بسم الله الرحمن الرحيم
فقد وقفت على بعض التصائح والتوجيها لكى نستفيد من الاجازه حق الاستفاده ولا يضيع الوقت هباء منثورا ولنبداء بنصائح شيخنا ووالدنا رحمه الله تعالى الشيخ محمد بن صالح العثيمين :
استغلال الإجازة الصيفية وأقسام الناس فيها
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الخامس والستون من اللقاءات الشهرية التي تتم كل شهر مرة في ليلة الأحد الثالث من كل شهر، وهذه الليلة هي الخامسة عشرة من شهر صفر عام (1420هـ).
نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل هذه اللقاءات ولقاءات إخواننا أهل العلم لقاءات مباركة دالة على الخير محذرة من الشر، وإنني أبشركم -أيها الإخوة- أن حضوركم إلى هذه اللقاءات من ذكر الله عز وجل، وأنكم مثابون عليها مع ما يحصل لكم من العلم النافع الذي تستنيرون به في أمور دينكم ودنياكم.
أيها الإخوة: إننا نستقبل إجازة المدارس في هذا العام، الإجازة النهائية التي تبلغ حوالي ثلاثة أشهر، أو تزيد قليلاً أو تنقص قليلاً.
هذه الإجازة هل ينبغي أن نجعلها كاسمها إجازة، أو نقول: هي إجازة مقيدة، بمعنى: أنها إجازة من الدروس النظامية، ولكنها ليست إجازة في طلب العلم وفي طلب ما ينفع الإنسان؟ ينبغي أن نجعلها كذلك، وأن نجد فيها غاية الجد في طلب ما ينفعنا في ديننا ودنيانا، لا نقول: إن الدراسة انتهت، فإن عمل المرء لا ينقضي حتى يأتي أجله، كما قال الله عز وجل: { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } [الحجر:99] وقيل: "اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد".
استغلالها بطلب العلم الشرعي
ولكن الواقع أن الناس ينقسمون في هذه الإجازة إلى أقسام كثيرة: منهم: من يتفرغ في هذه الإجازة لطلب العلوم الشرعية التي لم يقرأها في دراسته النظامية، أو التي قرأها على عجل دون أن يتمهل فيها وأن يتعمق فيها، وهؤلاء خير الأصناف، أعني: الذين يتفرغون في هذه الإجازة لطلب العلم الشرعي، وما هي الوسيلة لذلك؟ الوسيلة -والحمد لله- الآن موجودة، يوجد دورات في المدن الكبيرة، يجلس لها أهل العلم يعلمون الطلبة، وهناك أيضاً مراكز صيفية إذا يسر الله لها أقواماً أمناء، أهل علم وإيمان انتفع بهم الشباب ولا شك، وهناك كتب ومؤلفات يقرؤها طالب العلم ويتمرن على كسب العلم عن طريقها، ولكن احذر أن تقرأ كتباً مضلة فكرياً أو خلقياً أو منهجياً، فإن ضررك من هذه الكتب أكثر من غفلتك عنها، اقرأ كتب العلماء الذين عرفوا بالعلم والإيمان كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وتلميذه ابن القيم ، كذلك كتب الفقهاء إذا كنت تتحمل أن تبحث وأن تقارن بين أقوال العلماء، كذلك مثل كتب شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله وفي التفسير وغير التفسير، ومثل كتب شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله من فتاويه أو غيرها، وغير ذلك من كتب أئمة الدعوة والحمد لله وهي متوفرة.
هذا هو الصنف الأول من الأصناف الذين يتمتعون بالإجازة.
استغلالها بالذهاب إلى مكة والمدينة للعمرة والزيارة
وهناك صنف من الناس يسيرون في الأرض يذهبون إلى مكة وإلى المدينة يتمتعون بعمرة وزيارة، والعمرة قال النبي صلى الله عليه وسلم فيها: ( العمرة إلى العمرة كفارةٌ لما بينهما ) فتكون العمرة كفارة لما بين العمرتين من صغائر الذنوب، وزيارة المسجد النبوي قربة إلى الله عز وجل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى ) وليس لهذه الزيارة أو العمرة حد محدود، فيمكن أن تبقى أسبوعاً أو شهراً أو أكثر من ذلك حسب ما يتيسر لك، وحسب ما يناسبك وأهلك، وتزداد بذلك ثقافة ومعرفة لأحوال الناس، لا سيما وأن الناس الذين يفدون إلى مكة و المدينة من جهات شتى من العالم الإسلامي، فيحصل لك جلوس إليهم، واحتكاك بهم، ودراسةٌ لأحوالهم، وإرشادٌ لهم لما هم عنه غافلون أو به جاهلون.
مكة -شرفها الله- فيها المسجد الحرام، وهل فيها أمكنة أخرى تزار في العمرة أو لا؟ العمرة ليس فيها شيء إلا المسجد الحرام، تطوف وتسعى وتقصر وانتهت العبادة ليس هناك عبادة سوى هذا، الصلوات معروفة، ولكن ليس هناك أماكن يسن للإنسان أن يقصدها.
