مجزرة الزرارية
مجزرة الزرارية : 11/3/1985
شاهد اخر من الشهود على همجية "الصهاينة" وجيشهم المتمرس في الغزو، قدم بلدة
الزرارية اللبنانية الى العالم دليلا حسيا مباشرا عن مدى تهور العدو
"الاسرائيلي" وتعطشه للدم.
اربعون شهيدا و 37 جريحا سقطوا بتاريخ 11/3/1985، في إحدى أهم الملاحم التي
يخوضها الجنوب اللبناني ضد قوات العدو "الاسرائيلي"، والتي كتبت فصولها بلدة
الزرارية في قضاء الزهراني على مدى 17 ساعة من المواجهات الضارية تداخلت فيها
بطولات شباب البلدة ومقاتلي المقاومة اللبنانية وجنود الجيش من جهة وآلاف
الجنود "الاسرائيليين" يعززهم لواء مدرع وثلاث مروحيات عسكرية من جهة ثانية.
أربعون شهيدا، كتبوا أروع البطولات على تلال البلدة وفي ساحتها وشوارعها
وقدموا على مذبح الوطن فصلا جديدا من الثمن الذي يدفعه كل شعب يريد لأرضه ان
تتحرر ولاستقلاله ان يصان ولسيادته ان تكتمل.
عشرون منزلا هدمتها قوات الاحتلال نسفا وحرقا على رؤوس ساكنيها و 200 اسير
اعتقلتهم (بينهم خمسة جرحى و 20 من جنود الجيش) في اطول عملية إرهابية تعرضت
لها، حتى الآن، بلدة جنوبية ردا على هجمات الثوار الجنوبيين الساعين الى
تقديم ضريبة الدم ثمنا لتحرير ارضهم.
كيف بدأت العملية ضد الزرارية وكيف انتهت؟
بدأت قوات الاحتلال منذ الساعة 11.30 قبيل منتصف ليل امس الاول - بقصف البلدة
من مرابض مدفعيتها ودباباتها من انصار والنميرية شمالا، ومن تلال بريقع شرقا
وتلال بدياس جنوبا، فيما كانت مجموعات من قوات الكومندوس والمظليين
"الإسرائيليين" تهبط بواسطة المروحيات العسكرية فوق التلال المشرفة على
البلدة من الشرق والشمال والغرب.
وتواصل القصف المدفعي على الزرارية حتى الساعة السادسة صباحا، حين كانت 120
الية مدرعة، اكثريتها من دبابات الـ "ميركافا" المزودة بمدفعية من عيار 175
ملم قد اصبحت على مداخل البلدة ومشارفها المرتفعة.
وفي الساعة السادسة والنصف بدأ لواء "اسرائيلي" مدرع ومئات "الكومندوس"
والمظليين يتقدمون بصعوبة باتجاه ساحة البلدة، بفعل المقاومة الضارية التي
ابداها المقاومون الوطنيون وشبان البلدة وجنود الجيش ولم يستطع جيش الاحتلال
الوصول الى داخل البلدة الا في الساعة العاشرة وبعد معارك شرسة دارت عند
مداخل الزرارية الغربي والشمالي والجنوبي - الشرقي حيث كانت ترابط وحدة
الجيش، وابلغ ابناء البلدة مراسل "السفير" محمد صالح ان القتال دار بعد ذلك
من شارع الى شارع ومن زاوية الى اخرى والتحم المقاتلون الوطنيون مع جنود
الاحتلال بالسلاح الابيض بدليل ان العديد من الشهداء قتل نحرا، فيما سحبت
قوات الاحتلال قتلاها والياتها التي دمرت إبان المواجهة وفخخت القوات
"الاسرائيلية" المنازل المهدمة وجثث الشهداء، والقت قنابل موقوتة في الزواريب
الضيقة ولغمت حسينية البلدة الامر الذي جعل قوة الجيش توعز للاهالي بوقف
عمليات انتشال الجثث ليلا وتنصحهم بالمبيت خارج البلدة ريثما يكون قد تسنى
لوحدة هندسة عسكرية الكشف على الجثث وتطهير البلدة من الالغام والمتفجرات
ابتداء من صباح اليوم.
وحتى ساعة متأخرة من الليل كانت مدفعية قوات الاحتلال لا تزال تقصف مشارف
البلدة الغارقة في الظلام، والمنتظرة ان تشيع جثث الشهداء الى قبر جماعي.
وكانت جثث الشهداء قد وضعت في حسينية بلدة الصرفند على ان تنقل بموكب شعبي
الى حسينية الزرارية.
وفيما المعارك على اشدها في الزرارية انقطعت الاتصالات بين وحدة الجيش
وقيادتها ولم تستطع وحدة دعم، الوصول الى البلدة وتوقفت على بعد 6 كيلومترات
منها (في السكنية) حتى الساعة السادسة مساء. كما تعذر ايصال الإمدادات لابطال
المقاومة الذي فرغت ذخائرهم واستمروا يقاتلون حتى الاستشهاد.
"اسرائيل" اعترفت باغتيال 34 مواطنا واسر اكثر من مائة ونسف 11 منزلا واحتجاز
خمسة اشخاص جرحوا خلال المعارك.
