أمير الأعضاء
نعم : إنَّهُ الأميرُ ...أميرُ الأعضاءِ ... (ألا وإنَّ فيْ الجَسدِ مُضْغَةً إذا صَلُحَتْ صَلُحَ الجَسدُ كُلُّهُ، وإذا فَسدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهيَ القَلْبُ) .
قال الحافظُ ابنُ حجرٍ - رحمه الله تعالى- : (وخُصَّ القلبُ بذلك ؛ لأنّهُ أميرُ البدنِ ، وبصلاحِ الأَمْرِ تَصْلُحُ الرَّعَيةُ ، وبِفسادِهِ تَفْسُدُ ، وفيهِ تَنْبِيْهٌ على تعظيمِ قدرِ القَلبِ ، والحَثِّ على صَلاحِهِ) .
نعم : إنَّهُ قَلبُكَ يا عبدَ اللهِ .
مَحَطُ نَظرِ الإلهِ .... ومَنْبَعُ العَمَلِ، ومُحَرِكُهُ، وأصلُهُ، وأَسَاسُهُ المُخَاطَبُ بأوامِرِ اللهِ جلا وعلا .( إنَ اللهَ لا يَنْظُرُ إلى أعمالِكُمْ ولا إلىْ صُوَرِكُمْ ولكنْ يَنْظُرُ إلى قُلُوْبُكُمْ ) .
ولهذا فأيُّهَا الأخُ ... وأيَتُّها الأختُ : هذهِ وقفةٌ مُحَاسبَةٍ مَعَ النَّفْسِ ، بلْ مع أعزِّ شيءٍ في النَّفْسِ ، مع ما بِصَلاحِهِ صلاحُ العَبْدِ كُلِّهِ، ومَا بفَسَادِهِ فَسَادُ الحالِ كُلِّهِ ، وقفةٌ مَعَ مَا هُوَ أولَىْ بالمُحَاسَبَةِ ، وأَحْرَى بالوَقَفَاتِ الصَّادِقَةِ يقول عليه الصلاة والسلاملا يَسْتَقِيْمُ إِيْمَاْنُ عَبْدٍ حَتَّىْ يَسْتَقِيْمَ قَلْبُهُ)
ويقولُ الحَسَنُ رَحمَهُ اللهُ : ( دَاوِ قلبِك؛ فإنَّ حَاجةَ اللهِ إلى العبادِ صَلاحُ قُلوبِهِمْ ، ولنْ تُحِبَّ اللهَ حَتَّىْ تُحِبَّ طَاعَتَهُ ) .
أيُّها المُحِبُّ :
مَنْ عَرَفَ قَلْبَهُ عَرَفَ ربَّه ، وكَمْ مِنْ جَاهِلٍ بِقَلبِهِ ، ونَفْسِهِ ، واللهُ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وقَلْبِهِ ، يقولُ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - : ( هَلَكَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَلْبٌ يَعْرِفُ المَعْرُوْفَ ويُنْكِرُ المُنْكَرَ ) .
إذاً لا بُدَّ في هذا مِنْ مُحَاسَبةٍ تَفُضُّ تَغَالِيقَ الغَفْلَةِ ، وتُوقِظُ مَشَاعِرَ الإِقْبَالِ عَلَىْ اللهِ في القَلبِ ، واللِسَّانِ والجَوَارِحِ جَمِيْعاً، مَنْ لَمْ يَظْفَرْ بِذَلِكَ فَحَيَاتُهُ كُلُّهَا - واللهُ هُمُومٌ فِيْ هُمُوْمٌ ، وأفكارٌ وغُمُومٌ ، وآلامٌ وحسراتٌ .
أيُّهَا الأخُ النَّحِيْبُ :
إنَّ في القَلْبِ فاقةً ، وحاجةً لا يَسُدُّهَا إلا الإقبالُ على اللهِ ، ومَحَبَتُهُ ، والإنابةُ إليه .. ولا يَلمُّ شَعْثَهَا إلا حِفظُ الجَوَارِحِ ، واجتنابُ المُحَرَّمَاتِ ، واتقاءُ الشُّبُهَاتِ .
وإنَّ مَعرفةَ القَلبِ مِنْ أَعْظَمِ مَطْلُوبَاتِ الدِّيْنِ ، ومِنْ أَظْهَرِ المَعَالِمِ في طَرِيْقِ الصَّالِحين مَعرفَةٌ ، تَسْتَوجِبُ اليَقْظَةَ لخَلَجَاتِ القَلْبِ وخَفَقاتِه، وحَركاتِهِ ولَفتَاتِهِ ، والحَذرَ مِنْ كُلِّ هَاجِسٍ ، والاحْتِيَاطَ مِنَ المَزَالِقِ والهَوَاجِسِ ، والتَّعَلُّقَ الدائمَ باللهِ ، فهو مُقَلِّبُ القُلُوبِ ، والأبصارِ، جاء في الخبرِ عندَ مُسلمٍ - رحمه الله - منْ حَديثِ عبدِ اللهِ بن عَمْروٍ - رَضيَ اللهُ عنهما- قال: سَمعْتُ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عليه وسلم يقولُ: ( إنَّ قُلوبَ بَنِيْ آدمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبِعَينِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ - عزّ وجلَ- كقَلْبٍ واحدٍ يَصْرُفُهُ حيْثُ يَشاءُ ) .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اللهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا على طَاعَتِكَ )
ولا يَنفعُ عندَ اللهِ إلا القلبُ السليمُ : ( يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) الشعراء89 ( الشعراء : 88/89) .
يقولُ الحافظُ ابنُ رَجبٍ في جامعِ العُلُومِ والحِكَمِ ( والقَلبُ السَّلِيمُ هو السَّالِمُ مِنَ الآفاتِ ، والمَكْرُوهَاتِ) .
