ـــــــــــــــــــــــــــــ
بيني وبينك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بيني وبينك.. هذا حديث خاص بيننا فقط.. لا نريد احداً أن
يتدخل أو يسمع..
لأنه حديث يخصني.. ويخصك فقط..
(1)
هاتف ليلة العيد
رن هاتف الجوال وأنا في أوج انشغالي بتهيئة البيت استعداداً لاستقبال العيد المبارك..
التقطت الهاتف متوقعة تهنئة من صديقة عزيزة، غير أنني فوجئت بصوت بكاء ونشيج على الطرف الآخر!!
هدأت الصوت، وكلي وجل من عظيم المصاب الذي سيقع عليّ، فإذا بها فتاة من صديقات حياة تبكي بحرقة وألم ممتزج بالخوف من القادم!..
(غدا سيطلقني زوجي.. لقد توعدني بأنه سيطلقني يوم العيد. وغداً هو العيد، ماذا أفعل حتى لا يطلقني؟؟..)
توقفت برهة أريد أن أستوعب فكرة الطلاق المقرون بالعيد، بادرتها ولماذا سيطلقك يوم العيد؟؟
قالت: إنه سبب تافه لا يستحق وقد اعتذرت منه كثيراً وتأسفت لكنه أصر على أنه سيطلقني يوم العيد..
سألتها ولماذا أنت خائفة من الطلاق؟ هل بينكما أولاد؟
قالت: لا، لكن منذ تزوجته قبل سنة ونصف تقريباً وهو يمعن في إذلالي ويتصيد أخطائي ويحاسبني على كل صغيرة وكبيرة، ويتحكم بقراراتي الشخصية، ودائماً يثبت أنني مخطئة بحقه! وإذا بادرت بالاعتذار طالبني بتقبيل قدمه!!..
حتى يوم صباحيتي (اليوم الأول بعد الزواج) هددني بالطلاق إن لم أنفذ كل أوامره وأمشي طوع بنانه..
هنا فقط أوقفتها وطلبت منها تفسيراً لاستمرارها مع شخص يتلذذ بإهانتها ويتحكم بها.
قالت: أخشى على أهلي من صدمة طلاقي فهم مسالمون وهادئون وبعيدون عن المشاكل.
بصراحة لم أستطع أن أكتم هذه المشكلة لأن فيها الكثير من العبر التي يجب علينا الانتباه لها وتفتيح عقول أبنائنا وبناتنا عليها في وقت مبكر..
وفي جمعة أسرية طرحت المشكلة على الفتيات وطالبتهن بتقديم حل مناسب لها.
قلن بصوت واحد: (مشكلتها أنها ضعيفة فيجب أن تتحمل نتيجة ضعفها ورضاها بالمهانة والذل منذ بداية الزواج، فقد كانت بحاجة إلى الوقوف في وجهه عندما تجاوز حدوده معها، ومشكلة زوجها أنه يحتاج إلى إعادة تربية من جديد حتى يعرف كيف يحترم الآخرين كما يطالبهم بأن يحترموه.)
الجميل في قصة تلك الفتاة أنها اجتهدت في حل مشاكلها مع زوجها دون الرجوع إلى أهلها ومعرفتهم بتفاصيل حياتها، لكن من جهة أخرى كان عليها وعلى أسرتها تثقيفها بما لها وما عليها وما هي حقوقها وما هي واجباتها..
يبدو أنها تحتاج إلى إعادة نظر فيما فعلت آنفا ومدى قدرتها على الاستمرار في ظل هذه التهديدات المتكررة...
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته
............... وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
**
مجلة حياة العدد (94) صفر 1429هـ
(2)
* بفلم: د. فهد بن حمد المغلوث
أحتاج إليك أبي..!
أعرف يا أبي أن ما سأبوح به لك قد يكون قاسياً عليك بعض الشيء، بل أدرك أنه مؤلم بالنسبة لي أيضاً، ولكن صدقني، فأنا لم أقله إلا بعد أن أعيتني الحيل من أن تكون بجانبي، وبعد أن انتظرتُ طويلاً من أجل أن أرى منك ما يشعرني بأبوتك، وحقوقي عليك!
ترى، أي مبررات وأي مغريات تلك التي أنستكَ إياي وأنا ابنتك التي لطالما افتخرت بك أباً،
وتجعلك تهجرني وتهجر إخوتي وتكون بعيداً عنا في اللحظة التي نكون فيها في أمس الحاجة إليك، وكأننا أبناء ناسٍ آخرين.؟
أي أبوّة تلك التي تجعلك تقطع أواصر المحبة والتواصل معنا فلا تسأل عنا ولا تطمئن علينا وتحمينا من تقلبات الظروف، وقسوة الأيام؟
وأنا في سن المراهقة.. وقد تعودتُ أن أناديك فتجيبني.. من لي حينما أشعر بك تغادرني فجأة ودون سبب واضح سوى أنك تريد أن تستمتع بحياتك بعيداً عنا، نحن فلذات كبدك.. وكأننا حمل ثقيل عليك تريد أن تتخلص منه، وأننا سبب نكدك!
تخيل يا أبي، أي شعور يراودني وأنا أشعر بأني كسرت من الداخل وفقدت ثقتي بنفسي وثقة أعزّ من أملك، تخيل مشاعر الإحباط لدي وأنا أشعر بالخوف من كل إنسان، ومع كل موقف..
