّره لي و أنا لا أعرفك؟"
قالت و هي تتعمّد التصعيد "دعني.. حسبي الله و نعم الوكيل.. أنت أكلت حقّي"
اقشعرّ جسمي.. و بدأت مسرحية العجوز تطلّع الدّم لرأسي... استعذت من الشيطان و قلت لها مهدّدا: "اسمعي يا امرأة.. المسرحية التي تقومين بها ستجعلني أتصرّف تصرّفا لن يعجبك. صاحب المحل سيستغني عن خدماتك اذا عرف شيئا عن الخداع الذي تقومين به.. فمن فضلك !"
و صعدت السيارة و ذهبت..
و في الليل و أنا أراجع نفسي.. قلت "ما الذي يدفعها لهذا؟ ربّما كانت الحاجة.. ربّما كانت تعتقد أنّني أفسدت عليها التأجير.. ربّما.. ربّما.. "وجدت نفسي ألتمس لها الأعذار.. و في نفس الوقت أتحسّر على فرصة للرحمة ..
أحسست بندم أرّقني..
لكن الحمد لله.. الله جعل لنا مخارج في كلّ الحالات.. قرّرت أن أبحث عنها و أصلح بما تيسّر.. و بهذه النيّة استطعت النوم..
و من الغد..
أول ما دخلت المكتب سألت عنها.. اكتشفت أنه لا أحد يعرف أين هي.. فهمت أنها سمسارة لا تأتي الا مرّة أو مرّتين في السنة.. و أنّه لا يوجد أي طريقة للعثور عليها.. بحثنا بحثنا عبثا..
فقرّرت أن أكرم أول من يرسله الله لي "فداءا" كأنها عقوبة فرضتها على نفسي لأصلح ما بيني و بين ربّي.... على أمل أن يرسلها الله لي مرّة أخرى لأصلح ما بيني و بينها..
فسبحان الله.. لعلّها كانت ساعة استجابة.. من رحمات ربي,, يقولون لي: "العجوز التي عملت مشكل أمس.. الآن دخلت و تصيح و تصرخ و عاملة مشكلة معتقدة أنك لست هنا.. "
فسبحان الله.. فرحت! ألذّ مشكل من أغلى عجوز..أرسلها ربّي.. نزلت مسرعا..
و الزّملاء ينتظرون دخولي "لأورّيهم فيها" من نظراتهم كنت أرى "نعم.. انهرها.. لقّنها درسا لن تنساه.. اطرد عنا هذه الشريرة سليطة اللسان"
لكني كنت في "بالونة ربّانية" في عالمي مع ربّي و لم أشأ أن أفسده.. تلاشوا كلّهم بنظراتهم و بتأثيراتهم و لم أعد أرى فيها الا "المرسولة لي من ربّي"
وصلت اليها.. فأوّل ما رأتني.. سكتت.. و عمّ الصّمت.. الجميع توقّع أن أطردها و هي أوّلهم.. رأيت الخوف على وجهها المسكينة.. كلّ الخشونة و القسوة التي كانت على وجهها ذابت.. رأيت الخوف على وجهها و بيدها كأنها تحمي وجهها.. كأنها تخيلت أني سأضربها.. لا حول و لا قوة الا بالله..
ابتسمت اليها.. و قلت لها فرحا مسرورا (مشفقا): "السلام عليكم.. تفضلي معي الى الداخل!"
"لا"
"تريدين أن نتحدّث هنا؟ أجلس بجانبك؟"
"لا"
"اذا تفضلي معي"
"لا"
"يهديك!"
"باهي.. "
و ذهبت معي المسكينة و هي خائفة... مترددة.. مستغربة من ابتسامتي.. (لم أنتبه لنظرات الآخرين اطلاقا)
دخلت مكتبي..
قلت لها "اجلسي تفضلي.."
و مددت لها قهوة و ماءا باردا.. و حلوى.. و جلست بجانبها.. أنظر اليها مبتسما.. مشفقا على نفسي ثم عليها.. حامدا ربي.. متأملا في قدرته و رحمته.. محتسبا ان شاء الله..
و في نفس الوقت.. أكاد أضحك..
لكن العجوز لم تمهلني.. نظرت الى الحلوى.. اليّ.. الى الماء.. الى القهوة.. و أجهشت بالبكاء..