وبعض الناس يتعمد أن يذهب إلى غار حراء يظن أن هذا من السنة وليس كذلك، غار حراء غار كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعبد فيه الليالي ذوات العدد قبل أن ينبأ، ونزل عليه الوحي وهو في هذا الغار، ولكن لم يعد النبي صلى الله عليه وسلم إليه بعد ذلك ولا كان الصحابة يقصدونه، وهناك غار آخر يقصده بعض والناس يظن أنه قربة، وهو غار ثور الذي اختفى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم في الهجرة وإتيانه ليس بسنة ولا قربة إلى الله عز وجل، لكن لو أن الإنسان صعد على جبل حراء أو على جبل ثور من أجل أن يطلع فقط دون أن يتقرب إلى الله بهذا الصعود، فهل ينكر عليه؟
الجواب
لا ينكر عليه، ينكر على الإنسان الذي يذهب يتعبد لله ويتقرب إلى الله بذلك.
وفي المدينة النبوية اقصد بذهابك إليها الصلاة في المسجد النبوي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة ) وأول ما تقصد المسجد تصلي فيه وليس له حد محدود، صلِّ فيه فرضاً واحداً أو اثنين أو ثلاثة، يوماً أو يومين أو ثلاثة أو أكثر، ليس فيه خمس صلوات كما يقول بعض العوام، ولا فيه أربعين صلاة كما يقول آخرون، بل صلِّ ما شئت.
ثم زيارة قبر نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، هذا القبر كان هو مسكنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان له زوجات مات عن تسع منهن، وكل واحدة لها بيت، وهذا الذي هو فيه بيت عائشة رضي الله عنها، ولما مرض النبي صلى الله عليه وسلم كان من عدله أن يذهب إلى كل امرأة في يومها وهو مريض، ويقول: ( أين أنا غداً؟ أين أنا غداً؟ ) فهم زوجاته رضي الله عنهن أنه يريد يوم عائشة ، فأذنَّ له أن يمرَّض في بيت عائشة ، فبقي عند عائشة مريضاً وآتاه الموت يوم الإثنين، اللهم صل وسلم عليه، وصادف ذلك اليوم يوم عائشة ، ومات وهو في حجرها عليه الصلاة والسلام، وآخر ما طعم من الدنيا ريقها؛ لأن أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر دخل ومعه سواك والنبي صلى الله عليه وسلم يحتضر، فجعل ينظر إليه، فعرفت عائشة أنه يريده فقالت: آخذه لك؟ فأشار أن نعم، فأخذته وقضمته بأسنانها، أي: قطعت الألياف التي كان عبد الرحمن يتسوك بها، ثم قضمته وعلكته وطيبته وصار من أحسن ما يكون، ثم أعطته النبي صلى الله عليه وسلم فاستاك به بيده الكريمة، قالت: ( فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم استن استناناً -يعني: استاك استياكاً- أحسن منه ) فصار آخر ما طعم من الدنيا ريقها رضي الله عنها.
المهم أنه مات في هذا المكان، والحمد لله ما زال فيه منذ دفن إلى اليوم، والأرض لا تأكل منه شيئاً، الأنبياء كلهم لا تأكلهم الأرض، فقد حرم الله جل وعلا على الأرض أن تأكل لحوم الأنبياء.
وإذا انتهيت من الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في أي مكان منه، وإن كان في الروضة وهي ما بين بيته ومنبره فهو أحسن، إذا انتهيت فاذهب إلى القبور الثلاثة: قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر أبي بكر وقبر عمر ، وسلم عليهم، ابدأ أولاً بالرسول صلى الله عليه وسلم وسلم عليه، قف أمامه وقل: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
هذه أحسن صيغة تسلم بها على الرسول صلى الله عليه وسلم، ودع عنك ما يذكره بعضهم في بعض الكتيبات الصغار، وسلم عليه بما علمه أمته.
ثم اخط خطوة عن يمينك لتكون تجاه أبي بكر رضي الله عنه، وسلم عليه وقل له: السلام عليك يا خليفة رسول الله، رضي الله عنك وجزاك عن أمة محمدٍ خيرا -ثلاث كلمات- ثم تجاوز قليلاً خطوة واحدة عن يمينك لتقف تجاه عمر رضي الله عنه، وسلم عليه وقل: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، رضي الله عنك وجزاك عن أمة محمدٍ خيراً.
وهناك مزار ثالث: وهو البقيع ، مقبرة أهل المدينة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: ( اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد )، فتأتي وتسلم على المقبرة أول ما تدخل على الجميع بالسلام المعروف: ( السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم ).
ثم اعمد إلى قبر الخليفة الثالث عثمان وهو معروف، سلم عليه، قف أمامه وقل: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، اللهم ارض عنه واجزه عن أمة محمدٍ خيراً.
ثم انصرف ولا تدع في المقبرة، فالمقبرة ليست مكان دعاء، وأهل القبور لا يُدعون، أهل القبور يدعى لهم ولا يُدعون، فهم في حاجة.
هذه ثلاثة مزارات.
