بسم الله الرحمن الرحيم ..
والحمدلله رب العالمين ..
والصلاة والسلام على خليل أرحم الراحمين ..
أما بعد ,,
فلما انتشر الخلاف في المسألة الحكم بغير ماأنزل الله انتشارا كبيرا مما أحدث مناهج كثيرة
ينظر المؤمن للحال نظرة حزن وألم لاخوانه المختلفين .. لماذا الاختلاف وبين أيدينا كتاب الله؟!
ونظرا لتلك الحال أحببت أن اكتب في هذه المسألة وقد كتبتها من قبل ونقحتها من الاشكالات
التي وردت علي ورجعت ونقحتها من جديد فخرجت بالثوب الذي سترونه .. اسأل الله ان ينفع بها
وبما أنني على حين سفر .. فسأكتبها على مراحل والله المستعان ,,
ملحوظة : الرجاء عدم كتابة أي شئ الا الاشكالات فقط .. أكرر فقط الاشكالات .. اسأل أن يهدينا
الى الحق انه ولي ذلك والقادر عليه .
النقطة الاولى :
(مصطلحات لابد منها )
لابد للانسان قبل أن يتصور أي موضوع أن يتصور اجزائه .. والحكم على الشئ فرع عن تصوره
وقبل الشروع في الموضوع لابد من معرفة كلمات ومصطلحات خاصة بالموضوع ..
أولا : الجحود ،،
قال تعالى ( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا )
قال الجوهري ( الجحود الانكار مع العلم )(لسان العرب 7/86)
يتبين من الاية أن العلم بالشئ ومعرفته في قرارة النفس ثم تكذيبه بالسان يسمى جحودا
قال الراغب ( الجحود نفي ما في القلب اثباته واثبات ما في القلب نفيه )(ألفظ القران 15)
والفرق بينه وبين التكذيب أن التكذيب هو الانكار باطنا وظاهرا أما الجحود هو الانكار ظاهرا
وقد يطلق هذا على هذا والعكس ..
ثانيا : التبديل ,,
وهو جعل شئ مكان شئ .. لكن العلماء هنا غالبا ما يريدون هذا الشئ مع النسبة الى الشرع
وهذا كفر بحد ذاته لايختص بالحكم فقط بل يتعداه الى الفتيا وغيرها ..
قال ابن تيمية ( الشرع المبدل وهو الكذب على الله ورسوله او على الناس بشهادات الزور ونحوها
من الظلم البين فمن قال ان هذا من شرع الله فقد كفر بلا نزاع )(الفتاوى 3/268)
وقال (والانسان متى حلل الحرام المجمع عليه أو حرم الحلال المجمع عليه او بدل الشرع المجمع عليه
كان كافرا مرتدا باتفاق الفقهاء)(الفتاوى 3/267)
قال ابن العربي (ان حكم بما عنده على انه من عند الله فهو تبديل له يوجب الكفر )(احكام القران 2/624)
ثالثا : الاستحلال ،،
وهو ان يعتقد الشئ حلالا وهو كفر لانه تكذيب لله تعالى .. وهذا الاستحلال العقدي ويدخل فه
الاستحلال القولي وان كان يعلم التحريم وعلة كفره ان جحود لحكم الله تعالى ..
قال تعالى ( انما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطؤا
عدة ما حرم الله ..)
قال ابن كثير ( وهذا مما ذم الله تعالى به المشركين من تصرفهم في شرع الله بارائهم الفاسدة وتغييرهم
احكام الله باهوائهم الباردة وتحليلهم ما حرم الله وتحريمهم ما احل الله فانهم كان فيهم من القوة الغضبية
والشهامة والحمية ما استطالوا به مدة الاشهر الحرم في التحريم المانع لهم من قضاء اوطارهم من قتال
اعدائهم فكانوا قد احدثوا فبل الاسلام بمدة تحليل المحرم وتأخيره الى صفر فيحلون الشهر الحرام ويحرمون
الشهر الحلال ليواطؤا عدة الاشهر الاربعة )(التفسير 4/150)
والمقصود انهم حرم عليهم القتال في رجب وذي القعدة وذي الحجة ومحرم فكانوا يقدمون ويأخرون في
التحريم فيقولون نغزوا في رجب ونجعل التحريم في شهر اخر وهم يعلمون ذلك ..
