عقوق الوالدين
قال الله تعالى وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا أي براً و شفقة و عطفاً عليهما إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف و لا تنهرهما أي لا تقل لهما بتبرم إذا كبرا و أسنا و ينبغي أن تتولى خدمتهما ما توليا من خدمتك على أن الفضل للمتقدم و كيف يقع التساوي ، و قد كانا يحملان أذاك راجين حياتك و أنت إن حملت أذاهما رجوت موتهما ثم قال الله تعالى و قل لهما قولاً كريما أي ليناً لطيفاً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة و قل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا و قال الله تعالى أن اشكر لي و لوالديك إلي المصير فانظر رحمك الله كيف قرن شكرهما بشكره قال ابن عباس رضي الله عنهما ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث ، لا تقبل منها واحدة بغير قرينتها ( إحداهما ) قول الله تعالى أطيعوا الله و أطيعوا الرسول فمن أطاع الله و لم يطع الرسول لم يقبل منه ( الثانية ) قول الله تعالى و أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة فمن صلى و لم يزك لم يقبل منه ( الثالثة ) قول الله تعالى أن اشكر لي و لوالديك فمن شكر الله و لم يشكر لوالديه لم يقبل منه و لذا قال النبي صلى الله عليه و سلم رضى الله في رضى الوالدين و سخط الله في سخط الوالدين
و عن ابن عمر رضي الله عنهما قال جاء رجل يستأذن النبي صلى الله عليه و سلم في الجهاد معه ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم أحي والداك ؟ قال نعم قال ففيهما فجاهد مخرج في الصحيحين ، فانظر كيف فضل بر الوالدين و خدمتهما على الجهاد !
و في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ألا أنبئكم بأكبر الكبائر الإشراك بالله و عقوق الوالدين فانظر كيف قرن الإساءة إليهما و عدم البر و الإحسان بالإشراك و في الصحيحين أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا يدخل الجنة عاق و لا منان و لا مدمن خمر و عنه صلى الله عليه و سلم قال لو علم الله شيئاً أدنى من الأف لنهى عنه ، فليعمل العاق ما شاء أن يعمل فلن يدخل الجنة و ليعمل البار ما شاء أن يعمل فلن يدخل النار و قال صلى الله عليه و سلم لعن الله العاق لوالديه و قال صلى الله عليه و سلم لعن الله من سب أباه ، لعن الله من سب أمه و قال صلى الله عليه و سلم كل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين فإنه يعجل لصاحبه ، يعني العقوبة في الدنيا قبل يوم القيامة
و قال كعب الأحبار رحمه الله إن الله ليعجل هلاك العبد إذا كان عاقاً لوالديه ليعجل له العذاب ، و أن الله ليزيد في عمر العبد إذا كان باراً بوالديه ليزيده براً و خيراً و من برهما أن ينفق عليهما إذا احتاجا فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله إن أبي يريد أن يحتاج مالي فقال صلى الله عليه و سلم أنت و مالك لأبيك و سئل كعب الأحبار عن عقوق الوالدين ما هو ؟ قال هو إذا أقسم عليه أبوه أو أمه لم يبر قسمها ، و إذا أمره بأمر لم يطع أمرهما ، و إذا سألاه شيئاً لم يعطهما ، و إذا ائتمناه خانهما
و سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن أصحاب الأعراف من هم و ما الأعراف ؟ فقال أما الأعراف فهو جبل بين الجنة و النار ، و إنما سمي الأعراف لأنه مشرف على الجنة و النار و عليه أشجار و ثمار و أنهار و عيون ، و أما الرجال الذين يكونون عليه فهم رجال خرجوا إلى الجهاد بغير رضا آبائهم و أمهاتهم فقتلوا في الجهاد ، فمنعهم القتل في سبيل الله من دخول النار ، و منعهم عقوق الوالدين عن دخول الجنة ، فهم على الأعراف حتى يقضي الله فيهم أمره
و في الصحيحين أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله من أحق الناس مني بحسن الصحبة ؟ قال أمك قال ثم من ؟ قال أمك قال ثم من ؟ قال أمك قال ثم من ؟ قال أبوك ، ثم الأقرب فالأقرب فحض على بر الأم ثلاث مرات ، و على بر الأب مرة واحدة و ما ذاك إلا لأن عناءها أكثر و شفقتها أعظم ، مع ما تقاسيه من حمل و طلق و ولادة و رضاعة و سهر ليل
