بسم الله الرحمن الرحيم
أنا شاب- ولله الحمد- أصلي الصلوات في وقتها، حتى الفجر، وذلك في المسجد، جماعة، كما أواظب على صلوات النوافل مثل: الضحى والشفع والوتر، وأصوم يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع، وإن شاء الله سأذهب لأداء العمرة في رمضان، وأبر والدي، وأخلاقي- ولله الحمد لله- عالية.
ولكن عندما أخلو بنفسي أقلب في الدش، وأفتح القنوات الإباحية على القمر الأوروبي، وقد فعلت ذلك حوالي أربع مرات، وقبل ذلك كنت لا اسمع هذه القنوات.
علما بأني أنهي الدوام في تمام الساعة الثالثة عصراً، وأسكن مع أخي وزوجته في شقة واحدة، وقد كنت رافضاً لذلك طوال 8 شهور، لكنني نزلت على رغبة أبي لأني لا أعصيه أبداً.
والمشكلة أنني أشعر أن كل أعمالي نفاق في نفاق، وربما هذا لأن الله ييسر لي حالي، أفيدوني و جزاكم الله خيراً، والسلام عليكم ورحمة الله.
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية
يقول الأستاذعصام الشعار، الباحث الشرعي بشبكة إسلام أون لاين:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد..
اللهم إنا نعوذ بك من قلب لا يخشع ومن عين لا تدمع، ومن عمل لا يرفع، ومن دعاء لا يستجاب له..
أخي الكريم:
وقفت مع سؤالك أتفكر فيه مليا – على الرغم أن سؤالك ليس بجديد بل أجبنا عن مثله عشرات المرات- لماذا هذا الإصرار على إدمان هذه المواقع والقنوات الإباحية؟، على الرغم أن من يقدم عليها يوقن أنها حرام، بل تحرقه مرارة الذنب بعد أن مرغ الشيطان أنفه في وحل المعصية؟!، وهل خطورة الأمر تكمن في مقارفة العبد لهذا الذنب والذي سرعان ما ينتهي إذا تاب العبد إلى الله وأناب؟
وأبدأ فأقول: الإنسان عادة يحتاط لنفسه ويأخذ بأسباب الوقاية على قدر ما ينتظره من أخطار، ومن المؤسف أن شباب أمتنا – البنات منهم والبنين- لا يدركون حجم الخطر الحقيقي، والضرر الذي تخلفه مشاهدة القنوات الإباحية، فنظرتهم للأمر لا تعدو كونها مجرد معصية، ويعقبها السؤال عادة هل: مشاهدة هذه القنوات من الصغائر أم من الكبائر؟، وما كفارتها؟!
ولكن خطورة الأمر عندي في إدمان مشاهدة القنوات والمواقع الإباحية لا تكمن في مقارفة المعصية، فما ضر العبدَ ذنبٌ تاب إلى الله تعالى منه، ألم يخبرنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن "التائب من الذنب كمن لا ذنب له"؟.
ولكن لا ينبغي أن يُفهم من كلامي هذا الاستهانة بمبارزة الله تعالى بالمعصية، فلو لم يكن في الأمر معرة إلا هذه لكفت، ولكن يضاف إلى جرأة العبد على اقتراف المعصية أن الذنب وراءه ما هو أدهى وأمر.
وهذا الخطر يتمثل في أن إدمان مشاهدة القنوات والمواقع الإباحية يقتل العزيمة والإرادة، ويصبح المرء خائر النفس، ينهار أمام أي عاصفة تواجهه، ليس لديه القدرة على مواجهة ما قد يعترضه من عقبات، فضلا عن أن يكون قادرا على مواجهة عدو يهتك الأعراض ويدنس المقدسات!!
وهذا في تقديري ما يبرر البكاء – في كثير من الأحايين- الذي يعقب مقارفة هذا الذنب، فإحساس المدمن بالعجز عن عدم الرجوع إلى مشاهدة هذا العفن – مع اعترافه بأنه عفن- يجعله ينفث عن عجزه بالبكاء، ولذلك قد تجد من المدمنين لهذه المواقع من يقترف الكذب أو غيره من المعاصي.
ومع هذا لا يأبه بالكذب مع أن جرم الكذب أشد وأعظم، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم :".... أيكون المؤمن كذابا ؟ قال لا"، فالبكاء إذن لا علاقة له بقوة الإيمان أو ضعفه، ولكن البكاء هنا هو بكاء العاجز المنهزم، فحاله كحال الطفل العاجز الصغير إذا شعر بالخطر، فتراه يستغيث ويستنجد بارتفاع صوته بالبكاء تعبيرا عن عجزه وفشله!.