وافادت المعلومات من البلدة ان معظم القتلى سقطوا دهسا داخل سياراتهم وان بعض
الشبان قتل ذبحا، وقد نهب جنود الاحتلال المنازل والمحلات التجارية ثم
نسفوها.
تقرير ميداني
مراسل السفير اللبنانية دخل الزرارية عند الساعة الخامسة مساء 11/3/1985 وكتب
ما يلي: انها جرائم تفوق كل وصف، وهي ابشع مجزرة من تلك الموصوفة، التي
ارتكبها "الاسرائيليون" على مدى تاريخهم الحافل بالاجرام، سواء في دير ياسين
او صبرا وشاتيلا او معركة او بئر العبد … والمسلسل طويل.
ما شوهد بالعين المجردة لا يمكن وصفه حقا … قتل متعمد بجنازير الدبابات تجتاح
صدور المواطنين سواء من كان منهم في سيارته، او من استشهد ولم تكتف الهمجية
"الاسرائيلية" بمصرعه فمررت دباباتها الثقيلة من طراز "ميركافا" فوق جثمانه.
الساعة الخامسة من مساء الاثنين في الحادي عشر من آذار، الشمس بدأت تنحسر عن
الزرارية المقاتلة… الشهيدة، دبابات الاحتلال "الاسرائيلي" بدأت تتراجع من
داخل البلدة لتغيب بين الوهاد والوديان افلة الى حيث انطلقت في ابشع حملة
ارهابية ارتكبتها حتى الان ضد قرية جنوبية محتلة منذ بدء ما سمي بحرب "القبضة
الحديدية" التي اعلنتها سلطات الاحتلال على لبنان.
كنا مجموعة من الصحافيين، وقلة من سيارات الصليب الاحمر، وبينها سيارتان
للجيش اللبناني، تتقدم في اثر الآليات المنسحبة، لم يكن يفصل بيننا وبين اخر
دبابة تنسحب من الجهة الغربية من البلدة سوى امتار قليلة.
على المشارف الغربية للزرارية.كانت ثماني دبابات ثقيلة" ميركافا" لا تزال
تتمركز وهي تطلق قذائفها ونيران رشاشاتها الثقيلة على تلال البلدة الغربية
والشمالية لتغطية انسحاب قوات الاحتلال من الداخل.
انها الدبابات نفسها التي اطلقت احداها في الساعة الثانية عشرة ظهرا قذيفة
لمنعي واربعة من الزملاء من الوصول الى الزرارية فيما الحملة الارهابية على
اشدها. وقد سقطت على بعد عشرة امتار منا وسمرتنا في تلال ضهر الهوا بين ارزي
والزرارية على بعد 2 كيلومتر من الاخيرة.
بقينا في الارض بضع دقائق ونهضنا ليقول لنا سائق سيارة اسعاف كانت قربنا لقد
تلقيت انذارا باللاسلكي من الدبابات يحذرنا من التقدم مسعفين او صحافيين، كما
انذروا سيارة اسعاف اخرى لجهة بريقع بالمصير نفسه اذا حاولت التقدم.
عندها تراجعنا الى ارزي، الى ان عرفنا ان "الاسرائيليين" بدأوا الانسحاب من
الزرارية فسارعنا اليها من جديد.
على بعد كيلومتر و نصف الكيلومتر من مدخل البلدة كانت سيارة مرسيدس - 200
تحترق، اطلق عليها جنود الاحتلال قذيفة حارقة وهم ينسحبون، وكان ركابها قد
تركوها منذ الصباح.
عند بداية المدخل الجنوبي للزرارية، وهو شارع عريض يخترقها حتى الشرق بطول
خمسة كيلومترات تقريبا، كان الناس لم يخرجوا بعد، جنازير الدبابات المنسحبة
لا تزال تهز المنازل، على يمين الطريق ثلاث سيارات (بيك اب محملة حامض
وبرتقال)، (ستايشن بيجو مرسيدس)، كانت مسحوقة بجنازير الآليات لحم ركابها
اختلط بحديدها، انها 12 جثة تحولت الى أشلاء وطفرت الدماء منها لعدة امتار
بعيدا عنها مما يدل على انها دهست دهسا متعمدا.
بعض الشهداء هنا ذبح ذبحا ولم يقتل بالرصاص، امكن التعرف على اسماء ثلاثة من
اصحابها
وعلى بعد امتار عشرة من المذبحة الاولى، ثلاث سيارات اخرى محروقة واثار الدم ظاهرة على جوانبها
وبالقرب منها، لا يبدو فيها اية ضحية، مواطنة خرجت للتو من منزل قريب قالت
:"انها اول المذبحة.. سحب "الاسرائيليون" ركاب هذه السيارات لعند السيارات
الاخرى ثم دهستهم جميعا بالدبابات فنوفر الدم".
قبل كيلومتر من اول الساحة العامة، بيت من طابقين مدمر كليا، علمنا ان صاحبه
يدعى اسعد زراقط، وعلى بعد مئة متر اخرى مفترق كبير الى الجنوب منه، وعلى
مسافة 300 متر تقريبا، بيت لونه كريم دمره "الاسرائيليون"، قالت امرأة وقد
بدا عدد قليل منهن يخرجن مولولات، انه بيت رضا مروة دمرته دبابات جاءت من تحت
الديور (علمنا انها طريق تلتف حول البلدة من الجهة الجنوبية).
على بعد امتار اخرى، تقاطع طرق، نساء يخرجن من شتى الاتجاهات، يسألن بعضهن
بعض، "هل رأيت علي؟.. محمود؟ محمد، حسين" الى أخر الأسماء المعروفة في جبل
عامل، هنا ايضا منازل كثيرة دمرت حتى سادت الارض اكثر من 400 متر مربع من
منازل متلاصقة اصبحت اطلالا:
الى جانبي الطريق خمس سيارات مدمرة.. عدة محلات خلعت ابوابها ونهبت
محتوياتها.
في المدخل الغربي للساحة العامة، وهي، ساحة متسعة تتوسطها بركة مياه، على
جانبها الشمالي دارة فخمة لصاحبها رضا مروة، شاهدت بضعة شبان يدخلون اليها
جثة شهيد شاب.
دقائق قليلة، وامتلأت الساحة بـ4 - 5 الاف نسمة، لم نعرف كيف تجمعوا فجأة،
وقبل لحظات كانت الساحة خاوية البعض خرج من المنازل (نساء واطفال وشيوخ)، بعض
اخر بدا يتوافد من الكروم المجاورة والاحياء الداخلية، المجتمعون نساء ورجال
فوق سن الاربعين واطفال بين الخامسة والعاشرة، اما من هم بين العاشرة
والاربعين فاما انهم اعتقلوا او استطاعوا الافلات من الحملة "الاسرائيلية".
دقائق اخرى وبدأ الشبان يظهرون، اغار النسوة عليهم تعانقنهم وتلحن بالسؤال عن
ابن او اخ او زوج.
بضعة جنود من الجيش اللبناني اختلطوا بالجمع، اسلحتهم سلبها "الاسرائيليون".
الساعة قاربت السادسة الظلام بدأ يخيم عمليات جمع جثث الشهداء اقتصرت على
الساحة العامة ومداخل البلدة الثلاثة (الغربي والشمالي والشرق) حيث حصلت
المواجهات الاولى.
عند المدخل الشرقي - على طريق الحمراء - بريقع بدأ الاشتباك مع الجيش وهنا
استشهد الجندي محمد المؤذن من بلدة النميرية، وجرح جندي اخر ورقيب اول وآخرون
لم تعرف اسماؤهم.
عند المدخل الشمالي للبلدة، وامام مبنى مخفر الدرك وقعت معركة عنيفة واجه
فيها رجال المقاومة وشبان الزرارية باسلحتهم الصاروخية ورشاشاتهم دبابات
"الميركافا"، هنا استشهد رضا علي مروة وحسان نعمة حلو واخرون من المقاتلين.
اما المعركة عند المدخل الغربي، ويسميه اهالي البلدة البص، فكانت ضارية جدا
وهنا اختلطت جثث الشهداء مع جثث المارة الابرياء الذي كانوا يحاولون النجاة
في سياراتهم من الجحيم حسب تعبير احدى النسوة…
في الاحياء الداخلية للبلدة لم يكن احد باستطاعته معرفة حصيلة المواجهات
الضارية بين الجنود الاحتلال وبين رجال المقاومة… "الوقت ظلام، وثمة متفجرات
واجسام مشبوهة تركها "الاسرائيليون"، يجب الا تدخلوا الى هناك. غدا يتم الكشف
الضروري وبعدها يمكن للصحافة ان تشاهد ما جرى".
بهذه الكلمات منعنا احد الرجال في الزرارية من الدخول الى الاحياء الداخلية
التي شهدت اشرس المواجهات اظهر فيها المقاتلون الوطنيون كل ضروب البطولات.
قالت احدى النساء:"لم اسمع في حياتي قصصا كهذه.. الشباب كانوا بسلاحهم الخفيف
يواجهون الاعداء بالسلاح الذي يعرف العالم نوعيته وفتكه.. كان كل مقاتل
واحيانا اثنين، يشتبكون مع عشرات من الجنود "الاسرائيليين" والياتهم عند كل
زاوية وداخل البلدة، وفي الزواريب الضيقة حيث لا تستطيع الملالات الدخول كانت
معارك السنكة (السلاح الابيض).. قاتل الشباب حتى النهاية.. قاتلوا حتى فرغت
ذخيرتهم واستشهدوا رحمة الله عليهم".
من مجمل الروايات تكتمل صورة المواجهة امامنا.. انها معركة انتحارية، لا مجال
فيها لاحد من المواطنين للتراجع… الخيار واحد من اثنين اما الشهادة او
الاسر.. اكثر الشبان استشهدوا، اما قتلى العدو فسحبتهم معها ورقمهم على ذمة
"اسرائيل".
على احد الجدران كتب جنود الاحتلال "انتقام لكل نقطة دم "اسرائيلية" ". وعلى
جدار البركة في وسط الساحة كتبوا "انتقام لجيش الدفاع "الاسرائيلي".
وافادت المصادر العسكرية ان قيادة الجيش اللبناني في الجنوب ارسلت تعزيزات
عسكرية الى كوثرية السياد وغيرها من خطوط التماس المواجهة لقوات الاحتلال.
وقد انطلقت صباحا قافلة من الآليات والاسلحة الثقيلة من ثكنات الجيش
اللبناني في صيدا والصالحية باتجاه الجنوب.
وافادت المصادر ان "الاسرائيليين" منعوا دخول قافلة للصليب الاحمر الى بلدة
الزرارية لاسعاف الاهالي الذين استشهد مواطن منهم واصيب عدد كبير بجروح.
وفد اللجنة البرلمانية للتعاون الاوروبي - العربي
الزرارية التي ارتكبت "اسرائيل" بحق اهلها مجازر لم تكن اثارها قد جفت حين
زارها وفد اللجنة البرلمانية للتعاون الاوروبي - العربي، وكانت رتل السيارات
المؤلف من 33 سيارة لا يزال جاثما على الطريق الى الزرارية بعد ان سحقت
الدبابات "الاسرائيلية" بمن فيه.
في استقبال الوفد الاوروبي
مراسلة "السياسة" الكويتية تصف استقبال اهل الزرارية فتقول" لدى وصولنا الى
ساحة الزرارية، ترجل الوفد البرلماني والصحافيين واختلطوا بجموع السكان
والاطفال في هذه البلدة حيث استقبلتهم تظاهرة اطفال ضخمة بحضور ما يقارب 350
ولدا تترواح اعمارهم ما بين 7 سنوات والرابعة عشرة، مع ملاحظة وجود قلة من
الكبار ممن بقي في الزرارية، وتجمهروا حول الوفد وشكوا افعال "اسرائيل" بينما
ارتفع صوت مسن هو الحاج موسى زراقط، الذي يبلغ عمره 85 سنة، وكانت الدبابات
"الاسرائيلية" قد دمرت منزله ومنزل ولديه الاثنين، واخذ يشرح عاليا بقوله
"شعب رائع بوسخه، شعب مختار بحضارته الهمجية، هذا الشعب "الاسرائيلي" الماهر
في قتل الابرياء والعزل، ما ذنب الاطفال والشيوخ، ما ذنب الفلاح الذي يعمل
برزقه؟ واكمل بصوت عال: "انا اتأسف على الرأي العام الغربي المتمسك باميركا،
اتأسف على مجل الكذب وليس مجلس الامن، ليأتوا ويروا دعمهم "لاسرائيل"
وافعالها الاجرامية، ليأتوا ويروا الحريم والاطفال عندما تمر الدبابات عليهم
، هل يعرف العالم ان 400 دبابة "اسرائيلية" و 50 الف جندي "اسرائيلي" اقتحموا
بلدة الزرارية التي تعد بضع مئات فقط؟ لقد قصفوا بيوتنا بالمدافع ودمروها،
فهل يعلمون كيف تم تجميع الناس من اطفال ونساء وعجزة في ساحة الزرارية طيلة
الليل وخلال البرد، يعانون الويل كالعبيد، بينما 106 اسرى اخذوهم الى معتقل
النبطية وتركوا وراءهم 60 قتيلا، لماذا؟ لاننا بكل بساطة نرفض ان يحتلوا
ارضنا".
وتابع ابن الخامسة والثمانين، شارحا ما جرى كنموذج لما يحصل فقال انه سأل احد
الجنود "الاسرائيليين" الذي تتمحور معظم اعمارهم في سن المراهقة :" هل لديك
ابا او اما ؟ فرد الجندي المحتل بالنفي، وطلب من العجوز ان يخرس، الا ان هذا
تابع استجوابه للجندي قائلا: " انت من اين اتيت؟ " فاستفسر الجندي المحتل منه
قائلا : لماذا؟ فاجابه العجوز قائلا :" لانك ستموت هنا باذن الله وباذن
مقاومتنا، فما كان من الجندي الارغن سوى اطلاق النار ارهابا فوق رأسه فطلب
منه ابن الـ 85 سنة تصحيح تصويب النار الى القلب، فسأله الجندي :لماذا؟ فقال
له:" لتتعلم درسا في حب الارض والكرامة والا تكون جبانا حين يكون الحق ملكا
لك ولشعبك"..
تفقد اثار المجزرة
وعند سؤال النائب الالماني بيتر كوتهاوس عما سيفعله عند عودته الى بلاده قال
:"سوف نعود الى بلادنا وننقل لزملائنا وشعوبنا والرأي العام لدينا كل
مشاهداتنا وحصيلة الاضرار والخسائر المادية والبشرية والمعنوية وسنصف كل هذا
للصحافيين عندنا لاعطاء صورة واضحة عن مشاهدتنا بام العين على الارض والوقائع
الحاصلة هنا وترك الرأي العام لدينا والزملاء والناس لاستخلاص النتائج
والحلول بانفسهم. (…) كما سنحاول الاتصال بحكومات القوات المتعددة المشاركة
لتعزيز وتقوية هذه القوات خاصة تجاه الوضع المتدهور والاعتداءات والتصرفات
"الاسرائيلية" ضد الشعب والسكان الآمنين والعزل الذي يجب ان تقوم هذه القوات
بحمايتهم تنفيذا لما جاءت من اجله.
وتبقى الزرارية بلدة من بلدات لبنان العربية المظلومة المنتظرة على مقاومتها
انصاف العالم..
مجزرة الزرارية : 11/3/1985
شاهد اخر من الشهود على همجية "الصهاينة" وجيشهم المتمرس في الغزو، قدم بلدة
الزرارية اللبنانية الى العالم دليلا حسيا مباشرا عن مدى تهور العدو
"الاسرائيلي" وتعطشه للدم.
اربعون شهيدا و 37 جريحا سقطوا بتاريخ 11/3/1985، في إحدى أهم الملاحم التي
يخوضها الجنوب اللبناني ضد قوات العدو "الاسرائيلي"، والتي كتبت فصولها بلدة
الزرارية في قضاء الزهراني على مدى 17 ساعة من المواجهات الضارية تداخلت فيها
بطولات شباب البلدة ومقاتلي المقاومة اللبنانية وجنود الجيش من جهة وآلاف
الجنود "الاسرائيليين" يعززهم لواء مدرع وثلاث مروحيات عسكرية من جهة ثانية.
أربعون شهيدا، كتبوا أروع البطولات على تلال البلدة وفي ساحتها وشوارعها
وقدموا على مذبح الوطن فصلا جديدا من الثمن الذي يدفعه كل شعب يريد لأرضه ان
تتحرر ولاستقلاله ان يصان ولسيادته ان تكتمل.
عشرون منزلا هدمتها قوات الاحتلال نسفا وحرقا على رؤوس ساكنيها و 200 اسير
اعتقلتهم (بينهم خمسة جرحى و 20 من جنود الجيش) في اطول عملية إرهابية تعرضت
لها، حتى الآن، بلدة جنوبية ردا على هجمات الثوار الجنوبيين الساعين الى
تقديم ضريبة الدم ثمنا لتحرير ارضهم.
كيف بدأت العملية ضد الزرارية وكيف انتهت؟
بدأت قوات الاحتلال منذ الساعة 11.30 قبيل منتصف ليل امس الاول - بقصف البلدة
من مرابض مدفعيتها ودباباتها من انصار والنميرية شمالا، ومن تلال بريقع شرقا
وتلال بدياس جنوبا، فيما كانت مجموعات من قوات الكومندوس والمظليين
"الإسرائيليين" تهبط بواسطة المروحيات العسكرية فوق التلال المشرفة على
البلدة من الشرق والشمال والغرب.
وتواصل القصف المدفعي على الزرارية حتى الساعة السادسة صباحا، حين كانت 120
الية مدرعة، اكثريتها من دبابات الـ "ميركافا" المزودة بمدفعية من عيار 175
ملم قد اصبحت على مداخل البلدة ومشارفها المرتفعة.
وفي الساعة السادسة والنصف بدأ لواء "اسرائيلي" مدرع ومئات "الكومندوس"
والمظليين يتقدمون بصعوبة باتجاه ساحة البلدة، بفعل المقاومة الضارية التي
ابداها المقاومون الوطنيون وشبان البلدة وجنود الجيش ولم يستطع جيش الاحتلال
الوصول الى داخل البلدة الا في الساعة العاشرة وبعد معارك شرسة دارت عند
مداخل الزرارية الغربي والشمالي والجنوبي - الشرقي حيث كانت ترابط وحدة
الجيش، وابلغ ابناء البلدة مراسل "السفير" محمد صالح ان القتال دار بعد ذلك
من شارع الى شارع ومن زاوية الى اخرى والتحم المقاتلون الوطنيون مع جنود
الاحتلال بالسلاح الابيض بدليل ان العديد من الشهداء قتل نحرا، فيما سحبت
قوات الاحتلال قتلاها والياتها التي دمرت إبان المواجهة وفخخت القوات
"الاسرائيلية" المنازل المهدمة وجثث الشهداء، والقت قنابل موقوتة في الزواريب
الضيقة ولغمت حسينية البلدة الامر الذي جعل قوة الجيش توعز للاهالي بوقف
عمليات انتشال الجثث ليلا وتنصحهم بالمبيت خارج البلدة ريثما يكون قد تسنى
لوحدة هندسة عسكرية الكشف على الجثث وتطهير البلدة من الالغام والمتفجرات
ابتداء من صباح اليوم.
وحتى ساعة متأخرة من الليل كانت مدفعية قوات الاحتلال لا تزال تقصف مشارف
البلدة الغارقة في الظلام، والمنتظرة ان تشيع جثث الشهداء الى قبر جماعي.
وكانت جثث الشهداء قد وضعت في حسينية بلدة الصرفند على ان تنقل بموكب شعبي
الى حسينية الزرارية.
وفيما المعارك على اشدها في الزرارية انقطعت الاتصالات بين وحدة الجيش
وقيادتها ولم تستطع وحدة دعم، الوصول الى البلدة وتوقفت على بعد 6 كيلومترات
منها (في السكنية) حتى الساعة السادسة مساء. كما تعذر ايصال الإمدادات لابطال
المقاومة الذي فرغت ذخائرهم واستمروا يقاتلون حتى الاستشهاد.
"اسرائيل" اعترفت باغتيال 34 مواطنا واسر اكثر من مائة ونسف 11 منزلا واحتجاز
خمسة اشخاص جرحوا خلال المعارك.
وافادت المعلومات من البلدة ان معظم القتلى سقطوا دهسا داخل سياراتهم وان بعض
الشبان قتل ذبحا، وقد نهب جنود الاحتلال المنازل والمحلات التجارية ثم
نسفوها.
تقرير ميداني
مراسل السفير اللبنانية دخل الزرارية عند الساعة الخامسة مساء 11/3/1985 وكتب
ما يلي: انها جرائم تفوق كل وصف، وهي ابشع مجزرة من تلك الموصوفة، التي
ارتكبها "الاسرائيليون" على مدى تاريخهم الحافل بالاجرام، سواء في دير ياسين
او صبرا وشاتيلا او معركة او بئر العبد … والمسلسل طويل.
ما شوهد بالعين المجردة لا يمكن وصفه حقا … قتل متعمد بجنازير الدبابات تجتاح
صدور المواطنين سواء من كان منهم في سيارته، او من استشهد ولم تكتف الهمجية
"الاسرائيلية" بمصرعه فمررت دباباتها الثقيلة من طراز "ميركافا" فوق جثمانه.
الساعة الخامسة من مساء الاثنين في الحادي عشر من آذار، الشمس بدأت تنحسر عن
الزرارية المقاتلة… الشهيدة، دبابات الاحتلال "الاسرائيلي" بدأت تتراجع من
داخل البلدة لتغيب بين الوهاد والوديان افلة الى حيث انطلقت في ابشع حملة
ارهابية ارتكبتها حتى الان ضد قرية جنوبية محتلة منذ بدء ما سمي بحرب "القبضة
الحديدية" التي اعلنتها سلطات الاحتلال على لبنان.
كنا مجموعة من الصحافيين، وقلة من سيارات الصليب الاحمر، وبينها سيارتان
للجيش اللبناني، تتقدم في اثر الآليات المنسحبة، لم يكن يفصل بيننا وبين اخر
دبابة تنسحب من الجهة الغربية من البلدة سوى امتار قليلة.
على المشارف الغربية للزرارية.كانت ثماني دبابات ثقيلة" ميركافا" لا تزال
تتمركز وهي تطلق قذائفها ونيران رشاشاتها الثقيلة على تلال البلدة الغربية
والشمالية لتغطية انسحاب قوات الاحتلال من الداخل.
انها الدبابات نفسها التي اطلقت احداها في الساعة الثانية عشرة ظهرا قذيفة
لمنعي واربعة من الزملاء من الوصول الى الزرارية فيما الحملة الارهابية على
اشدها. وقد سقطت على بعد عشرة امتار منا وسمرتنا في تلال ضهر الهوا بين ارزي
والزرارية على بعد 2 كيلومتر من الاخيرة.
بقينا في الارض بضع دقائق ونهضنا ليقول لنا سائق سيارة اسعاف كانت قربنا لقد
تلقيت انذارا باللاسلكي من الدبابات يحذرنا من التقدم مسعفين او صحافيين، كما
انذروا سيارة اسعاف اخرى لجهة بريقع بالمصير نفسه اذا حاولت التقدم.
عندها تراجعنا الى ارزي، الى ان عرفنا ان "الاسرائيليين" بدأوا الانسحاب من
الزرارية فسارعنا اليها من جديد.
على بعد كيلومتر و نصف الكيلومتر من مدخل البلدة كانت سيارة مرسيدس - 200
تحترق، اطلق عليها جنود الاحتلال قذيفة حارقة وهم ينسحبون، وكان ركابها قد
تركوها منذ الصباح.
عند بداية المدخل الجنوبي للزرارية، وهو شارع عريض يخترقها حتى الشرق بطول
خمسة كيلومترات تقريبا، كان الناس لم يخرجوا بعد، جنازير الدبابات المنسحبة
لا تزال تهز المنازل، على يمين الطريق ثلاث سيارات (بيك اب محملة حامض
وبرتقال)، (ستايشن بيجو مرسيدس)، كانت مسحوقة بجنازير الآليات لحم ركابها
اختلط بحديدها، انها 12 جثة تحولت الى أشلاء وطفرت الدماء منها لعدة امتار
بعيدا عنها مما يدل على انها دهست دهسا متعمدا.
بعض الشهداء هنا ذبح ذبحا ولم يقتل بالرصاص، امكن التعرف على اسماء ثلاثة من
اصحابها
وعلى بعد امتار عشرة من المذبحة الاولى، ثلاث سيارات اخرى محروقة واثار الدم ظاهرة على جوانبها
وبالقرب منها، لا يبدو فيها اية ضحية، مواطنة خرجت للتو من منزل قريب قالت
:"انها اول المذبحة.. سحب "الاسرائيليون" ركاب هذه السيارات لعند السيارات
الاخرى ثم دهستهم جميعا بالدبابات فنوفر الدم".
قبل كيلومتر من اول الساحة العامة، بيت من طابقين مدمر كليا، علمنا ان صاحبه
يدعى اسعد زراقط، وعلى بعد مئة متر اخرى مفترق كبير الى الجنوب منه، وعلى
مسافة 300 متر تقريبا، بيت لونه كريم دمره "الاسرائيليون"، قالت امرأة وقد
بدا عدد قليل منهن يخرجن مولولات، انه بيت رضا مروة دمرته دبابات جاءت من تحت
الديور (علمنا انها طريق تلتف حول البلدة من الجهة الجنوبية).
