اهتم الإسلام بتعليم المرأة وتفقيهها في أمور دينها، لما لذلك من أثر عظيم عليها وعلى أولادها مستقبلا. كما قال شاعر النيل حافظ ابراهيم:
الأم مدرسة إذا أعددتها *** أعددت شعبا طيب الأعراق
فخص النبي صلى الله عليه وسلم النساء ببعض مواعظه فقال في أحاديث كثيرة: "يامعشر النساء.... " بل جعل النبي للنساء يوما يحدثهنّ فيه حيث قالت له بعض الصحابيات: (غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوما من نفسك فوعدهنّ يوما لقيهنّ فيه فوعظهنّ وأمرهنّ.... الحديث) متفق عليه.
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحث النساء على أن يُعلموا بعضهنّ، ومن ذلك قوله للشفاء بنت عبدالله العدوية: «علمي حفصة رقية النملة، كما علمتها الكتابة» رواه أحمد والحاكم. فكانت أمهات المؤمنين كعائشة وحفصة يحدثنّ النساء ويفتينهنّ فيما يشكل من أمور دينهنّ، وكان هذا هدي صحابته الكرام فحرصوا على تعليم نسائهم وتأديبهم وتبصيرهم بأمور دينهم ولا سيما ما له تعلق خاص بأحكام النساء كأبواب الطهارة والحيض والنفاس والصلاة والنكاح والطلاق والرضاع ونحوها. بل كان بعض الصحابة يعقدون مجالس العلم في بيوتهم ويعلمون أولادهم وبناتهم. قال الإمام النووي: روى ابن أبي داود بإسنادين صحيحين عن قتادة التابعي قال: (كان أنس بن مالك رضي الله عنه إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا).
وهكذا اهتم العلماء بتعليم المرأة، فحفظ لنا التاريخ تراجم عدد من النساء اللاتي تفقهنّ وقرأن على آبائهنّ أو إخوانهنّ أو أزواجهنّ. فأعطى هؤلاء صورة تربوية مشرقة في العناية بالأبناء والبنات معا دون تفريق بين الذكور والإناث، ولم تشغلهم ظروف الحياة عن واجبهم العلمي نحو أسرهم حتى تحقق لأولادهم وبناتهم النبوغ في العلم والفتوى.
وسأسوق بعض التراجم لعدد من النساء اللائي تعلمنّ وتخرجنّ على أيدي آبائهنّ أو أزواجهنّ. وقصدت من هذه السلسلة بيان مكانة المرأة في الإسلام حيث حظي النساء بتقدير العلماء لهنّ فترجموا لهنّ في كتب الأعلام وموسوعات التراجم. آمل أن تكون هذه السلسلة حافزاً لطالبات العلم نحو الجد في التفقه في الدين واتقان ما ينفعهنّ في حياتهنّ العلمية والعملية.
وسأسوق تراجم هؤلاء العالمات حسب الترتيب الهجائي للأسماء في مختلف العلوم والطبقات. ولم أذكر الصحابيات لكثرتهنّ وشهرتهنّ، وإنما أذكر التابعيات ومن بعدهنّ.
- أسماء بنت أسد بن الفرات أبوها عالم أفريقة وقاضيها المشهور، نشأت وحيدة أبيها فلم يكن له سواها، فكان يعلمها القرآن والحديث والفقه، ويُحضرها معه في مجالسه العلمية، وتشاركه في المناظرة ولما تولى والدها قيادة الجيش لفتح "صقلية" وتحقق له النصر المؤزر فحاصر مدينة "سوسة" فقتل هناك سنة 213، تزوجت أسماء من أحد طلاب والدها وهو محمد بن أبي الجواد الذي تولى رئاسة المشيخة الحنفية بالبلاد الأفريقية وتوفيت أسماء الأسدية سنة 250 هجرية رحمها الله تعالى. تراجع ترجمتها في كتاب: "الديباج المذهب" لابن فرحون ص 305 وكتاب: "فقيهات عالمات" لمحمد خير ص 29.
-أخت المزني: أخوها هو الفقيه الشافعي اسماعيل المزني – صاحب الشافعي المتوفى سنة 264 هجرية، أما أخته فكانت تحضر مجالس الشافعي في دروس الفقه، وكان بعض فقهاء الشافعية ينقل أقوالها واختياراتها وترجيحاتها الفقهية. تراجع ترجمتها في كتاب: "طبقات الشافعية" للأسنوي 1 / 443
– حفصة بنت سيرين: هي أخت التابعي الجليل محمد بن سيرين، وكانت ثقة عالمة فقيهة عابدة من سيدات التابعين قرأت القرآن وهي بنت ثنتي عشرة سنة وعاشت سبعين سنة. وكان أخوها محمد إذا أشكل عليه شيء من القرآن سألها. وذكر مهدي بن ميمون أنها مكثت في مصلاها ثلاثين سنة لا تخرج إلا للقائلة أو لقضاء حاجة، وتوفيت بعد سنة مائة رحمها الله، وحديثها مروي في الصحاح والسنن. للتوسع في أخبارها يراجع: " تهذيب الكمال" للمزي 35 / 151 وسير أعلام النبلاء للذهبي 4 /507.
منقوووووووول من موقع منزلة المراة فى الاسلام