الترف وإفساد الأبناء
إخوتاه ..
ولا شك أنَّ الترف أفسد أبناءنا ، فوجدنا فينا من يتفاخر يقول : أنا لا أجعل ابني في احتياج إلى شيء أبدًا فأنا ألبي له جميع طلباته ورغباته .
ومثل هذا يظن أنه أحسن إلى ولده ، وأنا أعرف أنَّ العاطفة لها دخل كبير في هذا ، بل من لا يستطيع أن يفعل ذلك يظل مهمومًا بهذه الرغبات من الأولاد والتي لا يستطيع أن يلبيها لهم ، والحقيقة أنَّ هذا ليس من التربية في شيء ، فأنت بذلك تفسد الولد ، إننا نفتقد الحكمة في التربية ، نفتقد التربية الإيمانية الصحيحة لأولادنا .
تجدين الأب يمنع ولده من هذا المصروف ليؤدبه ثم تجدين امه تعطيه من وراء ابيه ولا تعلم المسكينه انها جنت على ابنها ربما اشترى بها دخان او شريط غناء او او 00000
لماذا لا تربي ولدك منذ البداية على أن يتعلق بالله ، فإذا طلب شيئًا مفيدًا ولم تستطع أن تجيبه فقل له : هيا يا بني نصلي ركعتين وندعو الله فيهما ، فإنَّ الله هو الرزاق ، وهو ربنا المدبر لأمورنا ، فإذا لم يمنحنا المال الذي أستطيع به أن آتيك بما تريد ، فاعلم أنَّ هذا ليس مفيدًا لنا الآن ؛ لأنَّ الله صرفه عنَّا .
فنعلمهم قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله " [2] ،
وليس من التربية أن تلبي جميع متطلبات أولادك فينشأ الواحد منهم عبد شهواته، كلما تاقت نفسه إلى شيء طلبه فإنَّه إن لم يجده سيسرق ويزنى ويخون من أجل أن يحقق ما يشتهي .
إن لابنك حقًا أعظم من الدنيا ، وهو أن تعلمه كيف ينجو من النار ، اللهم نجنا وأولادنا من النار . قال الله تعالى : "
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون " [التحريم / 6 ]إخوتاه ..
الجيل المنشود نحتاج فيه إلى صفات " الرجولة " ، والرجل الحق لا يعرف الترف .
أخرج الإمام أحمد في مسنده والبيهقي في سننه وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2668) عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إياك و التنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين " .
وهذا محمول على المبالغة في التنعم والمداومة على قصده ، وذلك لأنَّ التنعم بالمباح ـ وإن كان جائزاً ـ لكنه يوجب الأنس به ، ويُخشى من غائلته من نحو بطر وأشر ومداهنة وتجاوز إلى مكروه ونحو ذلك ، والتنعم بالمباح خطر عظيم لأنه يورث المرء ارتياحًا إلى الدنيا وركونًا إليها ، ويبعد عن الخوف الذي هو جناح المؤمن .
وأخرج الإمام أحمد في مسنده وابن ماجه والحاكم في المستدرك وصححه الشيخ الالباني في صحيح الجامع (2879)
عن أبي أمامة الحارثي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : " البذاذة من الإيمان "
و ( البذاذة ) رثاثة الهيئة ، وترك الترفه وإدامة التزين والتنعم في البدن والملبس إيثاراً للخمول بين الناس .
وقد جعلها النبي صلى الله عليه وسلم من أخلاق أهل الإيمان إن قصد به تواضعاً وزهداً وكفاً للنفس عن الفخر والتكبر ، لا إن قصد إظهار الفقر وصيانة المال ، وإلا فليس من الإيمان من عرَّض النعمة للكفران ، وأعرض عن شكر المنعم المنان ، فالحسن والقبح في أشباه هذا بحسب قصد القائم بها إنما الأعمال بالنيات .
وكان عمر بن الخطاب يقول : " اخشوشنوا ، وتمعددوا ، وانزوا على الخيل نزوا ، واقطعوا الركب وامشوا حفاة " .
معنى تمعددوا أي اقتدوا بمعد بن عدنان وتشبهوا به في عيشه بالتقشف والزموا خشونة اللباس، ودعوا التنعم وزي العجم، ويقال تمعدد الغلام إذا شب وغلظ ويشهد له ما في الحديث الآخر: عليكم باللبسة المعدّيَّةِ ، وامشوا حفاة. فهو حثٌ على التواضع ونهيٌ عن الإفراط في الترفه والتنعم.
وإنَّما كان يأمرهم بالتخشن في عيشهم لئلا يتنعموا فيركنوا إلى خفض العيش ويميلوا إلى الدعة فيجبنوا ويحتموا عن أعدائهم .
ولعل هذا هو حال الأمة وهي تواجه أعداءها المتربصين بها ، فكثير يؤثر الذل باسم " السلام " لأنَّه ألف حياة الترف والرفاهية ، وعاد من اليسير على أمثال هؤلاء التفريط في كل شيء من أجل ضمان أن يعيش كما هو . فالله المستعان على ما يعملون .
إخوتاه ..
والشدة هي التي تصنع الرجال ، وترويض النفوس يحتاج إلى زجرها وترغيبها على حد سواء ، أمَّا أن تعطيها كل شيء ، أو تلبي لولدك جميع طلباته فقد وكلته لنفسه ، فاللهم يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث ، اصلح لنا شاننا كله ، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين .
فإنَّه من المهم للغاية أن تتربى أجيالنا على تحمل المشاق ، وبذل الوسع في طلب الآخرة ، وقد قالت العرب قديما : وعند الصباح يحمد القوم السُّري [3] .
قال الشاعر :
ليسَ أمرُ المرءِ سهلاً كله *** إِنَّما الأمـرُ سهـولٌ وحزونْ
ربما قـرَّتْ عيونٌ بشجى *** مُرْمضٍ قد سخنتْ عنه عيونْ
تطلبُ الراحةَ في دارِ العنا *** خابَ من يطلبُ شيئاً لا يكونْ
أيها الأحبة في الله ..
موقف لطيف جرى بين عالمين جليلين ، فقد اجتمع يومًا ابن حزم الأندلسي الفقيه الظاهري مع أبي الوليد الباجي الفقيه المالكي، وجرت بينهما مناظرة سنة 440 من الهجرة ، فلما انقضت المناظرة قال أبو الوليد الباجي لابن حزم : تعذرني فإن أكثر مطالعاتي كانت على سرج الحراس .
فأبو الوليد الباجي كان فقيرًا لا يجد مالاً ، لا يجد مصباحًا في بيته ، فاعتذر لابن حزم لأن قراءته ومذاكرته وطلبه للعلم كان على مصابيح الحراس ، فالحراس كانوا يمشون في الليل بمشاعل لحماية البلاد من اللصوص ، فكان هو يسير وراءهم يقرأ في الكتاب ، ويذاكر على ضوء مصابيح الحراس .
سبحان الله العظيم !! وهذا بقي بن مخلد المحدث المشهور صاحب المسند ، وهو أكبر من مسند الإمام أحمد بن حنبل ، الشاهد قال لتلاميذه يومًا : أنتم تطلبون العلم !!
إنني كنت أطلب العلم فلا أجد ما أتقوت به فأجمع من على المزابل أوراق الكرنب الخضراء لآكلها ، وأتعشى بها ، حتى أتي اليوم الذي بعت فيه سراويلي من أجل أن أشتري أوراقًا أكتب بها ، وجلست بلا سراويل .
ومن ثمَّ كان السلف رضوان الله عليهم يؤثرون الفقر ، ويرونه أفضل لحال المرء ، ويبتعدون عن طرائق الترف والمترفين ، وكانوا يرون الغنى مضيعة للعلم ، وضياع العلم ضياع للدين .