ولعل تحقيق هذا المعنى الخطير – وهو إصابة شبابنا وبناتنا بالشلل النفسي- هو الذي يبرر سر إنفاق الأموال الطائلة التي يغدقها القائمون على هذه القنوات والمواقع الإباحية ومن يعنيهم تدمير شباب هذه الأمة.
فقد أدرك القوم أن قوة الأمة تقاس بقوة شبابها فقديما قال أحد الحكماء "أخبرني بحال شباب الأمة أنبئك بمستقبلها"، ولذلك فالسهام تترى من أجل القضاء على مستقبل أمتنا بتدمير شبابها، بحيث يولد جيل خاوي الوفاض ليست له غاية ولا يرفع للحق راية، بل جل تفكيره هو البحث عن الشهوات والملذات بأي ثمن ومن أي طريق!
والذي يقرأ التاريخ سيفهم جيدا ما أقول، فكلنا يعرف كيف ضاعت الأندلس؟!؛ لقد ضاعت حين تمرغ القوم في الشهوات والملذات، ونسوا معنى الجهاد، وكرهوا الموت في سبيل الله!.
وما استطاع العدو أن ينال من سلطان المسلمين شبراً واحداً يوم أن كان أميناً عليه من طلبتهم الدنيا فزهدوا فيها، فقد دخلنا الأندلس على صيحات تكبير طارق بن زياد ومن معه ممن باعوا أنفسهم لله عز وجل، بجنة عرضها السموات والأرض.
كما دالت لنا الأندلس زمنا بهمة أقوياء العزيمة والإيمان أمثال عبد الرحمن الداخل، الذي قدموا إليه الخمر يوما فقال: إني بحاجة لما يزيد في عقلي لا ما ينقصه.
ولما أُهديت إليه جارية حسناء، أمعن النظر إليها ثم قال: إن هذه الجارية من القلب والعين بمكان، ولكن لا حاجة لي بها، وحين سأل عن السبب قال: إن أنا شغلت عنها برسالتي ظلمتها، وإن لهوت بها أضعت رسالتي، وقد كانت رسالته هي حب الجهاد والاستشهاد في سبيل الله، وحماية الثغور والحدود.
ولكن حين جاء الجيل المترف الذي وضع كنانة السهام، وبكى لوعة الوجد والغرام، ضاعت الأندلس على يديه!، ولن يعود الأقصى، ولن تعود فلسطين ما لم يستعل شباب الأمة على الشهوات والملذات، وتنتصر بداخله العزيمة والإرادة وينتصر داخله نداء الإيمان.
أعتذر لك – أخي الحبيب- عن هذه المقدمة الطويلة، فقد كان لزاما عليّ أن أقف معك هذه الوقفة حتى تفيق وتدرك مدى خطورة الأمر، فالأمر يتعلق بتدمير إرادة جيل بأكمله، بل ومستقبل أمة بأسرها.
فالمؤامرة قد دبرت بليل فانتبه ولا تقع في الشراك التي نصبها القوم ليفسدوا علينا الدنيا والدين، فقديما قال أحدهم "كأس وغانية تفعلان في أمة محمد أكثر مما يفعله ألف مدفع فأغرقوهم في حب المادة والشهوة".
فإلى كل حبيب آمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد – صلى الله عليه وسلم- نبياً ورسولاً وبالكتاب والسنة شرعة ومنهاجاً، احذر أن تكون لقمة سائغة لأعدائك فبك يدفنون الأخلاق ويضعون أمة محمد تحت التراب، وكن على يقين أنه لن يرجى للأمة خير ما لم تكن انتفاضة وهمة وعزيمة نصلح بها أنفسنا ونستعلي بها على شهواتنا وملذاتنا حتى يصلح الله تعالى الكون من حولنا، وصدق تعالى إذ يقول: (إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ).
فما أحوجنا إلى "شباب يوسفي" يستعلى على الشهوات، ويعتصم بالله، ويستمسك بحبله وهداه، لنكون أهلاً لنصره المبين، قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).
