بسم الله الرحمن الرحيم
قال بعض الحكماء: "سلامة الجسد في قلة الطعام وسلامة الروح في قلة الآثام وسلامة الدين في الصلاة على خير الأنام".
اللهم صلّ على سيدنا محمد معلم الناس الخير وعلى آله وصحبه، وبعد..
تُعتبر شهوة البطن من أكثر الشهوات خطراً على أخلاق الناس وتصرفاتهم، إذ أن الجوع يقف في بعض الأحيان وراء بعض جرائم السرقة والقتل، ومن الأدلة على ما نقول أن العرب في الجاهلية كانوا يقتلون أبناءهم خشية الفقر والجوع، وقد جاء الإسلام لينهاهم عن هذا الفعل وليؤكد لهم بأن الله هو الرزاق، قال تعالى في وصف حالهم: "ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئاً كبيرا" [سورة الإسراء:31]
والمجاعة وسوء التغذية- اللذان يتسببان بالموت أحياناً ـ شبحان مخيفان يهدّدان العالم الحديث بأسره، حتى إنه قامت نظريات اقتصادية عديدة تؤكد أن القرن القادم سيشهد -إذا شاء الله- تزايداً في عدد الوفيات نتيجة قلة الطعام وسوء التغذية.
لهذا، ولأهمية هذه الشهوة في التحكم بحياة الناس دعا الإسلام إلى تهذيبها والسعي إلى ضبطها وفق نظام خاص يقوم على الوسطية وعدم الإسراف، ولم يكتف الإسلام بتوجيه النصح للمسلم بل إن الله عز وجل بفرضه الصيام شهراً كاملاً في كل عام عمل وجّه إلى تنظيم هذه الشهوة تنظيماً إجباريـاً بما يكفل للمسلم صحته وسلامته في هذه الدنيا ويكفل له الفوز بالجنات يوم القيامة.
ومن المؤسف أن كثيراً من الناس يجهلون أن ضبط شهوة البطن وتقليل الأكل أمران لا يرتبطان بشهر رمضان فقط، بل إن الآيات والأحاديث جاءت لتؤكد على أنه على قدر ما يقلل المرء من الطعام على قدر ما يتشبه بالملائكة الذين هم منزهون عن الشهوات، وبقدر ما ينهمك في الشهوات ينحط إلى أسفل سافلين ويلتحق بغمار البهائم.
وضبط شهوة البطن أمر يشغل كثيراً من الناس على مختلف اهتماماتهم الدنيوية والأخروية، حتى أن كتب " الريجيم" تملأ المكتبات كما تملأها كتب الطبخ وفنونه، والعمليات الجراحية التجميلية لإزالة الشحم الزائد تستهوي عدداً كبيراً من الناس المسلمون قبل غيرهم، مع أن هؤلاء المسلمين لو اطلعوا على بعض كتب التراث الإسلامي لوجدوها مليئة بالنصائح والإرشادات لضبط هذه الشهوة، وهي بالتالي لن تكلف من المال إلا الشيء اليسير.
ومن أهم المبادئ التي تدعو إليها هذه الكتب هو مخالفة النفس والهوى وعدم إعطاء النفس مبتغاها، لأن النفس كلما شَبِعت كلما طلبت المزيد، وكلما جاعت انقادت للعبادة والطاعة وفِعْل الخيرات، ومما يعين على هذا الأمر، أن يربط المرء هذه المخالفة بأمور عدة، منها:
1- ربط المخالفة باتباع القرآن والسُنَّة، لأن الله سبحانه وتعالى حذر من الإسراف في الأكل والشرب، فقال عز وجل: "يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين" [الأعراف: 31]
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "أول بلاء حدث في هذه الأمة بعد نبيها الشّبَع، فإن القوم لما شبعت بطونهم سَمنت أبدانهم، فضعفت قلوبهم، وجمحت شهواتهم" [ذكره المنذري في الترغيب والترهيب]
لذلك قال ابن خلدون: " الهالكون في المجاعات إنما قتلهم الشبع المعتاد السابق لا الجوع الحادث اللاحق"، لأن من اعتاد على الطيبات يصعب عليه تحمل ألم الجوع ويصاب بالأمراض والوهن الذي قد يؤدي في كثير من الأحيان إلى الموت.