وقال ابنُ القَيمِ - رَحِمَهُ اللهُ : وقد اخْتَلَفَتِ عِبَاراتُ النَّاسِ في مَعْنَى القّلْبِ السَّلِيْمِ ، والأَمْرِ الجَامِعِ لذلك أنَّه الذي قد سَلِمَ مِنْ كُلِّ شَهْوَةٍ تُخَالِفُ أمرَ اللهِ ونَهْيَهُ ، ومِنْ كُلِّ شُبْهَةٍ تُعَارِضُ خَبَرَهُ ، فَسَلِمَ مِنْ عُبُودِيَّةِ مَا سِوَاهُ ، وسَلِمَ مِنْ تَحْكِيمِ غَيْرِ رَسُولِهِ ، فَسَلِمَ مِنْ مَحَبَةِ غَيْرِ اللهِ مَعَهُ ، ومِنْ خَوْفِهِ ، ورَجَائِهِ ، والتَّوَكُلِ عَليهِ ، والإنابةِ إليهِ ، والذُّلِ له ، وإيثارِ مَرْضَاتِهِ في كُلِّ حالٍ ، والتَباعُدِ عَنْ سُخطِهِ بِكُلِّ طَرِيْقٍ ، وهذا هو حَقيقةُ العُبُودِيَّةِ، التي لا تَصْلُحُ إلا للهِ ، سُبْحَانَهُ وتَعالى وحْدَهُ ، فالقَلْبُ السَّلِيْمُ هُوَ الذِّيْ سَلِمَ مِنْ أنْ يَكونَ لِغَيْرِ اللهِ فِيْهِ شِرْكٌ بِوَجْهٍ مَّا ..
والقلوبُ – أيُّهَا المُحِبُّ – أربعةٌ :
1- قَلْبٌ تَقِيٌ ، نَقِيٌ فِيْه سِرَاجٌ مُنِيْرٌ، قَلْبٌ مَحْشُوٌ بِالإِيْمَانِ، ومَلِئْ بِالنُّوْرِ الإيْمَانِيِّ . وقَدْ انْقَشَعَتْ عَنْهُ حُجُبُ الهَوَىْ والشَّهَوَاتِ، وأقلعتْ عنه تلك الظُلُمَاتُ ، مَلِئٌ بالإشراقِ ، ولو اقتربَ منه الشَّيْطانُ لَحَرَقَهُ ، وهذا هو قَلْبُ المُؤْمِنِ.
2- وقَلْبٌ أَغْلَفُ مُظْلِمٌ ؛ وذلك قلبُ الكَافِرِ : (وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ ) (البقرة : 88) .
وهذا القَلْبُ قدْ اسْتَرَاحَ الشَّيْطانُ مِنْ إلقاءِ الوَسَاِوسِ فِيْهِ. ولِهذا قِيْلَ لأبْنِ عَبَاسٍ - رَضيَ اللهُ عنهما- : ( أنّ اليهودَ تَزْعَمُ أنَّها لا تُوَسوِسُ في صَلاتِهَا) فقال : ( ومَا يَصْنَعُ الشَّيْطَانُ بالقَلْبِ الخَرِبِ ؟ !! .
3- وقلبٌ دَخَلَهُ نُورُ الإيْمَانِ ، وأُلقِىَ النُّورُ فيْهِ ، ولَكِنْ عليه ظُلْمَةُ الشَّهَوَاتِ ، وعَوَاصِفُ مِنَ الهَوَىْ ، وللشَّيْطَانِ عَلَيْهِ إِقْبَالٌ وإدبارٌ ، وبَيْنَهُ وبَيْنَ الشَّيْطَانِ سِجَالٌ ، فهو لِما غَلَبَ عليه مِنْهُما، وقد قال اللهُ- تعالى - في أقوامٍ : ( هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ ) (( آل عمران:167)) .
4- وقَلْبٌ مُرْتَكِسٌ مَنْكُوسُ ؛ فذلك قلبُ المُنافِقِ ، عَرَفَ ثُمَّ أَنْكَرَ، وأبْصَرَ ثُمَّ عَمِيَ قال تعالى : ( فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً ) (النساء :88 ) .
وفي القَلبِ قُوَّتَانِ : قُوَّةُ العِلْمِ في إدراكِ الحَقِّ ، ومَعْرِفتِهِ والتَّمْيِيْزِ بَيْنَهُ وبَيْنَ البَاطِلِ ، وقُوَّةُ الإرادةِ والمَحَبَّةِ في طَلَبِ الحَقِّ ومَحَبَتِه، وإيثارِهِ على البَاطِلِ ، فمنْ لَمْ يَعرِفْ الحَقَّ فهُو ضَالٌ ، ومَنْ عَرَفَهُ وآثَرَ غَيْرَهُ عَلَيْهِ فَهُوَ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِ ، ومَنْ عَرَفَهُ وَاتبَعَهُ فَهُوَ المُنْعَمُ عَلَيْهِ السَّالِكُ صِرَاطَ رَبِّهِ المُسْتَقِيمِ ، يقولُ ابْنُ القَيِّمِ - رَحِمَهُ اللهُ - : "وهذا مَوْضِعٌ لا يَفْهَمُهُ إلا الألبّاءُ مَنَ النَّاسِ، والعُقَلاءِ ، ولا يَعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ إلا أهلُ الهِمَمِ العَالِيَةِ ، والنُّفُوْسِ الأَبِيَّةِ الزَّكِيَةِ ".
إذا كان الأمرُ كذَلِكَ أيَّها المُحِبُّ ، فاعْلِمْ أنَّ صَاحِبَ القَلْبِ الحَيِّ يَغْدُوْ ويَرُوْحُ ، ويَمْسِيْ ويُصْبِحُ ، وفيْ أَعْمَاقِهِ حسٌ ومُحَاسَبَةٌ لِدِقَاتِ قَلْبِهِ ، وبصرِ عَيْنِهِ ، وسِمَاعِ أُذُنِهِ ، وحَرَكِةِ يَدِهِ ، وسَيْرِ قَدَمِهِ ، إحْسَاسٌ بِأنَّ الليلَ يُدَبَرُ ، والصُبْحَ يَتَنَفَسُ ، قَلبٌ حَيٌّ تَتَحَقَّقُ بِهِ العُبُودِيَّةُ للهِ عَلَىْ وَجْهِهَا وكَمَالِهَا ، أحَبَّ اللهَ وأحَبَّ فِيْهِ ، يَتَرَقَىْ فِيْ دَرَجَاتِ الإيْمَانِ والإِحْسَانِ ، فَيَعْبُدَ اللهَ عَلَى الحُضُورِ والمُرَاقَبَةِ ، يَعْبُدُ اللهَ كأنَّهُ يَرَاهُ ، فَيَمْتَلِئُ قَلْبُهُ محبةً ومعرفةً ، وعظمةً ومهابةً ، وأُنساً وإجلالاً ، ولا يَزَالُ حُبُّهُ يَقْوِىْ ، وقُرْبُهُ يَدْنُو حَتَّىْ يَمْتَلِئُ قَلْبُهُ إيماناً وخَشْيَةً ، ورجاءً وطاعةً ، وخضوعاً وذُلَّهُ قال صلى الله عليه وسلم : ( وَلا يَزَالُ عَبْدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّىْ أُحِبُّهُ ) .