قال ياقوت الحموى : فالغني أضيع لطلب العلم من الفقر .
قال بعض المحققين : كثرة المال وطيب العيش تسد مسالك العلم إلى النفوس ، فلا تتجه النفوس إلى العلم مع الترف غالبًا ، فإن الغني قد يسهل اللهو ويفتح بابه ، وإذا انفتح باب اللهو سد باب النور والمعرفة ، فلذائذ الحياة وكثرتها تطمس نور القلب ، وتعمي البصيرة ، وتذهب بنعمة الإدراك ، أما الفقير وإن شغله طلب القوت ، فقد سدت عنه أبواب اللهو ، فأشرقت النفس ، وانبثق نور الهداية والله الموفق والمستعان .
بل كان من سلفنا الصالح من يعد الماء البارد من أعظم المنن التي إن لم يستوفَ شكرها فهي لا تصلح لأمثالهم فيهجرون الشرب من الماء البارد ، فنأمل ذلك وعليها فقس ، فبأي آلاء ربكم تكذبون يا معشر المسلمين اليوم .
إخوتاه ..
ومما تقدم نخلص إلى أنَّ ترك الترفه مأمور به شرعًا ، وذلك لأنه أنفى للكبر ، وأبعد من العجب والزهو والخيلاء والصلف وهي أمور ذمها الشرع ، ومن هنا كان ذلك من صفات الحاج ، بل وصفة أهل القيامة فإنَّهم غبر شعث عراة حفاة ، ومن ثمَّ جعلها النبي صلى الله عليه وسلم من الإيمان وألحقها بشعبه ، فإن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم قال : " الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا اللّه وأدناها إماطة الأذى عن الطريق " ولا شك أن الزهو والعجب والكبر أذى في طريق سعادة المؤمن ولا يماط هذا الأذى إلا بالبذاذة وترك الترفه فلذلك جعلها من الإيمان .
منقوول من محاضرة الشيخ محمد حسين يعفوب
إخوتاه ..
ولا شك أنَّ الترف أفسد أبناءنا ، فوجدنا فينا من يتفاخر يقول : أنا لا أجعل ابني في احتياج إلى شيء أبدًا فأنا ألبي له جميع طلباته ورغباته .
ومثل هذا يظن أنه أحسن إلى ولده ، وأنا أعرف أنَّ العاطفة لها دخل كبير في هذا ، بل من لا يستطيع أن يفعل ذلك يظل مهمومًا بهذه الرغبات من الأولاد والتي لا يستطيع أن يلبيها لهم ، والحقيقة أنَّ هذا ليس من التربية في شيء ، فأنت بذلك تفسد الولد ، إننا نفتقد الحكمة في التربية ، نفتقد التربية الإيمانية الصحيحة لأولادنا .
تجدين الأب يمنع ولده من هذا المصروف ليؤدبه ثم تجدين امه تعطيه من وراء ابيه ولا تعلم المسكينه انها جنت على ابنها ربما اشترى بها دخان او شريط غناء او او 00000
لماذا لا تربي ولدك منذ البداية على أن يتعلق بالله ، فإذا طلب شيئًا مفيدًا ولم تستطع أن تجيبه فقل له : هيا يا بني نصلي ركعتين وندعو الله فيهما ، فإنَّ الله هو الرزاق ، وهو ربنا المدبر لأمورنا ، فإذا لم يمنحنا المال الذي أستطيع به أن آتيك بما تريد ، فاعلم أنَّ هذا ليس مفيدًا لنا الآن ؛ لأنَّ الله صرفه عنَّا .
فنعلمهم قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله " [2] ،
وليس من التربية أن تلبي جميع متطلبات أولادك فينشأ الواحد منهم عبد شهواته، كلما تاقت نفسه إلى شيء طلبه فإنَّه إن لم يجده سيسرق ويزنى ويخون من أجل أن يحقق ما يشتهي .
إن لابنك حقًا أعظم من الدنيا ، وهو أن تعلمه كيف ينجو من النار ، اللهم نجنا وأولادنا من النار . قال الله تعالى : "
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون " [التحريم / 6 ]إخوتاه ..
الجيل المنشود نحتاج فيه إلى صفات " الرجولة " ، والرجل الحق لا يعرف الترف .
أخرج الإمام أحمد في مسنده والبيهقي في سننه وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2668) عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إياك و التنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين " .
وهذا محمول على المبالغة في التنعم والمداومة على قصده ، وذلك لأنَّ التنعم بالمباح ـ وإن كان جائزاً ـ لكنه يوجب الأنس به ، ويُخشى من غائلته من نحو بطر وأشر ومداهنة وتجاوز إلى مكروه ونحو ذلك ، والتنعم بالمباح خطر عظيم لأنه يورث المرء ارتياحًا إلى الدنيا وركونًا إليها ، ويبعد عن الخوف الذي هو جناح المؤمن .
وأخرج الإمام أحمد في مسنده وابن ماجه والحاكم في المستدرك وصححه الشيخ الالباني في صحيح الجامع (2879)
عن أبي أمامة الحارثي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : " البذاذة من الإيمان "
و ( البذاذة ) رثاثة الهيئة ، وترك الترفه وإدامة التزين والتنعم في البدن والملبس إيثاراً للخمول بين الناس .
وقد جعلها النبي صلى الله عليه وسلم من أخلاق أهل الإيمان إن قصد به تواضعاً وزهداً وكفاً للنفس عن الفخر والتكبر ، لا إن قصد إظهار الفقر وصيانة المال ، وإلا فليس من الإيمان من عرَّض النعمة للكفران ، وأعرض عن شكر المنعم المنان ، فالحسن والقبح في أشباه هذا بحسب قصد القائم بها إنما الأعمال بالنيات .
وكان عمر بن الخطاب يقول : " اخشوشنوا ، وتمعددوا ، وانزوا على الخيل نزوا ، واقطعوا الركب وامشوا حفاة " .
معنى تمعددوا أي اقتدوا بمعد بن عدنان وتشبهوا به في عيشه بالتقشف والزموا خشونة اللباس، ودعوا التنعم وزي العجم، ويقال تمعدد الغلام إذا شب وغلظ ويشهد له ما في الحديث الآخر: عليكم باللبسة المعدّيَّةِ ، وامشوا حفاة. فهو حثٌ على التواضع ونهيٌ عن الإفراط في الترفه والتنعم.
وإنَّما كان يأمرهم بالتخشن في عيشهم لئلا يتنعموا فيركنوا إلى خفض العيش ويميلوا إلى الدعة فيجبنوا ويحتموا عن أعدائهم .
ولعل هذا هو حال الأمة وهي تواجه أعداءها المتربصين بها ، فكثير يؤثر الذل باسم " السلام " لأنَّه ألف حياة الترف والرفاهية ، وعاد من اليسير على أمثال هؤلاء التفريط في كل شيء من أجل ضمان أن يعيش كما هو . فالله المستعان على ما يعملون .
إخوتاه ..
والشدة هي التي تصنع الرجال ، وترويض النفوس يحتاج إلى زجرها وترغيبها على حد سواء ، أمَّا أن تعطيها كل شيء ، أو تلبي لولدك جميع طلباته فقد وكلته لنفسه ، فاللهم يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث ، اصلح لنا شاننا كله ، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين .
فإنَّه من المهم للغاية أن تتربى أجيالنا على تحمل المشاق ، وبذل الوسع في طلب الآخرة ، وقد قالت العرب قديما : وعند الصباح يحمد القوم السُّري [3] .
قال الشاعر :
ليسَ أمرُ المرءِ سهلاً كله *** إِنَّما الأمـرُ سهـولٌ وحزونْ
ربما قـرَّتْ عيونٌ بشجى *** مُرْمضٍ قد سخنتْ عنه عيونْ
تطلبُ الراحةَ في دارِ العنا *** خابَ من يطلبُ شيئاً لا يكونْ
أيها الأحبة في الله ..