2- ربط المخالفة بالعبادة والطاعة، إذ أن الله سبحانه وتعالى شبّه الكفار بالأنعام بقوله: "الذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم" [محمد: آية 12]
وقال سهل بن عبد الله: "ما عبد إنسان ربه كمخالفة النفس والهوى"، لأنه بهذه المخالفة يملك بطنه وشهوته ويتميز عن الحيوان غير العاقل الذي همه إشباع شهوته وقضاء حاجته، لهذا قال الغزالي: "من همه ما يدخل في بطنه فقيمته ما يخرج منه".
وقد اشتد خوف السلف الصالح من تناول لذيذ الأطعمة واعتبروا أن هذا من علامات الشقاوة، وكانوا كثيراً ما يخافون من قوله تعالى: "أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون" [الأحقاف: 20]
ويروى عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه قال: "لو شئت لكنت أطيبكم طعاماً وأحسنكم لباساً ولكني أستبقي طيباتي"
فأين نحن من هذا الكلام؟
وسائل ضبط الشهوة
إن المطلع على تصرفات رسول الله صلى الله عليه وسلم وتصرفات أصحابه رضوان الله عليهم يستطيع أن يستخرج آداباً إسلامية عامة تعينه على ضبط شهوة البطن وجعلها تسير وفق الأهداف التي حددها لها الإسلام والتي من أهمها البقاء والتقوية على العبادة.
وليعلم المسلم أن ردّ الشهوة ليس من الأمور السهلة بل إنها تحتاج إلى مجاهدة كبيرة ويقين بالأجر والثواب المترتب عليها والتي منها صحة البدن والخلاص من الأمراض لأن في السمن أضرار جسمية، "فالسمن عبء ثقيل على الجسم بأجمعه، فالقلب يتحمل أكثر من طاقته، والأوعية الدموية تتصلّب وتشيخ، وعمر المرء من عمر شرايينه، والكبد والكلى يتحملان أكثر من طاقتهما، والعضلات تتشحم وتتراخى، ويصبح الجسم معرضاً للإصابة بالسكري والنقرس – داء الملوك، أي داء المترفين – وبتصلب الشرايين، وارتفاع الضغط الشرياني ، وبجلطة القلب" وجلطة المخ، والفلوج، والشلول،.. إلخ… والعياذ بالله"، [الدكتور عبد الرزاق الكيلاني، الحقائق الطبية في الإسلام، ص178]
ومنها التخلص من الشيطان لأن لا مدخل لهذا الشيطان إلا من باب الشهوة، فلا تستعبده شهوة تدفعه إلى معصية، ولا تستهويه فكرة تبعده عن طاعة، فهو أبداً في حالة سيطرة على مشاعره وأفكاره، لذلك عدَّ مالك بن دينار أن "من غلب شهوات الدنيا فذاك الذي يَفْرُق (يخاف) الشيطان من ظله".
ومنها الحصول على حب رب العالمين ورضاه، لأن الله سبحانه وتعالى لا يحب المسرفين.
ومن الشروط التي تساعد على ضبط شهوة البطن:
1- تصفية اللقمة الحلال، فقد جعل العلماء المعدة أصل الداء والشر، قال الإمام الربّاني عبد القادر الجيلاني: "إن رأس المعاصي الحرام، وملاك الدين الحلال والتورع وتصفية اللقمة، فكل ما ينشأ من إنسان من خير وشر فمن اللقمة فالحلال يورث الخير والحرام يورث الشر".
2- تقليل الطعام وعدم الإسراف فيه، واتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، جاء في المسند وغيره عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطنه بحسب ابن آدم لقيمات يُقمن صُلبه، فإن كان لابد فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه" [زاد المعاد، ج3 ، ص68ٍ
أما السبيل إلى تقليل الطعام فيكون باتباع سنة التدريج فينقص من طعامه شيئاً فشيئاً،"لأن من اعتاد الأكل الكثير وانتقل دفعة واحدة إلى القليل لم يتحمل مزاجه وضعف وعظمت مشقته" [الغزالي، إحياء علوم الدين، ج3 ، ص189ٍ
وقد ذكر الغزالي في الإحياء عدة نقاط تساعد على ضبط شهوة البطن منها:
1- عدم التنوع في الطعام، والاقتصار على نوع واحد، فيروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه "أن يزيد بن أبي سفيان يأكل أنواع الطعام فقال عمر لمولىً له: إذا علمت أنه قد حضر عشاؤه فأعلمني، فأعلمه فدخل عليه فقرب عشاؤه فأتوه بثَريد لحم فأكل معه عمر، ثم قرّب الشواء بسط يزيد يده وكف عمر يده وقال: الله الله يا يزيد بن أبي سفيان، أطعام بعد طعام؟".
