افتخرت عاد بقوتها فقالوا : ( مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ) فبين الله أنهم ضعفاء أمام قوته تعالى فقال : ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ) ، فأرسل عليهم هذه الريح وأهلكهم الله جل وعلا عقوبة على عتوهم وقولهم : ( مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ) .
ومنطق قوم عاد هذا : ( مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ) ، هو الذي نفس منطق فرعون لمّا رأى الآيات وآمن بها من آمن فقال ما أخبر الله به عنه : ( إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ) فانظر كيف كانت عاقبة هؤلاء المغترين؟
ومع ذلك ما استفاد طغاة قريش فكان منطقهم من الحق وأهله نفس منطق هؤلاء المتكبرين ، وأحد مظاهر هذا ما قاله أبو سفيان يوم علم بنجاة عير قريش فأبى إلاّ يخرج ويقيم ببدر يستعرض العضلات ويظهر العزة ويقول : من أشد منّا قوة ! ليتحدث العالم العربي عنهم ، وفعلاً تحدث ولكن قال ماذا ؟!
مع أن الله تعالى حذرهم من الاغترار بمنطق من تقدمهم وبين لهم كيف كانت عاقبتهم في غير آية فقال سبحانه : ( أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ * ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون ) .
وقال تعالى : ( أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ) .. وقال : ( أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ ) .
وضرب الله تعالى لهم الأمثال بمن تقدمهم من الأمم وبين لهم قوته فقال: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ * وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ) .. وقال : (فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ) .
وعلى خطى الجاهلية الأولى وبنفس منطق الطغاة المتجبرين نطق أهل الجاهليات المعاصرة ، ومضت فيهم سنة الأولين .. ألم تر كيف فعل ربك بالروس الشيوعيين ؟
جاء عليهم حين من الدهر فاغتروا بقوتهم ، وسطوا على مخالفهم ، وفرضوا نظامهم بقوة الحديد والنار ، فرضخت كثير من الشعوب لهم تحت القهر والتعذيب ، وكان الجلاد الروسي يقول بلسان الحال ما قاله قوم عاد ..
حتى إن أحد حكامهم المتغطرسين قتل في سنوات حكمه قرابة ستين مليونا من البشر مسلمين وغير مسلمين ، واجتاح أوروبا الشرقية وقصة المجر وربيع براغ معروفة .. فتك وظلم وطغيان وجبروت، دعاهم لأن يمارسوا أبشع الجرائم ..
ومع كل تلك القوة العظيمة الضخمة الهائلة والجبروت والطغيان الذي أودى كما قلت بحياة ستين مليون شخص في عهد حاكم واحد من حكامهم ، بعد كل ذلك ماذا كانت النتيجة ؟ ( مضى مثل الأولين ) .. وانتهت الشيوعية ولم تلبث طويلاً ، فالسنة في عمر الدول لا تعد شيئاً .
وفي وقتنا هذا .. جاءت أمريكا لتجاهر بنفس الكلمة ، وتأخذ بذات المنطق ونفس الأسلوب رافعة عقيرة الحال قائلة : من أشد منا قوة ؟
وهذه الصيحة الأمريكية أفزعت أناساً فرضوا بالوقوف مع البغي والظلم والعدوان حتى تنصرهم دولة البغي والعدوان التي نسيت الخالق وقالت ساستها : من أشد منّا قوة ؟
وهذا يذكرني بكلمات قلتها يوم كنت أستاذاً بجامعة الإمام ، قلت وأنا أفسِّر قوله تعالى : ( وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ ) ( يّـس :74-75) ..
قلت : إن المشركين يزعمون أنهم اتخذوا آلهتهم من الأوثان والأصنام لتنصرهم ، والحقيقة أن هؤلاء المشركون هم من ينصر تلك الأحجار .. فالأصنام لا تدافع عن نفسها .. وهل فعلت شيئاً لما دخل عليها إبراهيم عليه السلام وجعلها جذاذا إلا كبيراً لها ؟
وقد نفى الله نصر تلك الآلهة لعابديها فقال سبحانه بعد قوله : ( وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ ) ، ثم قال : ( لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ ) والمعنى : لا تستطيع هذه الأصنام نصرهم ، ثم قال تعالى : ( وَهُمْ ) أي المشركون ( لَهُمْ ) أي للأصنام ( جُنْدٌ مُحْضَرُونَ ) يدافعون عنهم .