قال ابن حزم (فصح أن النسئ كفر وهو من عمل من الاعمال وهو تحليل ما حرم الله تعالى فمن احل ما حرم
الله وهو عالم بأن الله تعالى حرمه فهو كاف بذلك الفعل نفسه )(الفصل 2/196)
وقال تعالى (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله )
اي ما عبدوهم وسجدوا لهم بل أطاعوه في التحليل والتحريم كما في حديث عدي عند الترمذي (3095) وغيره
وحسنه الالباني ..
فسماه الله اربابا لانهم حللوا وحرموا وهم يعلمون حكم الله .. وهذا كفر بالله تعالى ..
قال محمد بن نصر ( وكذلك ان قال الخمر حلال او لحم الخنزير وهو مقر بجميع ما أحل الله تعالى وحرم ما سوى
الخمر والخنزير فانما يستتاب من الباب الذي كفر منه من احلاله الخمر والخنزير فقط )(تعظيم الصلاة 637)
وكذلك يدخل في معاني الاستحلال .. الكتابة فلو كتب ان الخمر حلال او مأذون فيه لكف لأن الكتابة تقوم
مقام القول قال الماوردي (العرب تقول الخط أحد اللسانين )(ادب الدنيا والدين 48)
ونظرا للقاعدة الفقهية التي تقول (الكتاب كالخطاب)(شرح القواعد الفقهية للزرقا 285)
والاذن اباحة فلو اذن بابنوك الربوية مثلا لكان بذلك مستحلا لما حرم الله ..
وكما أن الكفر يكون بالقول دون اعتقاد له كذلك الاستحلال يكون بالقول دون اعتقاد له ..
فائدة : الاستحلال قد يعنون به العلماء الاسترسال في المحرم (ذكره في الفتح عند شرحه لحديث الغناء
عن ابن العربي) ولا يكون بذلك كافرا ..
تنبيه : قد يقول البعض من قال حرام علي ان اكل الخبز مثلا هل يكفر بذلك ؟
الجواب : ان التحريم ان كان على وجه النذر فلا يدخل في الحكم اما ان كان على وجه المصادمة فنعم ..
النقطة الثانية ..
(العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب)
عند جمهور اهل العلم قاعدة تقول .. العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .. بمعنى ان الاية
أو الحديث لا يقتصر حكمهما على سببيهما بل يتعداه الى عموم اللفظ مما يحتمله الللفظ وعليه
فان هذه الاية لا يختص بها اليهود الذين انزلت فيهم الاية بل يتعداه الى النصارى والمسلمين
وغيرهم وهذا الذي عليه جمهور اهل العلم ..
ومما يؤكد انها للعموم ورود لفظة ((من)) الشرطية قال شيخ الاسلام (وصيغة ((من)) الشرطية من
أبلغ صيغ العموم)(الجواب الصحيح 1/198)
قال ابوحيان الأندلسي عند اية الحكم (ظاهر هذا العموم فيشمل هذه الامة وغيرهم ممن كان قبلهم
وان كان الظاهر انه في سياق خطاب اليهود والى انه عامة في اليهود وغيرهم ذهب ابن مسعود
وابراهيم وعطاء وجماعة)(البحر المحيط 3/492)
وقال القرطبي وهو غير صاحب التفسير (... فيشاركهم في حكمها من يشاركهم في سبب نزولها)(المفهم 5/117)
لنقطة الثالثة :
(صورة السبب قطعية الدخول في النص)
ومعن هذا ان الصورة التي من أجلها نزلت الاية تكون داخلة في حكم النص المنزل دخولا اوليا
الا في بعض الاستثناءات ..
قال السيوطي (دخول صورة السبب قطعي واخراجها بالاجتهاد ممنوع كما حكى الاجماع عليه
القاضي ابوبكر في التقريب)(الاتقان 1/28)
قال ابوالسعود (ومن لم يحكم بما أنزل الله ..) كائنا من كان دون المخاطبين خاصة فانهم
مندرجون فيه اندراجا أوليا)(تفسير ابي السعود 2/64)
وهذه القاعدة يجب الانتباه لها ..
النقطة الرابعة :
(دلالة الحال على ما في القلب)
أو ما يسمى بالقرائن الحالية ..
دليله قول الله تعالى (وقد نزل عليكم في الكتاب ان اذا سمعتم ايات الله يكفر بها ويستهزأبها
فلا تقعدوا معهم انكم اذا مثلهم)
اي بمجرد القعود الدال على الرضا يكفر به الانسان ..