آهٍ يا أبي، لو تعلم مشاعري وأنا أبوح لك بما يعتمل في خاطري تجاهك، صدقني لم أنم ليلتها..
انتابتني مشاعر غريبة لم أحس بها من قبل، مشاعر ممزوجة بالرضا كوني أخرجت ما في قلبي لك ومشاعر الشعور بالندم كوني ضايقتك بمصارحتي دون أن أقصد، ولكن ماذا أفعل وأنا أرى أبي الذي أفقت على الدنيا وأنا أراه، يضيع من بين يدي؟ ماذا أفعل وأنا أشعر بأني أكاد أن أفقد مصدر الحنان والعطف الذي تبحث عنه كل فتاة.؟
ترددتُ كثيراً فيما قلته لك، وفكرت في نفسي قائلةً: إنه لا يبخل علينا بالمال أبداً.. ولكن هل المال يا أبي كل شيء؟ هل يغني عن من تحب وعمن يملكون مكانة كبيرة وغالية في قلوبنا، وعن مصدر السعادة الحقيقة.. التي هي أنت يا أبي؟
نحن نريدك.. نريد الجلوس معك.. وأن نشعر بأنك بجانبنا.. تتحدث معنا وتسألنا عن أحوالنا، وتتلمس احتياجاتنا.. فذلك بالنسبة لي أجمل وأغلى شيء نحلم به، تخيل مقدار السعادة والفخر الذين يصيباني وأنا أتحدث أمام صديقاتي عن حبك لنا وعطفك علينا وقربك منا.. شعور غاية في الروعة..!
وتأكد يا أبي.. أنك بغيابك.. وإهمالك لي، تجعلني أبحث عن العاطفة والحنان في مكان آخر ومع ناس آخرين.. أناسٍ لا أضمن نواياهم وأهدافهم، فأنا في مرحلة عمرية حساسة، قد أضعف أمام أي كلمة حلوة أو لمسة حنان من أي شخص..
خاصة تلك الذئاب البشرية التي تترصد لنا نحن الفتيات.!
أرجوك.. يا أبي، لا تغضب مني.. كل ما أطلبه أن تكون قريباً مني.. تشعرني بحنانك، وحبك.. وسؤالك المتواصل عني.. وأن تشعرني بأنني أعني لك فعلاً الكثير الكثير.. وأغنيني مغبة اللجوء للآخرين.. وتأكد كل التأكد.. أن الأمان العاطفي هو ما أبحث عنه، وأتوق إليه، فهلاّ أشبعتني إيّاه..؟!
ابنتك..
**
مجلة حياة العدد (95) ربيع أول 1429هـ
(3)
مشكلتي في بيتنا..
في هذا العدد.. يشاركنا (الدكتور/ عبد العزيز العثمان) زاوية بيني وبينك، بمشكلةٍ وفدت له، وقام بحلّها مشكوراً..
تحدثت بعد تردد قائلة:-
’’مشكلتي الأساسية ليست انخفاض الوزن بل إنها الحياة التي لا تطاق في منزلنا.. أحس أحياناً بضيق واكتئاب مما أسمعه يومياً من مشكلات لا تكاد تنتهي، خلاف بين والديّ منذ أن فتحت عيني على الدنيا وزادت تعقيداً عندما تزوج أبي العام الماضي، أخي الأكبر يتدخل في شؤوني دائماً كلما زارنا ..
والأحرى به أن يهتم بزوجته وأولاده ويكفيني إزعاجه وعدم ثقته التي تؤلمني جداً. لا أحد يفهمني .. وأفتقد الحنان من صغري وإلى الآن.. بسبب هذه المشاكل تراجع مستواي الدراسي بعد أن كنت متفوقة في المرحلة الثانوية ..
أريد حلاً يا دكتور ينهي معاناتي وبسرعة..‘‘
قلت لها وبهدوء يشعرها بالاطمئنان .. الحل ميسر، ولكن لا توجد حياة بدون تعب والآن أصبحت امرأة يعتمد عليك لهذا بدأتِ ترين المشكلات وتتعاملين معها ..
كيف تتعاملين مع أخيك الأكبر؟
أول مراحل الحل هو تحسين العلاقة مع زوجته وأولاده ثم معه .. هل جربت أن تقدمي هدية ولو صغيرة له أو لزوجته؟.. الهدية مهما كانت بسيطة تأثيرها ساحر للقلوب، جربيها واكسري حاجز التردد الذي في نفسك وتخوفك من أنهم قد يستغربوها منك .. فهذا شعور يخالج نفوسنا ليوقف مبادراتنا الخيرة.. لا تقولي كيف أهديه وهو يتعامل معي بقسوة .. ابدئي باللين والرفق وسترين كيف تغيرينه في وقت قصير جداً ولا تنسي أنه أخوك الأكبر..
أفكار لحل مشكلة والديك
أتدرين لماذا تحسين بجفاء والديك؟ لأنهما مشغولان في مشاكلهما في الوقت الذي ننتظر منهما المبادرة والحب والرفق، وهما يتوقعان من أبنائهما نفس الشيء والحقيقة أن برهما والرفق بهما من واجب الأبناء من الآن وليس بعد أن يكبرا.. فكوني لهما كأنثى الطائر الحنون تفتح جناحيها لتحمي صغارها عن البرد والمطر.