كلما اقْتَرَبَ مِنْ رَبِّهِ اقْتَرَبَ اللهُ مِنْهُ ، ( وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْراً تَقَرْبتُ إِلَيْهِ ذِرَاعاً ) .
فَهُوَ لا يَزالُ رابحاً مِنْ رَبِّهِ أفْضَلُ مِمَّا قَدَمَ ، يَعِيشُ حَيَاةً لا تُشْبِهُ مَا النَّاسُ فِيْهِ مِنْ أنْوَاعِ الحَيَاةِ . قال تعالى : ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ ) (البقرة :152) .
وقال صلى الله عليه وسلم : (مَنْ ذَكَرَنِيْ فِيْ نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِيْ نَفْسِيْ ، ومَنْ ذَكَرَنِيْ فِيْ مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِيْ مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُ ) .
أصحابُ القُلوبِ الحَيَّةِ صَائِمُونَ قَائِمُونَ ، خَاشِعُونَ قَانِتُونَ ، شَاكرُونَ على النَّعْمَاءِ ، صابرون في البأساءِ ، لا تَنْبَعِثُ جَوَارِحُهُم إلا بِمُوَافَقَةِ مَا فِيْ قُلُوبِهِمْ تَجَرَدُوْا مِنَ الأَثَرَةِ ، والغِشِّ والهَوَىْ ، اجْتَمَعَ لَهُمْ حُسْنُ المَعرِفَةِ مَعَ صِدْقِ الأَدَبِ ، وسخاءُ النَّفْسِ مَعَ مَظَانَّةِ العَقْلِ ، هم البَرِيئَةُ أيديْهم، الطَّاهِرَةُ صدُورُهم، مُتَحابُّون بِجَلالِ اللهِ ، يَغضبُون لحُرُمَاتِ اللهِ ، أمناءُ إذا ائتُمِنُوا ، عادلون إذا حَكَمُوا ، مُنْجِزُون مَا وَعَدُوا ، مُوْفُونَ إذا عَاهَدُوا ، جَادون إذا عَزَمُوا ، يَهُشُونَ لمَصَالحِ الخَلْقِ ويَضِيقُون بآلامِهم ، في سَلامٍة مِنَ الغِلِّ ، وحُسْنِ ظَنٍّ بِالخَلْقِ ، وحملِ النَّاسِ على أحسنِ المَحامِلِ ، كسروا حُظوظَ النَّفْسِ ، وقَطَعُوا الأطماعَ فِيْ أهلِ الدُّنْيَا ، جاء في صحيحِ مُسْلمٍ مِنْ حديثِ أبي هُرَيرَةَ - رَضِيَ اللهُ عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قال: ( يَدْخُلُ الجَنَّةَ أقْوَامٌ أفْئِدَتُهُم مِثْلُ أَفْئِدَةِ الطَّيْرِ ) .
فَهِيَ سَلِيمَةٌ نَقِيَةٌ ، خَالِيةٌ مِنَ الذَّنْبِ ، سالمةٌ من العيبِ ، يَحرصون على النُّصْحِ والإخْلاصِ ، والمُتابعةِ والإحسانِ ، همَّتُهم في تَصْحِيحِ العَمَلِ أكبرُ مِنْهَا فيْ كَثْرَةِ العَمَلِ ، قال تعالى : ( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) (الملك:2 ) .
أوقفَهم القرآنُ فوَقَفُوا، واسْتَبانَتْ لهم السُنَّةُ فالتَزَمُوا، قال تعالى : ( يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبّهِمْ راجِعُونَ ) [المؤمنون:60] .
رجالٌ مُؤمنون، ونساءٌ مُؤمِنَاتٌ بَواطنُهُمْ كَظَوَاهِرِهم ، بل أجلى ، وسرائرُهم كعلانيتِهم بل أحلى ، وهمتُهم عند الثُّرَيَا بل أعلى ، إنْ عُرفوا تنكَّروا ، تُحِبُّهُم بِقاعُ الأرض، وتَفرحُ بهم مَلائِكَةُ السَّماءِ ، هذهِ حياةُ القُلُوبِ ، وهذه بَعْضُ آثارِها.
أما القلوبُ المريضةُ فلا تتأثرُ بِمَواعِظَ ، ولا تَسْتَفِزُها النُّذُرُ ، ولا تُوقِظُها العِبَرُ ، أينَ الحَياةُ في قُلوبٍ عَرفَتِ اللهَ ولم تُؤَدِ حَقَّهُ ؟؟ ، قَرَأتْ كِتَابَ اللهِ ولم تَعملْ بِهِ ، زَعَمتْ حُبَّ رَسُولِ اللهِ وتَرَكَتْ سُنَّتَهُ ، يُريدون الجَنَّةَ ولم يَعْمَلُوا لَها، ويَخَافُون مِنَ النَّارِ ولم يَتَّقُوهَا ، رُبَّ امرئٍ من هؤلاءِ أطلق بَصَرَهُ فِيْ حَرَامْ فحُرم البَصِيْرَةُ ، ورُبَّ مُطْلِقٍ لِسَانَهُ في غَيبةٍ فَحُرِمَ نُوْرُ القَلْبِ .
.. ورُبَّ طاعمٍ من الحرامِ أظلمَ فؤادُهُ ، لماذا يُحرم مُحرومون قيامَ الليلِ ؟ ولماذا لا يَجِدُونَ لَذَّةَ المُناجَاةِ ؟ إنّهم باردو الأنفاسِ ، غَليْظُو القُلوبِ ، ظاهرو الجفوة ؟؟.
القلبُ الميتُ : الهَوى إِمَامُه، ، والشهوةُ قائِدُهُ ، والغَفْلَةُ مَرْكَبُهُ لا يَسْتَجِيْبُ لنَاصِحٍ ، يتَّبعُ كُلَّ شيطانٍ مَريدٍ ، الدنيا تُسخطُه وتُرْضِيْهِ ، والهَوَىْ يَصمُّهُ ويَعْميْه ، ماتت قلوبُهم ، ثم قُبِرَتْ في أجسادِهم ، فما أبدانُهم إلا قبورَ قُلُوبِهم ، قُلُوبٌ خَرِبَةٌ ، لا تُؤلِمُها جراحاتُ المَعَاصِي ، ولا يُوجِعُها جَهلُ الحَقِّ ، لا تَزَالُ تَتَشَرَّبُ كُلَّ فِتْنَةٍ ، حتى تسود وتنتكس ، ومن ثَمَّ لا تَعْرِفُ مَعروفاً ، ولا تُنْكِرُ منكراً .
يا أيها المُحِبُّ :
إنَّ غَفْلَةِ القُلُوبِ عُقوبةٌ ، والمَعصيةُ بعد المَعصِيَةِ عُقوبةٌ ، والغافلُ لا يُحِسُّ بالعُقوباتِ المُتَتاليةِ ، ولكنْ ما الحيلةُ ؟!! فلا حول ولا قوة إلا بالله .
يقولُ بعضُ الصالحين : ( يا عجباً من الناسِ يَبكُون على مَنْ ماتَ جَسَدُهُ ، ولا يَبْكُون على مَنْ ماتَ قلبُهُ، شتان بين مَنْ طَغَى وآثرَ الحَياةَ الدُّنْيَا ، وبينَ مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ ، ونَهى النَّفسَ عن الهَوى، تَمْرِضُ القُلُوبُ وتَمُوتُ إذا انْحَرَفَتْ عَنِ الحَقِّ ، وقارفت الحرامَ قال تعالى : (فَلَمَّا أزاغوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُم) [الصف:5].
تمرضُ القلوبُ وتموتُ إذا افتُتنت بآلاتِ اللهوِ وخليعِ الصُوَرِ ؛ (نَسُواْ اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ) [التوبة:67].
كلُ الذُّنوبِ تُميتُ القُلوبَ ، وتورث أذلة ، وضيق الصدر ومحاربة الله ورسوله ....
يقولُ الحسنُ - رَحِمَهُ اللهُ - : ابنَ آدم هل لك بمحاربةِ اللهِ مِنْ طَاقَةٍ ٍ؟!! فإنَّ مَنْ عَصَى اللهَ فَقَدْ حَارَبَهُ ، وكلما كان الذَّنبُ أقبحَ كان في محاربةِ اللهِ أشدَّ ، ولهذا سَمَّى اللهُ أكلةَ الرِبَّا ، وقُطاعَ الطَّرِيقِ مُحَارِبين للهِ ورَسُولِهِ ، لعَظَمِ ظُلمِهم ، وسَعيِهم بالفَسادِ في أرضِ اللهِ ، قال : وكذلك معاداةُ أوليائِهِ ، فإنَّهُ تَعالى يَتَولَى نُصرَةَ أوليائِهِ ، ويُحبُّهم ويؤيدُهم ، فَمَنْ عَادَاهُم فقدْ عَادَىْ اللهَ وحَارَبَهُ .
مظاهرُ حياةِ القَلبِ وصِحَتِهِ :
هناك علاماتٌ تدلُ على مدى الحياةِ في القلبِ ، وهذه العلاماتُ مُستقَاةٌ ، ومُسْتَخْلَصَةٌ من النصوصِ القُرآنيةِ ، التي سِيقَتْ في مَعرَضِ بَيانِ قُلوبِ المُؤْمِنِينَ ، فمِن تلك المظاهرِ حُسنُ الانتفاعِ بالعِظةِ، والاستبصارِ بالعِبرةِ ، والظُفْرِ بالثَّمَرَةِ ، فإنَّ العَمَلَ الصَّالِحَ هو ثَمَرَةُ العلمِ النَّافعِ ، ومِن تلك العلاماتِ أو المظاهرِ وَجلُ القَلبِ مِن اللهِ وشِدَّةُ الخَوفِ مِنْهُ : قال تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)( الأنفال : 2) .
وقال تعالى : ( وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) ( الحج : 34، 35 ) .
(وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) ( المؤمنون : 60) .
ومنها القشعريرةُ في البدنِ عند سماعِ القُرانِ ، ولينُ الجُلودِ ، والقُلوبِ إليه : (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) ( الزمر : 23) .
ومنها خُشُوعُ القَلْبِ لِذَكْرِ اللهِ : ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ) ( الحديد : 16) .
ومنها الإذعانُ للحَقِّ والخُضوعُ لَهُ : ( وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ) ( الحج : 54) .
ومنها كثرةُ الإنابَةِ إلى اللهِ : {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ} (33) سورة ق .
ومنها الأنسُ بذكرِ اللهِ خِلافَ الذين يَشمئزون مِنهُ : ((وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ )) ( الزمر : 45) .
ومنها تعظيمُ شَعائرِ اللهِ : ((ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ )) ( الحج : 32 ) .
ومنها التضرعُ إلى اللهِ ، والفزعُ إليه وقتَ الشِّدَّةِ : ( فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) ( الأنعام : 43) .
ومنها الطمأنينةُ بذكرِ اللهِ : ( الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) ( الرعد : 28) .
ومنها السكينةُ والوُقارُ : ( فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) ( الفتح : 18) .
ومنها شِدَّةُ التَّعَلُقِ باللهِ : ودَوَامُ ذِكرِهِ ، واطمئنانُ القَلْبِ بذلك : والاهتمامُ بصِحَةِ العَمَلِ بِتَصْحِيحِ النِّيَّةِ ، وتَحْقِيقِ المُتَابَعَةِ ،
.