رأى ابن عمر رضي الله عنهما رجلاً قد حمل أمه على رقبته و هو يطوف بها حول الكعبة فقال يابن عمر أتراني جازيتها ؟ قال و لا بطلقة واحدة من طلقاتها و لكن قد أحسنت ، و الله يثيبك على القليل كثيراً
و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أربعة نفر حق على الله أن لا يدخلهم الجنة و لا يذيقهم نعيمها مدمن خمر ، و آكل ربا ، و آكل مال اليتيم ظلماً ، و العاق لوالديه إلا أن يتوبوا و قال صلى الله عليه و سلم الجنة تحت أقدام الأمهات ، و جاء رجل إلى أبي الدرداء رضي الله عنه فقال يا أبا الدرداء إني تزوجت امرأة و إن أمي تأمرني بطلاقها فقال أبو الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه و قال صلى الله عليه و سلم ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن دعوة المظلوم ، و دعوة المسافر ، و دعوة الوالد على ولده و قال صلى الله عليه و سلم الخالة بمنزلة الأم أي في البر و الإكرام و الصلة و الإحسان و عن وهب بن منبه قال إن الله تعالى أوحى إلى موسى صلوات الله و سلامه عليه يا موسى وقر والديك ، فإن من وقر والديه مددت في عمره و وهبت له ولداً يوقره ، و من عق والديه قصرت في عمره و وهبت له ولداً يعقه
و قال أبو بكر بن أبي مريم قرأت في التوراة أن من يضرب أباه يقتل و قال وهب قرأت في التوراة على من صك والده الرجم
و عن عمرو بن مرة الجهني قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله أرأيت إذا صليت الصلوات الخمس ، و صمت رمضان ، و أديت الزكاة ، و حججت البيت ، فماذا لي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من فعل ذلك كان مع النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين إلا أن يعق والديه و قال صلى الله عليه و سلم لعن الله العاق والديه و جاء عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال رأيت ليلة أسري بي أقواماً في النار معلقين في جذوع من نار فقلت يا جبريل من هؤلاء قال الذين يشتمون آباءهم و أمهاتهم في الدنيا
و روي أن من شتم والديه ينزل عليه في قبره جمر من نار بعدد كل قطر ينزل من السماء إلى الأرض و يروى أنه إذا دفن عاق والديه عصره القبر حتى تختلف فيه أضلاعه و أشد الناس عذاباً يوم القيامة ثلاثة المشرك و الزاني و العاق لوالديه
و قال بشر ما من رجل يقرب من أمه حيث حيث يسمع كلامها إلا كان أفضل من الذي يضرب بسيفه في سبيل الله و النظر إليها أفضل من كل شيء ، و جاء رجل و امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يختصمان في صبي لهما فقال الرجل يا رسول الله ولدي خرج من صلبي ، و قالت المرأة يا رسول الله حمله خفاً و وضعه شهوة و حملته كرهاً و وضعته كرهاً و أرضعته حولين كاملين ، فقضى به رسول الله صلى الله عليه و سلم لأمه
( موعظة ) أيها المضيع لآكد الحقوق ، المعتاض من بر الوالدين العقوق ، الناسي لما يجب عليه ، الغافل عما بين يديه ، بر الوالدين عليك دين ، و أنت تتعاطاه باتباع الشين ، تطلب الجنة بزعمك ، و هي تحت أقدام أمك حملتك في بطنها تسعة أشهر كأنها تسع حجج و كابدت عند الوضع ما يذيب المهج ، و أرضعتك من ثديها لبناً ، و أطارت لأجلك وسناً ، و غسلت بيمينها عنك الأذى ، و آثرتك على نفسها بالغذاء ، و صيرت حجرها لك مهداً ، و أنالتك إحساناً و رفداً ، فإن أصابك مرض أو شكاية ، أظهرت من الأسف فوق النهاية ، و أطالت الحزن و النحيب ، و بذلت مالها للطبيب ، و لو خيرت بين حياتك و موتها ، لطلبت حياتك بأعلى صوتها ، هذا و كم عاملتها بسوء الخلق مراراً ، فدعت لك بالتوفيق سراً و جهاراً فلما احتاجت عند الكبر إليك ، جعلتها من أهون الأشياء عليك ، فشبعت و هي جائعة و رويت و هي قانعة و قدمت عليها أهلك و أولادك بالإحسان ، و قابلت أياديها بالنسيان و صعب لديك أمرها و هو يسير ، و طال عليك عمرها و هو قصير ، هجرتها و مالها سواك نصير ، هذا و مولاك قد نهاك عن التأفف ، و عاتبك في حقها بعتاب لطيف ستعاقب في دنياك بعقوق البنين ، و في أخراك بالبعد من رب العالمين ، يناديك بلسان التوبيخ و التهديد ( ذلك بما قدمت يداك و أن الله ليس بظلام للعبيد )