جربي الحوار الهادئ عندما تكونون جميعاً هادئين، وليس بالضرورة مناقشة المشاكل بل في أي شيء مناسب، يشعرهم باهتمامك وحرصك، لا تنسي أنك في نظرهم طفلة وستبقين كذلك ولو كنت أماً في المستقبل .. اكسري حاجز الصمت.. ولكن لا تتحدثي عن معاناتك، بل الحديث بتفاؤل عن العائلة ولا بأس من تقديم بعض الطرف أو المسابقات الطريفة عندما تجتمع العائلة..
هناك فكرة قد تحسن وضعهما وتحل مشكلة أخيك، تذكري.. أن لنا أخطاء كما للآخرين .. فأنت قد تنتقدين تصرفاتهم وهم أيضاً ينتقدون تصرفاتك .. فالاعتراف بالخطأ فضيلة وليس انهزاماً، والأهل لن يتوقفوا عن متابعتهم لك ودافعهم جميعاً في هذا الحرص والخوف عليك لا الشك فيك..
بعد أيام اتصلي على أخيك وأخبريه أنك ترغبين مناقشته بأمر هام، اجلسا لوحدكما في مكان مناسب، تناسي تماماً ما عمله أو قاله لك، واطرحي عليه قضية والديكما وذكريه بدوره الهام وأن صمتكما يهدم حياتهما ثم اقترحي عليه عدة وسائل للتقريب وتلطيف الجو بينهما وجمعهما في مناسبات خاصة خارج المنزل ترتبينها بطريقتك ..
أيضاً فكري في تنظيم رحلة لهما إلى مكة أو المدينة أو أي مكان آخر
واستأذنيهما بالحجز لهما وساعديهما في التنفيذ بإصرار وتودد وقبلي رأسيهما حتى يقبلان الدعوة على أنها من أخيك ولك الأجر العظيم، وبالحوار تزول الغمة التي على القلوب وتشرق الشمس من جديد على قلبيهما وتتفتح أزهار النباتات التي زرعوها من قبل والتي ربما جار عليها الزمن فذبلت عطشاً لكنها لم تمت.
إن شعور أخيك باهتمامك بوالديك وتقديرك له سيجعله يعيد تقييم تعامله معك.. وسيلوم نفسه كيف أساء إليك واتهمك بما ليس فيك أما أنت فستحسين بطعم جديد للحياة ولا أجمل من الإحساس بأهميتنا لمن حولنا والأجمل أن نبذل الخير فنشعر بنتائجه عاجلة وما عند الله أعظم ..
توكلي على الله ولا تلتفتي لأي شيء قد يعيقك في تنفيذ خطتك .. فقط استعدي وفكري ثم نفذي دون خوف فالمبادرات الخيرة نتخوف منها في البداية ثم نحس بطعمها اللذيذ بعد فترة، ولا بأس من أن تفكري فيما ستقولينه أو ما تفعلينه قبل عدة أيام، ستبهرك النتيجة، وستكونين مثار إعجاب الجميع فأنت الوحيدة التي بادرت وأشعلت شمعة الأمل لتضيء الطريق لكل أفراد العائلة،
هم بحاجتك لكن لم يتوقعوا منكِ خطوة، وستتغير نظرتهم لك لتكوني أنت من تتحكمين لا من تنفذين فحسب ..
لا تضعي عراقيل وهمية، أو تقولي جربت وسائل شبيهة ولم أفلح.. واعتبريها طاعة لله وحاولي مرة ومرة ومرة وستنجحين بمشيئة الله ...
**
مجلة حياة العدد (92) ذو الحجة 1428هـ
(4)
عارضتك مشكلة .. لم يسمعك أحد؟!
لا تحتاري فالحل لدي .. انتحري.!
مريم أتسمعينني
ستكونين بخير فقط فقط استرخي...
بسرررررررررعة Ventolin injection
هذا آخر ما سمعته.. أيقظتني أشعة الشمس عندما رفع عنها الستار من قبل الممرضة، تذكرت أزمة الربو التي جاءتني وفقدت على أثرها الوعي.. ابتسمت عندما شاهدت أبي يغطي جبيني بيديه الحنونة ليقرأ ما تيسر من القرآن..
الحمد لله لقد كنتِ بحال يرثى لها، علمت منه عن الأحداث التي حصلت لي.... بعدها زيارات الأهل والأصدقاء إلى أن أوشكت عقارب الساعة على بدء إعلان انتهاء وقت الزيارة... أصررت أن أبات اليوم وحدي دون مرافق فيكفيهم مشقة ليلتين من التعب والسهر، بدأ الهدوء يتسلل إلى الجناح العمومي الذي سكنت به أنا وأزمتي..
أحسست بالنوم يدغدغ أهدابي فاستسلمت له حتى جاء ما يفزعني ويهرب عني نومي!!
انتحار انتحار.. كلمات رنت في أذني..
تحكي خلود 19 سنة بجواري.. أن الحياة لحظة ينتهي وقتها بمجرد تناول جرعات زائدة من الدواء، وتصمت دقائق ثم تكمل حديثها.. يئست عندما أحسست أن الأهل لا يفهمون رغباتي.. لم أشعر بكياني أو حتى بوجودي فلماذا أنا هنا أعيش في العالم.. كنت أنتظر شارة بدء الانتهاء لعالم الآخرة وبدأت هذه الإشارة بشجار مع أخي الأكبر لسبب جدا تافه فدخلت غرفتي لأخرج منها بسيارة إسعاف!