وان كان بعض العلماء اخذ الاية على الظاهر ..
وقد عقد ابن عبد السلام فصلا في كتابه االقواعد وقال (فصل في تنزيل دلالة العادات وقرائن
الاحوال منزلة صريح المقال في تخصيص العموم وتقييد المطلق وغيرهما)(407)
وقال ابن رجب (دلالة الاحوال يختلف بها دلالة الأقوال في قبول دعوى ما يوافقها ورد ما يخالفها
ويترتب عليها الاحوال بمجردها)(القواعد 322)
وهكذا لو وجدنا شخصا يفعل المنكرات العظام ويكفر بالله تعالى ويقول انا احب الله
ويقال له اسلم ولا يسلم .. ماذا نقول عنه ؟
نقول انت كاذب لان دلالة حالك ابلغ من دلالة مقالك ..
وأيضا من الادلة حديث البراء بن مالك انه وجد عمه عاقد اللواء ذاهب الى ليقتله لانه تزوج بامرأة
ابيه وهو عند احمد والترمذي وحسنه ابن القيم ..
قال الشوكاني (ولكن لابد من حمل الحديث على ان ذلك الرجل الذي امر صلى عليه وسلم بقتله
عالم بالتحريم وفعله مستحلا وذلك من موجبات الكفر )(نيل الاوطار 8/322)
قال الطحاوي (ان ذلك المتزوج فعل ما فعل على الاستحلال كما كانوا يفعلونه في الجاهلية
فصار بذلك مرتدا)(معاني الاثار 3/149)
وقال القاري قي شرحه على الفاظ الكفر(... ولعله محمولة على مرتكب نكاح المحارم فان سياق الحال
يدل على الاستحلال )(213)
اشكال : لكن قد يشكل حديث اسامة بن زيد في قتله الرجل الذي نطق بالشهادة ؟
جوابه .. ان يقال ان الشهادتين تعصم على وجه الاقرار لا على وجه الدوام بحيث يترك من قالها لكن
لو علمنا باتيانه الكفر مع نطقه بها لقتلناه ..
فالحديث لا يدل على عدم العمل بالقرائن بل يدل على العصمة ابتداءا لا دواما ..
تنبيه : هذا الامر يحتاج الى ضبط وربط ..
ضبط من جهة التصور والحكم .. وربط من جهة ربطه بالعلماء الربانيين لانه مزلق خطير ..
النقطة الخامسة :
(سبب نزول الاية)
اختلف المفسرون في سبب نزول هذه الاية والتي قبلها من الايات على قولين :
الاول : يأخذ بحديث البراء بن عازب قال (مر على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي
محمما مجلودا , فدعاهم صلى الله عليه وسلم فقال : اهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟
قالوا : نعم .. فدعا رجلا من علمائهم , فقال : انشدك بالله الذي انزل التوراة على موسى
اهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم ؟
قال : لا ولولا انك نشدتني بهذا لم اخبرك , نجده الرجم ولكن كثر في اشرافنا فكنا اذا اخذنا
الشريف تركناه واذا اخذنا الضعيف اقمنا عليه الحد , قلنا : فلنجتمع على شيء نقيمه على
الشريف والوضيع فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم ..
فقال صلى الله عليه وسلم (اللهم اني اول من احيا امرك اذ اماتوه) فأمر به فرجم ..
فأنزل الله الايات .. وهذا الحديث رواه مسلم في كتاب الحدود وقريب منه حديث ابن عمر في
الصحيحين ..
الثاني : استدلوا بأثر ابن عباس انه قال في الايات (انزلها الله في الطائفتين من اليهود
وكانت احداهما قد قهرت الاخرى في الجاهلية حتى ارتضوا واصطلحوا على ان كل قتيل
قتلته العزيزة من الذليلة فديته خمسون وسقا .. الى ان قال .. فأنزل الله (ياأيها الرسول لا
يحزنك الذين يسارعون في الكفر) الى قوله (فأولئك هم الفاسقون) رواه الامام احمد وصححه
العلامة احمد شاكر والالباني رحمهم الله ..
ولا تعارض بينهما لانه قد يكون لأمر النزول سببان ولا مانع لاسيما اذا صحت الرواية ..
قال ابن كثير (وقد يكون اجتمع هذان السببان في وقت واحد فنزلت هذه الاية في ذلك
كله والله اعلم)(التفسير 3/119)
النقطة الخامسة :
(تحقيق ما فعل اليهود)
عن ابن عمر رضي الله قال(ان اليهود جاؤوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له
ان رجلا منهم وامرأة زنيا , فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما تجدون في التوراة
في شأن الرجم ؟ قالوا : نفضحهم ويجلدون .. فقال عبدالله بن سلام : كذبتم ان فيها الرجم
فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده فاذا فيها اية الرجم فقرأ ما بعدها فقال له
عبدالله بن سلام : ارفع يدك فرفع يده فاذا فيها اية الرجم , قالوا : صدق يا محمد فيها
اية الرجم فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما ..)متفق عليه من حديث ابن عمر ..
وهذا الحديث له علاقة بالموضوع اذ الاية نزلت لهذا السبب وتأمل ما قالت وفعلت اليهود تأملا
جيدا ..
ففي الصورة الأولى قالوا (نفضحهم ويجلدون) وهذا تبديل حيث نسبوا الى الشرع ما ليس
فيه زورا وبهتانا .. والتبديل بحد ذاته كفر لا يختص بمسألة الحكم فقط فكل من بدل مجمعا
عليه كفر وهذا تم ايضاحه ..
وفي الصورة الثانية حين سألهم صلى الله عليه وسلم عن حد الزنا قالوا (لا) وهذا جحود
وهو كفر بحد ذاته لا يختص بالحكم ..
وفي الصورة الثالثة حين قالوا كما في حديث البراء (قلنا تعالوا فلنجتمع على شيء
فلنقيمه على الشريف والوضيع فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم)
وهذه الصوره تسمى استبدال حيث تركوا حكم واستبدلوا به غيره وهذا كفر لان الله
قال (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)
وقد علمنا ان الجحود وحده كفر والتبديل وحده كفر فلو قلنا ان من يحكم بما أنزل
الله جاحدا او مبدلا يكون كافرا كفرا اكبر لعطلنا الاية عن مضمونها وافرغناها عن
معناها .. فيكون تفسير الاية على الوجه المبسط من لم يحكم بما أنزل الله مستبدلا
ويدخل فيه الجحود والتبديل من باب أولى يكون كافرا كفرا أكبر ..
والحمدلله رب العالمين ..
والصلاة والسلام على خليل أرحم الراحمين ..
أما بعد ,,
فلما انتشر الخلاف في المسألة الحكم بغير ماأنزل الله انتشارا كبيرا مما أحدث مناهج كثيرة
ينظر المؤمن للحال نظرة حزن وألم لاخوانه المختلفين .. لماذا الاختلاف وبين أيدينا كتاب الله؟!
ونظرا لتلك الحال أحببت أن اكتب في هذه المسألة وقد كتبتها من قبل ونقحتها من الاشكالات
التي وردت علي ورجعت ونقحتها من جديد فخرجت بالثوب الذي سترونه .. اسأل الله ان ينفع بها
وبما أنني على حين سفر .. فسأكتبها على مراحل والله المستعان ,,
ملحوظة : الرجاء عدم كتابة أي شئ الا الاشكالات فقط .. أكرر فقط الاشكالات .. اسأل أن يهدينا
الى الحق انه ولي ذلك والقادر عليه .
النقطة الاولى :
(مصطلحات لابد منها )
لابد للانسان قبل أن يتصور أي موضوع أن يتصور اجزائه .. والحكم على الشئ فرع عن تصوره
وقبل الشروع في الموضوع لابد من معرفة كلمات ومصطلحات خاصة بالموضوع ..
أولا : الجحود ،،
قال تعالى ( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا )
قال الجوهري ( الجحود الانكار مع العلم )(لسان العرب 7/86)
يتبين من الاية أن العلم بالشئ ومعرفته في قرارة النفس ثم تكذيبه بالسان يسمى جحودا
قال الراغب ( الجحود نفي ما في القلب اثباته واثبات ما في القلب نفيه )(ألفظ القران 15)
والفرق بينه وبين التكذيب أن التكذيب هو الانكار باطنا وظاهرا أما الجحود هو الانكار ظاهرا
وقد يطلق هذا على هذا والعكس ..
ثانيا : التبديل ,,
وهو جعل شئ مكان شئ .. لكن العلماء هنا غالبا ما يريدون هذا الشئ مع النسبة الى الشرع
وهذا كفر بحد ذاته لايختص بالحكم فقط بل يتعداه الى الفتيا وغيرها ..
