الرئيسية
تزوجت منذ قرابة الأربعين عاما ، وسكنت في بلد بعيد عن أهلي ومسقط رأسي . في مقياس ذلك الزمان كانت تفصلنا مسافات طويلة ، وحتى في هذا الوقت ما زال احساس الغربة يلازمني وأنا أم لعشرة أبناء وبنات .بعد سنة من زواجي أنجبت ابني البكر فامتلأت نفسي املا بوجود نصير لي في هذا المقام الغريب ، ومعين في تحمل الفقر والحرمان ( ولا اقول الآن سوى الحمد لله على كل حال ) توفي ابني البكر بعد ولادته بثلاثة ايام وكادت حياتي ان تنتهي . لكن لم يمر عام الا وكنت قد انجبت ابنتي الكبرى ، واتبعتها باخت لها ثم بثالثة وبعدها برابعة لاصبح في نظر الجميع ام البنات . كانت كل الكلمات التي اسمعها من زوجي واقربائه جارحة وان كانت مبطنة بالمزاح كنت اضحك في حضورهم وابكي لساعات في وحدتي.
بعد طول صبر وعناء جاء الولد اسميناه على اسم عمي (والد زوجي) بالرغم من الجفاء الذي بيننا . فعمي متزوج من اثنتين وزوجي ابن القديمة . ولم يمر عام ونصف العام حتى رزقني الله بابني الثاني ، فكبرا معا كالتوأمين وكبر معهما املي بزوال شعور الغربة اخيرا .
مضت الأيام وعائلتي تكبر حتى اكتمل العدد عشرة ارتفعت تكاليف الحياة وتضخم المصروف ولكنني كنت قد صممت على منح ابنائي العلم الذي حرمت منه فأمضيت الساعات الطوال وأنا أخيط للجيران والأقرباء واوفر النقود لنشتري ارضا ونعمر بيتنا تماما كما يحدث في الافلام .
حرمت نفسي من كثير من الاشياء ، التي كان غيري يراها ضرورية او عادية وطبيعية . كانت غايتي واضحة وهدفي واضحاً ومحدداً سأترك لأولادي ما يعينهم على مصاعب الحياة ، ولن اسمح بأن يبدأ وا من الصفر مثلي .
من المؤكد ان شظف العيش والتوفير في كل شيء قد ترك آثاره على وجهي وفي اعماق جسدي فقد شخت قبل الاوان ودب المرض المزمن في جسمي ، لكن ذلك كان يهون وانا ارى البنايات التي عمرتها لاولادي ترتفع وتعلو شامخة .اقتربت اخيرا من ذاك الاحساس بالانتماء لم يكن وطني بعيدا عني لقد بنيته وزوجي بايدينا وحملنا حجارته على اكتافنا .
ولكي يحيا الوطن يحتاج الى السكان تطايرت البنات كل الى بيت زوجها وآن الاوان لتدخل الكنة الاولى الى البيت الذي بنيناه استعدادا لقدومها . بتزويج ابنائي كانت سعادتي ستبلغ ذروتها . فمن بيتي الكبير سيخرج بيت وثان وثالث اخترت انا وبناتي العروس ووافق عليها ابني فهو شاب خجول متدين حنون وكانت العروس تبدو على شاكلته . مرت فترة الخطبة على خير وسلام وتعزز املي بتعمير الموطن الجديد لم اعلم وقتها بانني احلم واطارد السراب فبعد الزواج كانت الكنة الجديدة تحب الاستقلال ولشدة عجبي اصبح ولدي يحبه ايضا بعدما كان يمضي الساعات يمازحنا ويلاعب اولاد اخواته . اشترى سيارة واصبح يمضي جل وقته في بيت انسبائه . ولد لابني ولد ، فلم اكن مؤهلة لكي أغسله فأمها تعرف أفضل مني انا التي ربيت عشرا
تزوج ابني الثاني فتأملت ان اعوض ما حرمت منه عند كنتي الاولى فلم يردني ربي خائبة . فقنعت بما قسم لي ورضيت بحكم ربي الا ان الكنة الاولى لم ترض ولم تقنع . اصبحت مهووسة بالغيرة من كل انسان وبالحسد للسلفة الجديدة اذا قلت انني لم اهتم كنت اكذب فقد كان الهم يكاد يقتلني . اذا ادعيت انني احبها برغم ما تفعل بي اكون غير صادقة فهي سرقت مني موطني ، لكنني ابكي واتحسر على ابني الخجول الذي اصبح يتطاول بالكلام البذيء علي وعلى والده افتقد ولدي الذي تحول الى قاطع رحم واتساءل ماذا فعلت هذه الدخيلة بطفلي الحنون.
وإذا ذكّرْته بالبيت الذي عمرته بيدي وجهزته لأمرأته وله قال : انت فعلت هذا مع اخويّ ايضا وليس لي وحدي . وان انا استحلفته بحق الحمل والولادة ، ان يكون بارا بي وبأبيه اجابني بكبر واستهزاء امك حملتك وانت حملتني هذا تعادل . وحين يئست وقلت فارقني عليّ انس قسوتك وجحودك تفاخر وأظهر عضلاته وهدد ان انا خرجت من الدار لن يهنأ عيش أحد فيها .
يا رب اشكو بثي وحزني اليك انا انسانة فقيرة الى رحمتك وهبتني فابتليتني وهبتني قلب ام لا يتحمل ان يغضب على ولد جاحد . لو انني أقدر ان اكرهه وابغضه لما اعتصرني هذا الالم الذي لا تقدر عليه الجبال يا رب اهد ولدي وارجعه الى حضني.