عشر دقائق تقريبا و أنا أحاول اسكاتها و أحاول أن أقمع دموعي..
فدموعها لم تكن تلك الدموع التعبيرية الرمزية.. الشاعرية.. بل دموع كحبات المطر.. على خدود أكلتها تجاعيد الزمن.. من عينين ذابلتين باهتتين من مرارة الحياة و تجاربها.. فكنت أحس بقلبي يعتصر و أحاول أن أسكتها..
و أخيرا تكلّمت و قالت "أعرفتني؟"
قلت لها" طبعا!"
قال" لا.. لم تعرفني.. أنا العجوز التي شتمتك أمس.."
"نعم.. عرفتك"
فأجهشت بالبكاء مرة أخرى..
"فلماذا تفعل معي هذا؟ هه؟"
"لأنّي أخطأت معك.. أنت مثل أمي أو جدتي.. كان الأولى أن أتأدب معك.. كما أني أعرف أنك لم تفهمي.."
حينها تغير وجهها و لا تغيّروا وجوهكم فيجب أن تتعودوا على طبعها هذا.. هي تتغير من حال الى حال بسرعة ما شاء الله و هذا لا يزيد شخصيتها الا سحرا ما شاء الله.. قالت "بل أنا فهمت كلّ شيء.. أنت يا ولدي لم تفهم شيئا.. أنا كنت أستفزّك و أمثّل حتّى أستطيع اقناعهم.. و كنت آمل أن أحرجك فتترك لي المكتب لأأجره.. آه.. التجارة شطارة.. لو لم تكن هذه الحركات لما عملت!"
"طيب.. ما رأيك أنّي سأأجّر المكتب منك؟ أي أن المكافأة ستأخذينها ان شاء الله"
بكااااء.
قاطعتها "الآن هل التجارة شطارة؟"
"نعم شطارة.. لكن.. الرزّاق هو الله.. أنا أعرف هذا.. ابني قال لي أن الأرزاق من الله.." و تبكي و تبكي و تبكي..
"يا حاجة.. أتريدين أن نتغدى معا؟"
بكاء
"يا حاجة..."
بكاء..
الحوار كان صعبا فقد بكت و بكت الى أن انتفخت عيناها و احترق قلبي..
ثم تماسكت فجأة كعادتها و قالت: "اسمع.. أنت مثل ابني.. حتى كلامك يشبهه.. و أحسّ أنّك مثله تحبّ الحسنات و الآخرة و الجنة و كالحكايات الكل.. أريد كما أكرمتني أن أكرمك.."
"اكرميني..."
"سأهديك أغلى شيء في حياتي.."
استقمت في جلستي بعد أن أحسست بصدقها.. و قلت "ما هو؟"
"سأخبرك بسرّ كتمته عشرات السنين.. لتتعلّم.. "
قلت حمدا لك يا رب.. ما هذا الكرم الربناي سبحان الله! أحسست أن الدرس من الله عبر لسانها و استمعت لها بهذه الكيفية فكان قلبي يسابق أذني في تقبّل الكلام..
و قالت " أنا يا بني كنت رقّاصة.. بل أشهر رقّاصة.. كنت رقّاصة الشخصيات المرموقة.. لست من راقصات الكبريهات و المطاعم..أبدا.. أنا كنت رقاصة الوزراء و السّفراء.. كنت لهلوبة و شلهوبة (أوفّر عليكم الكلمات و الحركات التي كانت تستعملها).. "
ذهلت.. شكلها عجوز متحجّبة لا أثر في وجهها لرقص و لا طرب و لا شباب.. أحسّت بما أفكّر فيه.. فهزّت جسدها قليلا برعشة مفتعلة خفيفة و طرشقت أصابعها حتى تأكّد لي كلامها و قالت "تحتاج الى دليل أم أنك ستصدّقني؟"
قلت لها مصدوما "الا الأدلة! قصّي عليّ سرّك و لا تخفي عليّ شيئا.."
قالت بأسى" هل للراقصة من توبة؟"
قلت "طبعا!"
قالت "أنا تبت عن الرقص! لكن بالفطرة.. لم يعرف أحد قصّتي.. فكّرت بيني و بين نفسي.. فتخيّلت أن الله ممكن يتوب عليّ فتبت.. أتريد أن تعرف كيف تبت؟"
قلت متلهفا "طبعا..اكملي بالله عليك
ذهلت!.. شكلها عجوز متحجّبة لا أثر في وجهها لرقص و لا طرب و لا شباب.. أحسّت بما أفكّر فيه.. فهزّت جسدها قليلا برعشة مفتعلة خفيفة و طرشقت أصابعها حتى تأكّد لي كلامها و قالت "تحتاج الى دليل أم أنك ستصدّقني؟"
قلت لها مصدوما "الا الأدلة! قصّي عليّ سرّك و لا تخفي عليّ شيئا
"
انتظرونى مع باقى القصه قريبا جدا
"مابكم؟"
"العجوز في الخارج تقول كلاما لا يجوز"
"أي عجوز؟"
"لا ندري.. ربما هي سمسارة هنا.. كلّ مرّة تأتي و تقول كلاما بذيئا و تذهب"
"يعني هي كانت هنا؟"
"نعم"
"ثم خرجت؟"
"نعم"
"عندها مشكل معكم؟"
"لا.. لكنها تفتعل كلّ مرّة مشكل.. و تأتي تصيح و تعمل مسرحية ثم تخرج"
"عجيب.. لم يخبرني بأمرها أحد"
"الأمر لا يستحق.. "
خرجت من المكتب.. و دخلت سيارتي.. في الأثناء رأيت العجوز.. عجوز عادية.. لا شيء يميزها.. الا نظرتها لي.. فيها غلّ.. و غضب.. و كان حولها أناس لا أعرفهم.. و هي تنظر اليهم و تشير الي و تقول: "هؤلاء اللذين تعّوا بالدّنيا و تسحّروا بالآخرة.. لا ضمير لهم.. لا يتركون أحدا يأكل خبزا غيرهم.. و لا حتى رغيفا.."
طبعا استفزّتني باتهاماتها.. و صراخها.. تماسكت نفسي لكن أوقفت السيارة و نزلت..
قلت هي احدى اثنتين: اما أن تكون العجوز التبس عليها أمرا فجعلها تنفعل فأفهمها ما التبس عليها.. أو أنّها سليطة و تفتعل المشاكل كما قالوا فأوقفها عند حدّها حتى لا يتطوّر الأمر.
ألقيت السلام على الجمع فلم تردّ عليّ و لم تنظر الي...
"يا حاجة.. هل الكلام الذي كنت تقولينه أنا المقصود به؟"
"نعم"
"و هل تعرفينني؟"
"أنت.. نحن الضعفاء نعرفكم جميعا لكنكم أنتم أيها الجبابرة لا تعرفون منا أحدا.. تدوسوننا بأطراف أحذيتكم و تمرّون و لا تحسّون حتّى بنا..."
لن أدّعي بطولة فقد قرّرت أن أقصّ القصّة كما هي.. بدون تفكير في مجاهرة و لا رياء.. أحداثا أسوقها أسأل الله أن يلهمني فيها الاخلاص و يلهمكم حسن القبول..
غضبت.. كلامها الجارح هذا .. من يسمعها يصدّق..
قلت لها بحزم بعد أن تعمّدت أن أقف أمامها و أجعلها تراني "قولي يا حاجة.. هل تعرفينني؟ هل رأيتني قبل هذا؟ ذكّريني؟"
قالت بعد أن حاصرتها بنظرات حازمة "أعرفك.."
"طيب ماذا تريدين منّي؟ ما هي مشكلتك؟ هل ظلمتك؟"
"نعم"
"طيب.. هاتي مظلمتك و أنا أردها لك"
"أنت أجّرت المكتب الي فوق.. ألم يكفك الي تحت؟ الّي فوق أنا كنت سأأجره لهؤلاء.. و آخذ عمولة.. "
استغربت .. قلت لها: "طيب و ما ذنبي اذا كان صاحبه أجّره لي و أنا لا أعرفك؟"
قالت و هي تتعمّد التصعيد "دعني.. حسبي الله و نعم الوكيل.. أنت أكلت حقّي"
اقشعرّ جسمي.. و بدأت مسرحية العجوز تطلّع الدّم لرأسي... استعذت من الشيطان و قلت لها مهدّدا: "اسمعي يا امرأة.. المسرحية التي تقومين بها ستجعلني أتصرّف تصرّفا لن يعجبك. صاحب المحل سيستغني عن خدماتك اذا عرف شيئا عن الخداع الذي تقومين به.. فمن فضلك !"
و صعدت السيارة و ذهبت..
و في الليل و أنا أراجع نفسي.. قلت "ما الذي يدفعها لهذا؟ ربّما كانت الحاجة.. ربّما كانت تعتقد أنّني أفسدت عليها التأجير.. ربّما.. ربّما.. "وجدت نفسي ألتمس لها الأعذار.. و في نفس الوقت أتحسّر على فرصة للرحمة ..
أحسست بندم أرّقني..
لكن الحمد لله.. الله جعل لنا مخارج في كلّ الحالات.. قرّرت أن أبحث عنها و أصلح بما تيسّر.. و بهذه النيّة استطعت النوم..
و من الغد..
أول ما دخلت المكتب سألت عنها.. اكتشفت أنه لا أحد يعرف أين هي.. فهمت أنها سمسارة لا تأتي الا مرّة أو مرّتين في السنة.. و أنّه لا يوجد أي طريقة للعثور عليها.. بحثنا بحثنا عبثا..
فقرّرت أن أكرم أول من يرسله الله لي "فداءا" كأنها عقوبة فرضتها على نفسي لأصلح ما بيني و بين ربّي.... على أمل أن يرسلها الله لي مرّة أخرى لأصلح ما بيني و بينها..
فسبحان الله.. لعلّها كانت ساعة استجابة.. من رحمات ربي,, يقولون لي: "العجوز التي عملت مشكل أمس.. الآن دخلت و تصيح و تصرخ و عاملة مشكلة معتقدة أنك لست هنا.. "
فسبحان الله.. فرحت! ألذّ مشكل من أغلى عجوز..أرسلها ربّي.. نزلت مسرعا..
و الزّملاء ينتظرون دخولي "لأورّيهم فيها" من نظراتهم كنت أرى "نعم.. انهرها.. لقّنها درسا لن تنساه.. اطرد عنا هذه الشريرة سليطة اللسان"
لكني كنت في "بالونة ربّانية" في عالمي مع ربّي و لم أشأ أن أفسده.. تلاشوا كلّهم بنظراتهم و بتأثيراتهم و لم أعد أرى فيها الا "المرسولة لي من ربّي"
وصلت اليها.. فأوّل ما رأتني.. سكتت.. و عمّ الصّمت.. الجميع توقّع أن أطردها و هي أوّلهم.. رأيت الخوف على وجهها المسكينة.. كلّ الخشونة و القسوة التي كانت على وجهها ذابت.. رأيت الخوف على وجهها و بيدها كأنها تحمي وجهها.. كأنها تخيلت أني سأضربها.. لا حول و لا قوة الا بالله..
ابتسمت اليها.. و قلت لها فرحا مسرورا (مشفقا): "السلام عليكم.. تفضلي معي الى الداخل!"
"لا"
"تريدين أن نتحدّث هنا؟ أجلس بجانبك؟"
"لا"
"اذا تفضلي معي"
"لا"
"يهديك!"
"باهي.. "
و ذهبت معي المسكينة و هي خائفة... مترددة.. مستغربة من ابتسامتي.. (لم أنتبه لنظرات الآخرين اطلاقا)
دخلت مكتبي..
قلت لها "اجلسي تفضلي.."
و مددت لها قهوة و ماءا باردا.. و حلوى.. و جلست بجانبها.. أنظر اليها مبتسما.. مشفقا على نفسي ثم عليها.. حامدا ربي.. متأملا في قدرته و رحمته.. محتسبا ان شاء الله..
و في نفس الوقت.. أكاد أضحك..
لكن العجوز لم تمهلني.. نظرت الى الحلوى.. اليّ.. الى الماء.. الى القهوة.. و أجهشت بالبكاء..
عشر دقائق تقريبا و أنا أحاول اسكاتها و أحاول أن أقمع دموعي..
فدموعها لم تكن تلك الدموع التعبيرية الرمزية.. الشاعرية.. بل دموع كحبات المطر.. على خدود أكلتها تجاعيد الزمن.. من عينين ذابلتين باهتتين من مرارة الحياة و تجاربها.. فكنت أحس بقلبي يعتصر و أحاول أن أسكتها..
و أخيرا تكلّمت و قالت "أعرفتني؟"
قلت لها" طبعا!"