قطعت حديثنا ممرضة من الجنسية العربية.. لإعطاء دواء مهدئ يخلد خلود إلى النوم.. شعرت تلك الممرضة بحزني وشغفي لإكمال حديث خلود.. فقالت دون أن أسألها جناح 17 مليء بقصص الانتحار انتظري ساعة وستبدأ زيارات المريضات لبعضهن حتى يتبادلن القصص والأحاديث..
ذهبت لسريري على ملامحي ابتسامة رضا.. كانت تلك الساعة التي حدثتني عنها الممرضة بطيئة بل هي البطء بمعناه.. قررت أن أتمشى بنصف الوقت المزعوم.... فلمحت فتاة أظنها لم تتجاوز الثالثة عشرة!! تتمشى وهي متمسكة بالمغذي الموضوع في الشريان بيدها..
ألقيت التحية.. فردت ببرود قاتل على تحيتي وحاولت أن تكمل مسيرها.. فحاولت جذبها لي قائلة.. سمعت أن المحقق أتى اليوم سائلاً عن الفتيات المنتحرات في هذا الجناح،
لمحت خطواتها تقف شيئاً فشيئاً، سألتني الفتاة بعد أن استوقفتها قائلة: هل قمتِ بتجربة الانتحار؟..
فناظرتها قائلة: لماذا وهل الانتحار حلال!؟
فأجابت بعدما استندت على كرسي لتجلس.. نعم الانتحار أصبح حلالاً.. هكذا تقول صديقاتي..
فرددت ولماذا انتحرتِ هل لتجربة الحلال فقط!
فأجابتني قائلة: لا بالانتحار أستطيع أن أنفذ كل رغباتي المرفوضة.. صديقتي كانت ممنوعة من كل شيء وبعدما جربت الانتحار أصبح كل شيء مسموح لها!
فقلت لها ولكن! ماذا إذا كان انتحارك صادقاً ولم يستطع أحد إنقاذك..
فابتسمت ابنة الثالثة عشرة قائلة: هناك طرق للانتحار الشكلي الأغلب يتبعها.. وهي مضمونة.. تطيح بك أرضاً لكنها لا تميتك!
ذهلت حقاً بما سمعت، وذكرت لتلك الفتاة آيات من القرآن عن الانتحار وعقابه وكيف تبعث للآخرة... أحسست أن هناك قناعة تامة في ذهنها أنه طالما كان انتحار مدبر فهو حلال.. ليس في ذهنها فقط بل في ذهن كل الفتيات من عمرها!!
وجدت أن جميع القصص هنا متشابهة.. الهدف واحد لكن تسلسل الأحداث والأبطال مختلف!!
تناسيت مرضي وألمه.. تناسيت تشعب صدري بالربو وضيقه.. أمام هذه المشكلة...!!
هل الموت أصبح لعبة نعبث بها متى نشاء!! هل الموت أصبح اليد التي توجع من نرغب حتى نفعل ما نريد!!؟
أسرار وسبل متطورة من قصص الانتحار المزعوم يملأ جناح 17، وليس فقط جناح 17 فكل جناح نسائي في المستشفى ترقد بأحد أسرته فتاة منتحرة!
أكملت رحلة شفائي وبقي في ذهني السؤال عن هذا الانتحار!
تقول شيخه الحريش أخصائية في مدرسة ثانوية: (إن قصص الانتحار في السنوات الأخيرة بدأت تتزايد.. إلى أن أصبح شيئاً شبه عادي لا نصعق عندما نسمع عنه.. ملفات الانتحار وإجازات الفتيات المرضية تملأ أرشيف مكتبي... الكل يريد أن يجرب هذه التجربة..)
وعندما سألتها عن السبب وراء هذا الانتحار قالت: (إن السبب وراء هذا الانتحار واحد! إما رغبة لم تنفذ.. أو أمر لم يُلب.. أو هم لم ينتهِ.. أو حب لم ينجح...!)
وأكملت حديثها قائلة إن الأهل أصبحوا يخافون بناتهن.. فلا يرفضون شيئاً حتى لا تصبح مثل فلانة أو فلانة..
قاطعتها قائلة: والحلقة هنا مفقودة؟؟ من المسؤول وراء ذلك الأهل أم طريقة التربية؟؟
فأجابتني: (الحوار في بعض الأسر للأسف أصبح شبه معدوم... وغياب الوازع الديني ولا تنسي أنه الحصان المنيع من ذلك المرض المتفشي بينهن ولا تنسي يا أختي أن الرفقة عامل مؤثر ومهم لا يمكن تجاهله..)
أنهيت حديثي معها بعدما أخبرتني أن كل ملف انتحار يتم معالجته بسرية وإحضار الفتاة والأهل لعدة جلسات حتى يتم معالجة الأمر.. نعم انتهيت والقضية لم تنتهِ بعد.. لا تزال صرخات الفتيات تستمر في جناح 17، والسؤال الذي يطرح نفسه.. إلى متى سيكون الانتحار حلالاً في أيديهنّ!؟
مريم العلي
**
مجلة حياة العدد (93) محرم 1429هـ
بيني وبينك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بيني وبينك.. هذا حديث خاص بيننا فقط.. لا نريد احداً أن
يتدخل أو يسمع..
