تشبه الحياة الزوجية السعيدة خطًا مستقيمًا يسير عليه الإنسان، يعرف وضوحه واستقامته ويسره، فيسلكه براحة واطمئنان.
والزوجة مثلاً، حينما تكون حياتها الزوجية كالطريق المستقيم، تعرف شخصية زوجها وما يحب وما يكره – عمومًا -، ومواعيد نومه واستيقاظه وأكله وعودته من عمله، وطباعه والخطوط العريضة لشخصيته؛ تصبح لديها الحياة سهلة، فلا فوضى في الأوقات، ولا مزاجية في الطباع، ولا اختلال في العادات.
وكذلك الزوج، حين تكون في كنفه زوجة مخلصة محبة، تعرف طباعه وعاداته، وتنظم وقتها من أجل راحته والقيام بحقه، فلا تقصير ولا تداخل ولا فوضى، يكون البيت بالنسبة له عشًّا هانئًا وديعًا، يلقي فيه عن كاهله الهموم، وينير أرجاءه ببسمة رائعة وروح جميلة وأحاديث حلوة بعد يوم كفاح شاق.
لذا، قد يلاحظ الزوجان إرهاق الحياة وشدتها نوعًا ما، لما ينحرف بهم هذا الطريق المستقيم عند سفر مفاجئ، أو مرض أو اهتزاز في الأحوال المادية، أو تغير في نظام النوم والعمل والطعام.
في شهر رمضان المبارك، يكون التغير الأخير، أي تغير مواعيد النوم والعمل، وتغير أصناف الطعام، وتغير شخصية المرء وطباعه وما اعتاد عليه، وهذا أمر شاق يحتاج من الزوجين لجهود مضاعفة تعين على ترتيب الوقت والعادات، والاستفادة من الزمن الثمين دون تقصير في حقوق الله ثم حقوق النفس والزوج والأسرة.
هذه سبع نقاط، مشتركة للزوجين، عسى أن تعينهما على الإمساك بزمام الترتيب واستقامة الدرب في رمضان:
1) لا تزعجيني.. إني صائم!
إن من يتلفظ بذلك بنبرة غضب في كل لحظة، لم يعرف بعد المقاصد الجليلة في الصيام، فالصيام ليس لشد الأعصاب وحدة الطباع؛ بل هو لتهذيب النفس وتنقية الروح، وترويض العادات، وتعويد المرء نفسه على ضبط مشاعره والهدوء والاسترخاء، والرقي بالطباع إلى أعلى مستوى من الخلق الطيب والتواضع الجم، وعلى الزوجة كذلك، أن تضبط أعصابها وتمسك لسانها، وتحافظ على هدوئها ورقتها وابتسامتها.
وفي رمضان، حين تختلف الأوقات والطباع، تصبح الأسرة بأمس الحاجة إلى جلسات عائلية بريئة، تدار فيها الأحاديث الطيبة والبسمات الودودة، يتحاور فيها الجميع باحترام ومحبة، فعلى الزوجين أن يحرصا على تخصيص وقت معين – كبعد الإفطار مثلاً – لذلك، مع صغارهما للحديث والأنس.
هل تقبلان التحدي؟ ليكن هذا الشهر بلا مشاكل، مقدمة لشهور وأعوام وأعمار بعده، ففيه تصفد الشياطين وتلين القلوب وتخشع النفوس، فقويا عزائمكما وتفهما أخطاء بعضكما، وتعلما التسامح والعفو واحتواء الخلافات أو الاختلافات على الأصح، بود ويسر وحوار محترم.
2) بركات الطاعة:
لا يخفى على المسلم فضل رمضان ومضاعفة الحسنات فيه، فهو ليس شهرًا للصوم فحسب، بل للعبادة جميعها، للصلاة والذكر والصدقة وحسن الخلق وغير ذلك، فاحرصا أيها الزوجان على جعل كل لحظة فيه نهرًا جاريًا بالحسنات والبركات.
أعينا بعضكما على الطاعة، ليشجع كل زوج شريكه على العبادة بذكر فضلها وحثه عليها، فإن الذكرى تنفع المؤمنين، تلهب العزائم الفاترة وتعضد القوى الخائرة.
لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، ولا تكن كل عبادتكما في المسجد فحسب، ولتجعلا لعشكما الصغير نصيبا من الصلاة والذكر والدعاء والقرآن، والتوجيه والنصح، واحذرا من لصوص الإثم الذين ينشطون في رمضان، بمفطرات النفس من إثارة الغرائز ودمار الأوقات وإماتة الهمم. صفدت شياطين الجن ومردتها فأبوا إلا أن يضاعفوا جهودهم تعويضًا لغياب إخوتهم وأعوانهم، فلا تتساهلا في منحهم ولو بضع دقائق من الوقت الثمين بدعوى الترفيه، فإن للمعصية شؤمًا، ومن آثار الذنوب أنها تصد العبد عن الاستزادة من الطاعات وتكبله عن الاستباق للخيرات، فاختر لنفسك مكانًا.
وأنت أيها الزوج، لا شك أن من حضورك للمسجد خمس مرات يوميًا فوائد تجنيها من العلم والموعظة، فعلم زوجتك وأبناءك، ووجههم وأرشدهم وانفعهم، فهم رعيتك وأنت القائم على إصلاحها ونصحها.
إن ثمرات الطاعة يجنيها المرء في الدنيا قبل الآخرة، رضًا في النفس وسعادةً في القلب، وتيسيرًا للرزق وصلاحًا في الزوجة والذرية، فحري بالزوجين أن يمدا على منزلهما ظلالاً فينانة من العبادة المخلصة والطاعة المباركة.
3) هذه مملكتكما:
لا يعني اختلاف أوقات الطعام والنوم العمل، أن نفلت العنان للفوضى الشديدة في أوقاتنا، فهذه مملكتكما أيها الزوجان، احرصا على تنظيم أوقات الأسرة قدر الإمكان، ولا تسمحا بالسهر وإضاعة الليل هباءً منثورًا، لا يكن النهار كله للنوم بدعوى الصيام والتعب، فهل رأيت تاجرًا يغفل عن زيادة مبيعاته في المواسم المضاعفة، بدعوى الإرهاق والخمول؟!
اختارا الأوقات المناسبة للوجبات الرئيسة، وأخرى لزيارة من ترغبون، ونصيبًا للراحة والجلسات الهادئة، بتنظيم ودقة، محاذرين الفوضى في قضاء اليوم وإضاعته بلا فائدة، سوى إنهاك القوى بنوم وأكل وحياة مضطربة، فلا العبادة أديتموها، ولا حياتكما قمتم بها.
4) تفهما الطباع:
للمرة الأولى رهبة وتوتر، لكن في المرة الثانية، ستعرفين أيتها الزوجة ما يحب زوجك وما يكره، فهو مثلاً لا يحب أن يحادثه أحد بعد عودته من العمل في رمضان، ويفضل النوم بعيدًا عن ضوضاء الصغار، ويحب هذا من أصناف الطعام ويكره ذاك، ويحب وجبة السحور في الساعة كذا والعشاء عند كذا، فقومي بحقه على أكمل وجه، ووفري له قدر إمكانك السعادة والراحة.
وأنت أيها الزوج، لا تنس أن على زوجتك مسؤولية شاقة من العناية بالمنزل والصغار، فلا تصرخ في وجهها بعنف وغلظة إذا ما طلبت منك شيئا للبيت مثلاً، تفهّم أنه منزلكما وحياتكما المشتركة، وإن كان في إحضاره مشقة عليك فأخبرها ذلك بيسر وهدوء.
5) خيركم خيركم لأهله:
من مكملات الرجولة ومحاسن الأخلاق، أن يتواضع الزوج في منزله، فيساعد زوجته في القيام بشؤون البيت وإعداد الوجبات والعناية بالصغار، فبالتعاون تخفف عن كاهلها وتمنحها وقتًا للعبادة والطاعة.
لا تكن أنانيًا، فتعتكف الساعات في قراءة القرآن في عزلة وهدوء، مكلفًا زوجتك بإعداد الفطور لأصدقائك وتنظيف البيت والاعتناء بالصغار؛ بل ساعدها وعاونها ولو بتحمل مسؤولية الأطفال عنها.
وعلى الزوجة ألا ترهق كاهل زوجها بالطلبات الكثيرة من أجل أصناف متنوعة عديدة، تصد النفوس عن تدبر العبادة وتضيع الوقت الثمين في الإعداد؛ بل ليكن شعاركم: "بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه".
6) علاقاتكما مع الناس:
رمضان فرصة لتقوية أواصر القرابة بين الأسر، وأحق الناس بالصلة والبر هم الوالدان، فليكن من أيامكما في رمضان أيامًا ساطعة بضياء البر، تزوران أو تدعوان فيها الوالدين، وتنعمان معهما بفطور مبارك وحديث مؤنس، وتذاكر للفضائل وتناصح.
تعجبني كثيرًا عادة إحدى الأخوات، فهي تزيد في أيام كثيرة في صنف الفطور، وتبعث به مع التمر إلى الجيران، أو إلى الأخوة والأخوات والأقارب، فتكسب أجر تفطير الصائم وأجر صلة الرحم، وإدخال السرور على مسلم.
7) نسائم رقيقة:
ليتأمل الزوجان في حديث أم سلمة: ("أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبّل وهو صائم" ، وحديث عائشة قالت: ("كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم ولكنه كان أملككم لإربه"، إنه خلق رفيع ورقة طيبة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لمن يملك إربه بتفصيل مذكور في كتب الفقه والحديث..
كم تبدو لمسات لطيفة لا تحمل شهوة أو رغبة فالمرء صائم، لكنها نسائم ود ونظرات حانية وكلمات طيبة، ترف على النفس، فتمنحها المحبة والرضا، وتغسل عن قلبها هموم الحياة ومتاعبها.
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وأعاننا سبحانه على شكره وذكره وحسن عبادته.