لأمك حق لو علمت كثير كثيرك يا هذا لديه يسير
فكم ليلة باتت بثقلك تشتكي لها من جواها أنة و زفير
و في الوضع لو تدري عليها مشقة فمن غصص منها الفؤاد يطير
و كم غسلت عنك الأذى بيمينها و ما حجرها إلا لديك سرير
و تفديك بما تشتكيه بنفسها و من ثديها شرب لديك نمير
و كم مرة جاعت و أعطتك قوتها حناناً و إشفاقاً و أنت صغير
فآها لذي عقل و يتبع الهوى و آها لأعمى القلب و هو بصير
فدونك فارغب في عميم دعائها فأنت لما تدعو إليه فقير
حكي أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه و سلم شاب يسمى علقمة و كان كثير الإجتهاد في طاعة الله في الصلاة و الصوم و الصدقة ، فمرض و اشتد مرضه فأرسلت امرأته إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم إن زوجي علقمة في النزع ، فأردت أن أعلمك يا رسول الله بحاله فأرسل النبي صلى الله عليه و سلم عماراً و صهيباً و بلالاً و قال امضوا إليه و لقنوه الشهادة فمضوا إليه و دخلوا عليه فوجدوه في النزع ، فجعلوا يلقنونه ( لا إله إلا الله ) ، و لسانه لا ينطق بها فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يخبرونه أنه لا ينطق لسانه بالشهادة فقال النبي صلى الله عليه و سلم هل من أبويه أحد حي ؟ قيل يا رسول الله أم كبيرة السن ، فأرسل إليها رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال للرسول قل لها إن قدرت على المسير إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و إلا فقري في المنزل حتى يأتيك قال فجاء إليها الرسول فأخبرها بقول رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت نفسي لنفسه فداء ، أنا أحق بإتيانه فتوكـأت و قامت على عصا ، و أتت رسول الله صلى الله عليه و سلم فسلمت فرد عليها السلام و قال لها يا أم علقمة أصدقيني و إن كذبت جاء الوحي من الله تعالى ، كيف كان حال ولدك علقمة ؟ قالت يا رسول الله كثير الصلاة ، كثير الصيام كثير الصدقة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فما حالك ؟ قالت يا رسول الله أنا عليه ساخطة قال و لم ؟ قالت يا رسول الله كان يؤثر علي زوجته و يعصيني فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن سخط أم علقمة حجب لسان علقمة عن الشهادة ثم قال يا بلال انطلق و اجمع لي حطباً كثيراً قالت يا رسول الله و ما تصنع ؟ قال أحرقه بالنار بين يديك قالت يا رسول الله ولدي لا يحتمل قلبي أن تحرقه بالنار بين يدي قال يا أم علقمة عذاب الله أشد و أبقى ، فإن سرك أن يغفر الله له فارضي عنه فوالذي نفسي بيده لا ينتفع علقمة بصلاته و لا بصيامه و لا بصدقته ما دمت عليه ساخطة فقالت يا رسول الله إني أشهد الله تعالى و ملائكته و من حضرني من المسلمين أني قد رضيت عن ولدي علقمة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم انطلق يا بلال إليه وانظر هل يستطيع أن يقول لا إله إلا الله أم لا ؟ فلعل أم علقمة تكلمت بما ليس في قلبها حياء مني فانطلق فسمع علقمة من داخل الدار يقول لا إله إلا الله ، فدخل بلال فقال يا هؤلاء إن سخط أم علقمة حجب لسانه عن الشهادة ، و أن رضاها أطلق لسانه ثم مات علقمة من يومه ، فحضره رسول الله صلى الله عليه و سلم فأمر بغسله و كفنه ثم صلى عليه و حضر دفنه ، ثم قام على شفير قبره و قال يا معشر المهاجرين و الأنصار من فضل زوجته على أمه فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفاً و لا عدلا إلا أن يتوب أن يتوب إلى الله عز و جل و يحسن إليها و يطلب رضاها ، فرضى الله في رضاها و سخط الله في سخطها فنسأل الله أن يوفقنا لرضاه ، و أن يجنبنا سخطه ، إنه جواد كريم رؤوف رحيم
