من طرف فلاح من مصر 9/11/2008, 11:04 am
بعد بسم الله و الصلاة و السلام علي رسول الله ,
الأخ الغالي ,
أحييك بالسلام , (((( و دون إطالة )))) :
يقول رب العزة سبحانه " فلا تزكو أنفسكم هو أعلم بمن اتقى " و يقول سبحانه" إن أكرمكم عند الله أتقاكم " و يقول المصطفى صلي الله عليه وسلم " دعوها فإنها منتنة " فما الذى عابه الرسول صلي الله عليه وسلم ووصفه هى دعوى الجاهلية . و هى التى زمها رب العزة سبحانه . دعوى الجاهلية أيضا و هى ((( التفاخر ))) بالأحساب و الأنساب .
نوضح المعنى ((((دون إطالة))))) " واعتذر عن أى خطأ لغوى فأنا لست متخصص " الحسب من " حسب "بهملتين و معجمة جميعها مفتوحة" و المصدر حسب بالتسكين , و قد سمى بذلك لحسابة , أى لتعدادة , فقد كانت العرب لديها مجالس و مناظرات للحسب يجلسون يعددون و يحسبون الفضل و العز و المجد . أما النسب فهى من "نسب " بمعجمتين تتوسطهما مهملة جميعها مفتوحة" و المصدر بالتسكين . و منها كانت المناظرات بالتعالي و التناسب إلي الأجداد و الأباعد , و من هذه المناظرات كانت تدخل الفتن و يطعن في الأنساب تصريحا و تلميحا وطعنا بالزنا . و لهذا نهى الإسلام عنها لما فيها من الفتن و الشحناء . و مخالفة صريحة لما عليه شرع الله عز وجل و هو " التقوى و العمل الصالح .
لكن التناسب من غير فخر أو إعتزاز فهو غير مذموم , و هو كالذى يحديث في تسجيل المواليد وغيرها , فهذا فلان بن فلان بن فلان . و قد روى أكثر من واحد أن سيدنا أبو بكر الصديق رضى الله عنه كان أدرى العرب بأنسابها قبل الإسلام و بعده . و كان من الصحابة أيضا من اشتهر بعلم الأنساب كسيدنا عبد الله بن عباس .
إذا كان هذا وذاك قد انتهى بإنتهاء الجاهلية إلا اننا لا نزال نرددها و مستحدثين لذلك ألفاظا و مسميات ظنا منا أن هذه المسميات تخرجه عن أصله . و نتيه نحن فيها , و من أخطرها تلك التى تخرجنا عن تمسكنا بديننا سعيا في خضم الأصوات العالية غير أبهين ولا مدركين لما سنصل إليه . فمثلا نجد من الألفاظ الشائعة " الإنتماء , المواطنة , العرقية " ثلاث ألفاظ في باب . و ثلاث أخرى في باب آخر " الكبر , العنجهية , العظمة " . إكتمل العدد ستة كلها مذمومة إن لم تكن لله و لدين الله .