لأنه حديث يخصني.. ويخصك فقط..
(1)
هاتف ليلة العيد
رن هاتف الجوال وأنا في أوج انشغالي بتهيئة البيت استعداداً لاستقبال العيد المبارك..
التقطت الهاتف متوقعة تهنئة من صديقة عزيزة، غير أنني فوجئت بصوت بكاء ونشيج على الطرف الآخر!!
هدأت الصوت، وكلي وجل من عظيم المصاب الذي سيقع عليّ، فإذا بها فتاة من صديقات حياة تبكي بحرقة وألم ممتزج بالخوف من القادم!..
(غدا سيطلقني زوجي.. لقد توعدني بأنه سيطلقني يوم العيد. وغداً هو العيد، ماذا أفعل حتى لا يطلقني؟؟..)
توقفت برهة أريد أن أستوعب فكرة الطلاق المقرون بالعيد، بادرتها ولماذا سيطلقك يوم العيد؟؟
قالت: إنه سبب تافه لا يستحق وقد اعتذرت منه كثيراً وتأسفت لكنه أصر على أنه سيطلقني يوم العيد..
سألتها ولماذا أنت خائفة من الطلاق؟ هل بينكما أولاد؟
قالت: لا، لكن منذ تزوجته قبل سنة ونصف تقريباً وهو يمعن في إذلالي ويتصيد أخطائي ويحاسبني على كل صغيرة وكبيرة، ويتحكم بقراراتي الشخصية، ودائماً يثبت أنني مخطئة بحقه! وإذا بادرت بالاعتذار طالبني بتقبيل قدمه!!..
حتى يوم صباحيتي (اليوم الأول بعد الزواج) هددني بالطلاق إن لم أنفذ كل أوامره وأمشي طوع بنانه..
هنا فقط أوقفتها وطلبت منها تفسيراً لاستمرارها مع شخص يتلذذ بإهانتها ويتحكم بها.
قالت: أخشى على أهلي من صدمة طلاقي فهم مسالمون وهادئون وبعيدون عن المشاكل.
بصراحة لم أستطع أن أكتم هذه المشكلة لأن فيها الكثير من العبر التي يجب علينا الانتباه لها وتفتيح عقول أبنائنا وبناتنا عليها في وقت مبكر..
وفي جمعة أسرية طرحت المشكلة على الفتيات وطالبتهن بتقديم حل مناسب لها.
قلن بصوت واحد: (مشكلتها أنها ضعيفة فيجب أن تتحمل نتيجة ضعفها ورضاها بالمهانة والذل منذ بداية الزواج، فقد كانت بحاجة إلى الوقوف في وجهه عندما تجاوز حدوده معها، ومشكلة زوجها أنه يحتاج إلى إعادة تربية من جديد حتى يعرف كيف يحترم الآخرين كما يطالبهم بأن يحترموه.)
الجميل في قصة تلك الفتاة أنها اجتهدت في حل مشاكلها مع زوجها دون الرجوع إلى أهلها ومعرفتهم بتفاصيل حياتها، لكن من جهة أخرى كان عليها وعلى أسرتها تثقيفها بما لها وما عليها وما هي حقوقها وما هي واجباتها..
يبدو أنها تحتاج إلى إعادة نظر فيما فعلت آنفا ومدى قدرتها على الاستمرار في ظل هذه التهديدات المتكررة...
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته
............... وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
**
مجلة حياة العدد (94) صفر 1429هـ
(2)
* بفلم: د. فهد بن حمد المغلوث
أحتاج إليك أبي..!
أعرف يا أبي أن ما سأبوح به لك قد يكون قاسياً عليك بعض الشيء، بل أدرك أنه مؤلم بالنسبة لي أيضاً، ولكن صدقني، فأنا لم أقله إلا بعد أن أعيتني الحيل من أن تكون بجانبي، وبعد أن انتظرتُ طويلاً من أجل أن أرى منك ما يشعرني بأبوتك، وحقوقي عليك!
ترى، أي مبررات وأي مغريات تلك التي أنستكَ إياي وأنا ابنتك التي لطالما افتخرت بك أباً،
وتجعلك تهجرني وتهجر إخوتي وتكون بعيداً عنا في اللحظة التي نكون فيها في أمس الحاجة إليك، وكأننا أبناء ناسٍ آخرين.؟
أي أبوّة تلك التي تجعلك تقطع أواصر المحبة والتواصل معنا فلا تسأل عنا ولا تطمئن علينا وتحمينا من تقلبات الظروف، وقسوة الأيام؟
وأنا في سن المراهقة.. وقد تعودتُ أن أناديك فتجيبني.. من لي حينما أشعر بك تغادرني فجأة ودون سبب واضح سوى أنك تريد أن تستمتع بحياتك بعيداً عنا، نحن فلذات كبدك.. وكأننا حمل ثقيل عليك تريد أن تتخلص منه، وأننا سبب نكدك!
تخيل يا أبي، أي شعور يراودني وأنا أشعر بأني كسرت من الداخل وفقدت ثقتي بنفسي وثقة أعزّ من أملك، تخيل مشاعر الإحباط لدي وأنا أشعر بالخوف من كل إنسان، ومع كل موقف..