خطوات عملية لهجر المواقع الإباحية:
وبعد أن وقفت معك عند هذا المعنى السابق، وحسبي ما ذكرت للتأكيد عليه، أرجع إلى سؤالك فأقول قد عرفنا موطن الداء فأين الدواء؟ .. فلن يجدي أي دواء ما لم يكن منك العزم والتصميم على عدم مشاهدة هذه المواقع الإباحية، أما صاحب النفس الخائرة فلن يجدي معه دواء، وليس لي معه حديث، وثمة خطوات عملية أسوقها إليك، وأرجو الله أن ينفعك بها :-
أولا: الوقاية خير من العلاج:اجعل شعارك قول الله تعالى: " قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ)[النور: 30-31].، ولما كانت النظرة الحرام لها خطرها على القلب وإيمان العبد أفرد الله سبحانه وتعالى كل من المؤمنين والمؤمنات بخطاب مستقل، على خلاف نسق القرآن في الأمر والنهي فما من خطاب إلا ويأتي للمؤمنين والمؤمنات على السواء ويكون النداء فيه: "يا أيها الذين آمنوا.."
فعليك بغض البصر وأنت تسير في الطريق، وأنت تجلس أمام التلفاز، وحين تدخل على الإنترنت، واعلم أن النظرة الحرام ستقودك إلى ما هو شر منها، ولن تقنع بما تقع عليه عينك بل ستفتش عما خفي عنك وكلما تأججت نار الشهوة بداخلك كلما كان البحث عن المزيد وحالك كحال من يطفئ النار بالبنزين!
فإياك والنظرة الحرام، جاهد نفسك، واصرف بصرك، وستجد حلاوة هذه المجاهدة ولذتها في القلب، فعن حذيفة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلَّى الله عليه وسلم- : (النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة، فمن تركها من خوف الله أثابه- جل وعز- إيمانا، يجد حلاوته في قلبه) رواه الحاكم في المستدرك.
ثانيا: تذكر أنك على ثغرة من ثغر الإسلام فاحذر أن يؤتى الإسلام من قبلك، فلا تكن لقمة سائغة لأعداء الله ، بل كن أبيا وترفع عن الدنايا وأفسد على أعداء الله سوء صنيعهم ، باعتصامك بحبل الله وبتجملك بالتقوى، ولست بأقل ممن يقدمون كل يوم أرواحهم فداء لدينهم ، فإذا لم يسعك أن تموت في سبيل الله فلا أقل من أن يكون عيشك في سبيل الله.
ثالثا: عليك بوصية الحبيب صلى الله عليه وسلم: "من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" فإن كنت تملك مؤنة النكاح فسارع بالبحث عن الزوجة الصالحة، ففي الزواج السكن والأنس والراحة،[في الحلال غنية وكفاي عن كل صنوف الحرام
رابعا: اجعل نشيدك الدائم "الله معي .. الله ناظري"، فإن كنت على يقين أن الله تعالى ناظر إليك ومطلع عليك فأعظم قدر الله تعالى في نفسك ولا تجعل الله أهون الناظرين إليك، قال تعالى: (مَا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ للهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا) ؟!. فأري الله من نفسك خيراً، واحذر أن تقع عين الله منك على معصية، ولا يغرنك حلمه فإن أخذه أليم شديد، فقد تأتيك منيتك وأنت على معصيتك فتسوء خاتمتك، فالأعمال بخواتيمها فاختر لنفسك خاتمة تسرك، فقد صح عن رسول الله– صلى الله عليه وسلم- قوله: "من مات على شيء؛ بعثه الله عليه" أخرجه الحاكم وصححه الألباني.
خامسا: اصرف همتك وطاقتك إلى ما يقربك من الله تعالى ويرضيه عنك، فابحث لنفسك عند دور يناسبك وانهمك في معالي الأمور، واشغل نفسك بما يعود عليك وعلى أمتك بالخير والنفع في الدين والدنيا، وإياك أن تتخلف عن ركب المصلحين وانظر يوم القيامة مع أي الفريقين أنت والناس ساعتها فريقان "فريق في الجنة وفريق في السعير".
سادسا: إذا وجدت من نفسك ضعفاً، ولم تستطع أن تجاهد نفسك بالإقلاع عن مشاهدة هذه القنوات، فقم على الفور، وتخلص من كارت المودم، أو تخلص من جهاز الدش، ومهما كان فيه من فوائد فلا تلتفت إلى ذلك فإن فيه هلاكك، وأضعف الإمكان أن تهجر المكان الذي أنت فيه، وفتش عن الصحبة الصالحة التي تعينك إذا تذكرت وتذكرك إذا نسيت.
وختاماً؛
أسأل الله تعالى أن يحفظ عليك سمعك وبصرك وأن يحفظ عليك قلبك ودينك وعقلك، وأن يرزقنا وإياك شكر نعمته وأن يُحَبِبَ إلينا الإيمان ويزينه في قلوبنا، وأن يُكَرِهَ إلينا الكفر والفسوق والعصيان، وأن يجعلنا من الراشدين.. آمين. وتابعنا بأخبارك لنطمئن عليك.