و منها كانت معلقة عمرو بن كلثوم " فقد مدح و تفاخر و تعاظم بقومه فلننظر لقوله "
و قــد عـلـم القـبـائـلُ مـــن مـعــدٍ --- إذا قُــبــبٌ بـأبـطـحـهـا بـنـيـنــا
بــأنــا المـطـعـمُـون إذا قــدرنـــا --- و أنــــا المُـهـلـكـون إذا ابـتُـلـيـنـا
و أنـــا المـانـعـوُن لـمــا أردنــــا--- و أنـــا الـنـازلـون بـحـيـثُ شـيـنـا
و أنــــا الـتـاركــون إذا سـخـطـنـا--- و أنــــا الآخــــذون إذا رضـيــنـــا
و أنــــا الـعـاصـمـون إذا أُطـعـنــا --- و أنــــا الـعـازمــون إذا عُـصـيـنــا
و نـشـربُ إن وردنـا الـمـاء صـفـوا---ً و يـشـربُ غـيـرُنا كـدراً و طـيـنا
ألا أبـلــغ بـنــي الـطـمـاح عــنــا--- و دُعـمـيـاً فـكـيــف وجـــد تــمــوُنــا
إذا مــا المـلـكُ ســام الـنـاس خـسـفـاً--- أبـيـنـا أن نُــقــر الــــذل فـيـنــا
مـلأنـا الـبـر حـتـى ضـــاق عـنــا--- ومـــاءُ الـبـحـر نـمـلــؤه سـفـيـنــا
إذا بـلـغ الـفـطـام لـنـا رضـيـعـا--- تـخــرُ لـــهُ الجـبـابـرُ ســاجــديــنــا
ألا لا يـجـهـلـن أحـدا عــلـيـنـا --- فـنـجـهـل فـوق جـهـل الـجـاهــلــيــن
و هذه كلها مخالفة لما عليه ديننا الحنيف . فالتفاخر بالجاهلية واضح في قول الشاعر .
و كان علي النقيض من ذلك مدح سيدنا حسان بن ثابت لرسول الله صلي الله عليه وسلم . فنجده يعدد و يمجد مادحا صحابة رسول الله صلي الله عليه و سلم , لكن كلها لله و لدين الله . و منها قوله "
وإن أصيبوا فلا جور ولا هلع *** لا يفخرون إذا نالوا عدوهم
كأنهم في الوغى والموت مكتنع *** أسد بحلية في أرساغها فدع
خذ منهم ما أتوا عفوا إذا غضبوا *** ولا يكن همك الأمر الذي منعوا
فإن في حربهم فاترك عداوتهم *** شرا يخاض عليه السم والسلع
أكرم بقوم رسول الله شيعتهم *** إذا تفاوتت الأهواء والشيع
أهدى لهم مدحتي قلب يوازره *** فيما أحب لسان حائك صنع
فإنهم أفضل الأحياء كلهم *** إن جد بالناس جد القول أو شمعوا
و منها قول زهير بن أبى سلمى في قصيدة في الإعتذار لرسول الله قبل اسلامه :
زالُـوا فـمَا زالَ أَنْكاسٌ ولا كُشُفٌ --- عِـنْـدَ الِّـلقاءِ ولا مِـيلٌ مَـعازيلُ
شُــمُّ الـعَرانِينِ أبْـطالٌ لُـبوسُهُمْ --- مِـنْ نَـسْجِ دَاوُدَ في الهَيْجَا سَرابيلُ
بِـيضٌ سَـوَابِغُ قـد شُكَّـتْ لَهَا حَلـَقٌ --- كـأنَّـها حَـلَقُ الـقَفْعاءِ مَـجْـدولُ
يَمْشونَ مَشْيَ الجِمالِ الزُّهْرِ يَعْصِمُهُمْ --- ضَـرْبٌ إذا عَـرَّدَ الـسُّودُ التَّنابِيلُ
لا يَـفْـرَحونَ إذا نَـالتْ رِمـاحُهُمُ---قَـوْماً ولَـيْسوا مَـجازِيعاً إذا نِيلُوا
لا يَـقَعُ الـطَّعْنُ إلاَّ فـي نُحورِهِمُ --- ومـا لَهُمْ عَنْ حِياضِ الموتِ تَهْليلُ
و منها مدحة و إعتذاره لرسول الله " صلي الله عليه و سلم " حين أنشد يقول :
لَـقَدْ أقْـومُ مَـقاماً لـو يَـقومُ بِـه --- أرَى وأَسْـمَعُ مـا لـم يَسْمَعِ الفيلُ
لَـظَلَّ يِـرْعُدُ إلاَّ أنْ يـكونَ لَهُ مِنَ --- الَّـرسُـولِ بِــإِذْنِ اللهِ تَـنْـويلُ
حَـتَّى وَضَـعْتُ يَـميني لا أُنازِعُهُ --- فـي كَـفِّ ذِي نَـغقماتٍ قِيلُهُ القِيلُ
لَــذاكَ أَهْـيَبُ عِـنْدي إذْ أُكَـلِّمُهُ --- وقـيـلَ إنَّـكَ مَـنْسوبٌ ومَـسْئُولُ
مِـنْ خـادِرٍ مِنْ لُيوثِ الأُسْدِ مَسْكَنُهُ --- مِـنْ بَـطْنِ عَـثَّرَ غِيلٌ دونَهُ غيلُ
يَـغْدو فَـيُلْحِمُ ضِـرْغامَيْنِ عَيْشُهُما --- لَـحْمٌ مَـنَ الـقَوْمِ مَـعْفورٌ خَراديلُ
إِذا يُـسـاوِرُ قِـرْناً لا يَـحِلُّ لَـهُ --- أنْ يَـتْرُكَ الـقِرْنَ إلاَّ وهَوَمَغْلُولُ
مِـنْهُ تَـظَلُّ سَـباعُ الـجَوِّضامِزَةً --- ولا تَـمَـشَّى بَـوادِيـهِ الأراجِـيلُ
ولا يَــزالُ بِـواديـهِ أخُـو ثِـقَةٍ ---مُـطَرَّحَ الـبَزِّ والـدَّرْسانِ مَأْكولُ
ثلاثة أمثال من شعر الجاهلية و شعر الإسلام . منها واحد في الفخر و الكبر المنهى عنه و إثنان في رسول الله صلي الله عليه و سلم و في صحابته الكرام .
و نعود لموضوعنا الذى ذكرنا. فعلي العكس تماما يأتى " التواضع , التسامح , البساطة " و هى مقابلة للكلمات الست السابقة . انظر إلي قول الرسول صلي الله عليه و سلم لما أوتى له برجل كان يرتعد فهدأه رسول الله صلي الله عليه و سلم قائلا له " أنا لست ملكا إنما أنا ابن امراة كانت تأكل القديد بمكة ."(( الحديث في صحيح البخارى لكن لا أحفظ تخريجه .)) حديثه صلي الله عليه وسلم تواضعا , فليس الفقر و أكل القديد مما يفتخر به . و منه ما روى عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يدواى إبل الصدقة بنفسه , و قد قيل له يا أمير المؤمنين نكفيكها بعبد من عبيد الصدقة , غضب و قال و هل هناك ((( أعــبــد مــن عــمــر ))) .
و علي ما اجتهدت فقد جمعت فالباب تسع مفردات ست مذمومة حين تكون لغير دين الله " الإنتماء , المواطنة , العرقية , الكبر , العنجهية , العظمة " و ثلاث محمودة " علي كل حال و هي " التواضع , التسامح , البساطة " و علي الست المذمومة يكون الإسناد في أنا أهلاوى , أنا زملكاوى , أنا كويتى , أنا مصرى , أنا أمريكى , أنا فلان بن علان , أنا بن بارم ديلة. لكن حين يتواضع الرسول صلي الله عليه و سلم و يقول " أنا بن امرأة كانت تأكل القديد بمكه " فأكل القديد و البساطة التى تربي فيها صلي الله عليه وسلم مما لا يفتخر به عرفا . الفقر , العوز , الضيق , و الحاجة الي الأساسيات مما لا يفتخر به أيضا .
مثال آخر من واقع منتدانا حين أقول : "فلاح من مصر" التى أحيانا ما توجد كتوقيع في مداخلاتى تختلف عنها حين أكتب " برنس المنتدى " و تختلف عن " فارس المنتدى " ف " فلاح " ليست مما يفتخر به عرفا . لان البساطة أو قل الفقر الذى تحياه هذه الفئة تنفر من الإنتساب إليها . فحين يتواضع المرأ مذكرا نفسه لا يعد من هذا الباب .
خلاصة كلامى : يجب التفريق بين معاني المفردات حتى لا نسقط فتاوى علي غير ذى محل .
دمتم بحفظ الله .