نعم : إنَّهُ الأميرُ ...أميرُ الأعضاءِ ... (ألا وإنَّ فيْ الجَسدِ مُضْغَةً إذا صَلُحَتْ صَلُحَ الجَسدُ كُلُّهُ، وإذا فَسدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهيَ القَلْبُ) .
قال الحافظُ ابنُ حجرٍ - رحمه الله تعالى- : (وخُصَّ القلبُ بذلك ؛ لأنّهُ أميرُ البدنِ ، وبصلاحِ الأَمْرِ تَصْلُحُ الرَّعَيةُ ، وبِفسادِهِ تَفْسُدُ ، وفيهِ تَنْبِيْهٌ على تعظيمِ قدرِ القَلبِ ، والحَثِّ على صَلاحِهِ) .
نعم : إنَّهُ قَلبُكَ يا عبدَ اللهِ .
مَحَطُ نَظرِ الإلهِ .... ومَنْبَعُ العَمَلِ، ومُحَرِكُهُ، وأصلُهُ، وأَسَاسُهُ المُخَاطَبُ بأوامِرِ اللهِ جلا وعلا .( إنَ اللهَ لا يَنْظُرُ إلى أعمالِكُمْ ولا إلىْ صُوَرِكُمْ ولكنْ يَنْظُرُ إلى قُلُوْبُكُمْ ) .
ولهذا فأيُّهَا الأخُ ... وأيَتُّها الأختُ : هذهِ وقفةٌ مُحَاسبَةٍ مَعَ النَّفْسِ ، بلْ مع أعزِّ شيءٍ في النَّفْسِ ، مع ما بِصَلاحِهِ صلاحُ العَبْدِ كُلِّهِ، ومَا بفَسَادِهِ فَسَادُ الحالِ كُلِّهِ ، وقفةٌ مَعَ مَا هُوَ أولَىْ بالمُحَاسَبَةِ ، وأَحْرَى بالوَقَفَاتِ الصَّادِقَةِ يقول عليه الصلاة والسلاملا يَسْتَقِيْمُ إِيْمَاْنُ عَبْدٍ حَتَّىْ يَسْتَقِيْمَ قَلْبُهُ)
ويقولُ الحَسَنُ رَحمَهُ اللهُ : ( دَاوِ قلبِك؛ فإنَّ حَاجةَ اللهِ إلى العبادِ صَلاحُ قُلوبِهِمْ ، ولنْ تُحِبَّ اللهَ حَتَّىْ تُحِبَّ طَاعَتَهُ ) .
أيُّها المُحِبُّ :
مَنْ عَرَفَ قَلْبَهُ عَرَفَ ربَّه ، وكَمْ مِنْ جَاهِلٍ بِقَلبِهِ ، ونَفْسِهِ ، واللهُ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وقَلْبِهِ ، يقولُ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - : ( هَلَكَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَلْبٌ يَعْرِفُ المَعْرُوْفَ ويُنْكِرُ المُنْكَرَ ) .
إذاً لا بُدَّ في هذا مِنْ مُحَاسَبةٍ تَفُضُّ تَغَالِيقَ الغَفْلَةِ ، وتُوقِظُ مَشَاعِرَ الإِقْبَالِ عَلَىْ اللهِ في القَلبِ ، واللِسَّانِ والجَوَارِحِ جَمِيْعاً، مَنْ لَمْ يَظْفَرْ بِذَلِكَ فَحَيَاتُهُ كُلُّهَا - واللهُ هُمُومٌ فِيْ هُمُوْمٌ ، وأفكارٌ وغُمُومٌ ، وآلامٌ وحسراتٌ .
أيُّهَا الأخُ النَّحِيْبُ :
إنَّ في القَلْبِ فاقةً ، وحاجةً لا يَسُدُّهَا إلا الإقبالُ على اللهِ ، ومَحَبَتُهُ ، والإنابةُ إليه .. ولا يَلمُّ شَعْثَهَا إلا حِفظُ الجَوَارِحِ ، واجتنابُ المُحَرَّمَاتِ ، واتقاءُ الشُّبُهَاتِ .
وإنَّ مَعرفةَ القَلبِ مِنْ أَعْظَمِ مَطْلُوبَاتِ الدِّيْنِ ، ومِنْ أَظْهَرِ المَعَالِمِ في طَرِيْقِ الصَّالِحين مَعرفَةٌ ، تَسْتَوجِبُ اليَقْظَةَ لخَلَجَاتِ القَلْبِ وخَفَقاتِه، وحَركاتِهِ ولَفتَاتِهِ ، والحَذرَ مِنْ كُلِّ هَاجِسٍ ، والاحْتِيَاطَ مِنَ المَزَالِقِ والهَوَاجِسِ ، والتَّعَلُّقَ الدائمَ باللهِ ، فهو مُقَلِّبُ القُلُوبِ ، والأبصارِ، جاء في الخبرِ عندَ مُسلمٍ - رحمه الله - منْ حَديثِ عبدِ اللهِ بن عَمْروٍ - رَضيَ اللهُ عنهما- قال: سَمعْتُ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عليه وسلم يقولُ: ( إنَّ قُلوبَ بَنِيْ آدمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبِعَينِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ - عزّ وجلَ- كقَلْبٍ واحدٍ يَصْرُفُهُ حيْثُ يَشاءُ ) .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اللهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا على طَاعَتِكَ )
ولا يَنفعُ عندَ اللهِ إلا القلبُ السليمُ : ( يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) الشعراء89 ( الشعراء : 88/89) .
يقولُ الحافظُ ابنُ رَجبٍ في جامعِ العُلُومِ والحِكَمِ ( والقَلبُ السَّلِيمُ هو السَّالِمُ مِنَ الآفاتِ ، والمَكْرُوهَاتِ) .