موقف لطيف جرى بين عالمين جليلين ، فقد اجتمع يومًا ابن حزم الأندلسي الفقيه الظاهري مع أبي الوليد الباجي الفقيه المالكي، وجرت بينهما مناظرة سنة 440 من الهجرة ، فلما انقضت المناظرة قال أبو الوليد الباجي لابن حزم : تعذرني فإن أكثر مطالعاتي كانت على سرج الحراس .
فأبو الوليد الباجي كان فقيرًا لا يجد مالاً ، لا يجد مصباحًا في بيته ، فاعتذر لابن حزم لأن قراءته ومذاكرته وطلبه للعلم كان على مصابيح الحراس ، فالحراس كانوا يمشون في الليل بمشاعل لحماية البلاد من اللصوص ، فكان هو يسير وراءهم يقرأ في الكتاب ، ويذاكر على ضوء مصابيح الحراس .
سبحان الله العظيم !! وهذا بقي بن مخلد المحدث المشهور صاحب المسند ، وهو أكبر من مسند الإمام أحمد بن حنبل ، الشاهد قال لتلاميذه يومًا : أنتم تطلبون العلم !!
إنني كنت أطلب العلم فلا أجد ما أتقوت به فأجمع من على المزابل أوراق الكرنب الخضراء لآكلها ، وأتعشى بها ، حتى أتي اليوم الذي بعت فيه سراويلي من أجل أن أشتري أوراقًا أكتب بها ، وجلست بلا سراويل .
ومن ثمَّ كان السلف رضوان الله عليهم يؤثرون الفقر ، ويرونه أفضل لحال المرء ، ويبتعدون عن طرائق الترف والمترفين ، وكانوا يرون الغنى مضيعة للعلم ، وضياع العلم ضياع للدين .
قال ياقوت الحموى : فالغني أضيع لطلب العلم من الفقر .
قال بعض المحققين : كثرة المال وطيب العيش تسد مسالك العلم إلى النفوس ، فلا تتجه النفوس إلى العلم مع الترف غالبًا ، فإن الغني قد يسهل اللهو ويفتح بابه ، وإذا انفتح باب اللهو سد باب النور والمعرفة ، فلذائذ الحياة وكثرتها تطمس نور القلب ، وتعمي البصيرة ، وتذهب بنعمة الإدراك ، أما الفقير وإن شغله طلب القوت ، فقد سدت عنه أبواب اللهو ، فأشرقت النفس ، وانبثق نور الهداية والله الموفق والمستعان .
بل كان من سلفنا الصالح من يعد الماء البارد من أعظم المنن التي إن لم يستوفَ شكرها فهي لا تصلح لأمثالهم فيهجرون الشرب من الماء البارد ، فنأمل ذلك وعليها فقس ، فبأي آلاء ربكم تكذبون يا معشر المسلمين اليوم .
إخوتاه ..
ومما تقدم نخلص إلى أنَّ ترك الترفه مأمور به شرعًا ، وذلك لأنه أنفى للكبر ، وأبعد من العجب والزهو والخيلاء والصلف وهي أمور ذمها الشرع ، ومن هنا كان ذلك من صفات الحاج ، بل وصفة أهل القيامة فإنَّهم غبر شعث عراة حفاة ، ومن ثمَّ جعلها النبي صلى الله عليه وسلم من الإيمان وألحقها بشعبه ، فإن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم قال : " الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا اللّه وأدناها إماطة الأذى عن الطريق " ولا شك أن الزهو والعجب والكبر أذى في طريق سعادة المؤمن ولا يماط هذا الأذى إلا بالبذاذة وترك الترفه فلذلك جعلها من الإيمان .
منقوول من محاضرة الشيخ محمد حسين يعفوب