آهٍ يا أبي، لو تعلم مشاعري وأنا أبوح لك بما يعتمل في خاطري تجاهك، صدقني لم أنم ليلتها..
انتابتني مشاعر غريبة لم أحس بها من قبل، مشاعر ممزوجة بالرضا كوني أخرجت ما في قلبي لك ومشاعر الشعور بالندم كوني ضايقتك بمصارحتي دون أن أقصد، ولكن ماذا أفعل وأنا أرى أبي الذي أفقت على الدنيا وأنا أراه، يضيع من بين يدي؟ ماذا أفعل وأنا أشعر بأني أكاد أن أفقد مصدر الحنان والعطف الذي تبحث عنه كل فتاة.؟
ترددتُ كثيراً فيما قلته لك، وفكرت في نفسي قائلةً: إنه لا يبخل علينا بالمال أبداً.. ولكن هل المال يا أبي كل شيء؟ هل يغني عن من تحب وعمن يملكون مكانة كبيرة وغالية في قلوبنا، وعن مصدر السعادة الحقيقة.. التي هي أنت يا أبي؟
نحن نريدك.. نريد الجلوس معك.. وأن نشعر بأنك بجانبنا.. تتحدث معنا وتسألنا عن أحوالنا، وتتلمس احتياجاتنا.. فذلك بالنسبة لي أجمل وأغلى شيء نحلم به، تخيل مقدار السعادة والفخر الذين يصيباني وأنا أتحدث أمام صديقاتي عن حبك لنا وعطفك علينا وقربك منا.. شعور غاية في الروعة..!
وتأكد يا أبي.. أنك بغيابك.. وإهمالك لي، تجعلني أبحث عن العاطفة والحنان في مكان آخر ومع ناس آخرين.. أناسٍ لا أضمن نواياهم وأهدافهم، فأنا في مرحلة عمرية حساسة، قد أضعف أمام أي كلمة حلوة أو لمسة حنان من أي شخص..
خاصة تلك الذئاب البشرية التي تترصد لنا نحن الفتيات.!
أرجوك.. يا أبي، لا تغضب مني.. كل ما أطلبه أن تكون قريباً مني.. تشعرني بحنانك، وحبك.. وسؤالك المتواصل عني.. وأن تشعرني بأنني أعني لك فعلاً الكثير الكثير.. وأغنيني مغبة اللجوء للآخرين.. وتأكد كل التأكد.. أن الأمان العاطفي هو ما أبحث عنه، وأتوق إليه، فهلاّ أشبعتني إيّاه..؟!
ابنتك..
**
مجلة حياة العدد (95) ربيع أول 1429هـ
(3)
مشكلتي في بيتنا..
في هذا العدد.. يشاركنا (الدكتور/ عبد العزيز العثمان) زاوية بيني وبينك، بمشكلةٍ وفدت له، وقام بحلّها مشكوراً..
تحدثت بعد تردد قائلة:-
’’مشكلتي الأساسية ليست انخفاض الوزن بل إنها الحياة التي لا تطاق في منزلنا.. أحس أحياناً بضيق واكتئاب مما أسمعه يومياً من مشكلات لا تكاد تنتهي، خلاف بين والديّ منذ أن فتحت عيني على الدنيا وزادت تعقيداً عندما تزوج أبي العام الماضي، أخي الأكبر يتدخل في شؤوني دائماً كلما زارنا ..
والأحرى به أن يهتم بزوجته وأولاده ويكفيني إزعاجه وعدم ثقته التي تؤلمني جداً. لا أحد يفهمني .. وأفتقد الحنان من صغري وإلى الآن.. بسبب هذه المشاكل تراجع مستواي الدراسي بعد أن كنت متفوقة في المرحلة الثانوية ..
أريد حلاً يا دكتور ينهي معاناتي وبسرعة..‘‘
قلت لها وبهدوء يشعرها بالاطمئنان .. الحل ميسر، ولكن لا توجد حياة بدون تعب والآن أصبحت امرأة يعتمد عليك لهذا بدأتِ ترين المشكلات وتتعاملين معها ..
كيف تتعاملين مع أخيك الأكبر؟
أول مراحل الحل هو تحسين العلاقة مع زوجته وأولاده ثم معه .. هل جربت أن تقدمي هدية ولو صغيرة له أو لزوجته؟.. الهدية مهما كانت بسيطة تأثيرها ساحر للقلوب، جربيها واكسري حاجز التردد الذي في نفسك وتخوفك من أنهم قد يستغربوها منك .. فهذا شعور يخالج نفوسنا ليوقف مبادراتنا الخيرة.. لا تقولي كيف أهديه وهو يتعامل معي بقسوة .. ابدئي باللين والرفق وسترين كيف تغيرينه في وقت قصير جداً ولا تنسي أنه أخوك الأكبر..
أفكار لحل مشكلة والديك
أتدرين لماذا تحسين بجفاء والديك؟ لأنهما مشغولان في مشاكلهما في الوقت الذي ننتظر منهما المبادرة والحب والرفق، وهما يتوقعان من أبنائهما نفس الشيء والحقيقة أن برهما والرفق بهما من واجب الأبناء من الآن وليس بعد أن يكبرا.. فكوني لهما كأنثى الطائر الحنون تفتح جناحيها لتحمي صغارها عن البرد والمطر.
