ربما يكون للجوال (الموبايل) في العراق وضعا خاصا ، فهو الداخل اليه متأخرا وبعد سقوط نظام صدام حسين في 9/4/2003، وهو الذي ظل مقتصرا على شركة اتصالات واحدة لاكثر من سنة على دخوله تتصرف فيه كيفما تشاء لا سيما وان العراقيين بدأوا يشترونه ويستعملونه بكثرة في بداية الامر حاله كحال الستلايت والامور الاخرى الداخلة للعراق (الجديد).
ثم بدأ الموبايل يلعب دورا اخرا في العراق ، فبدأ المقاومون للاحتلال يستخدمونه كحلقة وصل بينهم ، ادركها بعد مدة الامريكان فبدأوا يحاولون يقطعون الاتصالات عند هجومهم على اي مدينة يحاولون الدخول اليها كالفلوجة والرمادي وغيرها .
كما بدأ يستخدمه بعض ضعاف النفوس في الابلاغ بوشايات كاذبة بدوافع طائفية ادت الى قتل بعض الناس وسجن بعضهم ، وكم عانت الكثير من عوائل العراق من هذه (الجريمة الهاتفية) الجديدة .
كما عرفت الدولة العراقية اهمية هذه الخدمة فبدأ حملة كبيرة جدا واختارت الرقم 130 للاتصال عن اي حالة (مشبوهة) تصادف او يعلم بها المواطن ، وقد انفقت على هذه الحملة ملايين الدولارات وظهر على كل القنوات العراقية تقريبا بل وحتى بعض القنوات العربية والاخبارية .
ربما يكون ما تقدم واقع عاشه من في العراق وربما تكون هناك اشياء اخرى لم اذكرها عن الموبايل ، ولكن ...
ما ميز الموبايل في العراق انك يوميا تمسح رقما منه خاصة اذا كانت ارقامك كثيرة.
فأنا مثلا مسحت اكثر من ثلاثين رقما من جوالي واعتقد ان الامر سوف لا يقف عند هذا الحد .
فقد مسحت رقم (رحيم) وهو شاب بعمر الزهور لم يمضي على تخرجه من كلية الهندسة / جامعة الانبار سوى سنة واحدة حتى طُرزت على صدره رصاصات احتلال غاشم سقط بعدها شهيدا في الفلوجة ، فمسحت رقم هاتفه .
وهذا (بلال) وهو اخو (رحيم) طالبا في كلية الطب في المرحلة الرابعة / جامعة بغداد سار على نفس طريق اخوه وسقط مضرجا بدماءه من رشاشة علج امريكي احب فقط ان يقتله ، فقتله ... فمسحت رقم هاتفه .
اما (مصطفى) ذلك الشاب الذي كان يستعد للسنة الاخيرة في الجامعة المستنصرية / قسم هندسة الحاسبات فقد فارقنا لان كان يسير في طريق وعر ضيق صادف به مجيئ سيارات الاحتلال فضنوه يريد بهم سوء فقتلوه ، فمسحت رقم هاتفه .
اما (قصي) فهو ايضا شاب لم يمض على زواجه اكثر من ثلاث سنوات ولديه طفلين لا تتجاوز اعمارهما السنتين مضى في قافلة الشهداء لانه ببساطة عراقي في زمن الاحتلال ، فمسحت رقم هاتفه من جوالي .
هذه الاسماء ومئات غيرها ذهبت تشكوا الى ربها ظلم احتلال جثم على صدر بلدها الجريح .
وهناك اسماء اخرى ايضا قد مسحتها من جوالي ، ولكن هذه الاسماء لم يكن الاحتلال هو السبب المباشر في مسحها ، وانما كان هناك احتلال ثان دخل الى العراق ليحوله الى (جمهورية اسلامية) على حد ما يقولون ويرون .
فهذا (آزاد) الذي تخرج كلية الهندسة القسم النووي / جامعة بغداد وهو اب لطفلين ، خرج ليزور اهله من بغداد الى ديالى وفي منطقة (الحسينية) خطف وبعد اسبوع وجد في الطب العدلي وفي جسده ما يقشعره له الانسان من آثار التعذيب ، وقد مسحت رقمه من جوالي .
اما (شاكر) وهو مدرس مادة التربية الاسلامية ومن مواليد 1981 ذهب لحضور حفل زفاف احد اصدقاءه في مدينة الحرية ، وفي اليوم الثاني وجد مرميا في ساحة عدن وقد بدت على جثته آثار تعذيب ، فمسحت رقمه من موبايلي .
وهذا (الحاج وحيد) وهو رجل كبير السن ليس له ذنب سوى انه كان يصلي الفجر في المسجد القريب من بيته في شارع فلسطين ببغداد ، وفي احدى المرات خرج لصلاة الفجر ولكنه لم يعد ، وبعد اكثر من شهر وجد في الطب العدلي وقد عذب عذاب ربما لا يتخيله احد ، وقد مسحت رقمه من هاتفي .
ربما هذين الصنفين (الاحتلال و الطائفيين) هم اكثر من قتل من العراقيين ، ولكن هناك اصناف اخرى ربما تكون مأجورة او تابعة لاحد الصنفين السابقين .
ولنا هنا ان نتسائل من قتل (الشيخ اياد العزي) و(الشيخ حمزة) و(الشيخ كمال) و(الشيخ عمر) في الفلوجة ، ومسحت ارقامهم من هاتفي .
واخيرا من قتل 650 الف عراقي حسب ما هو مسجل ومعلن في منظمات حقوق الانسان .
اقول ان ظاهرة قتل العراقي اليوم اصبحت اسهل من شربة ماء واننا يوميا نسمع بوجود عشرات بل قد يصل العدد الى مئة او اكثر في اليوم الواحد بين احتلال ومليشيات وسيارات مفخخة ولا حول ولا قوة الا بالله .
فظاهرة مسح العراقيين للارقام من جوالاتهم واسعة جدا وربما يأتي يوم من يمسح ارقامنا من جوالاتهم ؟!!.