إن هذه الآية تتمثل الآن معانيها في أمريكا وحلفاء أمريكا ، فبعض من يقف إلى جانب أمريكا يقول : إنما انقدنا لهم ليكونوا لنا عِزّاً ينصروننا .. وفي حقيقة الأمر هم الذين ينصرون أمريكا ! فوالله لو تخلى حلفاء أمريكا عنها لسقطت.. فكم تبعد أمريكا عن ديار المسلمين؟ وهل تستطيع أن تصل إلينا طائراتها وأسلحتها دون مد ونصرة من المجاورين؟
إن الواقع يقول إن أمريكا استقوت هي بحلفائها وليس العكس ، وإلا فلو تخلت كل دولة عن أمريكا وطلبت كل دولة من أمريكا أن تخرج من أراضيها ، فماذا تستطيع أن تفعل أمريكا ؟ ( وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ ) .
إننا نشهد اليوم واقعاً منطقُ : ( من أشد منا قوة ) هو السائد فيه ، فماذا كانت نهاية أصحاب هذا المنطق المتقدمين من قوم عاد ؟
قال الله تعالى : ( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ ) .
ما بين غمضة عين وانتباهتها يبدل الله من حال إلى حال !
انتهت عاد التي استكبرت في الأرض بغير الحق وبان ضعف الإنسان .. انتهت عاد وللمستكبرين أمثال نهايتها .. فلا تغتروا بقوتهم ، فالله أقوى منهم ، عظّموا الله جل وعلا ، واملئوا قلوبكم بإجلال العزيز الجبار المتكبر سبحانه وتعالى .. والباطل وإن انتفش ساعة أو انتصروا مرة فالحرب سجال ، وقد قيل : جولة الباطل ساعة ، ودولة الحق إلى قيام الساعة .
لكن أخشى ما أخشاه أن تضعف القلوب .. وتزل الأقدام ونؤتى من أنفسنا لغفلتنا فينزل المصاب الجلل ، ومن بوادر هذه الغفلة أن ترى خطاباً صدر قبل أقل من نحو شهرين وقّع عليه أكثر من مئة شخص خطاباً ضعيفاً .. وكاتبوه فيهم أناس نحسبهم أخياراً وفيهم من لا نعرفهم .. وهذا ضرب من الضعف أمام العدو .. والاغترار بمنطقه ، وقول رجاله : ( من أشد منا قوة ) ؟
وأخيراً.. أروي قصة إنسان بسيط لكنه والله عظيم : لما ذهب الملك عبد العزيز إلى جدة ومعه المجاهدون من الإخوان وغيرهم قال بعضهم متخوفاً : إن الإنجليز - وقد كانوا في جدة - معهم طائرات .
فهذا الرجل العامي البسيط سأل : ما الطائرات ؟ قالوا : الطائرات تأتي من فوق الناس وتسقط قنابل .. وما كان كل الناس يعرفون الطائرات .. فسأل سؤالاً بسيطاً جداً فقال : طيب الطائرات هذه فوق الله أم تحت الله ؟ قالوا : استغفر الله ، بل هي تحت الله .. قال : إذا لا تهمكم .
بعض الإخوان يقسم بالله أن في أيام الحرب الهندية الباكستانية ، في نحو عام 65 ميلادية أنهم رأوا القنابل تسقط من الطائرات الهندية ولا تصل إلى الأرض .. يقولون : والله ما ندري أين ذهبت ؟ الله أعلم ..
والحديث عن الكرامات وأخبارها كثير.. ويمكنني أن أسترسل في الحديث عن المعجزات وتهاوي القوى المادية .. ولكن متى؟
عندما نعود إلى الله ، ونقاتل من أجل إعلاء كلمته ونشر شريعته التي ارتضى بإخلاص على هدى وبصيرة .. فالملائكة قاتلت مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يرد ما يدل على أن هذا من خصائصه ..
والكرامة قد تجري لأمته ، لكن عندما تكون متبعة لنبيها صلى الله عليه وسلم ، ملتزمة بمنهجه .. عندما يقام فيهم العدل ، ويصدقون مع الله ، وتتحرر قلوبهم من الرق للعبد أياً كان ، عندها يُنصرون بإذن الله ..
(وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ) ، كما قال الله تعالى : ( فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ) قال الله تعالى : ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ ) .
أسأل الله أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين .. وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ومنطق قوم عاد هذا : ( مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ) ، هو الذي نفس منطق فرعون لمّا رأى الآيات وآمن بها من آمن فقال ما أخبر الله به عنه : ( إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ) فانظر كيف كانت عاقبة هؤلاء المغترين؟
ومع ذلك ما استفاد طغاة قريش فكان منطقهم من الحق وأهله نفس منطق هؤلاء المتكبرين ، وأحد مظاهر هذا ما قاله أبو سفيان يوم علم بنجاة عير قريش فأبى إلاّ يخرج ويقيم ببدر يستعرض العضلات ويظهر العزة ويقول : من أشد منّا قوة ! ليتحدث العالم العربي عنهم ، وفعلاً تحدث ولكن قال ماذا ؟!
مع أن الله تعالى حذرهم من الاغترار بمنطق من تقدمهم وبين لهم كيف كانت عاقبتهم في غير آية فقال سبحانه : ( أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ * ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون ) .
وقال تعالى : ( أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ) .. وقال : ( أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ ) .
وضرب الله تعالى لهم الأمثال بمن تقدمهم من الأمم وبين لهم قوته فقال: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ * وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ) .. وقال : (فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ) .
وعلى خطى الجاهلية الأولى وبنفس منطق الطغاة المتجبرين نطق أهل الجاهليات المعاصرة ، ومضت فيهم سنة الأولين .. ألم تر كيف فعل ربك بالروس الشيوعيين ؟
جاء عليهم حين من الدهر فاغتروا بقوتهم ، وسطوا على مخالفهم ، وفرضوا نظامهم بقوة الحديد والنار ، فرضخت كثير من الشعوب لهم تحت القهر والتعذيب ، وكان الجلاد الروسي يقول بلسان الحال ما قاله قوم عاد ..
حتى إن أحد حكامهم المتغطرسين قتل في سنوات حكمه قرابة ستين مليونا من البشر مسلمين وغير مسلمين ، واجتاح أوروبا الشرقية وقصة المجر وربيع براغ معروفة .. فتك وظلم وطغيان وجبروت، دعاهم لأن يمارسوا أبشع الجرائم ..
ومع كل تلك القوة العظيمة الضخمة الهائلة والجبروت والطغيان الذي أودى كما قلت بحياة ستين مليون شخص في عهد حاكم واحد من حكامهم ، بعد كل ذلك ماذا كانت النتيجة ؟ ( مضى مثل الأولين ) .. وانتهت الشيوعية ولم تلبث طويلاً ، فالسنة في عمر الدول لا تعد شيئاً .
وفي وقتنا هذا .. جاءت أمريكا لتجاهر بنفس الكلمة ، وتأخذ بذات المنطق ونفس الأسلوب رافعة عقيرة الحال قائلة : من أشد منا قوة ؟
وهذه الصيحة الأمريكية أفزعت أناساً فرضوا بالوقوف مع البغي والظلم والعدوان حتى تنصرهم دولة البغي والعدوان التي نسيت الخالق وقالت ساستها : من أشد منّا قوة ؟
وهذا يذكرني بكلمات قلتها يوم كنت أستاذاً بجامعة الإمام ، قلت وأنا أفسِّر قوله تعالى : ( وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ ) ( يّـس :74-75) ..
قلت : إن المشركين يزعمون أنهم اتخذوا آلهتهم من الأوثان والأصنام لتنصرهم ، والحقيقة أن هؤلاء المشركون هم من ينصر تلك الأحجار .. فالأصنام لا تدافع عن نفسها .. وهل فعلت شيئاً لما دخل عليها إبراهيم عليه السلام وجعلها جذاذا إلا كبيراً لها ؟
وقد نفى الله نصر تلك الآلهة لعابديها فقال سبحانه بعد قوله : ( وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ ) ، ثم قال : ( لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ ) والمعنى : لا تستطيع هذه الأصنام نصرهم ، ثم قال تعالى : ( وَهُمْ ) أي المشركون ( لَهُمْ ) أي للأصنام ( جُنْدٌ مُحْضَرُونَ ) يدافعون عنهم .