جربي الحوار الهادئ عندما تكونون جميعاً هادئين، وليس بالضرورة مناقشة المشاكل بل في أي شيء مناسب، يشعرهم باهتمامك وحرصك، لا تنسي أنك في نظرهم طفلة وستبقين كذلك ولو كنت أماً في المستقبل .. اكسري حاجز الصمت.. ولكن لا تتحدثي عن معاناتك، بل الحديث بتفاؤل عن العائلة ولا بأس من تقديم بعض الطرف أو المسابقات الطريفة عندما تجتمع العائلة..
هناك فكرة قد تحسن وضعهما وتحل مشكلة أخيك، تذكري.. أن لنا أخطاء كما للآخرين .. فأنت قد تنتقدين تصرفاتهم وهم أيضاً ينتقدون تصرفاتك .. فالاعتراف بالخطأ فضيلة وليس انهزاماً، والأهل لن يتوقفوا عن متابعتهم لك ودافعهم جميعاً في هذا الحرص والخوف عليك لا الشك فيك..
بعد أيام اتصلي على أخيك وأخبريه أنك ترغبين مناقشته بأمر هام، اجلسا لوحدكما في مكان مناسب، تناسي تماماً ما عمله أو قاله لك، واطرحي عليه قضية والديكما وذكريه بدوره الهام وأن صمتكما يهدم حياتهما ثم اقترحي عليه عدة وسائل للتقريب وتلطيف الجو بينهما وجمعهما في مناسبات خاصة خارج المنزل ترتبينها بطريقتك ..
أيضاً فكري في تنظيم رحلة لهما إلى مكة أو المدينة أو أي مكان آخر
واستأذنيهما بالحجز لهما وساعديهما في التنفيذ بإصرار وتودد وقبلي رأسيهما حتى يقبلان الدعوة على أنها من أخيك ولك الأجر العظيم، وبالحوار تزول الغمة التي على القلوب وتشرق الشمس من جديد على قلبيهما وتتفتح أزهار النباتات التي زرعوها من قبل والتي ربما جار عليها الزمن فذبلت عطشاً لكنها لم تمت.
إن شعور أخيك باهتمامك بوالديك وتقديرك له سيجعله يعيد تقييم تعامله معك.. وسيلوم نفسه كيف أساء إليك واتهمك بما ليس فيك أما أنت فستحسين بطعم جديد للحياة ولا أجمل من الإحساس بأهميتنا لمن حولنا والأجمل أن نبذل الخير فنشعر بنتائجه عاجلة وما عند الله أعظم ..
توكلي على الله ولا تلتفتي لأي شيء قد يعيقك في تنفيذ خطتك .. فقط استعدي وفكري ثم نفذي دون خوف فالمبادرات الخيرة نتخوف منها في البداية ثم نحس بطعمها اللذيذ بعد فترة، ولا بأس من أن تفكري فيما ستقولينه أو ما تفعلينه قبل عدة أيام، ستبهرك النتيجة، وستكونين مثار إعجاب الجميع فأنت الوحيدة التي بادرت وأشعلت شمعة الأمل لتضيء الطريق لكل أفراد العائلة،
هم بحاجتك لكن لم يتوقعوا منكِ خطوة، وستتغير نظرتهم لك لتكوني أنت من تتحكمين لا من تنفذين فحسب ..
لا تضعي عراقيل وهمية، أو تقولي جربت وسائل شبيهة ولم أفلح.. واعتبريها طاعة لله وحاولي مرة ومرة ومرة وستنجحين بمشيئة الله ...
**
مجلة حياة العدد (92) ذو الحجة 1428هـ
(4)
عارضتك مشكلة .. لم يسمعك أحد؟!
لا تحتاري فالحل لدي .. انتحري.!
مريم أتسمعينني
ستكونين بخير فقط فقط استرخي...
بسرررررررررعة Ventolin injection
هذا آخر ما سمعته.. أيقظتني أشعة الشمس عندما رفع عنها الستار من قبل الممرضة، تذكرت أزمة الربو التي جاءتني وفقدت على أثرها الوعي.. ابتسمت عندما شاهدت أبي يغطي جبيني بيديه الحنونة ليقرأ ما تيسر من القرآن..
الحمد لله لقد كنتِ بحال يرثى لها، علمت منه عن الأحداث التي حصلت لي.... بعدها زيارات الأهل والأصدقاء إلى أن أوشكت عقارب الساعة على بدء إعلان انتهاء وقت الزيارة... أصررت أن أبات اليوم وحدي دون مرافق فيكفيهم مشقة ليلتين من التعب والسهر، بدأ الهدوء يتسلل إلى الجناح العمومي الذي سكنت به أنا وأزمتي..
أحسست بالنوم يدغدغ أهدابي فاستسلمت له حتى جاء ما يفزعني ويهرب عني نومي!!
انتحار انتحار.. كلمات رنت في أذني..
تحكي خلود 19 سنة بجواري.. أن الحياة لحظة ينتهي وقتها بمجرد تناول جرعات زائدة من الدواء، وتصمت دقائق ثم تكمل حديثها.. يئست عندما أحسست أن الأهل لا يفهمون رغباتي.. لم أشعر بكياني أو حتى بوجودي فلماذا أنا هنا أعيش في العالم.. كنت أنتظر شارة بدء الانتهاء لعالم الآخرة وبدأت هذه الإشارة بشجار مع أخي الأكبر لسبب جدا تافه فدخلت غرفتي لأخرج منها بسيارة إسعاف!