على بعد امتار اخرى، تقاطع طرق، نساء يخرجن من شتى الاتجاهات، يسألن بعضهن
بعض، "هل رأيت علي؟.. محمود؟ محمد، حسين" الى أخر الأسماء المعروفة في جبل
عامل، هنا ايضا منازل كثيرة دمرت حتى سادت الارض اكثر من 400 متر مربع من
منازل متلاصقة اصبحت اطلالا:
الى جانبي الطريق خمس سيارات مدمرة.. عدة محلات خلعت ابوابها ونهبت
محتوياتها.
في المدخل الغربي للساحة العامة، وهي، ساحة متسعة تتوسطها بركة مياه، على
جانبها الشمالي دارة فخمة لصاحبها رضا مروة، شاهدت بضعة شبان يدخلون اليها
جثة شهيد شاب.
دقائق قليلة، وامتلأت الساحة بـ4 - 5 الاف نسمة، لم نعرف كيف تجمعوا فجأة،
وقبل لحظات كانت الساحة خاوية البعض خرج من المنازل (نساء واطفال وشيوخ)، بعض
اخر بدا يتوافد من الكروم المجاورة والاحياء الداخلية، المجتمعون نساء ورجال
فوق سن الاربعين واطفال بين الخامسة والعاشرة، اما من هم بين العاشرة
والاربعين فاما انهم اعتقلوا او استطاعوا الافلات من الحملة "الاسرائيلية".
دقائق اخرى وبدأ الشبان يظهرون، اغار النسوة عليهم تعانقنهم وتلحن بالسؤال عن
ابن او اخ او زوج.
بضعة جنود من الجيش اللبناني اختلطوا بالجمع، اسلحتهم سلبها "الاسرائيليون".
الساعة قاربت السادسة الظلام بدأ يخيم عمليات جمع جثث الشهداء اقتصرت على
الساحة العامة ومداخل البلدة الثلاثة (الغربي والشمالي والشرق) حيث حصلت
المواجهات الاولى.
عند المدخل الشرقي - على طريق الحمراء - بريقع بدأ الاشتباك مع الجيش وهنا
استشهد الجندي محمد المؤذن من بلدة النميرية، وجرح جندي اخر ورقيب اول وآخرون
لم تعرف اسماؤهم.
عند المدخل الشمالي للبلدة، وامام مبنى مخفر الدرك وقعت معركة عنيفة واجه
فيها رجال المقاومة وشبان الزرارية باسلحتهم الصاروخية ورشاشاتهم دبابات
"الميركافا"، هنا استشهد رضا علي مروة وحسان نعمة حلو واخرون من المقاتلين.
اما المعركة عند المدخل الغربي، ويسميه اهالي البلدة البص، فكانت ضارية جدا
وهنا اختلطت جثث الشهداء مع جثث المارة الابرياء الذي كانوا يحاولون النجاة
في سياراتهم من الجحيم حسب تعبير احدى النسوة…
في الاحياء الداخلية للبلدة لم يكن احد باستطاعته معرفة حصيلة المواجهات
الضارية بين الجنود الاحتلال وبين رجال المقاومة… "الوقت ظلام، وثمة متفجرات
واجسام مشبوهة تركها "الاسرائيليون"، يجب الا تدخلوا الى هناك. غدا يتم الكشف
الضروري وبعدها يمكن للصحافة ان تشاهد ما جرى".
بهذه الكلمات منعنا احد الرجال في الزرارية من الدخول الى الاحياء الداخلية
التي شهدت اشرس المواجهات اظهر فيها المقاتلون الوطنيون كل ضروب البطولات.
قالت احدى النساء:"لم اسمع في حياتي قصصا كهذه.. الشباب كانوا بسلاحهم الخفيف
يواجهون الاعداء بالسلاح الذي يعرف العالم نوعيته وفتكه.. كان كل مقاتل
واحيانا اثنين، يشتبكون مع عشرات من الجنود "الاسرائيليين" والياتهم عند كل
زاوية وداخل البلدة، وفي الزواريب الضيقة حيث لا تستطيع الملالات الدخول كانت
معارك السنكة (السلاح الابيض).. قاتل الشباب حتى النهاية.. قاتلوا حتى فرغت
ذخيرتهم واستشهدوا رحمة الله عليهم".
من مجمل الروايات تكتمل صورة المواجهة امامنا.. انها معركة انتحارية، لا مجال
فيها لاحد من المواطنين للتراجع… الخيار واحد من اثنين اما الشهادة او
الاسر.. اكثر الشبان استشهدوا، اما قتلى العدو فسحبتهم معها ورقمهم على ذمة
"اسرائيل".
على احد الجدران كتب جنود الاحتلال "انتقام لكل نقطة دم "اسرائيلية" ". وعلى
جدار البركة في وسط الساحة كتبوا "انتقام لجيش الدفاع "الاسرائيلي".
وافادت المصادر العسكرية ان قيادة الجيش اللبناني في الجنوب ارسلت تعزيزات
عسكرية الى كوثرية السياد وغيرها من خطوط التماس المواجهة لقوات الاحتلال.
وقد انطلقت صباحا قافلة من الآليات والاسلحة الثقيلة من ثكنات الجيش
اللبناني في صيدا والصالحية باتجاه الجنوب.
وافادت المصادر ان "الاسرائيليين" منعوا دخول قافلة للصليب الاحمر الى بلدة
الزرارية لاسعاف الاهالي الذين استشهد مواطن منهم واصيب عدد كبير بجروح.
وفد اللجنة البرلمانية للتعاون الاوروبي - العربي
الزرارية التي ارتكبت "اسرائيل" بحق اهلها مجازر لم تكن اثارها قد جفت حين
زارها وفد اللجنة البرلمانية للتعاون الاوروبي - العربي، وكانت رتل السيارات
المؤلف من 33 سيارة لا يزال جاثما على الطريق الى الزرارية بعد ان سحقت
الدبابات "الاسرائيلية" بمن فيه.
في استقبال الوفد الاوروبي
مراسلة "السياسة" الكويتية تصف استقبال اهل الزرارية فتقول" لدى وصولنا الى
ساحة الزرارية، ترجل الوفد البرلماني والصحافيين واختلطوا بجموع السكان
والاطفال في هذه البلدة حيث استقبلتهم تظاهرة اطفال ضخمة بحضور ما يقارب 350
ولدا تترواح اعمارهم ما بين 7 سنوات والرابعة عشرة، مع ملاحظة وجود قلة من
الكبار ممن بقي في الزرارية، وتجمهروا حول الوفد وشكوا افعال "اسرائيل" بينما
ارتفع صوت مسن هو الحاج موسى زراقط، الذي يبلغ عمره 85 سنة، وكانت الدبابات
"الاسرائيلية" قد دمرت منزله ومنزل ولديه الاثنين، واخذ يشرح عاليا بقوله
"شعب رائع بوسخه، شعب مختار بحضارته الهمجية، هذا الشعب "الاسرائيلي" الماهر
في قتل الابرياء والعزل، ما ذنب الاطفال والشيوخ، ما ذنب الفلاح الذي يعمل
برزقه؟ واكمل بصوت عال: "انا اتأسف على الرأي العام الغربي المتمسك باميركا،
اتأسف على مجل الكذب وليس مجلس الامن، ليأتوا ويروا دعمهم "لاسرائيل"
وافعالها الاجرامية، ليأتوا ويروا الحريم والاطفال عندما تمر الدبابات عليهم
، هل يعرف العالم ان 400 دبابة "اسرائيلية" و 50 الف جندي "اسرائيلي" اقتحموا
بلدة الزرارية التي تعد بضع مئات فقط؟ لقد قصفوا بيوتنا بالمدافع ودمروها،
فهل يعلمون كيف تم تجميع الناس من اطفال ونساء وعجزة في ساحة الزرارية طيلة
الليل وخلال البرد، يعانون الويل كالعبيد، بينما 106 اسرى اخذوهم الى معتقل
النبطية وتركوا وراءهم 60 قتيلا، لماذا؟ لاننا بكل بساطة نرفض ان يحتلوا
ارضنا".
وتابع ابن الخامسة والثمانين، شارحا ما جرى كنموذج لما يحصل فقال انه سأل احد
الجنود "الاسرائيليين" الذي تتمحور معظم اعمارهم في سن المراهقة :" هل لديك
ابا او اما ؟ فرد الجندي المحتل بالنفي، وطلب من العجوز ان يخرس، الا ان هذا
تابع استجوابه للجندي قائلا: " انت من اين اتيت؟ " فاستفسر الجندي المحتل منه
قائلا : لماذا؟ فاجابه العجوز قائلا :" لانك ستموت هنا باذن الله وباذن
مقاومتنا، فما كان من الجندي الارغن سوى اطلاق النار ارهابا فوق رأسه فطلب
منه ابن الـ 85 سنة تصحيح تصويب النار الى القلب، فسأله الجندي :لماذا؟ فقال
له:" لتتعلم درسا في حب الارض والكرامة والا تكون جبانا حين يكون الحق ملكا
لك ولشعبك"..
تفقد اثار المجزرة
وعند سؤال النائب الالماني بيتر كوتهاوس عما سيفعله عند عودته الى بلاده قال
:"سوف نعود الى بلادنا وننقل لزملائنا وشعوبنا والرأي العام لدينا كل
مشاهداتنا وحصيلة الاضرار والخسائر المادية والبشرية والمعنوية وسنصف كل هذا
للصحافيين عندنا لاعطاء صورة واضحة عن مشاهدتنا بام العين على الارض والوقائع
الحاصلة هنا وترك الرأي العام لدينا والزملاء والناس لاستخلاص النتائج
والحلول بانفسهم. (…) كما سنحاول الاتصال بحكومات القوات المتعددة المشاركة
لتعزيز وتقوية هذه القوات خاصة تجاه الوضع المتدهور والاعتداءات والتصرفات
"الاسرائيلية" ضد الشعب والسكان الآمنين والعزل الذي يجب ان تقوم هذه القوات
بحمايتهم تنفيذا لما جاءت من اجله.
وتبقى الزرارية بلدة من بلدات لبنان العربية المظلومة المنتظرة على مقاومتها
انصاف العالم..