فليت شعري كيف يستدرك ذلك ، وقد فات وذهب بذهاب أيامه وأزمانه ؟
أولا : الإقرار بظلمه لنفسه :
ليت شعري من هذا المحروم فنعزيه ؟ ، وكلنا ذلك المحروم ، حتى يعلم أن ما أصابه بكسبه ومرذول عمله وسيئاته في قصده ووجهته ، وأن ذلك مع إحسان الله عز وجل وفضله غير لائق منه ، وغير مناسب لعقله وإيمانه ، وأن الله تعالى لم يظلمه شيئا ، ولكن ظلم نفسه .
قال سبحانه في الحديث القدسي " يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه" [مسلم]
ثانيا : التنبيه لشؤم السيئات :
ليت شعري من هذا المحروم فنعزيه ؟ ليعلم أن هذه السيئات والتفريطات إنما هي نتاج سابق السيئات والتفريطات ، وأن جزاء الحسنة التوفيق لحسنة بعدها ، وأن عقوبة السيئة الخذلان حتى يقع في سيئة تتلوها وتكون بعدها .
ثالثا : لزوم الوقوف بالباب :
ليت شعري من هذا المحروم حتى نعزيه ؟ ، ليكون عزاؤنا أن فضل الله عز وجل الواسع يقتضي لزوم الوقوف بالباب ، وألا يفارق العبد باب ربه مهما كان من ظلم العبد أو سوء فعله ، فلا يزال من الله عز وجل الكرم والجود ، وإن كان من العبد البخل والإمساك ، ولا يزال من الله عز وجل الإحسان والعطاء ، وإن كان من المكلفين الإساءة وسوء الفعل .
رابعا : لزوم التوبة :
ليت شعري من هذا المحروم فنعزيه ؟ ، ليعلم أن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ، حتى تطلع الشمس في مغربها ، ويعلم أن باب الله عز وجل لا يزال مفتوحا ، وأن الله تعالى لا يرد توبة التائب " لله عز وجل أفرح بتوبة أحدكم من أحدكم وقع على بعيره وقد أضله في أرض فلاة " [متفق عليه].
فلا تزال التوبة متاحة ما لم تبلغ روحك أيها المحروم حلقومك ، فمتى أمدك الله عز وجل وأفسح في أجلك فلا تزال مدة تراجعك قائمة ، لا يزال أمر توبتك لازما غير معفي أنت منه .
خامسا : إصلاح العمل :
ليت شعري من هذا المحروم فنعزيه ؟ ، حتى يعلم أنه لابد له من أن يصلح عمله ؛ حتى يكون عمله ذلك بالنية الخالصة لرب العالمين ..
وحتى يكون عمله ذلك وفق سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وحتى يكون عمله ذلك خاليا من آفة الغرور وآفة العجب ، فلا يرى عملا يعجب به ، بل يرى فضل الله يستوجب انكساره وذله لربه ، وإعلانه بالعجز عن شكره ، ولا يرى نفسه التي تأدي منها العمل ، بل يرى نفسه التي هي أسباب القصور في العمل والعجز عن القيام بحق الله تعالى .
سادسا : إنما يتقبل الله من المتقين :
قال علي رضي الله عنه: " كونوا لقبول العمل أشد منكم اهتماما بالعمل ، ألم تسمعوا الله عز وجل يقول : { إنما يتقبل الله من المتقين } .
وقال بعضهم : لأن أعلم أن الله يتقبل مني مثقال حبة من خردل أحب الي من الدنيا وما فيها ، لأن الله عز وجل يقول : { إنما يتقبل الله من المتقين } .
وقال بعضهم : كانوا يدعون الله عز وجل ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ، ثم يدعونه ستة أشهر أخرى أن يتقبل منهم رمضان .
كل ذلك يعني أن رمضان بذهاب أيامه لم ينقص، وأن وظائف رمضان لا تزال قائمة، وأن ما كان من عمل في رمضان فلايزال ينادي على المكلفين ويستتبع اهتمامهم بقبول ذلك العمل، بعدما وقع منهم العمل ، فقد كانوا يجتهدون في العمل الصالح ، فإذا فعلوه وقع عليهم الهم أيقبل منهم أم لا؟ وكان خوفهم ألا يقبل منهم عملهم أشد عليهم من العمل نفسه ، فما يذهب بذهاب مواسم الطاعات الإقبال على الله عز وجل ، ولا الاهتمام بالأعمال الصالحات .
بل إذا ذهبت مواسم الطاعات ؛ بقي بعد ذلك استكمال حقوق هذه الطاعات ، واستتمام ما يكون من لوازمها، من النظر فيها . والتفتيش في آفاتها ، والحذر من إفشائها ؛ حتى تكون أبعد عن الرياء .
تعازينا .. تعازينا
أيها المحروم .. تعازينا ؛ أيها المحروم جبر الله مصيبتك ؛ ولكن لم تنته الدنيا بانتهاء رمضان ومازال في العمر بقية ، ومازال ربنا جل جلاله يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، فتب وقد تاب الله عليك .
أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن لا تيأس : { ألا تحبون أن يغفر الله لكم } [النور : 22] ، إذا كان في الصوم دعوة مستجابة ؛ ففي كل ليلة ربك يقول في الثلث الآخر : " هل من سائل فأعطيه " ، ما زالت أمامك تفرصة لم تنته ، القضية أنك لن تخلك في جهنم مادمت موحدا ، مازالت أمام فرص .
أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن قف لتنظر من أين أتيت ، لم خذلت ، بم انتكست ، لا شك أنه من عند نفسك ، { وما ربك بظلام للبيد } [فصلت:46] ، الفرص كانت أمامك متاحة وأنت خذلن نفسك ، أنت أوكست نفسك ، { وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين } [ الزخرف : 76 ] ؛ فلذلك قف لتتخلص من النفس الأمارة بالسوء، قف لتتأمل كيف ضاع منك رمضان كما ضاع سنين، قف فالمؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين .
أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن إن كان قد ضاع منك رمضان ؛ فإن الله الحي باق معك على الدوام ، يدعوك للإقبال عليه والإنابة إليه ؛ فأقبل تقبل .
أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن أعلم أن أبواب الرحمات مفتوحة طوال العام ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يقبل توبة العبد مالم تطلع الشمس من مغربها " [مسلم].
أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن لازلت حياً تستطيع أن تستدرك ما فاتك ؛ بالتوبة والعزم على استغلال رمضان القادم ؛ فاستعد من الآن.
أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن أعلم أن مواسم الطاعة متنوعة وكثيرة ، ومن فضل الله علينا أنها في كل شهر ، فبعد رمضان ست من شوال ، ثم عشر من ذى الحجة ، ثم الحج ، ثم شهر المحرم ، وهكذا مواسم وطاعات طوال العام .
أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن أمامك صيام الاثنين والخميس ، وثلاثة أيام من كل شهر ، وقيام إحدى عشرة ركعة يوميا ، والصدقة ، وقراءة القرآن وغير ذلك ، فهي أبواب للخير في رمضان وغيره ؛ فأقبل ولا تحزن .
أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن حاول أن تقوم بعمرة في الفترة القادمة ؛ لتعوض ما فاتك وتجبره .
أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن لا تخف ولا تحزن ؛ فالكريم سبحانه شكور يشكر على القليل ، ثم ينميه ، ولكن بشرط الإخلاص .
أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن اقتنص كل فرصة بعد ذلك تأتيك في طاعة الله .
أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل ، وتعلم من أخطائك حتى تتقدم بعد ذلك .
أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن في لحظة تستطيع أن تكون وليا حقا .. تقيا حقا، بالتوبة والإقبال على الله، والندم على ما فات ، والعزم على الإصلاح .
أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن لا تيأس ؛ فإنه { لا يايئس من روح الله إلا القوم الكافرون } [يوسف : 87 ].
أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن معك سلاح قوي تستطيع أن تفتح به كل مغلق وهو الدعاء ، فالزم التضرع والافتقار .
أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن ندمك على ما فاتك يرضي الله عنك فيرحمك ، فأبشر مادمت نادما عازما .
أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن أبشر فأنت مسلم موحد تصلي وتذكر الله وتحب نبيك محمداً صلى الله عليه وسلم؛ فيرجى لك ومنك الخير .
أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن حاول مرة أخرى ، وتأس بالنمل ، المخلوق الضعيف الذي يحاول مرات ومرات ؛ حتى يسلك الطريق الذي يريده .
أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن أبشر ؛ فإن لك ربا هو الله ، الغني القوي الحنان المنان الملك الرحمن الرحيم الودود اللطيف يقول : " من تقرب مني شبرا تقربت إليه ذراعا " .
أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن أبشر بجنة عرضها السماوات والأرض إن استقمت وعدت إلى الله .
أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن لازالت معك الجوهرة العظيمة ، والمعجزة الخالدة ، تراها وتمسك بيدك : القرآن الكريم ، فأسعد به واتله ليلا ونهارا .
أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن أبشر تفاءل بندمك وتوبتك وتحسرك على ما فات منك ، فتلك علامة ثحة قلبك ، وادع الله أن يبلغك الخير .
أيها المحروم ، تعازينا ؛ ولكن انتظر أن نقول لك : تهانينا .؟
ليت شعري من المحروم فنعزيه ؟ ، حتى يحبس نفسه على طاعة الله ويمنعها من مألوفاتها ومحبوباتها وشهواتها ، ويعلم أنم ذلك الحرمان إنما أصابه لاستغراقه في تحصيل شهواته ، ولتركه سنن النبي صلى الله عليه وسلم حتى قعدت به عاداته ومألوفاته عن فوز عظيم . يا حسرة على ما فاته !!..
من صام رمضان وهو يعزم إذا ذهب رمضان أن لا يعصي الله تعالى ؛ فإنه مقبول بغير حساب ولا عذاب ، ومن صام رمضان وهو يعزم إذا ذهب رمضان أن يعصي الله تعالى ، فصومه مردود عليه ، وعمله غير مقبول منه .
فليت شعري من هذا المحروم فنعزيه ؟ ، حتى يكون عزاؤنا له إلزاما له ببداية توبته واستكمال استقامته ، ويحذره من أن لا يأتيه رمضان آخر ، حتى يكون ذلك تحذيرا له من أن يأتيه الموت بغتة ، { أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرط في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين = أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين = أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين = بلى قد جاءتك ءاياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين } [الزمر : 56-59]
اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم
اللهم اجعلنا من المقبولين ، ولا تجعلنا من المحرومين
اللهم اجبرنا وارحمنا
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
و الحمد لله رب العالمين