وقال ابنُ القَيمِ - رَحِمَهُ اللهُ : وقد اخْتَلَفَتِ عِبَاراتُ النَّاسِ في مَعْنَى القّلْبِ السَّلِيْمِ ، والأَمْرِ الجَامِعِ لذلك أنَّه الذي قد سَلِمَ مِنْ كُلِّ شَهْوَةٍ تُخَالِفُ أمرَ اللهِ ونَهْيَهُ ، ومِنْ كُلِّ شُبْهَةٍ تُعَارِضُ خَبَرَهُ ، فَسَلِمَ مِنْ عُبُودِيَّةِ مَا سِوَاهُ ، وسَلِمَ مِنْ تَحْكِيمِ غَيْرِ رَسُولِهِ ، فَسَلِمَ مِنْ مَحَبَةِ غَيْرِ اللهِ مَعَهُ ، ومِنْ خَوْفِهِ ، ورَجَائِهِ ، والتَّوَكُلِ عَليهِ ، والإنابةِ إليهِ ، والذُّلِ له ، وإيثارِ مَرْضَاتِهِ في كُلِّ حالٍ ، والتَباعُدِ عَنْ سُخطِهِ بِكُلِّ طَرِيْقٍ ، وهذا هو حَقيقةُ العُبُودِيَّةِ، التي لا تَصْلُحُ إلا للهِ ، سُبْحَانَهُ وتَعالى وحْدَهُ ، فالقَلْبُ السَّلِيْمُ هُوَ الذِّيْ سَلِمَ مِنْ أنْ يَكونَ لِغَيْرِ اللهِ فِيْهِ شِرْكٌ بِوَجْهٍ مَّا ..
والقلوبُ – أيُّهَا المُحِبُّ – أربعةٌ :
1- قَلْبٌ تَقِيٌ ، نَقِيٌ فِيْه سِرَاجٌ مُنِيْرٌ، قَلْبٌ مَحْشُوٌ بِالإِيْمَانِ، ومَلِئْ بِالنُّوْرِ الإيْمَانِيِّ . وقَدْ انْقَشَعَتْ عَنْهُ حُجُبُ الهَوَىْ والشَّهَوَاتِ، وأقلعتْ عنه تلك الظُلُمَاتُ ، مَلِئٌ بالإشراقِ ، ولو اقتربَ منه الشَّيْطانُ لَحَرَقَهُ ، وهذا هو قَلْبُ المُؤْمِنِ.
2- وقَلْبٌ أَغْلَفُ مُظْلِمٌ ؛ وذلك قلبُ الكَافِرِ : (وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ ) (البقرة : 88) .
وهذا القَلْبُ قدْ اسْتَرَاحَ الشَّيْطانُ مِنْ إلقاءِ الوَسَاِوسِ فِيْهِ. ولِهذا قِيْلَ لأبْنِ عَبَاسٍ - رَضيَ اللهُ عنهما- : ( أنّ اليهودَ تَزْعَمُ أنَّها لا تُوَسوِسُ في صَلاتِهَا) فقال : ( ومَا يَصْنَعُ الشَّيْطَانُ بالقَلْبِ الخَرِبِ ؟ !! .
3- وقلبٌ دَخَلَهُ نُورُ الإيْمَانِ ، وأُلقِىَ النُّورُ فيْهِ ، ولَكِنْ عليه ظُلْمَةُ الشَّهَوَاتِ ، وعَوَاصِفُ مِنَ الهَوَىْ ، وللشَّيْطَانِ عَلَيْهِ إِقْبَالٌ وإدبارٌ ، وبَيْنَهُ وبَيْنَ الشَّيْطَانِ سِجَالٌ ، فهو لِما غَلَبَ عليه مِنْهُما، وقد قال اللهُ- تعالى - في أقوامٍ : ( هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ ) (( آل عمران:167)) .
4- وقَلْبٌ مُرْتَكِسٌ مَنْكُوسُ ؛ فذلك قلبُ المُنافِقِ ، عَرَفَ ثُمَّ أَنْكَرَ، وأبْصَرَ ثُمَّ عَمِيَ قال تعالى : ( فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً ) (النساء :88 ) .
وفي القَلبِ قُوَّتَانِ : قُوَّةُ العِلْمِ في إدراكِ الحَقِّ ، ومَعْرِفتِهِ والتَّمْيِيْزِ بَيْنَهُ وبَيْنَ البَاطِلِ ، وقُوَّةُ الإرادةِ والمَحَبَّةِ في طَلَبِ الحَقِّ ومَحَبَتِه، وإيثارِهِ على البَاطِلِ ، فمنْ لَمْ يَعرِفْ الحَقَّ فهُو ضَالٌ ، ومَنْ عَرَفَهُ وآثَرَ غَيْرَهُ عَلَيْهِ فَهُوَ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِ ، ومَنْ عَرَفَهُ وَاتبَعَهُ فَهُوَ المُنْعَمُ عَلَيْهِ السَّالِكُ صِرَاطَ رَبِّهِ المُسْتَقِيمِ ، يقولُ ابْنُ القَيِّمِ - رَحِمَهُ اللهُ - : "وهذا مَوْضِعٌ لا يَفْهَمُهُ إلا الألبّاءُ مَنَ النَّاسِ، والعُقَلاءِ ، ولا يَعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ إلا أهلُ الهِمَمِ العَالِيَةِ ، والنُّفُوْسِ الأَبِيَّةِ الزَّكِيَةِ ".
إذا كان الأمرُ كذَلِكَ أيَّها المُحِبُّ ، فاعْلِمْ أنَّ صَاحِبَ القَلْبِ الحَيِّ يَغْدُوْ ويَرُوْحُ ، ويَمْسِيْ ويُصْبِحُ ، وفيْ أَعْمَاقِهِ حسٌ ومُحَاسَبَةٌ لِدِقَاتِ قَلْبِهِ ، وبصرِ عَيْنِهِ ، وسِمَاعِ أُذُنِهِ ، وحَرَكِةِ يَدِهِ ، وسَيْرِ قَدَمِهِ ، إحْسَاسٌ بِأنَّ الليلَ يُدَبَرُ ، والصُبْحَ يَتَنَفَسُ ، قَلبٌ حَيٌّ تَتَحَقَّقُ بِهِ العُبُودِيَّةُ للهِ عَلَىْ وَجْهِهَا وكَمَالِهَا ، أحَبَّ اللهَ وأحَبَّ فِيْهِ ، يَتَرَقَىْ فِيْ دَرَجَاتِ الإيْمَانِ والإِحْسَانِ ، فَيَعْبُدَ اللهَ عَلَى الحُضُورِ والمُرَاقَبَةِ ، يَعْبُدُ اللهَ كأنَّهُ يَرَاهُ ، فَيَمْتَلِئُ قَلْبُهُ محبةً ومعرفةً ، وعظمةً ومهابةً ، وأُنساً وإجلالاً ، ولا يَزَالُ حُبُّهُ يَقْوِىْ ، وقُرْبُهُ يَدْنُو حَتَّىْ يَمْتَلِئُ قَلْبُهُ إيماناً وخَشْيَةً ، ورجاءً وطاعةً ، وخضوعاً وذُلَّهُ قال صلى الله عليه وسلم : ( وَلا يَزَالُ عَبْدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّىْ أُحِبُّهُ ) .
