عن حديث " إذا حضر العشاء والعشاء ، فابدأوا بالعشاء " من رواه ، ومن أخرجه أو حسنه أو صححه أو ضعفه ؟
هذا الحديث لا أصل له بهذا اللفظ عند علماء السنة المحمدية ، كما قال الحافظ العراقي في "شرحه على سنن الترمذي " حيث قال في شرحه هذا : ( لا أصل له في كتب الحديث بهذا اللفظ ).
كما أنه قال في تخريجه لأحاديث إحياء علوم الدين لغزالي : ( أن المعروف في كتب الحديث " إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة " ).
ولقد تابع العراقيَّ من جاء بعده من الحفاظ الذين ألفوا في الأحاديث الدارجة على الألسن أو في الأحاديث الموضوعة من المتأخرين عن العراقي ، وممن عاش في القرن التاسع الهجري وما بعده من القرون إلى عصرنا هذا ، وذلك مثل تلميذه الحافظ ابن حجر العسقلاني مؤلف " فتح الباري " ، وتلميذ ابن حجر الحافظ السخاوي مؤلف " المقاصد الحسنة " ، وتلميذ السخاوي الحافظ الديبع ، وغيرهم من الحفاظ كالسيوطي مؤلف " الدرر المنتثرة " ، والعجلوني مؤلف " كشف الخفاء" ، وابن طاهر الفتَّني الهندي مؤلف " تذكرة الموضوعات " ، والملا على القاري مؤلف " الأسرار المرفوعة " ، والحوت البيروتي في " أسنى المطالب " ، والشوكاني في " الفوائد المجموعة " ، وغيرهم ممن نقل عن العراقي عدم وجود هذا الحديث بهذا اللفظ في كتب الحديث ، وأقر العراقي على نفي وجود هذا الحديث بهذا اللفظ المسجوع في كتب السنة المطهرة ، على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام.
هذا وممن أقر نفي وجود هذا الحديث بهذا اللفظ في كتب الحديث من علماء العصر الشيخ محمد الصباغ ، الذي حقق وعلق على كتاب " الأسرار المرفوعة " للملا علي القاري ، حيث قال معلقا على كلام القاري الذي أقر العراقي على نفي وجود هذا الحديث بهذا اللفظ ما نصه : ( ويبدو أن تحريفا اعترى هذا الحديث من قبل من يولعون بالمحسنات اللفظية ، وسواء كان هذا الحديث قد ورد في كتب السنة بهذا اللفظ أو لم يرد ، ففي كتب السنة ما يدل على ما هو أعم من هذا المعنى بسند صحيح عن أنس – رضي الله عنه – مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند البخاري في صحيحه بلفظ :
" إذا حضر العشاء ، وأقيمت الصلاة ، فابدأوا بالعشاء ".
فقوله : " و أقيمت الصلاة " أعم من أن تكون صلاة العشاء الواردة في الحديث المشهور على الألسن ، أو تكون صلاة المغرب ، وبمثل ما جاء في البخاري جاء في صحيح مسلم – رحمه الله تعالى – كما في حديث عائشة – رضي الله عنها – مرفوعا إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : " لا صلاة بحضرة طعام " ، كما في صحيح البخاري ومسلم – رحمهما الله تعالى – فلفظة((الصلاة))هاهنا نكرة في سياق النفي ،والنكرة في سياق النفي تفيد العموم، فتعم كل صلاة من الصلوات الخمس وغيرها كما أن النفي هاهنا بمعنى النهي أي لا يصلي أحد بحضرة طعام يتوق إليه سواء كانت الصلاة ظهراً أو عصراً أو فجراً أو مغرباً أو عشاء .
وعلى هذا الأساس فلا ينبغي لأحد أن يستدل على عدم جواز الدخول في الصلاة إذا كان الأكل حاضراً،وكان المصلي جائعاً
فبهذا الحديث الذي جاء في بعض الكتب واشتهر على ألسنة الناس ،ولا أصل له في علم الحديث .
بل اللازم على من يُريد الاحتجاج على عدم الصلاة بحضور الأكل لمن كان جائعاً بحديث ((إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة)) وذلك لكون هذا الحديث في صحيح البخاري ومسلم ؛ ولكونه يعم صلاة المغرب وصلاة العشاء ،أو يحتج بحديث ((لاصلاة بحضرة طعام )) لكونه في صحيح مسلم ؛ولكونه يعم جميع الصلوات، وجميع الأطعمة التي تحضر حال دخول أي وقت من أوقات الصلوات الخمس أو غيرها.
هذا وقد نقل بعض العلماء عن مصنف أبي بكر ابن أبي شيبة الحافظ المتوفى سنة (235 )أن الحديث قد جاء بلفظ ((إذا حضر العشاء وحضر العشاء فابدأوا بالعشاء )) وليس ذلك بصحيح أصلاً أي أنَّ من نقل عن ابن أبي شيبة أنه روى الحديث باللفظ المتداول على ألسنة الناس فهو غالط ولا أصل له في مصنف ابن أبي شيبة ،ولا في غيره من المؤلفات المسندة ،قال السيوطي:ووهم من عزاه لمصنف ابن أبي شيبة ،قال الملا علي القاري في ((الأسرار المرفوعة))ما معناه: وقد سبق العسقلاني السيوطي بهذا الكلام ،حيث قال في فتح الباري :لفظ ابن أبي شيبة ((وحضرت الصلاة )) كما أخرجه في مسنده لا أنه في المصنف بلفظ ((حضرت العشاء))كما توهم .
وقد نقل السخاوي في ((المقاصد)) عن شيخه الحافظ ابن حجر العسقلاني أنه عقّب على كلام شيخه العراقي الذي قال عن حديث ((إذا حضر العشاء والعشاء فابدأوا بالعشاء))أنه لا أصل لها في كتب الحديث بقوله : [ لكن رأيت بخط الحافظ قطب الدين (يعني الحلبي )أنّ ابن أبي شيبة أخرجه عن إسماعيل يعني ابن علية عن ابن إسحاق حدثني عبد الله بن رافع عن أم سلمة – رضي الله عنها – مرفوعا " إذا حضر العشاء وحضرت العشاء ، فابدأوا بالعشاء " ، فإن كان ضبطه فذاك ، وإلا فقد رواه أحمد في مسنده عن إسماعيل (أي ابن علية الذي رواه عن ابن إسحاق ) بلفظ : " وحضرت العشاء " قلت(علي) : ((كذا نقله الشيخ بلفظ "العشاء" وهذا وهم من الشيخ محمد ، فهو في المقاصد على الجادة بلفظ " الصلاة" ))اهـ. ، ثم قال ابن حجر : ثم راجعت مصنف ابن أبي شيبة ، فرأيت الحديث فيه كما أخرجه أحمد]اهـ من المقاصد. ، وبناء على ذلك فلعل الحلبي توهم وهما أن ابن أبي شيبة رواه باللفظ المشهور عند الناس الذي لا أصل له بهذا اللفظ في كتب الحديث ، أو لعله اعتمد على نسخة من نسخ المصنف غير صحيحة ، ومهما يكن من شيء فالذي يكون الاعتماد عليه هو كلام الحافظ ابن حجر العسقلاني ، فهو أرجح من كلام الحلبي – رحمه الله تعالى – عند تعارض النقلين عن مصنف ابن أبي شيبة – رحمه الله تعالى - .
إذا قالت حذام فصدقوها *** فإن القول ما قالت حذام
والخلاصة لما جاء في كلامي هذا ينحصر فيما يلي :
[1] لا وجود لهذا الحديث بلفظ " إذا حضر العشاء ، وحضرت العشاء فابدأوا بالعشاء " في كتب السنة كما قال العراقي ، وتابعه من جاء بعده من الحفاظ ، وعلى رأسهم تلميذه العسقلاني ، ثم تلميذ تلميذه السخاوي ، ثم تلميذ السخاوي الديبع ، كما تابعه أيضا السيوطي ، والعجلوني ، وابن طاهر الفتني ، والقاري ، والشوكاني وغيرهم .
[2] قد ورد في البخاري ومسلم بلفظ أعم وأشمل وهو حديث " إذا حضر العشاء ، وأقيمت الصلاة فابدأوا العشاء " ، لأن لفظة الصلاة ها هنا تعم المغرب والعشاء .
[3] قد ورد في الصحيح حديث آخر دال على هذا المعنى بلفظ أعم من الحديث السابق ، وهو حديث " لا صلاة بحضرة طعام " ، الذي شمل جميع الفرائض والسنن والنوافل ، كما شمل طعام العشاء وغيره .
[4] من روى عن مصنف ابن أبي شيبة أنه أخرج الحديث بلفظ " إذا حضر العشاء ، وحضرت العشاء فابدأوا بالعشاء " فهو غالط ، فهذا الحديث بهذا اللفظ المسجوع لا وجود له في مصنف ابن أبي شيبة أصلا .
والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب ].
انتهى هذا الجواب الماتع من " رسائل وفتاوى حديثية "
للعلامة القاضي الفقيه :
محمد بن إسماعيل العمراني .
هذا الحديث لا أصل له بهذا اللفظ عند علماء السنة المحمدية ، كما قال الحافظ العراقي في "شرحه على سنن الترمذي " حيث قال في شرحه هذا : ( لا أصل له في كتب الحديث بهذا اللفظ ).
كما أنه قال في تخريجه لأحاديث إحياء علوم الدين لغزالي : ( أن المعروف في كتب الحديث " إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة " ).
ولقد تابع العراقيَّ من جاء بعده من الحفاظ الذين ألفوا في الأحاديث الدارجة على الألسن أو في الأحاديث الموضوعة من المتأخرين عن العراقي ، وممن عاش في القرن التاسع الهجري وما بعده من القرون إلى عصرنا هذا ، وذلك مثل تلميذه الحافظ ابن حجر العسقلاني مؤلف " فتح الباري " ، وتلميذ ابن حجر الحافظ السخاوي مؤلف " المقاصد الحسنة " ، وتلميذ السخاوي الحافظ الديبع ، وغيرهم من الحفاظ كالسيوطي مؤلف " الدرر المنتثرة " ، والعجلوني مؤلف " كشف الخفاء" ، وابن طاهر الفتَّني الهندي مؤلف " تذكرة الموضوعات " ، والملا على القاري مؤلف " الأسرار المرفوعة " ، والحوت البيروتي في " أسنى المطالب " ، والشوكاني في " الفوائد المجموعة " ، وغيرهم ممن نقل عن العراقي عدم وجود هذا الحديث بهذا اللفظ في كتب الحديث ، وأقر العراقي على نفي وجود هذا الحديث بهذا اللفظ المسجوع في كتب السنة المطهرة ، على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام.
هذا وممن أقر نفي وجود هذا الحديث بهذا اللفظ في كتب الحديث من علماء العصر الشيخ محمد الصباغ ، الذي حقق وعلق على كتاب " الأسرار المرفوعة " للملا علي القاري ، حيث قال معلقا على كلام القاري الذي أقر العراقي على نفي وجود هذا الحديث بهذا اللفظ ما نصه : ( ويبدو أن تحريفا اعترى هذا الحديث من قبل من يولعون بالمحسنات اللفظية ، وسواء كان هذا الحديث قد ورد في كتب السنة بهذا اللفظ أو لم يرد ، ففي كتب السنة ما يدل على ما هو أعم من هذا المعنى بسند صحيح عن أنس – رضي الله عنه – مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند البخاري في صحيحه بلفظ :
" إذا حضر العشاء ، وأقيمت الصلاة ، فابدأوا بالعشاء ".
فقوله : " و أقيمت الصلاة " أعم من أن تكون صلاة العشاء الواردة في الحديث المشهور على الألسن ، أو تكون صلاة المغرب ، وبمثل ما جاء في البخاري جاء في صحيح مسلم – رحمه الله تعالى – كما في حديث عائشة – رضي الله عنها – مرفوعا إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : " لا صلاة بحضرة طعام " ، كما في صحيح البخاري ومسلم – رحمهما الله تعالى – فلفظة((الصلاة))هاهنا نكرة في سياق النفي ،والنكرة في سياق النفي تفيد العموم، فتعم كل صلاة من الصلوات الخمس وغيرها كما أن النفي هاهنا بمعنى النهي أي لا يصلي أحد بحضرة طعام يتوق إليه سواء كانت الصلاة ظهراً أو عصراً أو فجراً أو مغرباً أو عشاء .
وعلى هذا الأساس فلا ينبغي لأحد أن يستدل على عدم جواز الدخول في الصلاة إذا كان الأكل حاضراً،وكان المصلي جائعاً
فبهذا الحديث الذي جاء في بعض الكتب واشتهر على ألسنة الناس ،ولا أصل له في علم الحديث .
بل اللازم على من يُريد الاحتجاج على عدم الصلاة بحضور الأكل لمن كان جائعاً بحديث ((إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة)) وذلك لكون هذا الحديث في صحيح البخاري ومسلم ؛ ولكونه يعم صلاة المغرب وصلاة العشاء ،أو يحتج بحديث ((لاصلاة بحضرة طعام )) لكونه في صحيح مسلم ؛ولكونه يعم جميع الصلوات، وجميع الأطعمة التي تحضر حال دخول أي وقت من أوقات الصلوات الخمس أو غيرها.
هذا وقد نقل بعض العلماء عن مصنف أبي بكر ابن أبي شيبة الحافظ المتوفى سنة (235 )أن الحديث قد جاء بلفظ ((إذا حضر العشاء وحضر العشاء فابدأوا بالعشاء )) وليس ذلك بصحيح أصلاً أي أنَّ من نقل عن ابن أبي شيبة أنه روى الحديث باللفظ المتداول على ألسنة الناس فهو غالط ولا أصل له في مصنف ابن أبي شيبة ،ولا في غيره من المؤلفات المسندة ،قال السيوطي:ووهم من عزاه لمصنف ابن أبي شيبة ،قال الملا علي القاري في ((الأسرار المرفوعة))ما معناه: وقد سبق العسقلاني السيوطي بهذا الكلام ،حيث قال في فتح الباري :لفظ ابن أبي شيبة ((وحضرت الصلاة )) كما أخرجه في مسنده لا أنه في المصنف بلفظ ((حضرت العشاء))كما توهم .
وقد نقل السخاوي في ((المقاصد)) عن شيخه الحافظ ابن حجر العسقلاني أنه عقّب على كلام شيخه العراقي الذي قال عن حديث ((إذا حضر العشاء والعشاء فابدأوا بالعشاء))أنه لا أصل لها في كتب الحديث بقوله : [ لكن رأيت بخط الحافظ قطب الدين (يعني الحلبي )أنّ ابن أبي شيبة أخرجه عن إسماعيل يعني ابن علية عن ابن إسحاق حدثني عبد الله بن رافع عن أم سلمة – رضي الله عنها – مرفوعا " إذا حضر العشاء وحضرت العشاء ، فابدأوا بالعشاء " ، فإن كان ضبطه فذاك ، وإلا فقد رواه أحمد في مسنده عن إسماعيل (أي ابن علية الذي رواه عن ابن إسحاق ) بلفظ : " وحضرت العشاء " قلت(علي) : ((كذا نقله الشيخ بلفظ "العشاء" وهذا وهم من الشيخ محمد ، فهو في المقاصد على الجادة بلفظ " الصلاة" ))اهـ. ، ثم قال ابن حجر : ثم راجعت مصنف ابن أبي شيبة ، فرأيت الحديث فيه كما أخرجه أحمد]اهـ من المقاصد. ، وبناء على ذلك فلعل الحلبي توهم وهما أن ابن أبي شيبة رواه باللفظ المشهور عند الناس الذي لا أصل له بهذا اللفظ في كتب الحديث ، أو لعله اعتمد على نسخة من نسخ المصنف غير صحيحة ، ومهما يكن من شيء فالذي يكون الاعتماد عليه هو كلام الحافظ ابن حجر العسقلاني ، فهو أرجح من كلام الحلبي – رحمه الله تعالى – عند تعارض النقلين عن مصنف ابن أبي شيبة – رحمه الله تعالى - .
إذا قالت حذام فصدقوها *** فإن القول ما قالت حذام
والخلاصة لما جاء في كلامي هذا ينحصر فيما يلي :
[1] لا وجود لهذا الحديث بلفظ " إذا حضر العشاء ، وحضرت العشاء فابدأوا بالعشاء " في كتب السنة كما قال العراقي ، وتابعه من جاء بعده من الحفاظ ، وعلى رأسهم تلميذه العسقلاني ، ثم تلميذ تلميذه السخاوي ، ثم تلميذ السخاوي الديبع ، كما تابعه أيضا السيوطي ، والعجلوني ، وابن طاهر الفتني ، والقاري ، والشوكاني وغيرهم .
[2] قد ورد في البخاري ومسلم بلفظ أعم وأشمل وهو حديث " إذا حضر العشاء ، وأقيمت الصلاة فابدأوا العشاء " ، لأن لفظة الصلاة ها هنا تعم المغرب والعشاء .
[3] قد ورد في الصحيح حديث آخر دال على هذا المعنى بلفظ أعم من الحديث السابق ، وهو حديث " لا صلاة بحضرة طعام " ، الذي شمل جميع الفرائض والسنن والنوافل ، كما شمل طعام العشاء وغيره .
[4] من روى عن مصنف ابن أبي شيبة أنه أخرج الحديث بلفظ " إذا حضر العشاء ، وحضرت العشاء فابدأوا بالعشاء " فهو غالط ، فهذا الحديث بهذا اللفظ المسجوع لا وجود له في مصنف ابن أبي شيبة أصلا .
والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب ].
انتهى هذا الجواب الماتع من " رسائل وفتاوى حديثية "
للعلامة القاضي الفقيه :
محمد بن إسماعيل العمراني .