فهمي هويدي
بعد رثاء القتيل ذهب وفد المعزين لتحية القاتل.. هذا بالضبط ما فعله رؤساء الدول والحكومات الغربية الذين اشتركوا في القمة الدولية التي عقدت من أجل غزة في شرم الشيخ يوم الأحد الماضي 17-1 إذ بعدما عقدوا لقاءهم هناك فإنهم لبوا دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت لزيارة "إسرائيل" حيث قضوا ليلتهم هناك وعقدوا مؤتمراً صحفياً عبروا فيه عن تفهمهم لموقف "إسرائيل" وحرصهم على الحفاظ على أمنها وسلامتها.
ماذا يسمى ذلك؟
يحتاج المرء لأن يمارس قدراً كبيراً من ضبط النفس لكي يختار الألفاظ المناسبة لوصف هذا التصرف الذي أحسبه يعبر عن منتهى قلة الذوق وعدم اللياقة بل أزعم أنه يعبر في الوقت ذاته ليس فقط عن احتقار للفلسطينيين وازدرائهم لكن ذلك الاحتقار والازدراء ينسحب على العرب جميعاً.
إن السادة الذين دُعُوا إلى مصر بمناسبة المذبحة الرهيبة التي شهدها قطاع غزة لابد أنهم سمعوا بعضاً عن أخبارها على الأقل أثناء تواجدهم في المنتجع المصري وإذا لم يكونوا قد تابعوا المظاهرات الغاضبة التي خرجت في العديد من العواصم الأوروبية رافعه صور القتلى والمشوهين وضحايا القنابل الفسفورية فربما شاهدوا على شاشات التلفزيون كيف انقضت القوات الإسرائيلية على شعب غزة الأعزل بعد أن حاصرته لأكثر من عام ونصف العام انتهت بحرمان فلسطيني القطاع من مقومات الحياة الأساسية من الوقود والطحين إلى الكهرباء والدواء وبعد ذلك صبت عليه نارها من البر والبحر والجو فدمرت أربعة آلاف منزل على الأقل وتسببت في تشريد نصف مليون شخص وأدت إلى قتل أكثر من 1300 مواطن بينهم نحو 450 طفلاً وإصابة وتشويه أكثر من خمسه آلاف شخص بينهم 300 في حالات خطره.
وإذا لم يكونوا قد سمعوا بالمظاهرات في بلادهم ولا شاهدوا شيئاً من صور المذبحة فإنني أتصور أنهم بعد أن جاءوا إلى مؤتمرهم في شرم الشيخ قد أحيطوا علماً بأن هناك حدثاً جللاً وكارثة إنسانية من العيار الثقيل وقعت ليس بعيداً عنهم في قطاع غزة بل لابد أن يكون خبر الكارثة قد نقل إليهم على الأقل في سياق الدعوة التي تلقوها للمشاركة في المؤتمر باعتبار أن وقوعها هو المبرر الذي استدعى عقد ذلك اللقاء على عجل.
ما أثار دهشتي أن الزعماء الغربيين الستة الذين لبوا دعوة أولمرت لم يشيروا إلى غزة بكلمة واحده في المؤتمر الصحفي الذي رتب لهم في تل أبيب وكأنهم كانوا يقضون عطلة في منتجع شرم الشيخ استمتعوا خلالها بدفء وجمال المكان كان كل هم أولئك الزعماء المحترمين في الكلمات التي القوها هو مغازله "إسرائيل" والتنافس في التعبير عن التضامن معها والحفاظ على أمنها وكأنها هي التي تعرضت للاجتياح والعدوان من جانب أهل غزة وكأن شرم الشيخ كانت محطة توقفوا فيها قبل أن يواصلوا رحلتهم إلى تل أبيب للتضامن معها لذلك لم يخطر ببال أحد منهم أن يجامل الفلسطينيين الثكالى أو مصر التي دعتهم ولا الأمة العربية المسكونة بمشاعر الغضب والسخط.
الأمر الذي يثير سؤالاً كبيراً حول جدوى التعويل على هؤلاء في إمكانية اتخاذ موقف شريف ومنصف في الشأن الفلسطيني بوجه خاص.
بقى شق آخر في الرحلة لم يُعلََن عنه ذلك أن دعوة الزعماء الأوروبيون لزيارة تل أبيب لم يكن هدفها فقط استجلاب الدعم والتأييد الأوروبي ل"إسرائيل" بعد كل ما فعلته في غزة (الدعم الأمريكي مضمون طبعاً) وإنما كان لها هدف آخر هو محاوله ضمان مسانده القيادات الأوروبية ل"إسرائيل" في حالة رفع قضايا ضدها تتهمها بارتكاب جرائم حرب في اجتياحها لغزة وهو ما كشف النقاب عنه آلوف بن أحد المعلقين البارزين في صحيفة (ها آرتس) في عددها الصدر أمس الأول 19-1 الأمر الذي يعنى أننا دعوناهم لأجل غزة فأداروا ظهورهم لنا وذهبوا لدعم "إسرائيل"!
منقول
شكرا
اخوك محمد المصري