صاحب قصتنا رجل كان يحبّ محبوبته حباً بلا حدود بل كان يضحّي بالغالي والنفيس من أجلها بل وصل به الأمر إلى أن أغضب أباه وأمه من أجلها.
كان لا يستطيع العيش بدونها فهي ماؤه وزاده وخيالاته.. ذهب ذات يوم يحدوه الأمل ويدفعه الشوق إلى لقائها وبينما هو يسير إلى مضاربها لاحت له من بعيد جرى نحوها وارتمى بين يديها ثم حملها إلى مكان بعيد وما إن وصلا فردوس الوهم حتى هصر خصرها النحيل بأصابعه وطواها بين يديه كأنها ظبي يخاف عليه من فلتاته همس إليها في رقة المحب وسادية العاشق: سامحيني أيتها الحبيبة الغالية فأنا سأختصر مساحات الحب وأزمنة الشكوى، سامحيني فأنا ساديٌ في حبي حتى النخاع سامحيني لأني رأيت أن القبل وحدها لا تروي نَهَم العشاق، سامحيني فلا خيار لملوك الهوى إلا أن يختفي أحدهم تحت أطباق النسيان كي تشتعل الأجفان وتخضرّ ملحمة الهوى في بستان الأساطير، من أجل ذلك رأيت أيتها الحبيبة الغالية أن أشعل فيك النار وأن أدوس جثتك المتفحمة حتى أظل مدى الحياة أتقلب على هراس الشكوى وأنات الضمير.
دمعت عيناه وعيناها.. أشعل عود الثقاب ثم أحرق ثيابها وهي تمسح دمع عينيه وتقول: أنا لا أخشى الموت وإنما أخشى عليك لعنة الحب، قالت ذلك وهو صامت لم ينبس ببنت شفة.. تنحنح ثم ألقاها أرضاً بعد أن قبّلها وامتص رضابها وظل بجوارها يستنشق الدخان المتطاير من جثتها ظاناً أن ذلك من طقوس الحب وما إن تفحمت جثتها حتى داسها بأقدامه ثم نظر إليها وودعها وخرج من فردوسه متجهاً إلى أهله.
ولكنه رغم ذلك ما زال كلامها يرن في أذنيه، ما زال كلامها يبعثر أوراق حلمه الصفراء وهو يحاول أن يتناسى ما حدث وقد استطاع مع الأيام أن يتناسى ذلك ولكنه ما استطاع أن يوقف ساعة الزمن عن الدوران ففي أحد أيامه السوداء استيقظ في المستشفى وأهله يحيطون به إحاطة القلادة بالعنق كان يبكي لأنه علم أنه مريض بمرض لا يرجى برؤه ولكن ما عسى البكاء أن يفعل لرجل يترنح كالسكران على عتبات النهاية وما إن حانت ساعة التوديع حتى قال لأبيه (لقد قتلتني لعنة الحبيبة)..
قال أبوه بلهفة شديدة: ومن هي هذه الحبيبة؟
أغمض عينيه ثم سكت، ألحّ عليه الأهل والإخوان قال كي تنال هذه الحبيبة المجرمة جزاء ما ارتكبت في حق ابنهم من فظائع.. تأوه وحشرج بكلمات لم يفهموا منها سوى تضجره منهم وهم يلحون عليه وما إن بلغت الروح الحلقوم حتى قال: لعنها الله إنها حبيبتي السجارة.. ثم أسلم الروح إلى بارئها..
حسن الهمامي – نجران
مجلة الأسرة العدد (175) شوال 1428هـ
كان لا يستطيع العيش بدونها فهي ماؤه وزاده وخيالاته.. ذهب ذات يوم يحدوه الأمل ويدفعه الشوق إلى لقائها وبينما هو يسير إلى مضاربها لاحت له من بعيد جرى نحوها وارتمى بين يديها ثم حملها إلى مكان بعيد وما إن وصلا فردوس الوهم حتى هصر خصرها النحيل بأصابعه وطواها بين يديه كأنها ظبي يخاف عليه من فلتاته همس إليها في رقة المحب وسادية العاشق: سامحيني أيتها الحبيبة الغالية فأنا سأختصر مساحات الحب وأزمنة الشكوى، سامحيني فأنا ساديٌ في حبي حتى النخاع سامحيني لأني رأيت أن القبل وحدها لا تروي نَهَم العشاق، سامحيني فلا خيار لملوك الهوى إلا أن يختفي أحدهم تحت أطباق النسيان كي تشتعل الأجفان وتخضرّ ملحمة الهوى في بستان الأساطير، من أجل ذلك رأيت أيتها الحبيبة الغالية أن أشعل فيك النار وأن أدوس جثتك المتفحمة حتى أظل مدى الحياة أتقلب على هراس الشكوى وأنات الضمير.
دمعت عيناه وعيناها.. أشعل عود الثقاب ثم أحرق ثيابها وهي تمسح دمع عينيه وتقول: أنا لا أخشى الموت وإنما أخشى عليك لعنة الحب، قالت ذلك وهو صامت لم ينبس ببنت شفة.. تنحنح ثم ألقاها أرضاً بعد أن قبّلها وامتص رضابها وظل بجوارها يستنشق الدخان المتطاير من جثتها ظاناً أن ذلك من طقوس الحب وما إن تفحمت جثتها حتى داسها بأقدامه ثم نظر إليها وودعها وخرج من فردوسه متجهاً إلى أهله.
ولكنه رغم ذلك ما زال كلامها يرن في أذنيه، ما زال كلامها يبعثر أوراق حلمه الصفراء وهو يحاول أن يتناسى ما حدث وقد استطاع مع الأيام أن يتناسى ذلك ولكنه ما استطاع أن يوقف ساعة الزمن عن الدوران ففي أحد أيامه السوداء استيقظ في المستشفى وأهله يحيطون به إحاطة القلادة بالعنق كان يبكي لأنه علم أنه مريض بمرض لا يرجى برؤه ولكن ما عسى البكاء أن يفعل لرجل يترنح كالسكران على عتبات النهاية وما إن حانت ساعة التوديع حتى قال لأبيه (لقد قتلتني لعنة الحبيبة)..
قال أبوه بلهفة شديدة: ومن هي هذه الحبيبة؟
أغمض عينيه ثم سكت، ألحّ عليه الأهل والإخوان قال كي تنال هذه الحبيبة المجرمة جزاء ما ارتكبت في حق ابنهم من فظائع.. تأوه وحشرج بكلمات لم يفهموا منها سوى تضجره منهم وهم يلحون عليه وما إن بلغت الروح الحلقوم حتى قال: لعنها الله إنها حبيبتي السجارة.. ثم أسلم الروح إلى بارئها..
حسن الهمامي – نجران
مجلة الأسرة العدد (175) شوال 1428هـ
المصدر::صيد الفوائد