2- تقديم الأكل اللطيف على الأكل الغليظ، فإنه المرء إذا قدم اللطيف لا يشتهي الغليظ بعده، ولو قدم الغليظ لأكل اللطيف للطافته.
3- عدم أكل الفواكه مع الأكل، فإذا اشتهى شيئاً منها "فينبغي أن يترك الخبز ويأكلها بدلاً منه لتكون قوتاً، ولا تكون تفكهاً لئلا يجمع للنفس بين عادة وشهوة".
4- عدم التشديد على النفس ومراعاة ضعفها، فإذا قدمت شهوة كان الإنسان تاركاً لها فليُصب منها شيئاً يسيراً، فيكون قد أسقط عن نفسه الشهوة ويكون قد نغص عليها إذ لم يعطها شِهوتها.
ومما يعين العبد في مهمته هذه التفكير الموضوعي فهو الدواء الأنجح لحالات التردد، هذا التفكير يكون على المستوى الفردي حين يتخيل الإنسان نفسه بعد انقضاء الشهوة نادماً متألماً لتغلّب شهوته عليه، فالسعادة كلها في أن يملك الإنسان نفسه، والشقاوة في أن تملكه نفسه، ويكون على المستوى الجماعي بعدم نسيان أهل البلاء، فإن الشبعان ينسى الجائع وينسى الجوع، ولذلك قيل ليوسف عليه السلام: "لم تجوع وفي يدك خزائن الأرض؟ فقال: أخاف أن أشبع فأنسى الجائع".
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نقلا عن د. نهى قاطرجي
قال بعض الحكماء: "سلامة الجسد في قلة الطعام وسلامة الروح في قلة الآثام وسلامة الدين في الصلاة على خير الأنام".
اللهم صلّ على سيدنا محمد معلم الناس الخير وعلى آله وصحبه، وبعد..
تُعتبر شهوة البطن من أكثر الشهوات خطراً على أخلاق الناس وتصرفاتهم، إذ أن الجوع يقف في بعض الأحيان وراء بعض جرائم السرقة والقتل، ومن الأدلة على ما نقول أن العرب في الجاهلية كانوا يقتلون أبناءهم خشية الفقر والجوع، وقد جاء الإسلام لينهاهم عن هذا الفعل وليؤكد لهم بأن الله هو الرزاق، قال تعالى في وصف حالهم: "ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئاً كبيرا" [سورة الإسراء:31]
والمجاعة وسوء التغذية- اللذان يتسببان بالموت أحياناً ـ شبحان مخيفان يهدّدان العالم الحديث بأسره، حتى إنه قامت نظريات اقتصادية عديدة تؤكد أن القرن القادم سيشهد -إذا شاء الله- تزايداً في عدد الوفيات نتيجة قلة الطعام وسوء التغذية.
لهذا، ولأهمية هذه الشهوة في التحكم بحياة الناس دعا الإسلام إلى تهذيبها والسعي إلى ضبطها وفق نظام خاص يقوم على الوسطية وعدم الإسراف، ولم يكتف الإسلام بتوجيه النصح للمسلم بل إن الله عز وجل بفرضه الصيام شهراً كاملاً في كل عام عمل وجّه إلى تنظيم هذه الشهوة تنظيماً إجباريـاً بما يكفل للمسلم صحته وسلامته في هذه الدنيا ويكفل له الفوز بالجنات يوم القيامة.
ومن المؤسف أن كثيراً من الناس يجهلون أن ضبط شهوة البطن وتقليل الأكل أمران لا يرتبطان بشهر رمضان فقط، بل إن الآيات والأحاديث جاءت لتؤكد على أنه على قدر ما يقلل المرء من الطعام على قدر ما يتشبه بالملائكة الذين هم منزهون عن الشهوات، وبقدر ما ينهمك في الشهوات ينحط إلى أسفل سافلين ويلتحق بغمار البهائم.
وضبط شهوة البطن أمر يشغل كثيراً من الناس على مختلف اهتماماتهم الدنيوية والأخروية، حتى أن كتب " الريجيم" تملأ المكتبات كما تملأها كتب الطبخ وفنونه، والعمليات الجراحية التجميلية لإزالة الشحم الزائد تستهوي عدداً كبيراً من الناس المسلمون قبل غيرهم، مع أن هؤلاء المسلمين لو اطلعوا على بعض كتب التراث الإسلامي لوجدوها مليئة بالنصائح والإرشادات لضبط هذه الشهوة، وهي بالتالي لن تكلف من المال إلا الشيء اليسير.
ومن أهم المبادئ التي تدعو إليها هذه الكتب هو مخالفة النفس والهوى وعدم إعطاء النفس مبتغاها، لأن النفس كلما شَبِعت كلما طلبت المزيد، وكلما جاعت انقادت للعبادة والطاعة وفِعْل الخيرات، ومما يعين على هذا الأمر، أن يربط المرء هذه المخالفة بأمور عدة، منها:
1- ربط المخالفة باتباع القرآن والسُنَّة، لأن الله سبحانه وتعالى حذر من الإسراف في الأكل والشرب، فقال عز وجل: "يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين" [الأعراف: 31]
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "أول بلاء حدث في هذه الأمة بعد نبيها الشّبَع، فإن القوم لما شبعت بطونهم سَمنت أبدانهم، فضعفت قلوبهم، وجمحت شهواتهم" [ذكره المنذري في الترغيب والترهيب]
لذلك قال ابن خلدون: " الهالكون في المجاعات إنما قتلهم الشبع المعتاد السابق لا الجوع الحادث اللاحق"، لأن من اعتاد على الطيبات يصعب عليه تحمل ألم الجوع ويصاب بالأمراض والوهن الذي قد يؤدي في كثير من الأحيان إلى الموت.
2- ربط المخالفة بالعبادة والطاعة، إذ أن الله سبحانه وتعالى شبّه الكفار بالأنعام بقوله: "الذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم" [محمد: آية 12]
وقال سهل بن عبد الله: "ما عبد إنسان ربه كمخالفة النفس والهوى"، لأنه بهذه المخالفة يملك بطنه وشهوته ويتميز عن الحيوان غير العاقل الذي همه إشباع شهوته وقضاء حاجته، لهذا قال الغزالي: "من همه ما يدخل في بطنه فقيمته ما يخرج منه".
وقد اشتد خوف السلف الصالح من تناول لذيذ الأطعمة واعتبروا أن هذا من علامات الشقاوة، وكانوا كثيراً ما يخافون من قوله تعالى: "أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون" [الأحقاف: 20]
ويروى عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه قال: "لو شئت لكنت أطيبكم طعاماً وأحسنكم لباساً ولكني أستبقي طيباتي"
فأين نحن من هذا الكلام؟
وسائل ضبط الشهوة
إن المطلع على تصرفات رسول الله صلى الله عليه وسلم وتصرفات أصحابه رضوان الله عليهم يستطيع أن يستخرج آداباً إسلامية عامة تعينه على ضبط شهوة البطن وجعلها تسير وفق الأهداف التي حددها لها الإسلام والتي من أهمها البقاء والتقوية على العبادة.