قال ابن تيمية ( الشرع المبدل وهو الكذب على الله ورسوله او على الناس بشهادات الزور ونحوها
من الظلم البين فمن قال ان هذا من شرع الله فقد كفر بلا نزاع )(الفتاوى 3/268)
وقال (والانسان متى حلل الحرام المجمع عليه أو حرم الحلال المجمع عليه او بدل الشرع المجمع عليه
كان كافرا مرتدا باتفاق الفقهاء)(الفتاوى 3/267)
قال ابن العربي (ان حكم بما عنده على انه من عند الله فهو تبديل له يوجب الكفر )(احكام القران 2/624)
ثالثا : الاستحلال ،،
وهو ان يعتقد الشئ حلالا وهو كفر لانه تكذيب لله تعالى .. وهذا الاستحلال العقدي ويدخل فه
الاستحلال القولي وان كان يعلم التحريم وعلة كفره ان جحود لحكم الله تعالى ..
قال تعالى ( انما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطؤا
عدة ما حرم الله ..)
قال ابن كثير ( وهذا مما ذم الله تعالى به المشركين من تصرفهم في شرع الله بارائهم الفاسدة وتغييرهم
احكام الله باهوائهم الباردة وتحليلهم ما حرم الله وتحريمهم ما احل الله فانهم كان فيهم من القوة الغضبية
والشهامة والحمية ما استطالوا به مدة الاشهر الحرم في التحريم المانع لهم من قضاء اوطارهم من قتال
اعدائهم فكانوا قد احدثوا فبل الاسلام بمدة تحليل المحرم وتأخيره الى صفر فيحلون الشهر الحرام ويحرمون
الشهر الحلال ليواطؤا عدة الاشهر الاربعة )(التفسير 4/150)
والمقصود انهم حرم عليهم القتال في رجب وذي القعدة وذي الحجة ومحرم فكانوا يقدمون ويأخرون في
التحريم فيقولون نغزوا في رجب ونجعل التحريم في شهر اخر وهم يعلمون ذلك ..
قال ابن حزم (فصح أن النسئ كفر وهو من عمل من الاعمال وهو تحليل ما حرم الله تعالى فمن احل ما حرم
الله وهو عالم بأن الله تعالى حرمه فهو كاف بذلك الفعل نفسه )(الفصل 2/196)
وقال تعالى (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله )
اي ما عبدوهم وسجدوا لهم بل أطاعوه في التحليل والتحريم كما في حديث عدي عند الترمذي (3095) وغيره
وحسنه الالباني ..
فسماه الله اربابا لانهم حللوا وحرموا وهم يعلمون حكم الله .. وهذا كفر بالله تعالى ..
قال محمد بن نصر ( وكذلك ان قال الخمر حلال او لحم الخنزير وهو مقر بجميع ما أحل الله تعالى وحرم ما سوى
الخمر والخنزير فانما يستتاب من الباب الذي كفر منه من احلاله الخمر والخنزير فقط )(تعظيم الصلاة 637)
وكذلك يدخل في معاني الاستحلال .. الكتابة فلو كتب ان الخمر حلال او مأذون فيه لكف لأن الكتابة تقوم
مقام القول قال الماوردي (العرب تقول الخط أحد اللسانين )(ادب الدنيا والدين 48)
ونظرا للقاعدة الفقهية التي تقول (الكتاب كالخطاب)(شرح القواعد الفقهية للزرقا 285)
والاذن اباحة فلو اذن بابنوك الربوية مثلا لكان بذلك مستحلا لما حرم الله ..
وكما أن الكفر يكون بالقول دون اعتقاد له كذلك الاستحلال يكون بالقول دون اعتقاد له ..
فائدة : الاستحلال قد يعنون به العلماء الاسترسال في المحرم (ذكره في الفتح عند شرحه لحديث الغناء
عن ابن العربي) ولا يكون بذلك كافرا ..
تنبيه : قد يقول البعض من قال حرام علي ان اكل الخبز مثلا هل يكفر بذلك ؟
الجواب : ان التحريم ان كان على وجه النذر فلا يدخل في الحكم اما ان كان على وجه المصادمة فنعم ..
النقطة الثانية ..
(العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب)
عند جمهور اهل العلم قاعدة تقول .. العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .. بمعنى ان الاية
أو الحديث لا يقتصر حكمهما على سببيهما بل يتعداه الى عموم اللفظ مما يحتمله الللفظ وعليه
فان هذه الاية لا يختص بها اليهود الذين انزلت فيهم الاية بل يتعداه الى النصارى والمسلمين
وغيرهم وهذا الذي عليه جمهور اهل العلم ..
ومما يؤكد انها للعموم ورود لفظة ((من)) الشرطية قال شيخ الاسلام (وصيغة ((من)) الشرطية من
أبلغ صيغ العموم)(الجواب الصحيح 1/198)
قال ابوحيان الأندلسي عند اية الحكم (ظاهر هذا العموم فيشمل هذه الامة وغيرهم ممن كان قبلهم
وان كان الظاهر انه في سياق خطاب اليهود والى انه عامة في اليهود وغيرهم ذهب ابن مسعود
وابراهيم وعطاء وجماعة)(البحر المحيط 3/492)
وقال القرطبي وهو غير صاحب التفسير (... فيشاركهم في حكمها من يشاركهم في سبب نزولها)(المفهم 5/117)
لنقطة الثالثة :
(صورة السبب قطعية الدخول في النص)
ومعن هذا ان الصورة التي من أجلها نزلت الاية تكون داخلة في حكم النص المنزل دخولا اوليا
الا في بعض الاستثناءات ..
قال السيوطي (دخول صورة السبب قطعي واخراجها بالاجتهاد ممنوع كما حكى الاجماع عليه
القاضي ابوبكر في التقريب)(الاتقان 1/28)
قال ابوالسعود (ومن لم يحكم بما أنزل الله ..) كائنا من كان دون المخاطبين خاصة فانهم
مندرجون فيه اندراجا أوليا)(تفسير ابي السعود 2/64)
وهذه القاعدة يجب الانتباه لها ..
النقطة الرابعة :
(دلالة الحال على ما في القلب)
أو ما يسمى بالقرائن الحالية ..
دليله قول الله تعالى (وقد نزل عليكم في الكتاب ان اذا سمعتم ايات الله يكفر بها ويستهزأبها
فلا تقعدوا معهم انكم اذا مثلهم)
اي بمجرد القعود الدال على الرضا يكفر به الانسان ..
وان كان بعض العلماء اخذ الاية على الظاهر ..
وقد عقد ابن عبد السلام فصلا في كتابه االقواعد وقال (فصل في تنزيل دلالة العادات وقرائن
الاحوال منزلة صريح المقال في تخصيص العموم وتقييد المطلق وغيرهما)(407)
وقال ابن رجب (دلالة الاحوال يختلف بها دلالة الأقوال في قبول دعوى ما يوافقها ورد ما يخالفها
ويترتب عليها الاحوال بمجردها)(القواعد 322)
وهكذا لو وجدنا شخصا يفعل المنكرات العظام ويكفر بالله تعالى ويقول انا احب الله
ويقال له اسلم ولا يسلم .. ماذا نقول عنه ؟
نقول انت كاذب لان دلالة حالك ابلغ من دلالة مقالك ..
وأيضا من الادلة حديث البراء بن مالك انه وجد عمه عاقد اللواء ذاهب الى ليقتله لانه تزوج بامرأة
ابيه وهو عند احمد والترمذي وحسنه ابن القيم ..
قال الشوكاني (ولكن لابد من حمل الحديث على ان ذلك الرجل الذي امر صلى عليه وسلم بقتله
عالم بالتحريم وفعله مستحلا وذلك من موجبات الكفر )(نيل الاوطار 8/322)
قال الطحاوي (ان ذلك المتزوج فعل ما فعل على الاستحلال كما كانوا يفعلونه في الجاهلية
فصار بذلك مرتدا)(معاني الاثار 3/149)
وقال القاري قي شرحه على الفاظ الكفر(... ولعله محمولة على مرتكب نكاح المحارم فان سياق الحال
يدل على الاستحلال )(213)
اشكال : لكن قد يشكل حديث اسامة بن زيد في قتله الرجل الذي نطق بالشهادة ؟
جوابه .. ان يقال ان الشهادتين تعصم على وجه الاقرار لا على وجه الدوام بحيث يترك من قالها لكن
لو علمنا باتيانه الكفر مع نطقه بها لقتلناه ..
فالحديث لا يدل على عدم العمل بالقرائن بل يدل على العصمة ابتداءا لا دواما ..
تنبيه : هذا الامر يحتاج الى ضبط وربط ..
ضبط من جهة التصور والحكم .. وربط من جهة ربطه بالعلماء الربانيين لانه مزلق خطير ..
النقطة الخامسة :
(سبب نزول الاية)
اختلف المفسرون في سبب نزول هذه الاية والتي قبلها من الايات على قولين :
الاول : يأخذ بحديث البراء بن عازب قال (مر على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي
محمما مجلودا , فدعاهم صلى الله عليه وسلم فقال : اهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟
قالوا : نعم .. فدعا رجلا من علمائهم , فقال : انشدك بالله الذي انزل التوراة على موسى
اهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم ؟
قال : لا ولولا انك نشدتني بهذا لم اخبرك , نجده الرجم ولكن كثر في اشرافنا فكنا اذا اخذنا
الشريف تركناه واذا اخذنا الضعيف اقمنا عليه الحد , قلنا : فلنجتمع على شيء نقيمه على
الشريف والوضيع فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم ..
فقال صلى الله عليه وسلم (اللهم اني اول من احيا امرك اذ اماتوه) فأمر به فرجم ..
فأنزل الله الايات .. وهذا الحديث رواه مسلم في كتاب الحدود وقريب منه حديث ابن عمر في
الصحيحين ..
الثاني : استدلوا بأثر ابن عباس انه قال في الايات (انزلها الله في الطائفتين من اليهود
وكانت احداهما قد قهرت الاخرى في الجاهلية حتى ارتضوا واصطلحوا على ان كل قتيل
قتلته العزيزة من الذليلة فديته خمسون وسقا .. الى ان قال .. فأنزل الله (ياأيها الرسول لا
يحزنك الذين يسارعون في الكفر) الى قوله (فأولئك هم الفاسقون) رواه الامام احمد وصححه
العلامة احمد شاكر والالباني رحمهم الله ..
ولا تعارض بينهما لانه قد يكون لأمر النزول سببان ولا مانع لاسيما اذا صحت الرواية ..
قال ابن كثير (وقد يكون اجتمع هذان السببان في وقت واحد فنزلت هذه الاية في ذلك
كله والله اعلم)(التفسير 3/119)
النقطة الخامسة :
(تحقيق ما فعل اليهود)
عن ابن عمر رضي الله قال(ان اليهود جاؤوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له
ان رجلا منهم وامرأة زنيا , فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما تجدون في التوراة
في شأن الرجم ؟ قالوا : نفضحهم ويجلدون .. فقال عبدالله بن سلام : كذبتم ان فيها الرجم
فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده فاذا فيها اية الرجم فقرأ ما بعدها فقال له
عبدالله بن سلام : ارفع يدك فرفع يده فاذا فيها اية الرجم , قالوا : صدق يا محمد فيها
اية الرجم فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما ..)متفق عليه من حديث ابن عمر ..
وهذا الحديث له علاقة بالموضوع اذ الاية نزلت لهذا السبب وتأمل ما قالت وفعلت اليهود تأملا
جيدا ..
ففي الصورة الأولى قالوا (نفضحهم ويجلدون) وهذا تبديل حيث نسبوا الى الشرع ما ليس
فيه زورا وبهتانا .. والتبديل بحد ذاته كفر لا يختص بمسألة الحكم فقط فكل من بدل مجمعا
عليه كفر وهذا تم ايضاحه ..
وفي الصورة الثانية حين سألهم صلى الله عليه وسلم عن حد الزنا قالوا (لا) وهذا جحود
وهو كفر بحد ذاته لا يختص بالحكم ..
وفي الصورة الثالثة حين قالوا كما في حديث البراء (قلنا تعالوا فلنجتمع على شيء
فلنقيمه على الشريف والوضيع فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم)
وهذه الصوره تسمى استبدال حيث تركوا حكم واستبدلوا به غيره وهذا كفر لان الله
قال (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)
وقد علمنا ان الجحود وحده كفر والتبديل وحده كفر فلو قلنا ان من يحكم بما أنزل
الله جاحدا او مبدلا يكون كافرا كفرا اكبر لعطلنا الاية عن مضمونها وافرغناها عن
معناها .. فيكون تفسير الاية على الوجه المبسط من لم يحكم بما أنزل الله مستبدلا
ويدخل فيه الجحود والتبديل من باب أولى يكون كافرا كفرا أكبر ..