قال" لا.. لم تعرفني.. أنا العجوز التي شتمتك أمس.."
"نعم.. عرفتك"
فأجهشت بالبكاء مرة أخرى..
"فلماذا تفعل معي هذا؟ هه؟"
"لأنّي أخطأت معك.. أنت مثل أمي أو جدتي.. كان الأولى أن أتأدب معك.. كما أني أعرف أنك لم تفهمي.."
حينها تغير وجهها و لا تغيّروا وجوهكم فيجب أن تتعودوا على طبعها هذا.. هي تتغير من حال الى حال بسرعة ما شاء الله و هذا لا يزيد شخصيتها الا سحرا ما شاء الله.. قالت "بل أنا فهمت كلّ شيء.. أنت يا ولدي لم تفهم شيئا.. أنا كنت أستفزّك و أمثّل حتّى أستطيع اقناعهم.. و كنت آمل أن أحرجك فتترك لي المكتب لأأجره.. آه.. التجارة شطارة.. لو لم تكن هذه الحركات لما عملت!"
"طيب.. ما رأيك أنّي سأأجّر المكتب منك؟ أي أن المكافأة ستأخذينها ان شاء الله"
بكااااء.
قاطعتها "الآن هل التجارة شطارة؟"
"نعم شطارة.. لكن.. الرزّاق هو الله.. أنا أعرف هذا.. ابني قال لي أن الأرزاق من الله.." و تبكي و تبكي و تبكي..
"يا حاجة.. أتريدين أن نتغدى معا؟"
بكاء
"يا حاجة..."
بكاء..
الحوار كان صعبا فقد بكت و بكت الى أن انتفخت عيناها و احترق قلبي..
ثم تماسكت فجأة كعادتها و قالت: "اسمع.. أنت مثل ابني.. حتى كلامك يشبهه.. و أحسّ أنّك مثله تحبّ الحسنات و الآخرة و الجنة و كالحكايات الكل.. أريد كما أكرمتني أن أكرمك.."
"اكرميني..."
"سأهديك أغلى شيء في حياتي.."
استقمت في جلستي بعد أن أحسست بصدقها.. و قلت "ما هو؟"
"سأخبرك بسرّ كتمته عشرات السنين.. لتتعلّم.. "
قلت حمدا لك يا رب.. ما هذا الكرم الربناي سبحان الله! أحسست أن الدرس من الله عبر لسانها و استمعت لها بهذه الكيفية فكان قلبي يسابق أذني في تقبّل الكلام..
و قالت " أنا يا بني كنت رقّاصة.. بل أشهر رقّاصة.. كنت رقّاصة الشخصيات المرموقة.. لست من راقصات الكبريهات و المطاعم..أبدا.. أنا كنت رقاصة الوزراء و السّفراء.. كنت لهلوبة و شلهوبة (أوفّر عليكم الكلمات و الحركات التي كانت تستعملها).. "
ذهلت.. شكلها عجوز متحجّبة لا أثر في وجهها لرقص و لا طرب و لا شباب.. أحسّت بما أفكّر فيه.. فهزّت جسدها قليلا برعشة مفتعلة خفيفة و طرشقت أصابعها حتى تأكّد لي كلامها و قالت "تحتاج الى دليل أم أنك ستصدّقني؟"
قلت لها مصدوما "الا الأدلة! قصّي عليّ سرّك و لا تخفي عليّ شيئا.."
قالت بأسى" هل للراقصة من توبة؟"
قلت "طبعا!"
قالت "أنا تبت عن الرقص! لكن بالفطرة.. لم يعرف أحد قصّتي.. فكّرت بيني و بين نفسي.. فتخيّلت أن الله ممكن يتوب عليّ فتبت.. أتريد أن تعرف كيف تبت؟"
قلت متلهفا "طبعا..اكملي بالله عليك
ذهلت!.. شكلها عجوز متحجّبة لا أثر في وجهها لرقص و لا طرب و لا شباب.. أحسّت بما أفكّر فيه.. فهزّت جسدها قليلا برعشة مفتعلة خفيفة و طرشقت أصابعها حتى تأكّد لي كلامها و قالت "تحتاج الى دليل أم أنك ستصدّقني؟"
قلت لها مصدوما "الا الأدلة! قصّي عليّ سرّك و لا تخفي عليّ شيئا
"
انتظرونى مع باقى القصه قريبا جدا