وليعلم المسلم أن ردّ الشهوة ليس من الأمور السهلة بل إنها تحتاج إلى مجاهدة كبيرة ويقين بالأجر والثواب المترتب عليها والتي منها صحة البدن والخلاص من الأمراض لأن في السمن أضرار جسمية، "فالسمن عبء ثقيل على الجسم بأجمعه، فالقلب يتحمل أكثر من طاقته، والأوعية الدموية تتصلّب وتشيخ، وعمر المرء من عمر شرايينه، والكبد والكلى يتحملان أكثر من طاقتهما، والعضلات تتشحم وتتراخى، ويصبح الجسم معرضاً للإصابة بالسكري والنقرس – داء الملوك، أي داء المترفين – وبتصلب الشرايين، وارتفاع الضغط الشرياني ، وبجلطة القلب" وجلطة المخ، والفلوج، والشلول،.. إلخ… والعياذ بالله"، [الدكتور عبد الرزاق الكيلاني، الحقائق الطبية في الإسلام، ص178]
ومنها التخلص من الشيطان لأن لا مدخل لهذا الشيطان إلا من باب الشهوة، فلا تستعبده شهوة تدفعه إلى معصية، ولا تستهويه فكرة تبعده عن طاعة، فهو أبداً في حالة سيطرة على مشاعره وأفكاره، لذلك عدَّ مالك بن دينار أن "من غلب شهوات الدنيا فذاك الذي يَفْرُق (يخاف) الشيطان من ظله".
ومنها الحصول على حب رب العالمين ورضاه، لأن الله سبحانه وتعالى لا يحب المسرفين.
ومن الشروط التي تساعد على ضبط شهوة البطن:
1- تصفية اللقمة الحلال، فقد جعل العلماء المعدة أصل الداء والشر، قال الإمام الربّاني عبد القادر الجيلاني: "إن رأس المعاصي الحرام، وملاك الدين الحلال والتورع وتصفية اللقمة، فكل ما ينشأ من إنسان من خير وشر فمن اللقمة فالحلال يورث الخير والحرام يورث الشر".
2- تقليل الطعام وعدم الإسراف فيه، واتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، جاء في المسند وغيره عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطنه بحسب ابن آدم لقيمات يُقمن صُلبه، فإن كان لابد فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه" [زاد المعاد، ج3 ، ص68ٍ
أما السبيل إلى تقليل الطعام فيكون باتباع سنة التدريج فينقص من طعامه شيئاً فشيئاً،"لأن من اعتاد الأكل الكثير وانتقل دفعة واحدة إلى القليل لم يتحمل مزاجه وضعف وعظمت مشقته" [الغزالي، إحياء علوم الدين، ج3 ، ص189ٍ
وقد ذكر الغزالي في الإحياء عدة نقاط تساعد على ضبط شهوة البطن منها:
1- عدم التنوع في الطعام، والاقتصار على نوع واحد، فيروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه "أن يزيد بن أبي سفيان يأكل أنواع الطعام فقال عمر لمولىً له: إذا علمت أنه قد حضر عشاؤه فأعلمني، فأعلمه فدخل عليه فقرب عشاؤه فأتوه بثَريد لحم فأكل معه عمر، ثم قرّب الشواء بسط يزيد يده وكف عمر يده وقال: الله الله يا يزيد بن أبي سفيان، أطعام بعد طعام؟".
2- تقديم الأكل اللطيف على الأكل الغليظ، فإنه المرء إذا قدم اللطيف لا يشتهي الغليظ بعده، ولو قدم الغليظ لأكل اللطيف للطافته.
3- عدم أكل الفواكه مع الأكل، فإذا اشتهى شيئاً منها "فينبغي أن يترك الخبز ويأكلها بدلاً منه لتكون قوتاً، ولا تكون تفكهاً لئلا يجمع للنفس بين عادة وشهوة".
4- عدم التشديد على النفس ومراعاة ضعفها، فإذا قدمت شهوة كان الإنسان تاركاً لها فليُصب منها شيئاً يسيراً، فيكون قد أسقط عن نفسه الشهوة ويكون قد نغص عليها إذ لم يعطها شِهوتها.
ومما يعين العبد في مهمته هذه التفكير الموضوعي فهو الدواء الأنجح لحالات التردد، هذا التفكير يكون على المستوى الفردي حين يتخيل الإنسان نفسه بعد انقضاء الشهوة نادماً متألماً لتغلّب شهوته عليه، فالسعادة كلها في أن يملك الإنسان نفسه، والشقاوة في أن تملكه نفسه، ويكون على المستوى الجماعي بعدم نسيان أهل البلاء، فإن الشبعان ينسى الجائع وينسى الجوع، ولذلك قيل ليوسف عليه السلام: "لم تجوع وفي يدك خزائن الأرض؟ فقال: أخاف أن أشبع فأنسى الجائع".
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نقلا عن د. نهى قاطرجي