بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمد الشاكرين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
إن أساس قبول كل العبادات هو إخلاص النية لله تعالى ومن أعظم العبادات قربة إلى الله تعالى الدعوة إليه على بصيرة فلا بد من استحضار النية حتى تكون مخلصة لله تعالى
فلا يصح العمل دون نية ولا تنجح الدعوة إلا بها
فإن الإخلاص هو حقيقة الدين، ومفتاح دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام، قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء }البينة 5
وقال جل وعلا: { أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ }الزمر 2
وقال تعالى { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا }الملك 2
قال الفضيل بن عياض: هو أخلصه وأصوبه. قالوا يا أبا علي، ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: إن العمل إذا كان صوابا ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً وصواباً، والخالص: أن يكون لله، والصواب: أن يكون على السنة. ثم اقرأ قوله تعالى: { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } الكهف 110
وقال تعالى: { وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ } النساء 125
قال بن كثير: أي إخلاص العمل لربه عز وجل فعمل إيمانا واحتساباً
فإسلام الوجه: إخلاص القصد والعمل لله
والإحسان فيه: متابعة رسوله صلى الله عليه وسلم وسنته
أما حال من قصد غير وجه الله عز وجل فقد قال عنهم جل وعلا في محكم كتابه: { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا اً}الفرقان 23
وهي الأعمال التي كانت على غير السنة، وأريد بها غير وجه الله.
عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)) صحيح مسلم [ جزء 4 - صفحة 2289 ]
( تركته وشركه ) هكذا وقع في بعض الأصول وشركه وفي بعضها وشريكه وفي بعضها وشركته ومعناه أنه غني عن المشاركة وغيرها فمن عمل شيئا لي ولغيري لم أقبله بل أتركه لذلك الغير والمراد أن عمل المرائي باطل لا ثواب فيه ويأثم به.
وعن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله, ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)) متفق عليه
عباد الله:
إن الإخلاص أهم أعمال القلوب المندرجة في تعريف الإيمان وأعظمها قدراً وشأنا بل إن أعمال القلوب عموما آكد وأهم من أعمال الجوارح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن الأعمال القلبية: (وهي من أصول الإيمان وقواعد الدين مثل محبة الله ورسوله والتوكل على الله وإخلاص الدين لله والشكر له والصبر على حكمه والخوف منه والرجاء له وهذه الأعمال جميعها واجبة على جميع الخلق باتفاق أئمة الدين)
ولأهمية ذلك وعظم أمره قال بعض العلماء: ((وددت أنه لو كان من الفقهاء من ليس له شغل إلا أن يعلم الناس مقاصدهم في أعمالهم ويقعد للتدريس في أعمال النيات ليس إلا فإنه ما أتى على كثير من الناس إلا من تضييع ذلك))
وحتى هذا العلم الذي ينفع الله به البلاد والعباد إذا لم يكن صاحبه صادق الإخلاص لله عز وجل في طلبه ثم بذله فإنه متوعد يوم القيامة على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم حيث قال: ((من تعلم علما مما يبتغى فيه وجه الله عز وجل، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة (يعني ريحها) يوم القيامة)) رواه أبو داود.
والله عز وجل مطلع على السرائر وما تخفي الأنفس لا ينظر إلى الصور وما ملكت اليد فهو صاحب الفضل ومسدي النعم ولكنه ينظر إلى ما في داخل الصدور من الإيمان والتصديق برسالاته، والعمل بمقتضى ذلك
عن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)) رواه مسلم
والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وبالجملة كل حظ من حظوظ الدنيا تستريح إليه النفس، ويميل إليه القلب، قل أم كثر، إذا تطرق إلى العمل تكدر به صفوه وزال به إخلاصه، والإنسان مرتبط في حظوظه منغمس في شهواته قلما ينفك فعل من أفعاله وعبادة من عبادته عن حظوظ وأغراض عاجلة من هذه الأجناس
اللهم اجعل أعمالنا صواباً خالصة لوجهك الكريم وتقبل منا القليل وبارك في يا أرحم الراحمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
نقلت هذا الكلام من كتاب دروس العام لعبد الملك القاسم -بتصرف-