عباد الله ، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله ، يقول الله جل جلاله في كتابه العزيز: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءانَاء ٱلَّيْلِ سَـٰجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِى ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُو ٱلألْبَـٰبِ [الزمر:9].
أخوتى فى الله
هذا خلق المؤمن في هذه الدنيا، بين خوفٍ من الله، وبين رجاءٍ لفضله وكرمه، بين خوفٍ من عقوبة الله وشدة بأسه، وانتقامه ممن خالف أمره، وبين قوة رجاء وأملٍ وطمع في سعة رحمة الله وفضله، وتجاوزه وإحسانه، فمتى قام بقلب المؤمن هذان الأمران: الخوف والرجاء، فإنه يرجى للمسلم خير، فإن المؤمن كلما وجد من نفسه تهاوناً وتساهلاً وكسلاً عن الطاعة وضعفاً في الأداء وجرأة على المحارم ذكّرها خوف الله وبأسه وانتقامه وأنه قادر على كل شيء، وكلما وجد من نفسه يأساً وقنوطاً ذكرها رجاء الله، وقوَّى ثقتها بالله، فبهذين الأمرين يستقيم حال المسلم.
والله جل وعلا في كتابه العزيز قد ذكر لنا أخلاق المؤمنون، صفات المؤمنين، أعمالهم، وما أعد لهم من الثواب العظيم: وَتِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِى أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الزخرف:72]، إِنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً [الكهف:30].
وذكر لنا أخلاق المكذبين الضالين، والمنحرفين عن المنهج القويم، وما توعّدهم به من العذاب الأليم: إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِى عَذَابِ جَهَنَّمَ خَـٰلِدُونَ لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ وَمَا ظَلَمْنَـٰهُمْ وَلَـٰكِن كَانُواْ هُمُ ٱلظَّـٰلِمِينَ [الزخرف:74-76]، قال تعالى: ٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ وَأَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [المائدة: 98]، وقال: نَبّىء عِبَادِى أَنّى أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِى هُوَ ٱلْعَذَابُ ٱلألِيمُ [الحجر:49، 50].
أيها المسلم، لا تكون راجياً لله حقاً حتى تؤدي العمل، وتؤدي السبب، فالرجاء لله لا يكون إلا بعد الأعمال الصالحة، ترجو من الله قبول ذلك العمل، والإثابة عليه، أما مجرد رجاء مع تهاونٍ وتعطيلٍ للأوامر وارتكاب للنواهي، فتلك الأماني، والغرور، قال تعالى: إِنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَـٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلـئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [البقرة:218]، فبأعمالهم الصالحة التي عملوها إخلاصاً لله وقياماً بالواجب صاروا ممن يرجون رحمة الله، أُوْلـئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ، فالرجاء بلا عمل أمانٍ كاذبة، قال تعالى مبيّنا فساد هذا التصور، تصور الرجاء مع ترك العمل الصالح: أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيّئَـٰتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ سَوَاء مَّحْيَـٰهُمْ وَمَمَـٰتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ [الجاثية:21]، ما داموا في الحياة متفاوتين فهم كذلك بعد الموت متفاوتين، قال تعالى: أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ كَٱلْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [القلم:35، 36].
يا من يرجو جنة الله وعفوه، يا من يرجو مغفرة الله وتجاوزه، يا من يرجو رضاء الله عنه، قدم عملاً صالحاً، ائت بالأسباب التي أمرك الله بها ليتحقق لك الرجاء، وأما الرجاء بلا عمل فتلك الأماني الكاذبة، قال تعالى: لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيّكُمْ وَلا أَمَانِىّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مَن يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً [النساء:123]، ثم قال: وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً [النساء:124].
أيها المسلم، قوِّ الرجاء مع العمل الصالح، فالأعمال الصالحة يكون بها الرجاء حقاً، قال تعالى: فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنّى لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ بَعْضُكُم مّن بَعْضٍ الآية [آل عمران:195]، المهم من ذلك أن يكون رجاؤك لرحمة الله، ورجاؤك لجنة الله، ورجاؤك لرضى الله عنك واقعاً بعد أعمال صالحة عملتها وتقربت بها إلى الله، قال تعالى: فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَـٰلِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَدَا [الكهف:110].
أيها المسلم، إن الله جل وعلا توعّد المخالفين لأمره بالوعيد الشديد: أَفَأَمِنَ ٱلَّذِينَ مَكَرُواْ ٱلسَّيّئَاتِ أَن يَخْسِفَ ٱللَّهُ بِهِمُ ٱلأرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِى تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىٰ تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ.[النحل:45-47].
والله تعالى يصف عباده المؤمنين ويذكر أعمالهم الصالحة: إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَـٰناً وَعَلَىٰ رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ أُوْلـئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَـٰتٌ عِندَ رَبّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال:2-4]، قال بعض السلف: "ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال"[1].
قيل للحسن رحمه الله: إنا نصاحب أقواماً يؤمِّنوننا، قال: "لأن تصحب أقواماً يخوِّفونك حتى تزداد أمنا أحب إليَّ من أقوام يؤمنونك حتى تزداد خوفاً"[2]، فإن من يقوي رجاءك مع تهاونك بالأعمال فذا خادع لك، وإنما يقوى الرجاء مع قوة العمل، ولهذا عند الاحتضار المؤمن المستقيم على الطاعة والهدى إذا بُشر بالنعيم المقيم أحب لقاء الله، فأحب الله لقاءه، وغير المؤمن إذا نظر إلى مقعده من النار وحاله السيئة بعد ذلك كره لقاء الله، فكره الله لقاءه. فالمؤمن يرجو لقاء الله لما قدم من عمل صالح خالصٍ لله، يدل على قوة الرجاء. وأما الرجاء بلا عمل فإنما هو الإتلاف والأماني والخداع الذي لا ينتج شيئاً.
فلنكن – إخوتي – راجين لله مع أعمالنا الصالحة، خائفين من بأسه وعقوبته، فإن قلوب العباد بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيف شاء، إذا أراد أن يقلب قلب عبدٍ قلبه، وَنُقَلّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَـٰرَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِى طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [الأنعام:110]، ومحمد كثيراً ما يقول: ((اللهم مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك))، فسئل فقال: ((إن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن، إذا أراد أن يقلب قلب عبد قلبه)) [3].
فنسأله تعالى أن يثبتنا على دينه، وأن يهدينا صراطه المستقيم، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يعيننا على شكره وذكره وحسن عبادته.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
والحمد لله رب العالمين وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين تقبل منى ومنكم صالح الأعمال
أختكم فى الله ام فرح و مرح
منقول
--------------------------------------------------------------------------------
[1] أخرجه البيهقي في الشعب (1/80 ) عن الحسن البصري رحمه الله.
[2] أخرجه ابن المبارك في الزهد (303) ، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد (ص259) ، وأبو نعيم في الحلية (2/150).
[3] أخرجه أحمد (6/91)، والنسائي في الكبرى (7737)، والترمذي في القدر (2140)، وابن ماجه في الدعاء (3834) من حديث أنس رضي الله عنه، وحسنه الترمذي، وقال: "وفي الباب: عن النواس بن سمعان وأم سلمة وعبد الله بن عمرو وعائشة"، وصححه الألباني في ظلال الجنة (223)، وحديث عبد الله بن عمرو أخرجه مسلم في القدر (2654).