م ن ق و ل
قال الله تعالى وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا أي براً و شفقة و عطفاً عليهما إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف و لا تنهرهما أي لا تقل لهما بتبرم إذا كبرا و أسنا و ينبغي أن تتولى خدمتهما ما توليا من خدمتك على أن الفضل للمتقدم و كيف يقع التساوي ، و قد كانا يحملان أذاك راجين حياتك و أنت إن حملت أذاهما رجوت موتهما ثم قال الله تعالى و قل لهما قولاً كريما أي ليناً لطيفاً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة و قل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا و قال الله تعالى أن اشكر لي و لوالديك إلي المصير فانظر رحمك الله كيف قرن شكرهما بشكره قال ابن عباس رضي الله عنهما ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث ، لا تقبل منها واحدة بغير قرينتها ( إحداهما ) قول الله تعالى أطيعوا الله و أطيعوا الرسول فمن أطاع الله و لم يطع الرسول لم يقبل منه ( الثانية ) قول الله تعالى و أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة فمن صلى و لم يزك لم يقبل منه ( الثالثة ) قول الله تعالى أن اشكر لي و لوالديك فمن شكر الله و لم يشكر لوالديه لم يقبل منه و لذا قال النبي صلى الله عليه و سلم رضى الله في رضى الوالدين و سخط الله في سخط الوالدين
و عن ابن عمر رضي الله عنهما قال جاء رجل يستأذن النبي صلى الله عليه و سلم في الجهاد معه ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم أحي والداك ؟ قال نعم قال ففيهما فجاهد مخرج في الصحيحين ، فانظر كيف فضل بر الوالدين و خدمتهما على الجهاد !
و في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ألا أنبئكم بأكبر الكبائر الإشراك بالله و عقوق الوالدين فانظر كيف قرن الإساءة إليهما و عدم البر و الإحسان بالإشراك و في الصحيحين أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا يدخل الجنة عاق و لا منان و لا مدمن خمر و عنه صلى الله عليه و سلم قال لو علم الله شيئاً أدنى من الأف لنهى عنه ، فليعمل العاق ما شاء أن يعمل فلن يدخل الجنة و ليعمل البار ما شاء أن يعمل فلن يدخل النار و قال صلى الله عليه و سلم لعن الله العاق لوالديه و قال صلى الله عليه و سلم لعن الله من سب أباه ، لعن الله من سب أمه و قال صلى الله عليه و سلم كل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين فإنه يعجل لصاحبه ، يعني العقوبة في الدنيا قبل يوم القيامة
و قال كعب الأحبار رحمه الله إن الله ليعجل هلاك العبد إذا كان عاقاً لوالديه ليعجل له العذاب ، و أن الله ليزيد في عمر العبد إذا كان باراً بوالديه ليزيده براً و خيراً و من برهما أن ينفق عليهما إذا احتاجا فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله إن أبي يريد أن يحتاج مالي فقال صلى الله عليه و سلم أنت و مالك لأبيك و سئل كعب الأحبار عن عقوق الوالدين ما هو ؟ قال هو إذا أقسم عليه أبوه أو أمه لم يبر قسمها ، و إذا أمره بأمر لم يطع أمرهما ، و إذا سألاه شيئاً لم يعطهما ، و إذا ائتمناه خانهما
و سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن أصحاب الأعراف من هم و ما الأعراف ؟ فقال أما الأعراف فهو جبل بين الجنة و النار ، و إنما سمي الأعراف لأنه مشرف على الجنة و النار و عليه أشجار و ثمار و أنهار و عيون ، و أما الرجال الذين يكونون عليه فهم رجال خرجوا إلى الجهاد بغير رضا آبائهم و أمهاتهم فقتلوا في الجهاد ، فمنعهم القتل في سبيل الله من دخول النار ، و منعهم عقوق الوالدين عن دخول الجنة ، فهم على الأعراف حتى يقضي الله فيهم أمره
و في الصحيحين أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله من أحق الناس مني بحسن الصحبة ؟ قال أمك قال ثم من ؟ قال أمك قال ثم من ؟ قال أمك قال ثم من ؟ قال أبوك ، ثم الأقرب فالأقرب فحض على بر الأم ثلاث مرات ، و على بر الأب مرة واحدة و ما ذاك إلا لأن عناءها أكثر و شفقتها أعظم ، مع ما تقاسيه من حمل و طلق و ولادة و رضاعة و سهر ليل
رأى ابن عمر رضي الله عنهما رجلاً قد حمل أمه على رقبته و هو يطوف بها حول الكعبة فقال يابن عمر أتراني جازيتها ؟ قال و لا بطلقة واحدة من طلقاتها و لكن قد أحسنت ، و الله يثيبك على القليل كثيراً
و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أربعة نفر حق على الله أن لا يدخلهم الجنة و لا يذيقهم نعيمها مدمن خمر ، و آكل ربا ، و آكل مال اليتيم ظلماً ، و العاق لوالديه إلا أن يتوبوا و قال صلى الله عليه و سلم الجنة تحت أقدام الأمهات ، و جاء رجل إلى أبي الدرداء رضي الله عنه فقال يا أبا الدرداء إني تزوجت امرأة و إن أمي تأمرني بطلاقها فقال أبو الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه و قال صلى الله عليه و سلم ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن دعوة المظلوم ، و دعوة المسافر ، و دعوة الوالد على ولده و قال صلى الله عليه و سلم الخالة بمنزلة الأم أي في البر و الإكرام و الصلة و الإحسان و عن وهب بن منبه قال إن الله تعالى أوحى إلى موسى صلوات الله و سلامه عليه يا موسى وقر والديك ، فإن من وقر والديه مددت في عمره و وهبت له ولداً يوقره ، و من عق والديه قصرت في عمره و وهبت له ولداً يعقه
و قال أبو بكر بن أبي مريم قرأت في التوراة أن من يضرب أباه يقتل و قال وهب قرأت في التوراة على من صك والده الرجم
و عن عمرو بن مرة الجهني قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله أرأيت إذا صليت الصلوات الخمس ، و صمت رمضان ، و أديت الزكاة ، و حججت البيت ، فماذا لي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من فعل ذلك كان مع النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين إلا أن يعق والديه و قال صلى الله عليه و سلم لعن الله العاق والديه و جاء عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال رأيت ليلة أسري بي أقواماً في النار معلقين في جذوع من نار فقلت يا جبريل من هؤلاء قال الذين يشتمون آباءهم و أمهاتهم في الدنيا
و روي أن من شتم والديه ينزل عليه في قبره جمر من نار بعدد كل قطر ينزل من السماء إلى الأرض و يروى أنه إذا دفن عاق والديه عصره القبر حتى تختلف فيه أضلاعه و أشد الناس عذاباً يوم القيامة ثلاثة المشرك و الزاني و العاق لوالديه
و قال بشر ما من رجل يقرب من أمه حيث حيث يسمع كلامها إلا كان أفضل من الذي يضرب بسيفه في سبيل الله و النظر إليها أفضل من كل شيء ، و جاء رجل و امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يختصمان في صبي لهما فقال الرجل يا رسول الله ولدي خرج من صلبي ، و قالت المرأة يا رسول الله حمله خفاً و وضعه شهوة و حملته كرهاً و وضعته كرهاً و أرضعته حولين كاملين ، فقضى به رسول الله صلى الله عليه و سلم لأمه
( موعظة ) أيها المضيع لآكد الحقوق ، المعتاض من بر الوالدين العقوق ، الناسي لما يجب عليه ، الغافل عما بين يديه ، بر الوالدين عليك دين ، و أنت تتعاطاه باتباع الشين ، تطلب الجنة بزعمك ، و هي تحت أقدام أمك حملتك في بطنها تسعة أشهر كأنها تسع حجج و كابدت عند الوضع ما يذيب المهج ، و أرضعتك من ثديها لبناً ، و أطارت لأجلك وسناً ، و غسلت بيمينها عنك الأذى ، و آثرتك على نفسها بالغذاء ، و صيرت حجرها لك مهداً ، و أنالتك إحساناً و رفداً ، فإن أصابك مرض أو شكاية ، أظهرت من الأسف فوق النهاية ، و أطالت الحزن و النحيب ، و بذلت مالها للطبيب ، و لو خيرت بين حياتك و موتها ، لطلبت حياتك بأعلى صوتها ، هذا و كم عاملتها بسوء الخلق مراراً ، فدعت لك بالتوفيق سراً و جهاراً فلما احتاجت عند الكبر إليك ، جعلتها من أهون الأشياء عليك ، فشبعت و هي جائعة و رويت و هي قانعة و قدمت عليها أهلك و أولادك بالإحسان ، و قابلت أياديها بالنسيان و صعب لديك أمرها و هو يسير ، و طال عليك عمرها و هو قصير ، هجرتها و مالها سواك نصير ، هذا و مولاك قد نهاك عن التأفف ، و عاتبك في حقها بعتاب لطيف ستعاقب في دنياك بعقوق البنين ، و في أخراك بالبعد من رب العالمين ، يناديك بلسان التوبيخ و التهديد ( ذلك بما قدمت يداك و أن الله ليس بظلام للعبيد )
لأمك حق لو علمت كثير كثيرك يا هذا لديه يسير
فكم ليلة باتت بثقلك تشتكي لها من جواها أنة و زفير
و في الوضع لو تدري عليها مشقة فمن غصص منها الفؤاد يطير
و كم غسلت عنك الأذى بيمينها و ما حجرها إلا لديك سرير
و تفديك بما تشتكيه بنفسها و من ثديها شرب لديك نمير
و كم مرة جاعت و أعطتك قوتها حناناً و إشفاقاً و أنت صغير
فآها لذي عقل و يتبع الهوى و آها لأعمى القلب و هو بصير
فدونك فارغب في عميم دعائها فأنت لما تدعو إليه فقير
حكي أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه و سلم شاب يسمى علقمة و كان كثير الإجتهاد في طاعة الله في الصلاة و الصوم و الصدقة ، فمرض و اشتد مرضه فأرسلت امرأته إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم إن زوجي علقمة في النزع ، فأردت أن أعلمك يا رسول الله بحاله فأرسل النبي صلى الله عليه و سلم عماراً و صهيباً و بلالاً و قال امضوا إليه و لقنوه الشهادة فمضوا إليه و دخلوا عليه فوجدوه في النزع ، فجعلوا يلقنونه ( لا إله إلا الله ) ، و لسانه لا ينطق بها فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يخبرونه أنه لا ينطق لسانه بالشهادة فقال النبي صلى الله عليه و سلم هل من أبويه أحد حي ؟ قيل يا رسول الله أم كبيرة السن ، فأرسل إليها رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال للرسول قل لها إن قدرت على المسير إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و إلا فقري في المنزل حتى يأتيك قال فجاء إليها الرسول فأخبرها بقول رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت نفسي لنفسه فداء ، أنا أحق بإتيانه فتوكـأت و قامت على عصا ، و أتت رسول الله صلى الله عليه و سلم فسلمت فرد عليها السلام و قال لها يا أم علقمة أصدقيني و إن كذبت جاء الوحي من الله تعالى ، كيف كان حال ولدك علقمة ؟ قالت يا رسول الله كثير الصلاة ، كثير الصيام كثير الصدقة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فما حالك ؟ قالت يا رسول الله أنا عليه ساخطة قال و لم ؟ قالت يا رسول الله كان يؤثر علي زوجته و يعصيني فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن سخط أم علقمة حجب لسان علقمة عن الشهادة ثم قال يا بلال انطلق و اجمع لي حطباً كثيراً قالت يا رسول الله و ما تصنع ؟ قال أحرقه بالنار بين يديك قالت يا رسول الله ولدي لا يحتمل قلبي أن تحرقه بالنار بين يدي قال يا أم علقمة عذاب الله أشد و أبقى ، فإن سرك أن يغفر الله له فارضي عنه فوالذي نفسي بيده لا ينتفع علقمة بصلاته و لا بصيامه و لا بصدقته ما دمت عليه ساخطة فقالت يا رسول الله إني أشهد الله تعالى و ملائكته و من حضرني من المسلمين أني قد رضيت عن ولدي علقمة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم انطلق يا بلال إليه وانظر هل يستطيع أن يقول لا إله إلا الله أم لا ؟ فلعل أم علقمة تكلمت بما ليس في قلبها حياء مني فانطلق فسمع علقمة من داخل الدار يقول لا إله إلا الله ، فدخل بلال فقال يا هؤلاء إن سخط أم علقمة حجب لسانه عن الشهادة ، و أن رضاها أطلق لسانه ثم مات علقمة من يومه ، فحضره رسول الله صلى الله عليه و سلم فأمر بغسله و كفنه ثم صلى عليه و حضر دفنه ، ثم قام على شفير قبره و قال يا معشر المهاجرين و الأنصار من فضل زوجته على أمه فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفاً و لا عدلا إلا أن يتوب أن يتوب إلى الله عز و جل و يحسن إليها و يطلب رضاها ، فرضى الله في رضاها و سخط الله في سخطها فنسأل الله أن يوفقنا لرضاه ، و أن يجنبنا سخطه ، إنه جواد كريم رؤوف رحيم
م ن ق و ل