الرابع: مسجد قباء، تطهر في بيتك واخرج إليه وصل فيه ما شاء الله، فإن من تطهر ببيته وخرج إلى قباء وصلى فيه كان كمن أدى عمرة، وصلِّ فيه ما شئت ثم انصرف، قال الله تبارك وتعالى مخاطباً نبيه: { وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } [التوبة:107] أربعة أغراض لمسجد الضرار، قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: { لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } [التوبة:108] صل في قباء ركعتين أو ما شئت، ثم انصرف.
هذا المزار الرابع.
الخامس: شهداء أحد ، والمكان معروف ومقبرتهم معروفة، سلم عليهم كما تسلم على سائر المقابر، وإن شئت فخصص منهم حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم الذي له هذا اللقب العظيم: أسد الله وأسد رسوله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عن حمزة ، وقد استشهد حمزة في غزوة أحد في السنة الثالثة من الهجرة.
هذه خمسة مزارات في المدينة وما سواها فلا أصل له، وليس هناك مسجد قبلتين ولا مسجد غمامة ولا شيء، لكن تعرف أن بعض الناس يستغل الفرصة لأكل المال بالباطل، فيقول للناس الذين لا يعرفون: هذا مزار كذا، وهذه سبعة مساجد، وهذا مسجد غمامة، وهذا مسجد القبلتين وما أشبه ذلك، فهذا استغلال وأكل أموال الناس بالباطل، حتى إني رأيت في شرقي الطائف حصاةً حجراً يقولون: أن النبي صلى الله عليه وسلم اتكأ بمرفقه على هذه الحصاة، وهي في سفح جبل، والرسول عليه الصلاة والسلام ما جاء إلى الطائف من هذه الناحية، لكن الناس يريدون أن يلعبوا على الجهال فيسلبوا أموالهم.
انتهينا الآن من بلدين شريفين عظيمين يسافر إليهما بعض الناس في الإجازة، ومن الناس من يسافر لزيارة قريب له في بلاد أخرى، يسافر يزورهم ويصلهم ويستأنس بهم مدة يقدرها الله عز وجل، وهذا أيضاً سفرٌ مبرور وصاحبه مأجور، لأنه سفر لصلة الرحم، وهو مشروع، ويثاب صاحبه على هذا السفر، ويحصل لك أن تشاهد أقاربك وتحبهم ويحبوك وفيه خير كثير.
استغلالها بالسفر للمتعة المباحة
وهناك صنف يسافر لمجرد المتعة لكنها متعة حلال، وهذا جائز، له أن يسافر وإن كان سينفق أمواله لكنه سينفقها في مباح، والنفوس تكل وتسأم وتتعب مع الدروس، فإذا انطلقت وذهبت لينفس الإنسان عن نفسه فلا حرج، الدين والحمد لله يسر، لكن بشرط ألا يذهب إلى محرم، فمثلاً: لا يذهب إلى أماكن الأغاني والمطربين والملحنين؛ لأن شهود أهل الباطل باطل، وقد قال الله تبارك وتعالى: { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ } [النساء:140] فلا تشهد باطلاً لا أغاني، ولا رقصاً، ولا شيئاً محرماً؛ لأنك إذا فعلت ذلك فقد استعنت بنعم الله على معصية الله، وهذا لا يليق بالعاقل فضلاً عن المؤمن.
استغلالها بالسفر المحرم إلى بلاد الكفر
الصنف الخامس: من يسافر لبلاد كافرة، وهذا أخطر ما يكون، بلاد الكفر بلاد قد دمرت من الإيمان، لا تسمع فيها أذاناً ولا إقامة، وإنما تسمع نواقيس النصارى وأبواق اليهود، لا تسمع فيها (الله أكبر) كيف يليق بالمؤمن أن يذهب من بلاد يعلن فيها بتكبير الله وتوحيده إلى بلاد لا يسمع فيها هذا؟! مع ما يشاهد في أسواقها وفي مقاهيها وفي مطاعمها وفي فنادقها من الشر، مع أن بعض الناس يذهب للأسف بعائلته وهم صغار فتترسم هذه الصورة الباطلة في أذهانهم ولا ينسونها أبداً، وهذا السفر إلى التحريم أقرب منه إلى الإباحة، وقد صرح بعض علمائنا المعاصرين أن ذلك حرام، حتى لو أن الإنسان من أتقى الناس؛ لأن الإنسان بشر والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم.
فإياك أن تسافر وحدك أو بأهلك إلى بلاد الكفر! احذرها وابتعد عنها لا خير فيها ولا في أهلها.
الصنف السادس: ومن الناس من يبقى في بلده في متجره أو متجر أبيه، أو في مزرعته، أو مع مواشيه، فهؤلاء على خير ما داموا لا يأتون محرماً في هذا الجلوس.
أسأل الله تعالى أن يحفظ علينا ديننا، وأن يصلح شبابنا وشاباتنا وشيوخنا وكهولنا إنه على كل شيء قدير.
اللقاء الشهري ( 65 )
__________________________________________________ ____________
_ نصيحة اخرى لاستغلال الإجازة الصيفية للشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
السؤال: فضيلة الشيخ: أريد توجيه الشباب في هذه العطلة وإسداء النصيحة خاصة للإخوة المدرسين في هذه الإجازة، هل الأفضل لهم أن يسافروا لنصرة إخوانهم في المشرق والمغرب من إعانات ونحوها؟ أو الأفضل لهم الانضمام للمراكز العلمية الصيفية لحفظ الشباب؟ أو الذهاب إلى العلماء والاستفادة من الدروس العلمية التي توجد في كل مكان، ثم نصيحة للذين يضيعون أوقاتهم في غير هذه الأمور الثلاثة؟
الجواب:
أولاً: أنا لا أرى أن نسمي هذه الإجازة عطلة؛ لأنه ليس في أيام الإنسان المسلم المؤمن عطلة، بل ولا غير المؤمن، كلٌ يعمل، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ [الانشقاق:6]
نعم هي عطلة من الدراسة النظامية لكن لو سميت بدلاً من العطلة إجازة فهذا جيد.
ثانياً: بالنسبة لما سألت: هل الأفضل للأساتذة أن يذهبوا يميناً وشمالاً ليساعدوا إخوانهم أو يتفرغوا لطلب العلم، أو لتوجيه الشباب، أو للدعوة إلى الله؟ فهذه تختلف باختلاف الناس وباختلاف الحاجات، فالرجل الذي هو وعاء علم حفظاً وفهماً وإدراكاً نقول له: الأفضل أن تبقى في طلب العلم؛ لأن طلب العلم كما قال الإمام أحمد : لا يعدله شيء، فهو أفضل من الجهاد في سبيل الله إذا لم يتعين الجهاد؛ لأن الله تعالى قال في كتابه: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ [التوبة:122] أي: وبقي طائفة، (لِيَتَفَقَّهُوا) أي:الطائفة الباقية، فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [التوبة:122]
فجعل الله سبحانه وتعالى البقاء للتفقه في الدين معادلاً للخروج للجهاد في سبيل الله وهو أفضل منه؛ لأن الجهاد يُحتاج إليه في بعض الأوقات دون بعض، والناس محتاجون للعلم في كل شئون الحياة: في العبادات، والأخلاق، والمعاملات.
أما الجهاد في سبيل الله فالناس محتاجون إليه إما للدفاع عن دينهم وأوطانهم الإسلامية، وإما لأن تكون كلمة الله هي العليا؛ لأن الجهاد إما دفاع وإما هجوم، لكنه في جانب خاص من الحياة، وأما العلم فهو في جميع الجوانب،
قال الإمام أحمد رحمه الله: العلم لا يعدله شيء لمن صلحت نيته. أما الرجل الذي ليس وعاءً للعلم ولو جلس في الحلقات لا يفهم ولا يدرك شيئاً لكنه بصير بأحوال الجهاد قوي البدن قوي العزيمة، فالأفضل أن يخرج ويجاهد، وأما رجل ثالث لا يقوى على هذا ولا على هذا لكنه عنده إقناع وأسلوب في الدعوة والموعظة؛ يجلب القلوب ببيانه وموعظته، ويرقق القلوب ويدمع العيون، فنقول لهذا: تجوَّل وادع الناس في البلاد؛ لأن بلادنا محتاجة إلى طلبة علم ودعاة ليفقهوا الناس ويعلموهم
فإن كثيراً من أطراف البلاد -كما بلغنا- عندهم جهل كثير وهم يحتاجون إلى طلبة علم يعلمونهم. فلقد سافر بعض الطلبة في الإجازة الربيعية إلى جهة الجنوب، ففرح الناس بذلك فرحاً عظيماً -بهؤلاء الطلبة- وصاروا يلاحقونهم في كل مكان، يتلقون منهم ويأخذون منهم، هذا وهم طلبة، فكيف إذا ذهب من هو أعلى منهم شأناً؟ سيكون له فائدة كبيرة بلا شك.
أما بالنسبة للشباب فإني أنصح الشباب أن يحرصوا على حفظ أوقاتهم وألا يتعودوا على الكسل والخمول، وأن يلزموا أهل الخير الذين يوجهونهم توجيهاً سليماً ويحفظون عليهم دينهم وأخلاقهم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل الجليس الصالح كحامل المسك، إما أن يحذيك أو يبيعك أو تجد منه ريحاً طيباً، ومثل الجليس السوء كنافخ الكير؛ إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة خبيثة)
ويروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل). فنصيحتي للشباب أن يحرصوا على أن يصطحبوا أهل الخير وأهل العقول وأهل التأني والتروي، وليحذروا من قرناء السوء، فإن قرناء السوء كالنار تحرق الثوب شيئاً فشيئاً حتى تأتي إلى الجسد فتأكله، وعليهم أن يلتحقوا بالمراكز الصيفية التي يقوم عليها رجال مأمنون ديناً وخلقاً وفكراً وتوجيهاً، أو يلتحقوا بحلقات تحفيظ القرآن لعلهم في هذه الإجازة يحفظون شيئاً من كتاب الله، فإن أفضل كتاب وأحق كتاب بالعناية هو كتاب الله عز وجل، ونسأل الله للجميع التوفيق، وأن يجعلنا ممن حفظ أوقاته فيما يرضي الله عز وجل.
اللقاء المفتوح للشيخ بن عثيمين رحمه الله رقم ( 29)
يتبع ان شاء الله
فقد وقفت على بعض التصائح والتوجيها لكى نستفيد من الاجازه حق الاستفاده ولا يضيع الوقت هباء منثورا ولنبداء بنصائح شيخنا ووالدنا رحمه الله تعالى الشيخ محمد بن صالح العثيمين :
استغلال الإجازة الصيفية وأقسام الناس فيها
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الخامس والستون من اللقاءات الشهرية التي تتم كل شهر مرة في ليلة الأحد الثالث من كل شهر، وهذه الليلة هي الخامسة عشرة من شهر صفر عام (1420هـ).
نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل هذه اللقاءات ولقاءات إخواننا أهل العلم لقاءات مباركة دالة على الخير محذرة من الشر، وإنني أبشركم -أيها الإخوة- أن حضوركم إلى هذه اللقاءات من ذكر الله عز وجل، وأنكم مثابون عليها مع ما يحصل لكم من العلم النافع الذي تستنيرون به في أمور دينكم ودنياكم.
أيها الإخوة: إننا نستقبل إجازة المدارس في هذا العام، الإجازة النهائية التي تبلغ حوالي ثلاثة أشهر، أو تزيد قليلاً أو تنقص قليلاً.
هذه الإجازة هل ينبغي أن نجعلها كاسمها إجازة، أو نقول: هي إجازة مقيدة، بمعنى: أنها إجازة من الدروس النظامية، ولكنها ليست إجازة في طلب العلم وفي طلب ما ينفع الإنسان؟ ينبغي أن نجعلها كذلك، وأن نجد فيها غاية الجد في طلب ما ينفعنا في ديننا ودنيانا، لا نقول: إن الدراسة انتهت، فإن عمل المرء لا ينقضي حتى يأتي أجله، كما قال الله عز وجل: { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } [الحجر:99] وقيل: "اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد".
استغلالها بطلب العلم الشرعي
ولكن الواقع أن الناس ينقسمون في هذه الإجازة إلى أقسام كثيرة: منهم: من يتفرغ في هذه الإجازة لطلب العلوم الشرعية التي لم يقرأها في دراسته النظامية، أو التي قرأها على عجل دون أن يتمهل فيها وأن يتعمق فيها، وهؤلاء خير الأصناف، أعني: الذين يتفرغون في هذه الإجازة لطلب العلم الشرعي، وما هي الوسيلة لذلك؟ الوسيلة -والحمد لله- الآن موجودة، يوجد دورات في المدن الكبيرة، يجلس لها أهل العلم يعلمون الطلبة، وهناك أيضاً مراكز صيفية إذا يسر الله لها أقواماً أمناء، أهل علم وإيمان انتفع بهم الشباب ولا شك، وهناك كتب ومؤلفات يقرؤها طالب العلم ويتمرن على كسب العلم عن طريقها، ولكن احذر أن تقرأ كتباً مضلة فكرياً أو خلقياً أو منهجياً، فإن ضررك من هذه الكتب أكثر من غفلتك عنها، اقرأ كتب العلماء الذين عرفوا بالعلم والإيمان كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وتلميذه ابن القيم ، كذلك كتب الفقهاء إذا كنت تتحمل أن تبحث وأن تقارن بين أقوال العلماء، كذلك مثل كتب شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله وفي التفسير وغير التفسير، ومثل كتب شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله من فتاويه أو غيرها، وغير ذلك من كتب أئمة الدعوة والحمد لله وهي متوفرة.
هذا هو الصنف الأول من الأصناف الذين يتمتعون بالإجازة.
استغلالها بالذهاب إلى مكة والمدينة للعمرة والزيارة
وهناك صنف من الناس يسيرون في الأرض يذهبون إلى مكة وإلى المدينة يتمتعون بعمرة وزيارة، والعمرة قال النبي صلى الله عليه وسلم فيها: ( العمرة إلى العمرة كفارةٌ لما بينهما ) فتكون العمرة كفارة لما بين العمرتين من صغائر الذنوب، وزيارة المسجد النبوي قربة إلى الله عز وجل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى ) وليس لهذه الزيارة أو العمرة حد محدود، فيمكن أن تبقى أسبوعاً أو شهراً أو أكثر من ذلك حسب ما يتيسر لك، وحسب ما يناسبك وأهلك، وتزداد بذلك ثقافة ومعرفة لأحوال الناس، لا سيما وأن الناس الذين يفدون إلى مكة و المدينة من جهات شتى من العالم الإسلامي، فيحصل لك جلوس إليهم، واحتكاك بهم، ودراسةٌ لأحوالهم، وإرشادٌ لهم لما هم عنه غافلون أو به جاهلون.
مكة -شرفها الله- فيها المسجد الحرام، وهل فيها أمكنة أخرى تزار في العمرة أو لا؟ العمرة ليس فيها شيء إلا المسجد الحرام، تطوف وتسعى وتقصر وانتهت العبادة ليس هناك عبادة سوى هذا، الصلوات معروفة، ولكن ليس هناك أماكن يسن للإنسان أن يقصدها.
وبعض الناس يتعمد أن يذهب إلى غار حراء يظن أن هذا من السنة وليس كذلك، غار حراء غار كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعبد فيه الليالي ذوات العدد قبل أن ينبأ، ونزل عليه الوحي وهو في هذا الغار، ولكن لم يعد النبي صلى الله عليه وسلم إليه بعد ذلك ولا كان الصحابة يقصدونه، وهناك غار آخر يقصده بعض والناس يظن أنه قربة، وهو غار ثور الذي اختفى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم في الهجرة وإتيانه ليس بسنة ولا قربة إلى الله عز وجل، لكن لو أن الإنسان صعد على جبل حراء أو على جبل ثور من أجل أن يطلع فقط دون أن يتقرب إلى الله بهذا الصعود، فهل ينكر عليه؟
الجواب
لا ينكر عليه، ينكر على الإنسان الذي يذهب يتعبد لله ويتقرب إلى الله بذلك.
وفي المدينة النبوية اقصد بذهابك إليها الصلاة في المسجد النبوي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة ) وأول ما تقصد المسجد تصلي فيه وليس له حد محدود، صلِّ فيه فرضاً واحداً أو اثنين أو ثلاثة، يوماً أو يومين أو ثلاثة أو أكثر، ليس فيه خمس صلوات كما يقول بعض العوام، ولا فيه أربعين صلاة كما يقول آخرون، بل صلِّ ما شئت.
ثم زيارة قبر نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، هذا القبر كان هو مسكنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان له زوجات مات عن تسع منهن، وكل واحدة لها بيت، وهذا الذي هو فيه بيت عائشة رضي الله عنها، ولما مرض النبي صلى الله عليه وسلم كان من عدله أن يذهب إلى كل امرأة في يومها وهو مريض، ويقول: ( أين أنا غداً؟ أين أنا غداً؟ ) فهم زوجاته رضي الله عنهن أنه يريد يوم عائشة ، فأذنَّ له أن يمرَّض في بيت عائشة ، فبقي عند عائشة مريضاً وآتاه الموت يوم الإثنين، اللهم صل وسلم عليه، وصادف ذلك اليوم يوم عائشة ، ومات وهو في حجرها عليه الصلاة والسلام، وآخر ما طعم من الدنيا ريقها؛ لأن أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر دخل ومعه سواك والنبي صلى الله عليه وسلم يحتضر، فجعل ينظر إليه، فعرفت عائشة أنه يريده فقالت: آخذه لك؟ فأشار أن نعم، فأخذته وقضمته بأسنانها، أي: قطعت الألياف التي كان عبد الرحمن يتسوك بها، ثم قضمته وعلكته وطيبته وصار من أحسن ما يكون، ثم أعطته النبي صلى الله عليه وسلم فاستاك به بيده الكريمة، قالت: ( فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم استن استناناً -يعني: استاك استياكاً- أحسن منه ) فصار آخر ما طعم من الدنيا ريقها رضي الله عنها.
المهم أنه مات في هذا المكان، والحمد لله ما زال فيه منذ دفن إلى اليوم، والأرض لا تأكل منه شيئاً، الأنبياء كلهم لا تأكلهم الأرض، فقد حرم الله جل وعلا على الأرض أن تأكل لحوم الأنبياء.
وإذا انتهيت من الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في أي مكان منه، وإن كان في الروضة وهي ما بين بيته ومنبره فهو أحسن، إذا انتهيت فاذهب إلى القبور الثلاثة: قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر أبي بكر وقبر عمر ، وسلم عليهم، ابدأ أولاً بالرسول صلى الله عليه وسلم وسلم عليه، قف أمامه وقل: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
هذه أحسن صيغة تسلم بها على الرسول صلى الله عليه وسلم، ودع عنك ما يذكره بعضهم في بعض الكتيبات الصغار، وسلم عليه بما علمه أمته.
ثم اخط خطوة عن يمينك لتكون تجاه أبي بكر رضي الله عنه، وسلم عليه وقل له: السلام عليك يا خليفة رسول الله، رضي الله عنك وجزاك عن أمة محمدٍ خيرا -ثلاث كلمات- ثم تجاوز قليلاً خطوة واحدة عن يمينك لتقف تجاه عمر رضي الله عنه، وسلم عليه وقل: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، رضي الله عنك وجزاك عن أمة محمدٍ خيراً.
وهناك مزار ثالث: وهو البقيع ، مقبرة أهل المدينة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: ( اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد )، فتأتي وتسلم على المقبرة أول ما تدخل على الجميع بالسلام المعروف: ( السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم ).
ثم اعمد إلى قبر الخليفة الثالث عثمان وهو معروف، سلم عليه، قف أمامه وقل: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، اللهم ارض عنه واجزه عن أمة محمدٍ خيراً.
ثم انصرف ولا تدع في المقبرة، فالمقبرة ليست مكان دعاء، وأهل القبور لا يُدعون، أهل القبور يدعى لهم ولا يُدعون، فهم في حاجة.
هذه ثلاثة مزارات.
الرابع: مسجد قباء، تطهر في بيتك واخرج إليه وصل فيه ما شاء الله، فإن من تطهر ببيته وخرج إلى قباء وصلى فيه كان كمن أدى عمرة، وصلِّ فيه ما شئت ثم انصرف، قال الله تبارك وتعالى مخاطباً نبيه: { وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } [التوبة:107] أربعة أغراض لمسجد الضرار، قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: { لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } [التوبة:108] صل في قباء ركعتين أو ما شئت، ثم انصرف.
هذا المزار الرابع.
الخامس: شهداء أحد ، والمكان معروف ومقبرتهم معروفة، سلم عليهم كما تسلم على سائر المقابر، وإن شئت فخصص منهم حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم الذي له هذا اللقب العظيم: أسد الله وأسد رسوله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عن حمزة ، وقد استشهد حمزة في غزوة أحد في السنة الثالثة من الهجرة.
هذه خمسة مزارات في المدينة وما سواها فلا أصل له، وليس هناك مسجد قبلتين ولا مسجد غمامة ولا شيء، لكن تعرف أن بعض الناس يستغل الفرصة لأكل المال بالباطل، فيقول للناس الذين لا يعرفون: هذا مزار كذا، وهذه سبعة مساجد، وهذا مسجد غمامة، وهذا مسجد القبلتين وما أشبه ذلك، فهذا استغلال وأكل أموال الناس بالباطل، حتى إني رأيت في شرقي الطائف حصاةً حجراً يقولون: أن النبي صلى الله عليه وسلم اتكأ بمرفقه على هذه الحصاة، وهي في سفح جبل، والرسول عليه الصلاة والسلام ما جاء إلى الطائف من هذه الناحية، لكن الناس يريدون أن يلعبوا على الجهال فيسلبوا أموالهم.
انتهينا الآن من بلدين شريفين عظيمين يسافر إليهما بعض الناس في الإجازة، ومن الناس من يسافر لزيارة قريب له في بلاد أخرى، يسافر يزورهم ويصلهم ويستأنس بهم مدة يقدرها الله عز وجل، وهذا أيضاً سفرٌ مبرور وصاحبه مأجور، لأنه سفر لصلة الرحم، وهو مشروع، ويثاب صاحبه على هذا السفر، ويحصل لك أن تشاهد أقاربك وتحبهم ويحبوك وفيه خير كثير.
استغلالها بالسفر للمتعة المباحة
وهناك صنف يسافر لمجرد المتعة لكنها متعة حلال، وهذا جائز، له أن يسافر وإن كان سينفق أمواله لكنه سينفقها في مباح، والنفوس تكل وتسأم وتتعب مع الدروس، فإذا انطلقت وذهبت لينفس الإنسان عن نفسه فلا حرج، الدين والحمد لله يسر، لكن بشرط ألا يذهب إلى محرم، فمثلاً: لا يذهب إلى أماكن الأغاني والمطربين والملحنين؛ لأن شهود أهل الباطل باطل، وقد قال الله تبارك وتعالى: { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ } [النساء:140] فلا تشهد باطلاً لا أغاني، ولا رقصاً، ولا شيئاً محرماً؛ لأنك إذا فعلت ذلك فقد استعنت بنعم الله على معصية الله، وهذا لا يليق بالعاقل فضلاً عن المؤمن.
استغلالها بالسفر المحرم إلى بلاد الكفر
الصنف الخامس: من يسافر لبلاد كافرة، وهذا أخطر ما يكون، بلاد الكفر بلاد قد دمرت من الإيمان، لا تسمع فيها أذاناً ولا إقامة، وإنما تسمع نواقيس النصارى وأبواق اليهود، لا تسمع فيها (الله أكبر) كيف يليق بالمؤمن أن يذهب من بلاد يعلن فيها بتكبير الله وتوحيده إلى بلاد لا يسمع فيها هذا؟! مع ما يشاهد في أسواقها وفي مقاهيها وفي مطاعمها وفي فنادقها من الشر، مع أن بعض الناس يذهب للأسف بعائلته وهم صغار فتترسم هذه الصورة الباطلة في أذهانهم ولا ينسونها أبداً، وهذا السفر إلى التحريم أقرب منه إلى الإباحة، وقد صرح بعض علمائنا المعاصرين أن ذلك حرام، حتى لو أن الإنسان من أتقى الناس؛ لأن الإنسان بشر والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم.
فإياك أن تسافر وحدك أو بأهلك إلى بلاد الكفر! احذرها وابتعد عنها لا خير فيها ولا في أهلها.
الصنف السادس: ومن الناس من يبقى في بلده في متجره أو متجر أبيه، أو في مزرعته، أو مع مواشيه، فهؤلاء على خير ما داموا لا يأتون محرماً في هذا الجلوس.
أسأل الله تعالى أن يحفظ علينا ديننا، وأن يصلح شبابنا وشاباتنا وشيوخنا وكهولنا إنه على كل شيء قدير.
اللقاء الشهري ( 65 )
__________________________________________________ ____________
_ نصيحة اخرى لاستغلال الإجازة الصيفية للشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
السؤال: فضيلة الشيخ: أريد توجيه الشباب في هذه العطلة وإسداء النصيحة خاصة للإخوة المدرسين في هذه الإجازة، هل الأفضل لهم أن يسافروا لنصرة إخوانهم في المشرق والمغرب من إعانات ونحوها؟ أو الأفضل لهم الانضمام للمراكز العلمية الصيفية لحفظ الشباب؟ أو الذهاب إلى العلماء والاستفادة من الدروس العلمية التي توجد في كل مكان، ثم نصيحة للذين يضيعون أوقاتهم في غير هذه الأمور الثلاثة؟
الجواب:
أولاً: أنا لا أرى أن نسمي هذه الإجازة عطلة؛ لأنه ليس في أيام الإنسان المسلم المؤمن عطلة، بل ولا غير المؤمن، كلٌ يعمل، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ [الانشقاق:6]
نعم هي عطلة من الدراسة النظامية لكن لو سميت بدلاً من العطلة إجازة فهذا جيد.
ثانياً: بالنسبة لما سألت: هل الأفضل للأساتذة أن يذهبوا يميناً وشمالاً ليساعدوا إخوانهم أو يتفرغوا لطلب العلم، أو لتوجيه الشباب، أو للدعوة إلى الله؟ فهذه تختلف باختلاف الناس وباختلاف الحاجات، فالرجل الذي هو وعاء علم حفظاً وفهماً وإدراكاً نقول له: الأفضل أن تبقى في طلب العلم؛ لأن طلب العلم كما قال الإمام أحمد : لا يعدله شيء، فهو أفضل من الجهاد في سبيل الله إذا لم يتعين الجهاد؛ لأن الله تعالى قال في كتابه: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ [التوبة:122] أي: وبقي طائفة، (لِيَتَفَقَّهُوا) أي:الطائفة الباقية، فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [التوبة:122]
فجعل الله سبحانه وتعالى البقاء للتفقه في الدين معادلاً للخروج للجهاد في سبيل الله وهو أفضل منه؛ لأن الجهاد يُحتاج إليه في بعض الأوقات دون بعض، والناس محتاجون للعلم في كل شئون الحياة: في العبادات، والأخلاق، والمعاملات.
أما الجهاد في سبيل الله فالناس محتاجون إليه إما للدفاع عن دينهم وأوطانهم الإسلامية، وإما لأن تكون كلمة الله هي العليا؛ لأن الجهاد إما دفاع وإما هجوم، لكنه في جانب خاص من الحياة، وأما العلم فهو في جميع الجوانب،
قال الإمام أحمد رحمه الله: العلم لا يعدله شيء لمن صلحت نيته. أما الرجل الذي ليس وعاءً للعلم ولو جلس في الحلقات لا يفهم ولا يدرك شيئاً لكنه بصير بأحوال الجهاد قوي البدن قوي العزيمة، فالأفضل أن يخرج ويجاهد، وأما رجل ثالث لا يقوى على هذا ولا على هذا لكنه عنده إقناع وأسلوب في الدعوة والموعظة؛ يجلب القلوب ببيانه وموعظته، ويرقق القلوب ويدمع العيون، فنقول لهذا: تجوَّل وادع الناس في البلاد؛ لأن بلادنا محتاجة إلى طلبة علم ودعاة ليفقهوا الناس ويعلموهم
فإن كثيراً من أطراف البلاد -كما بلغنا- عندهم جهل كثير وهم يحتاجون إلى طلبة علم يعلمونهم. فلقد سافر بعض الطلبة في الإجازة الربيعية إلى جهة الجنوب، ففرح الناس بذلك فرحاً عظيماً -بهؤلاء الطلبة- وصاروا يلاحقونهم في كل مكان، يتلقون منهم ويأخذون منهم، هذا وهم طلبة، فكيف إذا ذهب من هو أعلى منهم شأناً؟ سيكون له فائدة كبيرة بلا شك.
أما بالنسبة للشباب فإني أنصح الشباب أن يحرصوا على حفظ أوقاتهم وألا يتعودوا على الكسل والخمول، وأن يلزموا أهل الخير الذين يوجهونهم توجيهاً سليماً ويحفظون عليهم دينهم وأخلاقهم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل الجليس الصالح كحامل المسك، إما أن يحذيك أو يبيعك أو تجد منه ريحاً طيباً، ومثل الجليس السوء كنافخ الكير؛ إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة خبيثة)
ويروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل). فنصيحتي للشباب أن يحرصوا على أن يصطحبوا أهل الخير وأهل العقول وأهل التأني والتروي، وليحذروا من قرناء السوء، فإن قرناء السوء كالنار تحرق الثوب شيئاً فشيئاً حتى تأتي إلى الجسد فتأكله، وعليهم أن يلتحقوا بالمراكز الصيفية التي يقوم عليها رجال مأمنون ديناً وخلقاً وفكراً وتوجيهاً، أو يلتحقوا بحلقات تحفيظ القرآن لعلهم في هذه الإجازة يحفظون شيئاً من كتاب الله، فإن أفضل كتاب وأحق كتاب بالعناية هو كتاب الله عز وجل، ونسأل الله للجميع التوفيق، وأن يجعلنا ممن حفظ أوقاته فيما يرضي الله عز وجل.
اللقاء المفتوح للشيخ بن عثيمين رحمه الله رقم ( 29)
يتبع ان شاء الله