الباطل يزحف على بطنه لا يسير على قدميه. تماما كالنباتات الطفيلية المتسلقة تكتسب قوتها من التصاقها واعتمادها على غيرها، لكنها لا يمكنها أبدا أن تقوم على ساقها أو تعتمد على نفسها.
والنصرانية تلك الديانة الهشة التي عجزت أن تخاطب العقل البشرى بخرافاتها وتناقضاتها، وعجزت أن تخاطب الروح البشرية بوثنيتها الرومانية المهجنة فعمدت إلى الخرافات والأباطيل لتتزين لأتباعها.
لكنها عجزت أيضا، فتسرب منها على مر السنين مئات الألوف في طول البلاد وعرضها، حتى صرح المجمع المقدس أن هناك ثمانية آلاف نصراني يسلم سنويا في مصر من الطائفة الأرثوذكسية فقط، بينما صرح الأنبا مكسيموس الأول بأنهم أكثر من خمسين ألف شخص.
وعندما أبصرت النصرانية ضعفها وأيقنت عجزها لجئت لسياسة التسلق والتطفل والخداع الزائف لتجعل من نفسها كيانا قابلا للحياة في نفوس أتباعها.
أدركت هذا المعنى وأنا أشاهد مصعب، نجل الشيخ حسن يوسف، أحد قادة حركة حماس البارزين، وهو يعلن تنصره على (قناة فوكس الأمريكية) ثم على قناة تنصيرية مصرية فيما بعد.
فأسلوب التغطية الإعلامية للخبر كان انتصاريا متشفيا لأبعد الحدود، وظل الشاب واقفا مبيحا نفسه لكل الراغبين. ففي مقابلة (فوكس) أخذ يكيل الاتهامات لحماس، ويحذر من إرهابها. أما في مقابلة القنوات التنصيرية العربية تهجم على الإسلام وعقيدته تماما مثل مذيعي القناة المسمومة.
وبدأ مصعب يحكي عن تنصره لكن بطريقة مختلفة عما عهدناه من قبل، فراح يوغل في شرح معاناة أهله في ظل اعتقالات والده المتكررة وفي تجربته القصيرة مع قيادات حماس في السجون اليهودية وهي تجربة تستحق الدراسة، ولم يستطع مصعب أن يحمل تجربة المعتقل أكثر مما تحتمل فاعترف بأنها أخطاء شخصية لا يمكن أن نحملها للدين وهذا حق لا مراء فيه.
لكن الخطة الإعلامية المرسومة لتنصيره أجبرته أن يتراجع سريعا عن هذا الإنصاف ليقول بعدها :"أنا أعتبر الإسلام كذبة كبرى، الناس الذين من المفترض أنهم قدموا الدين أحبوا محمد أكثر من الله، قتلوا أناس أبرياء باسم الإسلام، ضربوا زوجاتهم، وليس لديهم أي فكرة ما هو الله، وليس لدي أدنى شك أنهم سيذهبون لجهنم".
لم يتحدث مصعب عن الإيمان المسيحي، ولا عن الدوافع الروحية لتنصره، وعندما تطرق إلى هذا الجزء من السيناريو تخبط.
وأشتد تخبطه عندما حاول أن يستدل على إيمانه بالمسيحية، فنجده أكثر توترًا وأشد عصبية وتكلفًا في الحديث، فراح يقص علينا قصة قديمة اعتاد المنصرون أن يضعوها كسيناريو متكرر لكل قصص التنصير الملفقة، ويحدثنا عن دراسة متأنية وعميقة استمرت لسنوات ويستشهد مصعب بالكتاب المقدس مرتين وفي المرتين كلتيهما يخطأ خطأً شنيعا لا يستقيم مع مثقف عادى، فضلا عن شخص قضى سنوات في دراسته المزعومة.
فحين يبرر إيمانه، يستشهد بنص يعلم القاصي والداني أنه محرف بشهادة علماء النصرانية أنفسهم: "عظيم هو سر التقوى، الله ظهر في الجسد". فالنص الأصلي يقول: "عظيم سر التقوى الذي ظهر في الجسد".
يقول القس (جيمس أنيس) في كتابه علم اللاهوت النظامي: "ومما يرجح صحة قراءة (الذي) عدم ذكر اللاهوتيين القدماء هذه الآية مع الآيات الكثيرة التي أوردوها ليثبتوا لاهوت المسيح وهم يردون على ضلالات "آريوس"، أما سبب تبديل كلمة (الذي) بكلمة (الله) في النسخ اليونانية الحديثة فهو ما بين اسم الجلالة وكلمة (الذي) من المشابهة في صورة كتابتها، فليس بينهما فرق إلا في خط صغير يقرب من النقطة التي تفرق بين الجيم والحاء والعين والغين في الكتابة العربية. والراجح أن النساخ زادوا ذلك الخط الصغير ليوضحوا المعنى في بعض النسخ، فتحولت كلمة (الذي) إلى (الله) ثم شاع استعمالهم له في كل نسخ القرون المتوسطة خلافاً للنسخ القديمة التي لم يٌر فيها إلا كلمة (الذي).
والمخطوطات القديمة لا تذكر النص على هيئته التي طلب المنصرون من مصعب أن يقرأه بها، فالمخطوطات السينائية، والسكندرية والأفرايمية والإثيوبية والمخطوطات F ـ G ـ 33 ـ 365 ـ 1175، التي هي أقدم المخطوطات وأصحها لا يرد فيها هذا اللفظ.
لذلك قامت الترجمات الحديثة والصادرة عن الكنائس الكبرى بحذف هذه اللفظة:
الترجمة العربية المشتركة: "ولا خِلافَ أنَّ سِرَّ التَّقوى عَظيمٌ الّذي ظهَرَ في الجَسَدِ وتَبَرَّرَ في الرُّوحِ، شاهدَتْهُ المَلائِكَةُ، كانَ بِشارَةً للأُمَمِ، آمَنَ بِه العالَمُ ورفَعَهُ الله في المَجدِ".
ترجمة الآباء اليسوعيين: "ومن المسلم أنه عظيم سر التقوى الذي تجلى في الجسد، وتبرر بالروح ورؤي من الملائكة وبشر به في الأمم وأٌومن به في العالم وارتفع في المجد".
ويستمر مصعب في التخبط فيخطئ خطأً آخر أشد شناعة في المسيحية، وذلك حينما حاول أن يثبت ألوهية المسيح فيقول: "عندما يقول المسيح أنا في الآب والآب فيَّ بمعني أنا والآب واحد، إله واحد، الإله الذي ظهر في الجسد".
وهنا يسقط مصعب في تصور خاطئ يبين أنه تنصر نكاية في حماس التي اعتاد أن يهاجمها قبل تنصره، وتمردا على أوضاعه القهرية تحت الاحتلال، وظروفه القاسية مع أسرته، وتجربته الصعبة في أمريكا.
فهذه العقيدة التي تصور مصعب أنها المسيحية التي اهتدى إليها هي في الحقيقة عقيدة منحرفة تحرمها الكنائس وتكفر قائلها وتسميها هرطقة (سابيليوس)، ذلك القس الذي ولد في نهاية القرن الثاني ومات عام 261 م وحرمه البابا (كاليستوس) وأتباعه عام 220م لأنه قال نفس كلام مصعب عن أن وحدانية الأب والابن وحدانية مطلقة، الغريب بعد هذا أن يتهجم جوزيف (مصعب سابقا) على المسلمين متهما إياهم بالجهل وقلة الفقه بدينهم!!!
ثم يردف الغر بأن تحوله إلى النصرانية ناتج عن عملية عقلية وحسابات دقيقة، لكنه ينضم إلى طابور العجزة والمعاقين العاجزين عن شرح التثليث أو فهمه وهو جوهر العقيدة النصرانية، هذا الطابور ممتد على مدار ألفي عام حتى الآن.
والحقيقة أن مصعب كان يصلى في غزة حتى سفره إلى أمريكا قبل سنة ونصف لزيارة شقيقته والبحث عن عمل، لكنه مر بظروف صعبة هناك حتى أرسل إلى أهله يقول إنه لولا الكنيسة وصديق نصراني لأصبح مشردا.
الحقيقة، ومن خلال تجربتي في مجال التنصير، لا أجد في قصة تنصر مصعب جديداً فهي نفس القصة المتكررة منذ عشرات السنين اصطياد للنفس البشرية في أضعف حالاتها ثم رسم حبكة بلهاء لتغطية هذا الضعف وتلك الظروف ثم تأتي الزفة الإعلامية التي لا تجد ما تقوله من الحقائق والبراهين فتلجأ للدجل والخداع وصناعة الأحداث الوهمية.
وهب أن الأمر حقيقيٌّ، فمن هو هذا الغر؟
ولا نحسب هذا الغر سوى شرًا أزاحه الله عن الأمة ولا يعيب الإسلام أنه ينفي خبثه كما ينفي الذهب خبثه، لكن يعيب النصرانية أنها تتستر على القساوسة الشواذ والكهنة المجرمين المتاجرين بأعراض ودماء طائفتهم وتقبل كل نطيحة ومتردية شاردة رخيصة في واقعها لتعضد به من بنائها المتهدم.
وإذا كان ارتداد شخص ما عن الإسلام يعطي إشارة للمفلسين بصحة عقيدتهم فماذا يقولون في آلاف القساوسة الذين دخلوا الإسلام أفواجا وهم في أوج شهرتهم وقوتهم الدينية؟
ماذا عن الدكتور القس (إبراهيم خليل فليبس) عضو سنودس وأشهر شخصية نصرانية علمية في اللاهوت في نصف القرن الماضي؟ وماذا عن (عبد الأحد داود)، كبير الأساقفة الآشوريين بالعراق؟ وماذا عن رئيس أساقفة تنزانيا (جون موايبوبو)؟ وماذا عن (فردريك دولا مارك) كبير أساقفة جوهانسبرج؟
وإذا كان ابن قيادي في حماس قد تنصر بعد هجرته لأمريكا، فماذا عن أخت الأنبا (بيشوي)، سكرتير المجمع المقدس، والرجل الثاني في الكنيسة المصرية، والمرشح لخلافة (شنوده)، وقد منَّ الله عليها بالإسلام، وتزوجت من مسلم وأنجبت منه.
إن قائمة المسلمين الجدد طويلة، لكنها تخلوا بفضل الله من المرضى النفسيين والمغيبين عن واقعهم والمتنكرين لدماء إخوانهم وقضيتهم قبل دينهم.
فهذا الـ(جوزيف) (مصعب سابقا) لم يجد وسيلة إعلامية يعلن من خلالها عن تنصره سوى صحيفة هاآرتس اليهودية التي أجرت لقاء مطولا معه نسى فيه قضية فلسطين ونسى بلده وراح يرسل أشواقه وحبه لإسرائيل ويعتبرها الضحية ويحذرها من حماس!!
أي عقيدة تلك التي أنسته آلام أمته وشعبه وسجن والده الذي لا يزال يذكره بالخير ويفرق بينه وبين باقي المسلمين حسب قوله!!
حقيقة لا جديد على مائدة المنصرين سوى فتات ساقط من مائدة المسلمين، ولا يرسل لنا هذه الحدث سوى إشارات قديمة سبق وأن نبهنا إليها مرارا وهي أن الصراع يتمركز في محور صليبي صهيوني مع الأمة ولا ينبغي لنا التهاون أبدا مع هذه الجبهة، لاسيما في فلسطين. فالقوى التنصيرية ليست سوى مجموعات باعت ضميرها و شرفها للوبيات الصهيونية في الغرب مقابل ثمن بخس، وهم سهم في كنانة الصهيونية يرمون به الأمة كلما سنح لهم ذلك.
كما يدق هذا الحدث ناقوس الخطر ليحذر من شر عظيم حذرَ منه كثير من الصادقين من قبل: أعني أبناء الدعاة والقادة، وأغلبهم على مدار التاريخ ندبة في وجه آبائهم، ويرجع هذا لانشغال القادة، وتدليل الأتباع، وصلف الأبناء.
نعم، الأسرة في مصاب جلل،أعانهم الله على الصبر على مصيبتهم، لكن هذا لا يعفيها من اللوم ولا يبرئها من الخطأ.
فهي التي سمحت لهذا الغر بالسفر إلى أمريكا وهي تعلم حالته النفسية والفكرية المشوشة بعد خروجه من المعتقل وتعلم جيدا تربص الموساد الاسرائيلي بأبناء قادة حماس، وكيف بقائد يقود الشباب للجهاد ثم يقع في أسر العدو الصهيوني فتبعث الأسرة ابنه ليعمل ويقيم في أمريكا؟
من يعرف (جوزيف) يؤكد أنه سيعود إلى الإسلام بعدما تستقر حالته النفسية والفكرية، لكننا نقول: "رب ضارة نافعة ولن يضيف مصعب إلى المسيحية شيء لكن يضيف إلينا اليقظة الواجبة نحو خطر التنصير الزاحف على أمتنا".
طريق الاسلام