قطعت حديثنا ممرضة من الجنسية العربية.. لإعطاء دواء مهدئ يخلد خلود إلى النوم.. شعرت تلك الممرضة بحزني وشغفي لإكمال حديث خلود.. فقالت دون أن أسألها جناح 17 مليء بقصص الانتحار انتظري ساعة وستبدأ زيارات المريضات لبعضهن حتى يتبادلن القصص والأحاديث..
ذهبت لسريري على ملامحي ابتسامة رضا.. كانت تلك الساعة التي حدثتني عنها الممرضة بطيئة بل هي البطء بمعناه.. قررت أن أتمشى بنصف الوقت المزعوم.... فلمحت فتاة أظنها لم تتجاوز الثالثة عشرة!! تتمشى وهي متمسكة بالمغذي الموضوع في الشريان بيدها..
ألقيت التحية.. فردت ببرود قاتل على تحيتي وحاولت أن تكمل مسيرها.. فحاولت جذبها لي قائلة.. سمعت أن المحقق أتى اليوم سائلاً عن الفتيات المنتحرات في هذا الجناح،
لمحت خطواتها تقف شيئاً فشيئاً، سألتني الفتاة بعد أن استوقفتها قائلة: هل قمتِ بتجربة الانتحار؟..
فناظرتها قائلة: لماذا وهل الانتحار حلال!؟
فأجابت بعدما استندت على كرسي لتجلس.. نعم الانتحار أصبح حلالاً.. هكذا تقول صديقاتي..
فرددت ولماذا انتحرتِ هل لتجربة الحلال فقط!
فأجابتني قائلة: لا بالانتحار أستطيع أن أنفذ كل رغباتي المرفوضة.. صديقتي كانت ممنوعة من كل شيء وبعدما جربت الانتحار أصبح كل شيء مسموح لها!
فقلت لها ولكن! ماذا إذا كان انتحارك صادقاً ولم يستطع أحد إنقاذك..
فابتسمت ابنة الثالثة عشرة قائلة: هناك طرق للانتحار الشكلي الأغلب يتبعها.. وهي مضمونة.. تطيح بك أرضاً لكنها لا تميتك!
ذهلت حقاً بما سمعت، وذكرت لتلك الفتاة آيات من القرآن عن الانتحار وعقابه وكيف تبعث للآخرة... أحسست أن هناك قناعة تامة في ذهنها أنه طالما كان انتحار مدبر فهو حلال.. ليس في ذهنها فقط بل في ذهن كل الفتيات من عمرها!!
وجدت أن جميع القصص هنا متشابهة.. الهدف واحد لكن تسلسل الأحداث والأبطال مختلف!!
تناسيت مرضي وألمه.. تناسيت تشعب صدري بالربو وضيقه.. أمام هذه المشكلة...!!
هل الموت أصبح لعبة نعبث بها متى نشاء!! هل الموت أصبح اليد التي توجع من نرغب حتى نفعل ما نريد!!؟
أسرار وسبل متطورة من قصص الانتحار المزعوم يملأ جناح 17، وليس فقط جناح 17 فكل جناح نسائي في المستشفى ترقد بأحد أسرته فتاة منتحرة!
أكملت رحلة شفائي وبقي في ذهني السؤال عن هذا الانتحار!
تقول شيخه الحريش أخصائية في مدرسة ثانوية: (إن قصص الانتحار في السنوات الأخيرة بدأت تتزايد.. إلى أن أصبح شيئاً شبه عادي لا نصعق عندما نسمع عنه.. ملفات الانتحار وإجازات الفتيات المرضية تملأ أرشيف مكتبي... الكل يريد أن يجرب هذه التجربة..)
وعندما سألتها عن السبب وراء هذا الانتحار قالت: (إن السبب وراء هذا الانتحار واحد! إما رغبة لم تنفذ.. أو أمر لم يُلب.. أو هم لم ينتهِ.. أو حب لم ينجح...!)
وأكملت حديثها قائلة إن الأهل أصبحوا يخافون بناتهن.. فلا يرفضون شيئاً حتى لا تصبح مثل فلانة أو فلانة..
قاطعتها قائلة: والحلقة هنا مفقودة؟؟ من المسؤول وراء ذلك الأهل أم طريقة التربية؟؟
فأجابتني: (الحوار في بعض الأسر للأسف أصبح شبه معدوم... وغياب الوازع الديني ولا تنسي أنه الحصان المنيع من ذلك المرض المتفشي بينهن ولا تنسي يا أختي أن الرفقة عامل مؤثر ومهم لا يمكن تجاهله..)
أنهيت حديثي معها بعدما أخبرتني أن كل ملف انتحار يتم معالجته بسرية وإحضار الفتاة والأهل لعدة جلسات حتى يتم معالجة الأمر.. نعم انتهيت والقضية لم تنتهِ بعد.. لا تزال صرخات الفتيات تستمر في جناح 17، والسؤال الذي يطرح نفسه.. إلى متى سيكون الانتحار حلالاً في أيديهنّ!؟
مريم العلي
**
مجلة حياة العدد (93) محرم 1429هـ