كلما اقْتَرَبَ مِنْ رَبِّهِ اقْتَرَبَ اللهُ مِنْهُ ، ( وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْراً تَقَرْبتُ إِلَيْهِ ذِرَاعاً ) .
فَهُوَ لا يَزالُ رابحاً مِنْ رَبِّهِ أفْضَلُ مِمَّا قَدَمَ ، يَعِيشُ حَيَاةً لا تُشْبِهُ مَا النَّاسُ فِيْهِ مِنْ أنْوَاعِ الحَيَاةِ . قال تعالى : ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ ) (البقرة :152) .
وقال صلى الله عليه وسلم : (مَنْ ذَكَرَنِيْ فِيْ نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِيْ نَفْسِيْ ، ومَنْ ذَكَرَنِيْ فِيْ مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِيْ مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُ ) .
أصحابُ القُلوبِ الحَيَّةِ صَائِمُونَ قَائِمُونَ ، خَاشِعُونَ قَانِتُونَ ، شَاكرُونَ على النَّعْمَاءِ ، صابرون في البأساءِ ، لا تَنْبَعِثُ جَوَارِحُهُم إلا بِمُوَافَقَةِ مَا فِيْ قُلُوبِهِمْ تَجَرَدُوْا مِنَ الأَثَرَةِ ، والغِشِّ والهَوَىْ ، اجْتَمَعَ لَهُمْ حُسْنُ المَعرِفَةِ مَعَ صِدْقِ الأَدَبِ ، وسخاءُ النَّفْسِ مَعَ مَظَانَّةِ العَقْلِ ، هم البَرِيئَةُ أيديْهم، الطَّاهِرَةُ صدُورُهم، مُتَحابُّون بِجَلالِ اللهِ ، يَغضبُون لحُرُمَاتِ اللهِ ، أمناءُ إذا ائتُمِنُوا ، عادلون إذا حَكَمُوا ، مُنْجِزُون مَا وَعَدُوا ، مُوْفُونَ إذا عَاهَدُوا ، جَادون إذا عَزَمُوا ، يَهُشُونَ لمَصَالحِ الخَلْقِ ويَضِيقُون بآلامِهم ، في سَلامٍة مِنَ الغِلِّ ، وحُسْنِ ظَنٍّ بِالخَلْقِ ، وحملِ النَّاسِ على أحسنِ المَحامِلِ ، كسروا حُظوظَ النَّفْسِ ، وقَطَعُوا الأطماعَ فِيْ أهلِ الدُّنْيَا ، جاء في صحيحِ مُسْلمٍ مِنْ حديثِ أبي هُرَيرَةَ - رَضِيَ اللهُ عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قال: ( يَدْخُلُ الجَنَّةَ أقْوَامٌ أفْئِدَتُهُم مِثْلُ أَفْئِدَةِ الطَّيْرِ ) .
فَهِيَ سَلِيمَةٌ نَقِيَةٌ ، خَالِيةٌ مِنَ الذَّنْبِ ، سالمةٌ من العيبِ ، يَحرصون على النُّصْحِ والإخْلاصِ ، والمُتابعةِ والإحسانِ ، همَّتُهم في تَصْحِيحِ العَمَلِ أكبرُ مِنْهَا فيْ كَثْرَةِ العَمَلِ ، قال تعالى : ( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) (الملك:2 ) .
أوقفَهم القرآنُ فوَقَفُوا، واسْتَبانَتْ لهم السُنَّةُ فالتَزَمُوا، قال تعالى : ( يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبّهِمْ راجِعُونَ ) [المؤمنون:60] .
رجالٌ مُؤمنون، ونساءٌ مُؤمِنَاتٌ بَواطنُهُمْ كَظَوَاهِرِهم ، بل أجلى ، وسرائرُهم كعلانيتِهم بل أحلى ، وهمتُهم عند الثُّرَيَا بل أعلى ، إنْ عُرفوا تنكَّروا ، تُحِبُّهُم بِقاعُ الأرض، وتَفرحُ بهم مَلائِكَةُ السَّماءِ ، هذهِ حياةُ القُلُوبِ ، وهذه بَعْضُ آثارِها.
أما القلوبُ المريضةُ فلا تتأثرُ بِمَواعِظَ ، ولا تَسْتَفِزُها النُّذُرُ ، ولا تُوقِظُها العِبَرُ ، أينَ الحَياةُ في قُلوبٍ عَرفَتِ اللهَ ولم تُؤَدِ حَقَّهُ ؟؟ ، قَرَأتْ كِتَابَ اللهِ ولم تَعملْ بِهِ ، زَعَمتْ حُبَّ رَسُولِ اللهِ وتَرَكَتْ سُنَّتَهُ ، يُريدون الجَنَّةَ ولم يَعْمَلُوا لَها، ويَخَافُون مِنَ النَّارِ ولم يَتَّقُوهَا ، رُبَّ امرئٍ من هؤلاءِ أطلق بَصَرَهُ فِيْ حَرَامْ فحُرم البَصِيْرَةُ ، ورُبَّ مُطْلِقٍ لِسَانَهُ في غَيبةٍ فَحُرِمَ نُوْرُ القَلْبِ .
.. ورُبَّ طاعمٍ من الحرامِ أظلمَ فؤادُهُ ، لماذا يُحرم مُحرومون قيامَ الليلِ ؟ ولماذا لا يَجِدُونَ لَذَّةَ المُناجَاةِ ؟ إنّهم باردو الأنفاسِ ، غَليْظُو القُلوبِ ، ظاهرو الجفوة ؟؟.
القلبُ الميتُ : الهَوى إِمَامُه، ، والشهوةُ قائِدُهُ ، والغَفْلَةُ مَرْكَبُهُ لا يَسْتَجِيْبُ لنَاصِحٍ ، يتَّبعُ كُلَّ شيطانٍ مَريدٍ ، الدنيا تُسخطُه وتُرْضِيْهِ ، والهَوَىْ يَصمُّهُ ويَعْميْه ، ماتت قلوبُهم ، ثم قُبِرَتْ في أجسادِهم ، فما أبدانُهم إلا قبورَ قُلُوبِهم ، قُلُوبٌ خَرِبَةٌ ، لا تُؤلِمُها جراحاتُ المَعَاصِي ، ولا يُوجِعُها جَهلُ الحَقِّ ، لا تَزَالُ تَتَشَرَّبُ كُلَّ فِتْنَةٍ ، حتى تسود وتنتكس ، ومن ثَمَّ لا تَعْرِفُ مَعروفاً ، ولا تُنْكِرُ منكراً .
يا أيها المُحِبُّ :
إنَّ غَفْلَةِ القُلُوبِ عُقوبةٌ ، والمَعصيةُ بعد المَعصِيَةِ عُقوبةٌ ، والغافلُ لا يُحِسُّ بالعُقوباتِ المُتَتاليةِ ، ولكنْ ما الحيلةُ ؟!! فلا حول ولا قوة إلا بالله .
يقولُ بعضُ الصالحين : ( يا عجباً من الناسِ يَبكُون على مَنْ ماتَ جَسَدُهُ ، ولا يَبْكُون على مَنْ ماتَ قلبُهُ، شتان بين مَنْ طَغَى وآثرَ الحَياةَ الدُّنْيَا ، وبينَ مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ ، ونَهى النَّفسَ عن الهَوى، تَمْرِضُ القُلُوبُ وتَمُوتُ إذا انْحَرَفَتْ عَنِ الحَقِّ ، وقارفت الحرامَ قال تعالى : (فَلَمَّا أزاغوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُم) [الصف:5].
تمرضُ القلوبُ وتموتُ إذا افتُتنت بآلاتِ اللهوِ وخليعِ الصُوَرِ ؛ (نَسُواْ اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ) [التوبة:67].
كلُ الذُّنوبِ تُميتُ القُلوبَ ، وتورث أذلة ، وضيق الصدر ومحاربة الله ورسوله ....
يقولُ الحسنُ - رَحِمَهُ اللهُ - : ابنَ آدم هل لك بمحاربةِ اللهِ مِنْ طَاقَةٍ ٍ؟!! فإنَّ مَنْ عَصَى اللهَ فَقَدْ حَارَبَهُ ، وكلما كان الذَّنبُ أقبحَ كان في محاربةِ اللهِ أشدَّ ، ولهذا سَمَّى اللهُ أكلةَ الرِبَّا ، وقُطاعَ الطَّرِيقِ مُحَارِبين للهِ ورَسُولِهِ ، لعَظَمِ ظُلمِهم ، وسَعيِهم بالفَسادِ في أرضِ اللهِ ، قال : وكذلك معاداةُ أوليائِهِ ، فإنَّهُ تَعالى يَتَولَى نُصرَةَ أوليائِهِ ، ويُحبُّهم ويؤيدُهم ، فَمَنْ عَادَاهُم فقدْ عَادَىْ اللهَ وحَارَبَهُ .
مظاهرُ حياةِ القَلبِ وصِحَتِهِ :
هناك علاماتٌ تدلُ على مدى الحياةِ في القلبِ ، وهذه العلاماتُ مُستقَاةٌ ، ومُسْتَخْلَصَةٌ من النصوصِ القُرآنيةِ ، التي سِيقَتْ في مَعرَضِ بَيانِ قُلوبِ المُؤْمِنِينَ ، فمِن تلك المظاهرِ حُسنُ الانتفاعِ بالعِظةِ، والاستبصارِ بالعِبرةِ ، والظُفْرِ بالثَّمَرَةِ ، فإنَّ العَمَلَ الصَّالِحَ هو ثَمَرَةُ العلمِ النَّافعِ ، ومِن تلك العلاماتِ أو المظاهرِ وَجلُ القَلبِ مِن اللهِ وشِدَّةُ الخَوفِ مِنْهُ : قال تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)( الأنفال : 2) .
وقال تعالى : ( وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) ( الحج : 34، 35 ) .
(وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) ( المؤمنون : 60) .
ومنها القشعريرةُ في البدنِ عند سماعِ القُرانِ ، ولينُ الجُلودِ ، والقُلوبِ إليه : (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) ( الزمر : 23) .
ومنها خُشُوعُ القَلْبِ لِذَكْرِ اللهِ : ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ) ( الحديد : 16) .
ومنها الإذعانُ للحَقِّ والخُضوعُ لَهُ : ( وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ) ( الحج : 54) .
ومنها كثرةُ الإنابَةِ إلى اللهِ : {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ} (33) سورة ق .
ومنها الأنسُ بذكرِ اللهِ خِلافَ الذين يَشمئزون مِنهُ : ((وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ )) ( الزمر : 45) .
ومنها تعظيمُ شَعائرِ اللهِ : ((ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ )) ( الحج : 32 ) .
ومنها التضرعُ إلى اللهِ ، والفزعُ إليه وقتَ الشِّدَّةِ : ( فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) ( الأنعام : 43) .
ومنها الطمأنينةُ بذكرِ اللهِ : ( الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) ( الرعد : 28) .
ومنها السكينةُ والوُقارُ : ( فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) ( الفتح : 18) .
ومنها شِدَّةُ التَّعَلُقِ باللهِ : ودَوَامُ ذِكرِهِ ، واطمئنانُ القَلْبِ بذلك : والاهتمامُ بصِحَةِ العَمَلِ بِتَصْحِيحِ النِّيَّةِ ، وتَحْقِيقِ المُتَابَعَةِ ،
.