إن هذه الآية تتمثل الآن معانيها في أمريكا وحلفاء أمريكا ، فبعض من يقف إلى جانب أمريكا يقول : إنما انقدنا لهم ليكونوا لنا عِزّاً ينصروننا .. وفي حقيقة الأمر هم الذين ينصرون أمريكا ! فوالله لو تخلى حلفاء أمريكا عنها لسقطت.. فكم تبعد أمريكا عن ديار المسلمين؟ وهل تستطيع أن تصل إلينا طائراتها وأسلحتها دون مد ونصرة من المجاورين؟
إن الواقع يقول إن أمريكا استقوت هي بحلفائها وليس العكس ، وإلا فلو تخلت كل دولة عن أمريكا وطلبت كل دولة من أمريكا أن تخرج من أراضيها ، فماذا تستطيع أن تفعل أمريكا ؟ ( وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ ) .
إننا نشهد اليوم واقعاً منطقُ : ( من أشد منا قوة ) هو السائد فيه ، فماذا كانت نهاية أصحاب هذا المنطق المتقدمين من قوم عاد ؟
قال الله تعالى : ( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ ) .
ما بين غمضة عين وانتباهتها يبدل الله من حال إلى حال !
انتهت عاد التي استكبرت في الأرض بغير الحق وبان ضعف الإنسان .. انتهت عاد وللمستكبرين أمثال نهايتها .. فلا تغتروا بقوتهم ، فالله أقوى منهم ، عظّموا الله جل وعلا ، واملئوا قلوبكم بإجلال العزيز الجبار المتكبر سبحانه وتعالى .. والباطل وإن انتفش ساعة أو انتصروا مرة فالحرب سجال ، وقد قيل : جولة الباطل ساعة ، ودولة الحق إلى قيام الساعة .
لكن أخشى ما أخشاه أن تضعف القلوب .. وتزل الأقدام ونؤتى من أنفسنا لغفلتنا فينزل المصاب الجلل ، ومن بوادر هذه الغفلة أن ترى خطاباً صدر قبل أقل من نحو شهرين وقّع عليه أكثر من مئة شخص خطاباً ضعيفاً .. وكاتبوه فيهم أناس نحسبهم أخياراً وفيهم من لا نعرفهم .. وهذا ضرب من الضعف أمام العدو .. والاغترار بمنطقه ، وقول رجاله : ( من أشد منا قوة ) ؟
وأخيراً.. أروي قصة إنسان بسيط لكنه والله عظيم : لما ذهب الملك عبد العزيز إلى جدة ومعه المجاهدون من الإخوان وغيرهم قال بعضهم متخوفاً : إن الإنجليز - وقد كانوا في جدة - معهم طائرات .
فهذا الرجل العامي البسيط سأل : ما الطائرات ؟ قالوا : الطائرات تأتي من فوق الناس وتسقط قنابل .. وما كان كل الناس يعرفون الطائرات .. فسأل سؤالاً بسيطاً جداً فقال : طيب الطائرات هذه فوق الله أم تحت الله ؟ قالوا : استغفر الله ، بل هي تحت الله .. قال : إذا لا تهمكم .
بعض الإخوان يقسم بالله أن في أيام الحرب الهندية الباكستانية ، في نحو عام 65 ميلادية أنهم رأوا القنابل تسقط من الطائرات الهندية ولا تصل إلى الأرض .. يقولون : والله ما ندري أين ذهبت ؟ الله أعلم ..
والحديث عن الكرامات وأخبارها كثير.. ويمكنني أن أسترسل في الحديث عن المعجزات وتهاوي القوى المادية .. ولكن متى؟
عندما نعود إلى الله ، ونقاتل من أجل إعلاء كلمته ونشر شريعته التي ارتضى بإخلاص على هدى وبصيرة .. فالملائكة قاتلت مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يرد ما يدل على أن هذا من خصائصه ..
والكرامة قد تجري لأمته ، لكن عندما تكون متبعة لنبيها صلى الله عليه وسلم ، ملتزمة بمنهجه .. عندما يقام فيهم العدل ، ويصدقون مع الله ، وتتحرر قلوبهم من الرق للعبد أياً كان ، عندها يُنصرون بإذن الله ..
(وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ) ، كما قال الله تعالى : ( فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ) قال الله تعالى : ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ ) .
أسأل الله أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين .. وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .