منتهى اللذة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وعملاً أما بعد:
لذة الإيمان... لذة الأعمال الصالحة... هو ما نريد الحديث عنه، لا الحديث عن ملاذ الدنيا... ولا شهواتها... ولا الحديث عن الملاذ المحرمة...
إن الناس يعيشون من أجل اللذة... ويسعون إليها وهي هدفهم في الحياة.
واللذة هي: طيب الطعم في الشيء وذهاب الألم منه.
وهذه اللذة منها ماهو :
(1) لذة حسية: كالأكل والشرب واللباس...
(2) لذة وهمية: كالرئاسة والأمر والنهي...
(3) لذة القلب والعقل: كلذة العلوم ولذة المعارف...
إن اللذة والسرور هي الغاية والهدف، والإيمان قوت القلوب وغذائها ولذتها والهدف الذي ينبغي أن يسعى إليه جميع الناس ولا يجد القلب لذة العبادة إلا بالطاعات وترك المنكرات، واللذة نعمة أنعمها الله علينا قال تعالى: { وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ } [الحجرات: 7]
وما يتلذذ بالحرام إلا من مرض قلبه وأصبحت المعصية محبوبة إليه كالمريض إذا اشتد به المرض هل يرغب بالطعام الشهي؟
لا بل يحب الطعام المر...
الفروق بين ملذات الدنيا والآخرة:
(1) لذات الدنيا منقطعة أما لذات الآخرة فهي مستمرة إلى أن يشاء الله.
(2) لذة الدنيا يمل الإنسان منها ويكل ويجب أن تكون بينها وبين اللذة التي قبلها مدة من الزمان أما لذات الآخرة فلا يمل الشخص ولا يكل حتى ولو جاءت متتابعة.
(3) لذات الآخرة تزداد كلما زادت بعكس لذات الدنيا فإن صاحبها يحس باللذة من أولها ثم تتدرج إلى أن تصبح شيئاً عادياً.
(4) لذات الدنيا كثيراً ما تفوت لذات الآخرة أما لذات الأعمال فلا تفوت لذات الآخرة.
(5) لذات الدنيا فيها منغصات ومكدرات بعكس لذات الآخرة فليس فيها أي من هذا بل إنها سعادة للمؤمن.
(6) لذات الدنيا يصيبها الضرر أو خوف الضرر أما لذة الآخرة فلا يصيبها من ذلك أي شيء بل إن المؤمن آمن باللذات .
مجالات لذات الآخرة:
1- لذة التوحيد
2- لذة الصلاة
3- لذة قيام الليل
4- اللذة في الصيام
5- اللذة في الحج
6- اللذة في ذكر الله
7- اللذة في الإنفاق
8- اللذة في العلم
9- اللذة في الثناء
(1) لذة التوحيد:
قال صلى الله عليه وسلم: « ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواه وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود للكفر كما يكره أن يقذف في النار »
أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
فإذا رسخ الإيمان في القلب وتحقق به وجدت حلاوته وطعمه، والمؤمن يحب الإيمان أشد من أن يحب الماء البارد على الظمأ والخروج منه عنده أشد من التحريق بالنيران، وحلاوة الإيمان لا تخرج من القلب إذا دخلت فيه.
قال ابن القيم - رحمه الله-: " فإن للإيمان فرحة ولذة في القلب فمن لم يجدها فهو فاقد الإيمان أو ناقصه وهو من القسم الذين قال الله عز وجل فيهم { قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } [الحجرات: 14]
(2) لذة الصـــلاة:
قال صلى الله عليه وسلم مبيناً الفرق بين جميع الملاذ ولذة الصلاة « حبب إلي من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني الصلاة »
فهذه الصلاة إنما تكون لذيذة إذا وقف الشخص بين يدي ربه خاشعاً ذليلاً فمن كان حاله هكذا انصرف منها متألماً لأنها كانت له نشاطاً وراحة وروحاً فلا يتمنى أن يخرج منها فهي قرة عينه ونعيم روحه وجنة قلبه ومستراحه في الدنيا فما يزال في ضيق حتى يدخل فيها كيف لا وقد قال إمامهم صلى الله عليه وسلم: « أرحنا بها يا بلال »
ولسان بعض الجهلة والكسالى الذين لم يجدوا طعم اللذة يا مؤذن أرحنا منها.
قال ثابت: " اللهم إن كنت قد أعطيت أحداً الصلاة في قبره فأعطني الصلاة في قبري فلا يريدون أن ينقطعوا عن هذه اللذة حتى بعد الموت "
(3) لذة قيام الليل:
أما قيام الليل فقد كان له عند الصحابة والتابعين والسلف منزلة عظيمة
• يقول ابن المنكدر رحمه الله: " إني لأدخل في الليل فيهونني فأصبح حين أصبح فما قضيت منه أربي "
• قال عبد الله بن وهب رحمه الله: " كل ملذوذ إنما له لذة واحدة إلا العبادة فإن لها ثلاث لذات إذا كنت فيها وإذا تذكرتها وإذا أعطيت أجرها ".
• يقول ابن المنكدر رحمه الله: " ما بقي في الدنيا من اللذات إلا ثلاث قيام الليل ولقاء الأخوان والصلاة في جماعة "
• كان أبو حنيفة يسمى الوتد لكثرة صلاته.
• يقول أبو رفاعة: " ما عزلت سورة البقرة منذ علمني إياها الرسول صلى الله عليه وسلم أخذت معها ما أخذت من القرآن الكريم وما أوجعني ظهري من قيام الليل "
(4) لذة الصيام:
أما الصيام فقد كان الصحابة والتابعين والسلف الصالح يتلذذون به أيما لذة صحيح أنه ظمأ وجوع لكنه مع التعود أصبح ألم الجوع عندهم لذة فهي عملية مجاهدة ومكابدة لاشيء غير ذلك.
وقد كان السلف الصالح عند الموت والاحتضار يتأسفون على فراق الصيام يقول علقمة بن مرفد لما احتضر عامر بن عبد القيس بكى قيل له: أتجزع من الموت وتبكي
قال: ومالي لا أبكي ومن أحق الناس بذلك مني والله ما أبكي جزعاً من الموت ولا حرصاً على دنياكم ولكن أبكي على ظمأ الهواجر وقيام ليل الشتاء...
ولما حضرت عبد الرحمن بن الأسود النخعي الوفاة بكى وقال يا أسفا على الصلاة والصيام...
(5) لذة الحــــــج:
أما الحج الذي تدفع لذته أصحابه إلى ركوب المطايا والسير من البلاد البعيدة وتجشم المشاق ودفع النفقات الباهظة حنيناً إلى البيت العتيق فالله جعل لبيته هذه الخصيصة فتهواه الأفئدة وتشتاق إليه فكان الطائف بالبيت يشعر باللذة
ففي ربعـــــهم لله بـــــــــــيت مبــــــــارك *** إليه قلــــوب الخـــــــــلــــق تهـــوى وتهـــواه
يطوف بــــــــه الجــــــــــاني فيـــغفر ذنبه *** ويسقط عنه جــــــــــــــرمــــــــه وخطايــــاه
فكـــــم لــذة كـــم فرحـــة لطوافـــــــــــه *** فالله ما أحلى الــطـــــــــــــواف وأهنــــــــاه
نطــــــوف كأنـــا في الجنــــــــان نطوفهــا *** ولا هــــم ولا غـــم فــــــــــــذاك نـــفــــيــناه
فيا شوقنا نــــــــــــحو الطواف وطيبــــــــه *** فذاك شـــــــــــــــــــوق لا يحــــــاط بمعناه
فمن لم يذقه لــــــــــــــم يذق قط لـــــــــذة *** فذقه تـــــــذق يا صـــــاحي ما قــــــــد ذقنــاه
قال شيخ الإسلام رحمه الله: " والإنسان في الدنيا يجد في قلبه بذكر الله وذكر محامده وآلائه وعباداته من اللذة مالا يجده في شيء آخر "
ولقد سميت مجالس الذكر برياض الجنة للذة الحاصلة فيه إذا عمرت بذكر الله عز وجل.
فالمشبه: مجالس الذكر
المشبه به: رياض الجنة
وجه الشبه: اللذة الحاصلة لمن فيها
والتلذذ بذكر الله سبحانه وتعالى يرق القلب ولو جاع البدن وعطش.
(7) لذة قراءة القرآن وتلاوته:
• يقول عثمان بن عفان رضي الله عنه: " لو طهرت قلوبكم ما شبعت من كلام الله عز وجل "
• قال ابن مسعود رضي الله عنه: " لا يسأل عبد نفسه إلا القرآن فإن كان يحبه فإنه يحب الله ورسول صلى الله عليه وسلم "
فلا شيء عند المحبين أحلى من كلام محبوهم فهو لذة قلوبهم... وغاية مطلوبهم، والصديقون إذا قرأ عليهم القرآن اشتاقت قلوبهم إلى الآخرة...
( لذة الجهاد في سبيل الله:
• أنس بن النظر الذي دفعته لذة الجهاد في سبيل الله أن يستمر في القتال وفيه طعن برماح وإصابات بسهام وضربات بسيوف فوجدوا فيه بضعاً وثمانين ضربة...
• حرام بن ملحم الذي ضربه الكافر برمحه فلما خرج الدم نضحه على وجهه ورأسه وقال فزت ورب الكعبة فتأثر جبار فأسلم رضي الله عنهما
فكان للجهاد معهم قصص وعبر فكانت لذته تدعوهم إلى التضحية بأنفسهم في سبيل الله...
(9) الإنفاق في سبيل الله:
أما الإنفاق فكان عندهم من الأمور المهمة فقد كان بعض السلف يتصدق بطعامه ويترك نفسه بلا طعام يرجون بذلك الأجر من الله عز وجل.
فكانت فرحتهم إذا رأوا الفقير قد أكل وسد جوعته وإذا نظروا إلى اليتيم قد أخذ هديته وإذا رأوا العاري قد اكتسا مما أعطي له...
(10) لذة العلم:
• كان أحدهم يفارق أهله وأولاده مدة طويلة من أجل العلم والأخذ من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
• كان أكثر السلف يقيدون ما يستفيدونه من عامة الناس.
• ما فرح ابن مسعود قط من بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم مثلما فرح عندما أفتى في مسألة فقال له أحد أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم أن الرسول حكم مثل حكمك.
• كان عند السلف كثير من المناظرات لترسيخ العلم والحفظ ولزيادة العلم.
• معاذ بن جبل عند موته بكى لعدة أشياء منها مزاحمة العلماء بالركب عند حلق العلم.
(11) لذة الثـناء وذكر الله للعبد:
وذكر الله للعبد أعظم من ذكر العبد لله فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي: « إن الله يأمرني أن أقرأ عليك القرآن، فقال: يا رسول الله، الله سماني لك ؟ قال: الله سماك لي . ففرح أبي فرحة شديدة... »
أسباب تحصيل لذة الأعمال الصالحة:
1- مراقبة الله عز وجل في السر والعلن
2- المجاهدة قال تعالى: { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا..} [العنكبوت: 69]
3- تدبر القرآن الكريم والمعرفة بأسماء الله وصفاته
4- مصاحبة الصالحين
5- العناية بالعبادات الفردية
6- الإخلاص في الأعمال
7- النية الصالحة
(6) لذة ذكر الله عز وجل: